بعد خسارة شريان النفط.. هل بات الجيش السوداني مجبرا على التفاوض؟
تاريخ النشر: 8th, December 2025 GMT
أعاد سقوط مدينة هجليج النفطية في غرب كردفان إلى واجهة المشهد سؤالا ملحا عن مستقبل الحرب في السودان، بعد أن فقدت الخرطوم أحد أهم مواقعها الاقتصادية، وبرزت مخاوف من تغير موازين القوة بما قد يفرض مسارا سياسيا جديدا على أطراف الصراع.
وتمثل هجليج المتاخمة لدولة جنوب السودان نقطة ارتكاز اقتصادية للجيش، إذ اعتمدت الدولة على عائداتها في تمويل العمليات العسكرية وتغطية النفقات الأساسية، ومع انتقالها إلى قوات الدعم السريع وتعليق الشركات الأجنبية نشاطها، يتخذ الضغط المالي على الخرطوم بُعدا أكثر حدة يؤثر مباشرة في قدرة الجيش السوداني على إدارة الحرب.
ويرى الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، أن توقف الضخ لا يحرم الخرطوم من عائداتها فقط، بل يضرب البنية الاقتصادية للدولة في لحظة تحتاج فيها الحكومة إلى موارد مضاعفة لتثبيت خطوط الإمداد.
ويعتبر، في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر"، أن خسارة هجليج تنقل الجيش من وضعية القتال إلى وضعية الدفاع عن بقايا موارده الأساسية.
أما على المستوى السياسي، فيمنح سقوط الحقول الدعم السريع نفوذا إضافيا، حيث يعتقد الكاتب والمحلل السياسي محمد تورشين أن السيطرة على هجليج -مثلما حدث سابقا مع مصفاة الجيلي شمال الخرطوم- ستشكل ورقة ضغط لإرباك الحكومة وإفقادها أدوات التمسك بالميدان.
ويصف تورشين هذا التحول بأنه "ضربة مركّبة" تجمع بين استنزاف الجيش اقتصاديا وتوسيع مساحة مناورة الدعم السريع سياسيا.
وتتعاظم أهمية هذا التطور لأن السيطرة على هجليج ليست حدثا معزولا، بل تأتي ضمن سلسلة تقدمات في غرب كردفان.
محاور ضغط متزامنةووفق تورشين، يتحرك الدعم السريع ضمن تصور يهدف إلى خلق محاور ضغط متزامنة على الأُبيّض والدلنج وكادقلي بكردفان، بحيث يجد الجيش نفسه أمام جبهات متوازية تستنزف قدراته في وقت واحد، مع ما يرافق ذلك من اهتزاز معنوي داخل المؤسسة العسكرية.
إعلانهذه التطورات الميدانية ترفع درجة القلق الأميركي، فالدكتور كاميرون هدسون، مستشار المبعوث الأميركي السابق للسودان، يرى أن سيطرة الدعم السريع على مواقع اقتصادية كبرى تدفع واشنطن إلى إعادة النظر في مقاربتها، لأن ميزان القوة يتغير بوتيرة أسرع مما تسمح به التحركات الدبلوماسية.
ويشير إلى أن تقدم الدعم السريع نحو مناطق مأهولة وثقلية مثل الأُبيّض أو أطراف العاصمة الخرطوم، يعني اقتراب الحرب من "منطقة اللاحسم" التي تخشاها الولايات المتحدة.
ويضيف هدسون أن واشنطن تخشى سيناريو يصبح فيه الدعم السريع القوة المهيمنة فعليا على معظم غرب وجنوب السودان، ما يحدّ من فرص فرض تسوية متوازنة، ويعتبر أن هذا المسار يجعل الولايات المتحدة مضطرة للتدخل السياسي بوتيرة أعلى، حتى وإن كانت رؤيتها للحل لا تزال غير مكتملة.
لكن هذا التدخل نفسه يعاني ارتباكا، كما يوضح هدسون، إذ تتباين مواقف البيت الأبيض ووزارة الخارجية والمبعوث الخاص، في مشهد يعكس غياب إستراتيجية موحدة.
ويرى مستشار المبعوث الأميركي السابق للسودان أن الإدارة الأميركية تتصرف وفق منطق "منع الأسوأ" أكثر من سعيها لتحقيق نتائج فعلية، وهو ما يجعل أي مبادرة أميركية عرضة للتراجع أمام سرعة التطورات على الأرض.
على الجانب السوداني، تتعمّق الأزمة مع غياب أدوات بديلة تعوّض خسارة العوائد النفطية، وفي هذا يرى لقاء مكي أن انهيار الإيرادات يضع الجيش أمام اختبار قاسٍ، لأن الحرب لا يمكن إدارتها بلا موارد ثابتة، بينما تزداد كلفة العمليات كلما توسعت رقعة سيطرة الدعم السريع.
ويؤكد أن هذا الخنق المالي يختصر زمن الحرب مهما حاول الجيش تأجيل لحظة التفاوض.
موقف أضعف إقليمياويشير محللون دوليون إلى أن السيطرة على هجليج تقوّض أيضا قدرة الخرطوم على إدارة علاقاتها الإقليمية، خاصة مع دولة جنوب السودان، التي تعتمد على خطوط الأنابيب العابرة لهجليج، فغياب تدفق النفط يخلق توترا جديدا مع جوبا، ويضع الحكومة السودانية في موقف أضعف أمام أي مفاوضات إقليمية مقبلة.
ويؤكد تورشين أن قدرة الجيش على استعادة زمام المبادرة باتت محدودة، لأن الدعم السريع استثمر التفوق في المسيّرات والتقنيات الحديثة لتعطيل السلاح الجوي السوداني وإرباك منظومة الدفاع.
ويرى أن الجيش يواجه اليوم حربا تُدار بأدوات لا يمتلكها، ما يضعه في موقع المتلقي أكثر من موقع الفاعل.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبدو فرضية أن يضطر الجيش إلى التفاوض أقرب إلى الواقع، فمعادلة "القتال حتى الحسم" تفقد وجاهتها مع تراجع الموارد، واتساع رقعة السيطرة المضادة، وثبات المجتمع الدولي على مقاربة تسعى لإدارة الأزمة لا حسمها.
ويشير مكي إلى أن الخرطوم، رغم رفضها المتكرر لأي صيغة تضم الدعم السريع، تُدفع تدريجيا نحو الاعتراف بأن استبعاد خصم يسيطر على نصف البلاد ليس خيارا قابلا للتطبيق.
ورغم ذلك، تبقى التسوية بعيدة عن الصياغة النهائية، فالقوى الإقليمية والدولية لم تتفق بعد على شكل النظام السياسي المقبل، والدعم السريع نفسه لا يمتلك أدوات حكم مستقرة، والجيش يرفض منح خصمه شرعية سياسية.
إعلانلكن المؤكد أن سقوط هجليج أزاح ورقة اقتصادية كبرى كانت الخرطوم تعوّل عليها، وأدخل الحرب في مرحلة جديدة تُكتب قواعدها تحت ضغط الوقائع لا تحت سقف البيانات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات حريات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
79 ضحية بالسودان.. الخرطوم تدين هجوم الدعم السريع على كلوقي جنوب كردفان
أدانت وزارة الخارجية السودانية الهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع على منطقة كلوقي بولاية جنوب كردفان، والذي أسفر عن مقتل 79 شخصًا، مطالبة بمحاسبة المسؤولين عن هذا العمل العنيف.
الدعم السريع يشن هجومًا.. 79 ضحية وإدانة رسمية
وفي تقرير عرضته فضائية “العربية”، يأتي هذا الهجوم وسط استنكار محلي ودولي، فيما طالب المتضرّرون بحماية المدنيين وضمان الأمن في المناطق المتأزمة.
وقالت الخارجية السودانية في بيان رسمي إن هذا الهجوم "يدين بأشد العبارات" ويعد "انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان"، محمّلة القيادة العسكرية المسؤولية الكاملة عن تبعات هذا التصعيد.
وأضاف البيان أن الخرطوم ستتخذ الخطوات الدبلوماسية اللازمة وتطالب المجتمع الدولي بالتدخل من أجل حماية المدنيين.
أول تعليق لـ الدعم السريع على حادث معبر أدري الحدودي بين السودان وتشاد
أصدرت ميليشيا الدعم السريع في السودان، بيانًا الجمعة، تزعم فيه إدانتها لما وصفته بـ «الهجوم» على معبر أدري الحدودي مع تشاد، معتبرة أن هذه الخطوة تشكل «تهديدًا مباشرًا» لقدرة المنظمات الإنسانية والجهات الإغاثية على إيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة، في وقت تواجه فيه البلاد أزمة إنسانية حادة.
وأكدت قوات الدعم السريع أن المعبر خاضع لسيطرتها منذ بداية الحرب، وأنها ملتزمة بتسهيل مرور المساعدات الإنسانية عبره، معتبرة أن أي محاولة لاستهدافه أو تعطيل عمله «تضرّ بالمواطنين المدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية في مناطق النزاع».
أهمية معبر "أدري"معبر أدري يُعد أحد الممرات الحيوية لوصول المساعدات الإنسانية إلى إقليم غرب دارفور والمناطق المجاورة، ويُستخدم بشكل دوري من قبل وكالات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة لنقل الغذاء والدواء والإمدادات الأساسية إلى المدنيين النازحين والمتضررين.
وكانت الحكومة السودانية مدّدت فتح المعبر حتى نهاية العام 2025 من أجل تسهيل مرور قوافل المساعدات عبره.
لكنّ هذا الدور الإغاثي بات معرضًا للخطر نتيجة «استهداف» المعبر، على حد قول الدعم السريع، وهو ما قد يمنع المنظمات من أداء مهامها في توفير الغذاء والدواء والحماية للمدنيين — خاصة في ظل النزوح الجماعي وتدهور الأوضاع في دارفور.
تشير تقديرات عديدة إلى أنّ الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 2023 أدّت إلى نزوح ملايين الأشخاص داخل السودان وإلى دول الجوار، مع تدهور حاد في الأمن الغذائي وانتشار الفقر والجوع.
ومع تعطّل استخدام معبر مثل أدري — الذي كان شريانًا حيويًا لتدفق المساعدات — تتفاقم احتمالات انهيار الأوضاع الإنسانية في ظل انعدام الإمدادات الأساسية، ما قد يقود إلى كارثة إنسانية واسعة.
تبعات عرقلة عمل الإغاثةمنظمات دولية كانت قد دعت مرارًا إلى إبقاء معابر مثل أدري مفتوحة، وحذرت من مغبة حرمان النازحين والمجتمعات الهشة من الغذاء والدواء.
وبحسب الدعم السريع، فإن أي «استهداف» للمعبر يُعد «خيانة لروح العمل الإنساني» ويُحمّل المسؤولية الكاملة للجهة المنفذة، محذّرة من أن تعطيل المعبر سيُفاقم معاناة المدنيين ويضعف من فرصهم في النجاة من النزاع.
يأتي هذا التحذير من قوات الدعم السريع في خضم تصاعد الأزمة الإنسانية في مناطق النزاع داخل السودان، حيث تعتمد آلاف العائلات النازحة على قوافل الإغاثة العابرة لمعبر أدري لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات. إن تعطيل هذا المعبر — أو تفكيك أدواره الإنسانية — يضع آلاف المدنيين في دائرة الخطر، ويعمّق من مأساة النزوح والجوع، ويجعل من مهام المنظمات الإنسانية أكثر صعوبة وربما استحالة في بعض المناطق.