أزمة المعتقلين في مصر.. هل تشهد انفراجة مفاجئة؟!
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
أصبحنا مع المعتقلين وأسرهم وأصدقائهم نتعلق بأهداب أي خبر أو معلومة يمكن تفسيرها في إطار إنهاء هذه الأزمة التي تؤرق ضمير كل حر، رغم إدراكنا العميق لعقلية النظام المصري، وكيف يفكر ويتحرك من خلال خبرة تزيد عن السنوات العشر، عايشنا فيها الكثير من الأوهام والوعود الزائفة، إلا أننا نحاول أن نبحث عن خرم إبرة لأمل قد يكون ساكنا في ثنايا قرار، أو سياسة تتعلق تحديدا بالمعتقلين.
خلال الأيام الماضية رفعت أمانة الحوار الوطني للسيسي عدة توصيات حول الحبس الاحتياطي، والعدالة الجنائية تتضمن تخفيضا في مدد الحبس، وجبر الضرر لمن يتعرضون للحبس الخاطئ، وتطبيق بدائل أخرى للحبس الاحتياطي، ووجه السيسي حكومته إلى سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذه التوصيات، وهو ما نشر أجواء من التفاؤل، وأحيا آمال أسر المعتقلين بـ"حلحلة" قريبة لأزمتهم.
تكتظ السجون ومراكز الاحتجاز المصرية بما يزيد عن 60 ألف معتقل، وفقا لبيانات المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية، نسبة كبيرة منهم يقضون فترات حبس احتياطي تجاوزت الحدود القصوى التي يحددها القانون بعامين على الأكثر، بل تجاوز الكثيرون أضعاف هذه المدة وصولا إلى عشر سنوات.. الحكومة المصرية التي تنفي صحة هذه الأرقام ترفض في المقابل إعلان حصر رسمي بأعداد المعتقلين السياسيين لديها، وتعتبره أحد أسرار الأمن القومي، وفي الوقت الذي تظهر فيه صرخات المعتقلين مما يتعرضون له من تعذيب ومعاملة غير آدمية عبر رسائل مسربة فإن السلطات تحرص من جانبها على تسويق صورة وردية للسجون والمعتقلات، وكأنها فنادق 5 نجوم، وترفض في الوقت نفسه السماح لبعثات حقوقية محلية أو دولية مستقلة لزيارة السجون وأماكن الاحتجاز ومقابلة السجناء بحرية.
في الوقت الذي تظهر فيه صرخات المعتقلين مما يتعرضون له من تعذيب ومعاملة غير آدمية عبر رسائل مسربة فإن السلطات تحرص من جانبها على تسويق صورة وردية للسجون والمعتقلات، وكأنها فنادق 5 نجوم، وترفض في الوقت نفسه السماح لبعثات حقوقية محلية أو دولية مستقلة لزيارة السجون وأماكن الاحتجاز ومقابلة السجناء بحرية
على الرغم من الإفراجات التي تمت خلال الشهور الماضية بقرارات سياسية أو قضائية، إلا أن المنظمات الحقوقية كشفت عن تزايد وتيرة الاعتقالات السياسية في النصف الأول من 2024 مقارنة بالسنوات السابقة، حيث بلغت 1205 أشخاص بينهم 44 امرأة، كما رصدت تدوير مئات المعتقلين الذين أنهوا فترات الحبس الاحتياطي على قضايا جديدة.
لم تتوقف الضغوط المحلية والدولية المطالبة للحكومة المصرية بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، بل انتقلت الضغوط إلى الدول الداعمة للنظام المصري مطالبة إياها بوقف هذا الدعم الذي يشجعه على الاستمرار في انتهاك حقوق الإنسان، كما طالبتها بربط المنح والمعونات وحتى القروض التي تقدمها باحترام حقوق الإنسان.
في كانون الثاني/ يناير المقبل تنطلق الدورة الرابعة للاستعراض الدوري للملف الحقوقي المصري في الأمم المتحدة، حيث كانت آخر مراجعة دورية شاملة للملف المصري في العام 2019، وتلقت فيها الحكومة المصرية 375 توصية أممية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وقد تعهدت بتنفيذ 272 توصية، وفي كل عام تقدم كشف حساب لما نفذته من تعهداتها. والحقيقة أنها لم تستطع حتى الآن تنفيذ التعهدات الرئيسية الخاصة بالانتهاكات الكبرى، ولذا فهي تسابق الزمن لإنجاز بعض التحسينات سريعا لتقديمها في مراجعة كانون الثاني/ يناير المقبل، ومن ذلك ما يتعلق بملف الحبس الاحتياطي، كما أنها ستقدم بعض ما تعتبره تحسينات وإنجازات أخرى مثل الحوار الوطني، وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، واعتماد الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وهي مبادرات شكلية لم تحقق تحسنا يذكر في الملف الحقوقي، ولا تنطلي على المجتمع الدولي الذي يعرف جيدا ما يحدث في مصر من قمع وتكميم أفواه، وانتهاكات ممنهجة، وتصاعد الحبس والاعتقال للنشطاء السياسيين والصحفيين من مختلف التيارات كما حدث مؤخرا، بل وحبس المنافسين في الانتخابات الرئاسية، واستمرار التعذيب والاختفاء القسري، وصدور أحكام الإعدام بحق معارضين سياسيين، ومنع التظاهر والتعبير السلمي.. الخ.
هل تلحق إذن مبادرة تخفيف قيود الحبس الاحتياطي بسابقاتها من المبادرات الشكلية التي تستهدف فقط "تسديد خانات" في الأمم المتحدة، خلال جلسات المراجعة الدورية في كانون الثاني/ يناير المقبل؟
منطق الأمور والخبرات السابقة تقود إلى الإجابة بـ"نعم"، لكن أحلام اليقظة تدفع نحو التصديق، أو بالأدق تفسح المجال لقدر من التفاؤل، استنادا إلى أن السيسي تصدى بنفسه للإعلان عن هذه المبادرة، ووجه حكومته للمسارعة بوضعها موضع التنفيذ، وهناك متسع من الوقت قبل كانون الثاني/ يناير المقبل لتثبت السلطة جديّتها وصدقها في تنفيذ هذه المبادرة، وإلا فإنها ستواجه موقفا صعبا جديدا في الأمم المتحدة، وقد يتسبب نكوصها في وقف بعض المعونات والقروض التي هي في مسيس الحاجة إليها..
إذا كانت السلطة قادرة على تسويق روايتها وسياساتها عبر إعلامها في الداخل فإن الأمر لن يكون بهذه السهولة في الخارج، وأمام المجتمع الدولي الذي ينتظر إجراءات عملية ملموسة، وليس فقط محض قوانين نظرية، أو وعود شكلية، وإثبات الجدية والمصداقية لا ينتظر صدور القانون الجديد، بل يمكن من خلال تطبيق القانون "الظالم" الحالي
الخطوة المفترضة الآن هي صدور تعديل تشريعي من البرلمان يتضمن التحسينات التي تم التوافق عليها فيما يخص الحبس الاحتياطي، سواء من حيث تخفيف مدته، أو من حيث تعويض من حُبسوا بطريق الخطأ، أو اللجوء إلى تدابير احترازية بديلة للحبس الاحتياطي مثل الأسورة الالكترونية التي تلزم صاحبها بعدم مغادرة نطاق جغرافي محدد، أو حتى الإقامة الجبرية في البيت، أو تأدية فترات معينة من الخدمة العامة.
وبمجرد صدور القانون ولائحته التنفيذية ينبغي تطبيقه على الفور، وهذا يعني -إذا صدقت النوايا- إخلاء سبيل الآلاف فورا ممن قضوا الحد الأقصى للحبس الاحتياطي دون أن يتم تقديمهم للمحاكمة، لكن لنكن متواضعين في توقعاتنا انطلاقا من تجاربنا المريرة، فلو أن النيابات المختصة بدأت بالإفراج عمن قضوا فترة الحبس الاحتياطي حين عرضهم عليها فإننا سنسمع كل يوم عن إفراجات جديدة، وهذا يعني أن قطار تصفية الأزمة قد تحرك فعلا.. الخوف الآن هو أن تعمد السلطة إلى لعبة استهلاك الوقت في مناقشة القانون لعرقلة صدوره ومن ثم تطبيقه سريعا، فكل ما يهمها ربما هو فقط إبلاغ الأمم المتحدة في كانون الثاني/ يناير المقبل بصدور قانون جديد للحبس الاحتياطي؛ يستجيب لبعض توصيات المنظمة الدولية.
إذا كانت السلطة قادرة على تسويق روايتها وسياساتها عبر إعلامها في الداخل فإن الأمر لن يكون بهذه السهولة في الخارج، وأمام المجتمع الدولي الذي ينتظر إجراءات عملية ملموسة، وليس فقط محض قوانين نظرية، أو وعود شكلية، وإثبات الجدية والمصداقية لا ينتظر صدور القانون الجديد، بل يمكن من خلال تطبيق القانون "الظالم" الحالي الذي يحدد سقفا أقصى للحبس الاحتياطي بعامين فقط، فتطبيق القانون الحالي يعني مباشرة خروج آلاف المعتقلين الذين تجاوزوا هذه المدة وأضعافها، كما أن إثبات الجدية يقتضي التوقف عن حبس المزيد من النشطاء والمدونين والمعارضين كبديل لمن يتم الإفراج عنهم.. سنرى هل نحن أمام وهم جديد، أم سياسة جديدة!
x.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المعتقلين المصري توصيات الحبس الاحتياطي السجون حقوق الإنسان مصر حقوق الإنسان سجون معتقلين الحبس الاحتياطي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة للحبس الاحتیاطی الحبس الاحتیاطی الأمم المتحدة کانون الثانی ینایر المقبل على تسویق فی الوقت
إقرأ أيضاً:
ما الذي دفع ترامب لتغيير موقفه من المجاعة في غزة خلال 48 ساعة؟
أثار التحول المفاجئ في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من إنكار وجود مجاعة في قطاع غزة إلى اعتبارها فظيعة، جدلا واسعا حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التغيير الجذري في الخطاب الأميركي.
وعبر ترامب عن صدمته من الأوضاع التي يعيشها الأطفال وأمهاتهم في غزة، مؤكدا أن رؤيتهم وهم يتضورون جوعا أمر فظيع، في تصريح لافت ومناقض لتصريحاته السابقة عن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة.
وقال ترامب في تصريحات على الطائرة خلال رحلة عودته من إسكتلندا، إن الجميع يعتقد أن الوضع في غزة فظيع، إلا من كان قاسي القلب أو مجنونا.
وطرح هذا التبدل الذي حدث خلال يومين فقط، تساؤلات عميقة حول طبيعة السياسة الأميركية تجاه الأزمة الإنسانية المستمرة في القطاع منذ أشهر.
وفي محاولة لتفسير هذا التحول، قدم المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري الأميركي أدولفو فرانكو تفسيرا يركز على الجانب الإنساني لشخصية ترامب، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي رغم صورته القاسية، يملك قلبا لينا عندما يتعلق الأمر بمعاناة الناس.
وأكد أن ترامب تلقى مجموعة من التقارير والبيانات التي تشهد على الوضع الصعب في المنطقة، مما دفعه لتغيير موقفه.
وتابع المحلل الأميركي تفسيره بالتركيز على البعد الإستراتيجي للموقف، حيث يرى أن التعاطف العالمي تحول تدريجيا من قضية الأسرى إلى مسألة توزيع المساعدات والمجاعة.
وحذر فرانكو من أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تعمل على استغلال الوضع الإنساني لصالحها في المنطقة، وأن هناك عاطفة كبيرة في أوروبا وأميركا تجاه هذه القضية، مؤكدا أن الطريق الوحيد لحل هذه المعضلة هو إدخال المساعدات إلى غزة تحت مراقبة دولية صارمة.
هروب من فضيحة
وفي المقابل، رفض الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي هذا التفسير، مشددا على أن المسألة لا علاقة لها برقة القلب بل كانت هروبا من الفضيحة التي تعصف بإسرائيل والولايات المتحدة.
إعلانوأكد البرغوثي أن أميركا لا تستطيع الآن التهرب من الاتهام بالمشاركة في جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعقوبات الجماعية، بما في ذلك تجويع الشعب الفلسطيني.
ولدعم موقفه، قدم البرغوثي تحليلا مفصلا لآليات القتل المتعددة في غزة، موضحا أن القتل يجري بوسائل عديدة تبدأ بالقصف المتواصل الذي يسفر يوميا عن 130 إلى 150 شهيدا جديدا و300 إلى 400 جريح، مشيرا إلى أن معظم الأسلحة المستخدمة تأتي من الولايات المتحدة.
وأضاف أن القتل يتم أيضا بالتجويع والأمراض عندما تمنع إسرائيل عن غزة المياه والكهرباء ومصادر الطاقة، وبالأوبئة من خلال منع إيصال مطاعيم الأطفال منذ 150 يوما.
وتؤكد البيانات الرسمية حجم الكارثة الإنسانية التي يصفها البرغوثي، حيث قال برنامج الأغذية العالمي إن الأرقام تؤكد أن غزة تواجه خطرا بسبب أزمة الجوع، وأن الوقت ينفد لإطلاق استجابة إنسانية شاملة.
وأضاف البرنامج في بيان له، أن واحدا من كل 3 أشخاص في غزة يقضي أياما دون طعام، و75% يواجهون مستويات طارئة من الجوع، مشيرا إلى أن نحو 25% من سكان القطاع يعانون ظروفا شبيهة بالمجاعة.
وانطلاقا من هذا الواقع، اتفق الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى مع التقييم القائل بأن إسرائيل تواجه أزمة في إدارة الموقف، لكنه ركز على الجانب الإستراتيجي للفشل الإسرائيلي.
وأوضح مصطفى أن إسرائيل اعتقدت أنها تستطيع أن تجوع السكان في قطاع غزة كأداة سياسية للضغط على حماس وتركيع الشعب الفلسطيني، معتبرا أن ما يحدث هو أكبر عملية تجويع ممنهجة ومنظمة في التاريخ الحديث.
تورط إسرائيل
ولفت مصطفى إلى كيف تورطت إسرائيل في هذه السياسة معتقدة أن العالم سوف يصمت وأن الدعم الأميركي يجيز لها التجويع بهذه الطريقة المنهجية.
وأشار إلى أن إسرائيل تعيش الآن في وهم، معتبرة أن كل مشكلتها مع غزة هي مشكلة دعائية وليست جوهرية، مما يعكس انحدارا أخلاقيا عميقا في التفكير الإسرائيلي.
وفيما يتعلق بملف المفاوضات المتعثرة، أكد البرغوثي أن المفاوضات متوقفة أصلا وأن الذي أوقفها هو الجانب الأميركي قبل إسرائيل.
وانتقد ما وصفه بالبيان المضلل وغير الصحيح الذي أصدره المسؤولون الأميركيون حول مسؤولية حماس عن تعطيل المفاوضات، مؤكدا أن الجانب الأميركي هو الذي أعلن انسحاب وفده وخرب عملية التفاوض.
ورفض البرغوثي الادعاءات حول استغلال حماس للمساعدات، مستشهدا بتصريحات رئيسة وكالة الغذاء العالمي التابعة للأمم المتحدة السيدة سيندي ماكين التي تدحض هذه الاتهامات.
وأوضح أن إلقاء المساعدات من الجو لا يحل أي مشكلة، بل يعقدها، مشيرا إلى أن آخر عملية إسقاط للمساعدات من الجو أدت إلى مقتل فلسطينيين عندما سقطت المساعدات على رؤوسهم.
من جهته، قدم البرغوثي اقتراحين عمليين لإنهاء الأزمة، وجههما للرئيس الأميركي مباشرة.
الاقتراح الأول هو إبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، بوقف جميع الأسلحة عن إسرائيل وعدم استخدام بطاريات الدفاع الأميركية لمساعدة إسرائيل في الدفاع الجوي.
إعلانوالاقتراح الثاني هو دعوة مجلس الأمن للاجتماع ودعم قرار بوقف الحرب على غزة دون استخدام الفيتو الأميركي، مؤكدا أن تنفيذ هذين الإجراءين سيدفع نتنياهو لوقف الحرب فورا.