كل الصفات التي يشار بها إلى الذئب تذهب إلى إضفاء الكثير من صفات الشجاعة، والنخوة، والإقدام، والمبادرة ـ وأنا أتحدث هنا عن مرحلة متقدمة من عمر المجتمع ويبدو أن الفكرة حاليًا لا تزال تلقى القبول ـ فعندما يشار إلى فلان من الناس على أنه كان مبادرًا يقال: والله إن «فلان ذئب» وعندما يراد لعمل أن يتم على الوجه السرعة، فهناك فلان يمكنه ذلك لأنه التصقت به صفة «فلان ذئب».
فهذه المقاربات غير الواعية بين تصرفات الإنسان وأحكامه، وإلصاقها بحيوانات بعينها، تحتاج إلى كثير من المراجعة، ولا تقبل ولا تلقى بعواهنها هكذا دون تمحيص، وبالتالي فعندما يكون الحديث عن الظلم، فلا أتصور إطلاقًا أن الظلم حالة بشرية متبادلة بين البشر أنفسهم، سواء بالكلمة أو بالفعل، وإنما وفق تقييم خاص أن الظلم يشمل جميع الكائنات التي خلقها الله تعالى في هذا الكون، وبما أن الإنسان يتحدث عن العدالة، والمساواة، والإنصاف، في القول والفعل، فإن هذا المستوى من الترقي يحمله مسؤوليات أكبر في تعامله مع غيره من الكائنات الحية، وإن كانت هناك من الحيوانات سخرت لخدمة الإنسان، فذلك ليس معناه، أن يعمم الإنسان بذرة الشر، أو يؤصل صورًا نمطية على جميع الكائنات، وإن حدث ذلك فلا أتصور أن ذلك لن يدخله في دائرة المساءلة والعقاب. وإن كانت الفكرة هنا لا تتحدث عن هذا الجانب الضيق من المسألة العامة لها «الثواب والعقاب» ولكن تذهب إلى الأكثر من ذلك، وهو عدم إعطاء الشرعية في إلصاق الصفات التي تتميز بها الحيوانات القائم نشاطها على الغرائز بالإنسان الذي وهبه الله العقل المدبر، وخاطبه ربه في كثير من الآيات، وكلفه بحضور العقل الموكول إليه إحداث فارق نوعي في تمييز الخطأ والصواب، والصالح والطالح.
ونعود إلى الذئب كشخصية محورية في هذه المناقشة، وما سجله التاريخ في حقه أو ضده، فمرة يظهر على أنه مغلوب على أمره، ومرة يظهر على أنه قاتل منتصر لغريزته، ولعل حادثة العجوز التي تعيش في الصحراء وآوت جرو ذئب فاعتنت به وأطعمته حتى تحركت فيه الغريزة الطبيعية للحيوان المتفترس، فإذا به يفترس شياهها، واحدة تلو الآخر، وأنشدت في نكرانه للجميل قولًا، ما يعيد للأذهان شيئًا من المراجعة في مجموعة من المقاربات التي يقيمها البشر بين الحيوانات وصفاتها الحقيقية، وتأثير ذلك على الواقع. تقول المرأة التي اغتال الذئب شياهها:
«بقرت شويهتي وفجعت قومي
وأنت لشاتنا ابن ربيب
غذيت بدرها ونشأت معها
فمن أنباك أن أباك ذيب»
وتختم أنشودتها بهذه الحكمة البالغة الرائعة:
«إذا كان الطباع طباع سوء
فلا أدب يفيد ولا أديب»
والقصة موجودة في كثير من المواقع لمن يريد أن يستزيد بكثير من التفاصيل، والعبرة كما أراها هي في البيت الأخير، فالمسألة عند هذا المعنى أن لا عبرة في الانتماء، سواء أكان انتماء إلى الإنسانية، أو إلى الحيوانية، فالمسألة مرتبطة كثيرا بالطباع التي يكون عليها هذا الكائن، ومهما حاول الإنسان وهو الذي بيده العصمة في ترويض بني جنسه، أو في ترويض الكائنات الأخرى من حوله، فإن الطبيعية الفطرية هي التي تمهر على خاتمة السلوك، ولكم رأينا رأي العين كيف تلتهم الأسود مربيها ومدربيها أمام الجمهور في برامج «السيرك» العالمية، فلم تنفع كل سنوات الترويض والجهود المضنية التي بذلت لإخراج هذا الكائن من حالته الطبيعية القائمة على الافتراس، والهجوم والتوحش، إلى حالة الانكسار والامتثال والخضوع. وعندما أنشبت الغريزة أظفارها، ضرب بكل ما تم لإيقاف هذه اللحظة الحاسمة عرض الحائط، وبعد أن أكمل الأب أو الأم تربية أحد أبنائهما، فإذا هو يقف الند بالند أمام منصة المحكمة، يحاكم أحدهما على شيء من متع الحياة، وإذا بالطالب «الصعلوك» الذي للتو يبدأ في فك حروف الكلمات، يتعالى صوته مهددا متوعدا معلمه أمام زملائه، وإذا بهذا الموظف الأمين المخلص الذي اغتاله الزمن وهو يجهد بين الأوراق أو أجهزة الحاسب الآلي يرى قائمة المكرمين والمجيدين فقط؛ لأن في المؤسسة ذئبا بشريا، يقتحم حواجز النظم الإدارية لغايات في نفسه، منها المؤسسة والوطن براء كبراءة الذئب من دم يوسف (فأكله الذئب) حيث انتقلت غريزة الاشتهاء من الذئب الحقيقي «الحيوان» إلى الذئب البديل «الإنسان» في لحظة زمنية فارقة بين الخير والشر، وهي ذات اللحظة الزمنية التي ترمى فيها القنابل والأسلحة المسمومة من فوق آلاف الأمتار على شعوب مغلوبة على أمرها، لا تملك من معززات الدفاع عن نفسها ضد صنوها، فالقاتل إنسان متوحش في جلد ذئب، والمقتول إنسان ضعيف في جلد عنزة ترتعد فرائصها حيث يقبل الجزار لجز عنقها، ومع ذلك تلقى هذه الذئاب المتوحشة في حالتيها الحيوانية والبشرية التقدير والعون والدعم.
«كان لوبو ذئبًا رماديًا من أمريكا الشمالية، وعاش في وادي كورومبا (كورومبا كريك في نيو مكسيكو. وخلال تسعينيات القرن التاسع عشر، اضطر لوبو وقطيعه، بعدما حُرموا من فرائسهم الطبيعية مثل البيسون، والأيائل، والقرن المشقوق من قبل المستوطنين، إلى الاعتداء على ماشية المستوطنين للبقاء على قيد الحياة. وحاول مربو الماشية (في مزرعة كروس إل) قتل لوبو وقطيعه عن طريق تسميم جثث الحيوانات، ولكن الذئاب أزالت الأجزاء المسمومة وألقتها جانبًا، وأكلت الباقي (...) وكان إرنست طومسون سيتون يَشْعُرُ بإغْراءٍ قويّ لهذا التحدي، والمكافأة التي كان قدرها 1000 دولار لرأس لوبو، قائد القطيع (...) وعندما امتدت الجهود التي كان من المفترض في البداية أن تستغرق أسبوعين، ثم أصبحت عقب هذه الأحداث أربعة أشهر من المحاولات الفاشلة للقبض على لوبو، أدرك سيتون التعب والإحباط (القصة منقولة بتصرف)، فكم من «لوبو» يعيش بين ظهرانينا متوشح باللباس الإنساني؟.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ما الذي يميّز أسبوع الموضة الرجالي في باريس هذا العام؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- مع اختتام عروض أزياء الرجال في مدينة ميلانو الإيطالية، تحول التركيز إلى العاصمة الفرنسية باريس حيث تسعى بعض من أكبر العلامات التجارية العالمية خلال الأيّام الخمسة من عروض الأزياء والعروض التقديمية إلى تحديد قواعد اللباس المستقبلية للرجال.
في عطلة نهاية الأسبوع، زاد المصمم جوناثان أندرسون الحماس لعرضه الأول مع "ديور" من خلال نشر قصص على موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام" عبر خاصية "الأصدقاء المقربين".
شارك أندرسون صورًا قديمة لفنان الثمانينيات جان ميشيل باسكيات، وشقيقة جاكي كينيدي لي رادزيويل، كان قد التقطها الفنان آندي وارهول.
حملت الصور شعار "ديور" القديم من عام 1948، ما يشير إلى الأسلوب الذي سيعتمده أندرسون، كما نشر صورة لحقيبة يد صفراء اللون تشبه الطبعة الأولى من رواية "دراكولا" من عام 1897، مما زاد من تخمينات المعجبين حول اتجاه تصميمه.
في هذه الأثناء، انضمّ إلى "لويفي"، التي تُشارك عادةً في أسابيع الموضة النسائية والرجالية، مصممان جديدان هما جاك ماك كولو ولازارو هيرنانديز.
عُيّن الثنائي في مارس/آذار خلفًا لأندرسون، الذي تنحّى عن منصب المدير الإبداعي بعد 11 عامًا. مع ذلك، لن تُعرض العلامة التجارية هذا الموسم، إذ يعتزم ماك كولو وهيرنانديز الكشف عن رؤيتهما الجديدة في أكتوبر/تشرين الأول.
ليس أندرسون وحده من يقدم أول عرض له في باريس هذا الأسبوع، إذ سيقدم المصمم جوليان كلاوسنر، الذي تولى المسؤولية الإبداعية في دار الموضة البلجيكيّة "دريس فان نوتن" في نهاية العام الماضي، أول مجموعة أزياء رجالية يوم الخميس، بعد عرضه الأول لأزياء النساء في مارس/آذار.
من المرجح أن تكون رؤيته للأزياء الرجالية مستوحاة من مجموعته النسائية التي تميزت بالتفاصيل التاريخية، والألوان، والأقمشة الغنية، مع وجود شرابات، وسترات بوليرو، وأحزمة، وزخارف على الملابس.
هناك الكثير من العروض المهمة التي شاهدها الجمهور هذا الموسم، حيث بدأ الأسبوع بعرض "أنتوني فاكاريلو" المدير الفنّي لدار "سان لوران"، التي أصبحت ضمن جدول العروض الرسمي بعدما كان عرضها السابق خارج الجدول.
يعود المصمم البريطاني كريغ غرين بعد غياب 3 سنوات عن باريس، وتعود أيضًا العلامة النيويوركية "ويلي تشافاريا" بعد ظهورها الأول هذا العام.
كذلك، عادت المصممة البريطانيّة غريس ويلز بونر، والمصمّمة الفرنسيّة مارين سير، والمصمّمة الأمريكيّة إميلي آدامز بود أوجلا إلى جدول العروض، ما أضاف لمسة نسائية جديدة في أزياء الرجال.
لعشاق الصفوف الأمامية المليئة بالمشاهير وأسلوب موضة الشارع، سينتهي الجدول بعرضين لـ"لويس فيتون" و"جاكيموس"، اللذين اشتهرا بعروضهما الكبيرة.
فرنساأزياءموضةنشر الجمعة، 27 يونيو / حزيران 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.