منع الهجرة أكبر تناقض في بنية الإقتصاد العالمي
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
منع الهجرة أكبر تناقض في بنية الإقتصاد العالمي:
إن متابعي موسم الانتخابات الأمريكية المخيف هذا يعرفون أن الشعارات المناهضة للهجرة احتلت مركز الصدارة كقضية رئيسية مع نشر ترامب وفانس للأساطير والأكاذيب والكراهية ضد المهاجرين.
من ناحية أخرى، تحاول كمالا ونائبها إظهار أنهما يدعمان السيطرة على الهجرة غير الشرعية ولكنهما يحاولان أيضًا إظهار التعاطف ومن الواضح أنهما لا يهاجمان المهاجرين.
على الرغم من أن الديمقراطيين ليسو بوقاحة وسمية الجمهوريين عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين، إلا أن سياساتهم قد لا تكون سخية بالفعل تجاههم.
نتذكر جميعًا أن أوباما على الرغم من حديثه اللطيف، قام بترحيل مهاجرين بكثافة غير مسبوقة وتفوق علي جورج بوش في طرد الأجانب حتي لقبوه بكبير المرحلين.
وقد لخص أحد الأخوة العرب الفرق بين الديمقراطيين والجمهوريين بان الحزب الأول إذا فاز “يحلب الناقة بلا ضجيج أما الحزب الثاني فيحلبها ويكشف عورتها ويصيح عليها ويلعنها حتى يسمعه الجميع. وهي مثقوبة في كل الأحوال”.
لكن الولايات المتحدة ليست وحدها. المشاعر المناهضة للمهاجرين مرتفعة في أوروبا وقد حققت الأحزاب اليمينية مكاسب انتخابية كبيرة برفع شعارات معادية للهجرة وكارهة للأجانب.
لكن السياسة الغربية المناهضة للهجرة تفتقر إلى المنطق، وتستند علي التناقض الأكثر جوهرية في الاقتصاد العالمي اليوم. فهذا الإقتصاد المعولم يسمح بحرية حركة بعض عوامل الإنتاج ويمنع البعض الآخر في تناقض فادح وفاضح.
إن أي مجموعة بشرية، كي تحافظ علي وجودها، تحتاج إلى العمالة ورأس المال والقدرة على تبادل السلع التي تنتجها حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة بخلق فرص العمل وتوليد الدخل.
ولكن لاحظ أن النظام الاقتصادي الكوني المعولم يفرض قيوداً شديدة على حركة العمالة (المهاجرين) ولكنه يسمح بحرية حركة رأس المال ويشجع حرية حركة السلع في التجارة بين الدول والقارات.
والمفارقة هنا أن هذا النظام الاقتصادي العالمي خلقه الغرب وفرضه على بقية العالم بقوته السياسية والعسكرية وبسطوة المنظمات الدولية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
وكأن هذا الإقتصاد المعولم مصاب بالفصام إذ يقول لفقراء العالم: اسمعوا، إن أغنياءكم يستطيعون إخراج رؤوس أموالكم من بلادكم وحفظها في الخارج في بنك أو إستثمار أو عقار بدلاً من استثمارها داخلياً بما يتيح لكم إيجاد فرص عمل والحصول على دخل.
وتستطيع الشركات الأجنبية أن ترسل صادراتها للهيمنة على أسواقكم ما قد يقود إلي إجهاض أو إفلاس المنتجين المحليين الذين لا يستطيعون المنافسة ضد الشركات الأجنبية الأكثر قوة، وعندما تغلق شركاتكم أبوابها، قبل أو بعد أن تولد، لأنها لا تستطيع المنافسة ضد السلع المستوردة، فإنكم تفقدون وظائفكم وتصبحون عاطلين عن العمل.
ولكن أيها الفقراء، حتى وإن خسرتم رؤوس أموالكم ودمرت البضائع المستوردة منشآتكم التي تخلق فرص العمل، فإن عليكم البقاء في مكانكم حتي بعد هروب راس مالكم واستباحة أسواقكم. ممنوع الهجرة ــ فرأس المال يمكن أن يهاجر، وسوقكم يمكن أن تهاجر باستيلاء المصدرين الأجانب عليها، ولكنكم كأشخاص وكبشر لا يمكن أن تهاجروا.
غير مرغوب فيكم ولا يمكنكم أن تهاجروا حيث هاجر راسمالكم المالي وراسمالكم البشري وهاجرت أسواقكم المختطفة.
بل ستبقون في بلدكم الذي شلعناه.
معتصم أقرع
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
احذر من جاهل حفظ سطرين وفقير جمع قرشين
سلطان بن ناصر القاسمي
تلتقي في هذه الحياة بأنواعٍ شتى من الخلق، وتجتمع مع مختلف البشر، وتحاور العديد من المثقفين والعلماء، فتكتسب منهم معرفةً واسعة وتجارب ثرية. غير أنك قد تجد في بعض المجالس من يدّعي المعرفة ويرفع صوته دفاعًا عن رأي لا يقوم على علم، بل يتدخّل في حديثٍ لا يعنيه، وكأنَّ الصدفة وحدها هي التي جمعته بمن يتحاورون.
وحقيقةً، ما جعلني أتأمل في هذه المقولة القديمة "احذر من جاهلٍ حفظ سطرين وفقيرٍ جمع قرشين" موقفٌ مرّ بي ذات يوم خلال لقاءٍ ثقافيٍ جمع عددًا من المتحدثين من خلفيات مختلفة. كان الحوار يدور حول قضية فكرية تحتاج إلى عمقٍ ومعرفة، وبينما كانت النقاشات تسير في مسارٍ راقٍ ومنطقي، تدخّل أحد الحاضرين باندفاعٍ ظاهر، وبدأ يُلقي أحكامًا قاطعة في موضوع لا يفقه منه سوى عناوين سطحية قرأها عرضًا. وحين سُئل عن مصدر معلوماته أو تجربته، لم يكن لديه سوى إجاباتٍ عامة لا تصمد أمام أي نقاش. عندها أدركت أن الجدال مع الجاهل مضيعة للعقل والوقت، وأن من الحكمة أن تُغلق باب الحوار قبل أن تُسحب إلى متاهته.
إن مثل هذه الشخصيات تذكّرنا بخطورة من يملك قليلًا من العلم ويظن أنه امتلك الكثير، فيتعالى على الآخرين ويخشى التعلّم منهم. فهو شخص حديث النعمة في العلم، يظن أن ما يحمله من فتات المعرفة كافٍ لأن يجعله عالمًا أو ناقدًا، بينما في الحقيقة جهله أعمق مما يظن. والمعنى العام لهذه العبارة يحذّر من هذا النوع من الناس الذي يصبح متكبرًا ومتعاليًا، معتقدًا أنه بلغ الغاية. فالجهل المقترن بالغرور يولّد شعورًا زائفًا بالفوقية، يدفع صاحبه إلى الاعتقاد بأنه يمتلك كل الإجابات، فيتحدث في كل شأنٍ ويظن نفسه خبيرًا في كل مجال.
وهذا ما يُعرف في علم النفس المعاصر بظاهرة "قمة الغباء الواثق"، وهي نتيجة لغياب الوعي بالذات وعدم إدراك حدود المعرفة الحقيقية. فيتصرف صاحبها وكأنه العارف بكل شيء، بينما يفتقد القدرة على التقييم الموضوعي، فيقع في الخطأ تلو الآخر. وخطر هذا النوع يكمن في تضليل الناس من خلال حديثه في أمور لا يدركها حقًّا، فيفتنهم بجرأته ويصرفهم عن الحقيقة، كما أنه يرفض سماع الرأي الصحيح ويتعالى على المتعلمين. إنهم في الواقع أشدّ خطرًا من الجاهل الذي يعترف بجهله، لأنهم يظنون أنهم علماء وهم لا يملكون إلا ظلال العلم، وهؤلاء هم ما يُعرفون بـ"الجاهل المركّب"؛ يجهلون ويجهلون أنهم يجهلون.
وهنا تتجلّى الحكمة في التمييز بين من يسعى إلى المعرفة ليفهم، وبين من يتظاهر بها ليعلو فالعلم لا يرفع من لم يتأدب به، ولا ينفع من لم يتواضع له، لأن المعرفة الحقة تُثمر خشوعًا لا غرورًا، وتمنح صاحبها اتزانًا لا جدالًا.
أما الشطر الآخر من المقولة فيحمل تحذيرًا مختلفًا: "احذر من فقيرٍ جمع قرشين". فهو يشير إلى من كان ذا حالٍ بسيط، ثم امتلك مالًا جعله يتحوّل فجأة من شخصيةٍ عادية إلى شخصيةٍ اعتبارية في المجتمع، فيتوهّم أن المال وحده كفيلٌ بأن يصنع له المكانة. فتجده لا يحبّ تذكّر ماضيه الذي كان فيه محتاجًا، بل يراوغ ويتنصل من علاقاته القديمة، باحثًا عن صداقات جديدة تمجّده وترفع من قدره.
مثل هؤلاء يظهرون في المجتمع بشكلٍ متكرر، وتنعكس تصرفاتهم على محيطهم، متأثرين بعوامل كثيرة كالوضع الاقتصادي والمستوى الثقافي والتغير الاجتماعي. وتراهم يلهثون خلف المظاهر، يشترون الحاجيات الفاخرة والسلع الباهظة ولو أغرقوا أنفسهم في الديون، وكل ذلك من أجل التفاخر والتباهي. يريدون أن يُقال عنهم إنهم أثرياء أو أصحاب نفوذ، حتى وإن كانت حقيقتهم أبعد ما تكون عن ذلك.
وتجد أحدهم كثير الكذب والمراوغة، يستعبد من يعمل لديه، ولا يهتم إلا بجمع المال والوصول إلى الثراء دون اعتبار للقيم المجتمعية أو الإنسانية. ولو أن هؤلاء استخدموا ما لديهم من مالٍ في خدمة الناس، لكان أثرهم طيبًا، ولساهموا في بناء مجتمعٍ متراحمٍ متعاون، ولكنهم بدّلوا نعمة الرزق كِبرًا وغرورًا، فخسرت أرواحهم قبل أن تفقد أموالهم قيمتها.
إن المال إذا لم يُستخدم في الخير صار نقمةً لا نعمة، وإن الغنى إذا أورث التفاخر فقد صاحبه معناه. فالقيمة الحقيقية ليست في كمّ ما تملك، بل في أثر ما تمنح. ولو أن حديثي النعمة تذكروا أن المال زائل، وأن القيمة في البذل لا التفاخر، لكان المجتمع أرقى وأجمل.
وهنا نستحضر قول الإمام عليّ بن أبي طالب - كرّم الله وجهه: "ما جادلتُ جاهلًا إلا غلبني، وما جادلتُ عالمًا إلا غلبته".
فالعالم يجادل بعقلٍ منضبطٍ وروحٍ متواضعة، أما الجاهل فيجادل بجهله فلا يُرجى من حديثه فائدة. ومن هنا كان التواضع خلقًا عظيمًا يحثّ عليه الإسلام، فهو يُحسّن العلاقات بين الناس، ويجعل الإنسان محبوبًا قريبًا من الله. قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63].
تصف هذه الآية عباد الرحمن بأنهم يمشون على الأرض بسكينةٍ وتواضع، ويتجنبون الجدال العقيم مع الجاهلين، لأنَّ الحكمة في الصمت أحيانًا أبلغ من الكلام، ولأنَّ التواضع زينة العالم، والصبر صفة العاقل، والإحسان هو ما يخلّد الأثر الطيب بين الناس.
رابط مختصر