احذر من جاهل حفظ سطرين وفقير جمع قرشين
تاريخ النشر: 13th, October 2025 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
تلتقي في هذه الحياة بأنواعٍ شتى من الخلق، وتجتمع مع مختلف البشر، وتحاور العديد من المثقفين والعلماء، فتكتسب منهم معرفةً واسعة وتجارب ثرية. غير أنك قد تجد في بعض المجالس من يدّعي المعرفة ويرفع صوته دفاعًا عن رأي لا يقوم على علم، بل يتدخّل في حديثٍ لا يعنيه، وكأنَّ الصدفة وحدها هي التي جمعته بمن يتحاورون.
وحقيقةً، ما جعلني أتأمل في هذه المقولة القديمة "احذر من جاهلٍ حفظ سطرين وفقيرٍ جمع قرشين" موقفٌ مرّ بي ذات يوم خلال لقاءٍ ثقافيٍ جمع عددًا من المتحدثين من خلفيات مختلفة. كان الحوار يدور حول قضية فكرية تحتاج إلى عمقٍ ومعرفة، وبينما كانت النقاشات تسير في مسارٍ راقٍ ومنطقي، تدخّل أحد الحاضرين باندفاعٍ ظاهر، وبدأ يُلقي أحكامًا قاطعة في موضوع لا يفقه منه سوى عناوين سطحية قرأها عرضًا. وحين سُئل عن مصدر معلوماته أو تجربته، لم يكن لديه سوى إجاباتٍ عامة لا تصمد أمام أي نقاش. عندها أدركت أن الجدال مع الجاهل مضيعة للعقل والوقت، وأن من الحكمة أن تُغلق باب الحوار قبل أن تُسحب إلى متاهته.
إن مثل هذه الشخصيات تذكّرنا بخطورة من يملك قليلًا من العلم ويظن أنه امتلك الكثير، فيتعالى على الآخرين ويخشى التعلّم منهم. فهو شخص حديث النعمة في العلم، يظن أن ما يحمله من فتات المعرفة كافٍ لأن يجعله عالمًا أو ناقدًا، بينما في الحقيقة جهله أعمق مما يظن. والمعنى العام لهذه العبارة يحذّر من هذا النوع من الناس الذي يصبح متكبرًا ومتعاليًا، معتقدًا أنه بلغ الغاية. فالجهل المقترن بالغرور يولّد شعورًا زائفًا بالفوقية، يدفع صاحبه إلى الاعتقاد بأنه يمتلك كل الإجابات، فيتحدث في كل شأنٍ ويظن نفسه خبيرًا في كل مجال.
وهذا ما يُعرف في علم النفس المعاصر بظاهرة "قمة الغباء الواثق"، وهي نتيجة لغياب الوعي بالذات وعدم إدراك حدود المعرفة الحقيقية. فيتصرف صاحبها وكأنه العارف بكل شيء، بينما يفتقد القدرة على التقييم الموضوعي، فيقع في الخطأ تلو الآخر. وخطر هذا النوع يكمن في تضليل الناس من خلال حديثه في أمور لا يدركها حقًّا، فيفتنهم بجرأته ويصرفهم عن الحقيقة، كما أنه يرفض سماع الرأي الصحيح ويتعالى على المتعلمين. إنهم في الواقع أشدّ خطرًا من الجاهل الذي يعترف بجهله، لأنهم يظنون أنهم علماء وهم لا يملكون إلا ظلال العلم، وهؤلاء هم ما يُعرفون بـ"الجاهل المركّب"؛ يجهلون ويجهلون أنهم يجهلون.
وهنا تتجلّى الحكمة في التمييز بين من يسعى إلى المعرفة ليفهم، وبين من يتظاهر بها ليعلو فالعلم لا يرفع من لم يتأدب به، ولا ينفع من لم يتواضع له، لأن المعرفة الحقة تُثمر خشوعًا لا غرورًا، وتمنح صاحبها اتزانًا لا جدالًا.
أما الشطر الآخر من المقولة فيحمل تحذيرًا مختلفًا: "احذر من فقيرٍ جمع قرشين". فهو يشير إلى من كان ذا حالٍ بسيط، ثم امتلك مالًا جعله يتحوّل فجأة من شخصيةٍ عادية إلى شخصيةٍ اعتبارية في المجتمع، فيتوهّم أن المال وحده كفيلٌ بأن يصنع له المكانة. فتجده لا يحبّ تذكّر ماضيه الذي كان فيه محتاجًا، بل يراوغ ويتنصل من علاقاته القديمة، باحثًا عن صداقات جديدة تمجّده وترفع من قدره.
مثل هؤلاء يظهرون في المجتمع بشكلٍ متكرر، وتنعكس تصرفاتهم على محيطهم، متأثرين بعوامل كثيرة كالوضع الاقتصادي والمستوى الثقافي والتغير الاجتماعي. وتراهم يلهثون خلف المظاهر، يشترون الحاجيات الفاخرة والسلع الباهظة ولو أغرقوا أنفسهم في الديون، وكل ذلك من أجل التفاخر والتباهي. يريدون أن يُقال عنهم إنهم أثرياء أو أصحاب نفوذ، حتى وإن كانت حقيقتهم أبعد ما تكون عن ذلك.
وتجد أحدهم كثير الكذب والمراوغة، يستعبد من يعمل لديه، ولا يهتم إلا بجمع المال والوصول إلى الثراء دون اعتبار للقيم المجتمعية أو الإنسانية. ولو أن هؤلاء استخدموا ما لديهم من مالٍ في خدمة الناس، لكان أثرهم طيبًا، ولساهموا في بناء مجتمعٍ متراحمٍ متعاون، ولكنهم بدّلوا نعمة الرزق كِبرًا وغرورًا، فخسرت أرواحهم قبل أن تفقد أموالهم قيمتها.
إن المال إذا لم يُستخدم في الخير صار نقمةً لا نعمة، وإن الغنى إذا أورث التفاخر فقد صاحبه معناه. فالقيمة الحقيقية ليست في كمّ ما تملك، بل في أثر ما تمنح. ولو أن حديثي النعمة تذكروا أن المال زائل، وأن القيمة في البذل لا التفاخر، لكان المجتمع أرقى وأجمل.
وهنا نستحضر قول الإمام عليّ بن أبي طالب - كرّم الله وجهه: "ما جادلتُ جاهلًا إلا غلبني، وما جادلتُ عالمًا إلا غلبته".
فالعالم يجادل بعقلٍ منضبطٍ وروحٍ متواضعة، أما الجاهل فيجادل بجهله فلا يُرجى من حديثه فائدة. ومن هنا كان التواضع خلقًا عظيمًا يحثّ عليه الإسلام، فهو يُحسّن العلاقات بين الناس، ويجعل الإنسان محبوبًا قريبًا من الله. قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63].
تصف هذه الآية عباد الرحمن بأنهم يمشون على الأرض بسكينةٍ وتواضع، ويتجنبون الجدال العقيم مع الجاهلين، لأنَّ الحكمة في الصمت أحيانًا أبلغ من الكلام، ولأنَّ التواضع زينة العالم، والصبر صفة العاقل، والإحسان هو ما يخلّد الأثر الطيب بين الناس.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
احذر شرب المياه المعبأة بعد انتهاء صلاحيتها لهذه الأسباب
يحذر خبراء الصحة من مخاطر شرب المياه المعبأة بعد انتهاء صلاحيتها، مشيرين إلى أن الخطر لا يكمن في المياه ذاتها، بل في الزجاجات البلاستيكية التي تُخزن فيها.
ومع مرور الوقت، تبدأ هذه الزجاجات في التحلل تدريجيًا، ما يؤدي إلى تسرب جزيئات بلاستيكية دقيقة قد تشكل تهديدًا حقيقيًا لصحة الإنسان.
اكتشف ما وراء تاريخ الصلاحيةتحمل معظم زجاجات المياه تاريخ انتهاء صلاحية يتراوح بين 18 شهرًا وعامين، لكن هذا التاريخ لا يرتبط بالماء وإنما بنوعية البلاستيك المستخدم في التصنيع.
ويؤكد الخبراء أن شرب المياه بعد هذه المدة قد يؤدي إلى ابتلاع كميات متزايدة من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي ارتبطت بأمراض مثل سرطان الأمعاء وتلف الدماغ والعقم.
تعرف على الجسيمات البلاستيكية الدقيقةتشير الدراسات إلى أن هذه الجزيئات لا يتجاوز حجمها ميكرومترين، أي أدق من شعرة الإنسان بآلاف المرات.
وعُثر عليها في أنسجة الرئة والمشيمة وحليب الأم وحتى في الدم. وتوضح الدكتورة شيري ماسون، الباحثة المتخصصة في تلوث المياه، أن هذه الجزيئات تعمل كوسيلة لنقل المواد الكيميائية السامة إلى داخل الجسم، مما يزيد احتمالات الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان واضطرابات النمو العصبي مثل التوحد وفرط الحركة.
تناولك اليومي قد يفاجئكتكشف تحليلات حديثة أن الإنسان يبتلع ما بين 39,000 و52,000 جزيء بلاستيكي دقيق سنويًا دون أن يدرك ذلك، بينما يستهلك من يشربون المياه المعبأة أكثر من 90,000 جزيء إضافي سنويًا مقارنة بمن يعتمدون على مياه الصنبور.
وتشير دراسة قادتها الدكتورة سارة ساجدي من جامعة كونكورديا إلى أن الذين يشربون المياه المعبأة بانتظام يستهلكون ما يقارب 900 ألف جزيء بلاستيكي أكثر كل عام، محذرة من أن "هذه القضية البيئية تحولت إلى تهديد صحي عالمي".
لا تخزن الزجاجات في الحرارةيؤكد الخبراء أن تخزين الزجاجات في أماكن حارة أو تحت أشعة الشمس يعجّل من تحلل البلاستيك ويزيد من خطر انتقال الجزيئات الدقيقة إلى المياه.
كما أن مادة البولي إيثيلين تيريفثالات (PET) المستخدمة في التصنيع قابلة للتنفس، مما يسمح بتبخر كميات من الماء ودخول ملوثات جديدة بمرور الوقت.
خطوات تقلل المخاطرينصح الأطباء بتقليل الاعتماد على الزجاجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد واستبدالها بعبوات زجاجية أو معدنية قابلة لإعادة الاستخدام.
وكما يوصون بتخزين المياه في أماكن باردة ومظلمة، وتجنب استهلاكها بعد تاريخ الصلاحية لتقليل احتمالية التعرض للجزيئات الضارة.
خطر صامت يحتاج إلى وعيتربط أبحاث جديدة بين الجسيمات البلاستيكية الدقيقة واضطراب ميكروبيوم الأمعاء، ما قد يؤدي إلى مشكلات في الهضم وزيادة خطر الاكتئاب وسرطان القولون.
وقال الخبراء إن هذه النتائج تمثل "جرس إنذار" يدعو لإعادة التفكير في اعتماد العالم المفرط على البلاستيك، مؤكدين أن حماية الصحة تبدأ من خياراتنا اليومية البسيطة.