تفجير اسرائيل الـpagers .. لتجنب التوغل البري
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
تبدو الحرب الدائرة بلا أفق فلا أحد يعلم كيف ستنتهي، والقراءات السياسية والعسكرية تشير إلى أن العمليات العسكرية بين اسرائيل و"حزب الله" سوف تأخد منحى جديداً في المرحلة المقبلة مع السعي لعدم بلوغ الحرب الشاملة.
نفذت إسرائيل أمس عملية تفجير الـpagers، بالتوازي مع إعلان سلطاتها السياسية والأمنية والعسكرية توسيع أهداف الحرب الحالية في غزة، لتشمل عودة مستوطني الشمال إلى منازلهم قرب الحدود مع لبنان.
تقود كل القراءات والتحليلات إلى أن الخرق بدأ من خارج لبنان أي قبل شراء الحزب هذه الأجهزة، ووصولها إلى عدد من مسؤوليه الأمنيين وكوادره وعناصره. ويقول العميد الركن حسن جوني لـ"لبنان24" هذا الخرق يمكن أن يكون خرقاً سيبرانياً محض ويعني أن هذه الأجهزة التي تتضمن بطاريات ليثيوم أرسل إليها رزمة كبيرة جدا من الرسائل في الوقت نفسه ما أدى إلى إحماء البطارية وتحويلها إلى متفجرة صغيرة جدا وهذا الاحتمال لا يرجحه جوني لأن من المستحيل أن تمتلك البطارية هذه القدرة التفجيرية التي أدت الى هذه الإصابات والبتر والقتل، أو يكون خرقاً سيبرانياً-أمنياً، ويتمثل هذا الخرق من خلال استيراد هذه الشحنة التي تم التلاعب بها سواء في الشركة المصنعة أو عبر الوسيط الذي استوردها، بإدخال شريحة معينة إلكترونية تؤدي إلى إحماء البطارية نتيجة حصول اتصال معين فيها أو تلقي رسائل، أو أن يتم تضمينها متفجرات قليلة الوزن والحجم لكنها شديدة التفجير، وربما يكون تم تضمين البلاستيك الذي يغلف الأجهزة بنوع من المتفجرات البلاستيكية، وهذا أيضا يحتاج إلى خرق سيبراني. فتفجير هذه الأجهزة في وقت واحد في الضاحية والجنوب والبقاع وسوريا يؤكد أن هناك ضرورة لمعرفة الكود والموجة التي يتم عبرها الاتصال.
وفي الولايات المتحدة، نقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين ، أن أجهزة النداء التي انفجرت تم تصنيعها من قبل شركة "غولد أبولو" التايوانية، وأن إسرائيل عبثت بهذه الأجهزة وزرعت كميات صغيرة من المتفجرات داخل كل جهاز قبل شحنها إلى لبنان.
ويقول المهندس زياد كريم لـ"لبنان 24" إن البايجر جهاز صغير وبسيط جداً مقارنة بالهاتف النقال ولديه حجم بطارية قد لا يرقى إلى ربع بطارية الجوال وبالتالي موضوع انفجار البطارية لا يمكن أن يسبب هذا الأذى الذي شاهدناه، ويكاد يجزم أن السبب هو مواد متفجرة زرعت في بطاريات معدلة أو في جهاز البايجر نفسه.كما أن نظام البايجر هو نظام متلقي فقط أي لا يساعد البايجر في تحديد مواقع من يستخدمه وهو فقط يتلقى التعليمات على مثال رسالة نصية ولا يستطيع الرد ولا يمكن تحديد موقع متلقي الرسالة. كما أن نظام البايجر نظام بسيط ومغلق لا يدعم تطبيقات ولا يمكن تسخين البطارية عبر اي من تطبيقاته أو عبر ارهاقه بالرسائل.
ويضيف إن الجهاز كان مفخخاً سلفاً ولا علاقة بالتطبيقات أو بتسخين البطارية عن بعد أو بهجوم سيبراني على الأجهزة وبالتالي يمكن للبنانيين أن يطمئنوا.
إذن كيف تم التحكم بالجهاز وتفجيره عن بعد؟ يعتبر حكيم أنه إذا كان الجهاز نفسه مفخخاً فيمكن أن التفجير تم عن طريق طائرة مسيرة أو عبر قمر صناعي وإذا كانت البطارية نفسها مفخخة فالتفجير يحصل عند ارسال رسالة معينة تلقتها كل الأجهزة. وهذا أمر سهل إذا كان المصنع للأجهزة متواطئاً والاحتمال الثاني أن الأجهزة تم بتديلها أو تبديل بطارياتها خلال عملية شحنها، مشيراً إلى أن تعظيم قدرات العدو من حيث الاختراق السيبراني في غير محلها لأن نظام البايجر ليس من الصعب اختراقه لإرسال رسالة ما اذا كانت الترتيبات التي ذكرتها آنفاً قد حصلت فعلا. ويرى حكيم أن نظام الحماية في الأجهزة القديمة والتي لا تتلقى التحديثات المتعلقة بالأمن السيبراني هو نظام ضعيف وعرضة للاختراق أكثر بكثير من الأجهزة الحديثة التي تتلقى تحديثات الحماية من الاختراق ناصحاً بتحديث الأجهزة وتثبيت تحديثات الحماية كلما أمكن ذلك.
إن ما حصل، بحسب العميد جوني، هو عمل يتجاوز القوانين الدولية وقوانين الحرب فالذين اصيبوا لم يكونوا على جبهات القتال إنما كانوا يمارسون حياتهم اليومية بشكل طبيعي، ومن المدنيين ايضا. ومنهم من يعمل في أجهزة طبية وهؤلاء محميون بموجب القانون الدولي الإنساني.
لا شك أن العملية التي حصلت سيقابلها رد، والأكيد أن رد حزب الله، الحاصل حتماً وفي التوقيت المناسب، سيتحدث عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم غد الخميس مروراً بحيثيات ما حصل لا سيما وأن العدو الاسرائيلي يواصل العمل من خلال ضرباته على تأليب بيئة المقاومة وهز ثقتها بالحزب وقيادته، لكنه فشل.
لكن يبقى السؤال، هل العملية التي حصلت، هي عملية مستقلة نتجت عن خرق أمني جرى استثماره أم أن ما حصل يُعتبر مرحلة تمهيدية في سياق عملية عسكرية واسعة على لبنان سبقها العمل الأمني الكبير، خاصة وأن مجلس الحرب الاسرائيلي اجتمع يوم أمس واتخذ قراراً بتصعيد الأوضاع وشن حرب واسعة على لبنان، مع استبعاد العميد جوني التوغل البري الاسرائيلي الواسع، لأن الجيش الإسرائيلي يعاني نقصاً في العديد ويعاني من الإنهاك، وأن دخوله الى جنوب لبنان يعني دخوله إلى حزب الله، من ناحية قوة حزب الله لجهوزية الأخير في الميدان ومعرفته طبيعة الأرض واستعداد مقاتليه للقتال إلى أقصى الحدود.
إن توغل إسرائيل برياً، وفق جوني، سيعني الانتقال إلى فتح الجبهات واتساع أفق الحرب. ولذلك لا بد من التأكيد أن معادلات الردع لا تزال قائمة وهي التي منعت إسرائيل من توسيع نطاق الحرب. فربما تكون نية إسرائيل التصعيدية من خلال تكثيفها الغارات الجوية وتنويعها الأهداف في العمق اللبناني والقيام بضربات بحرية أيضا وقد تحاول تنفيذ عملية توغل بري في محيط ضيق جداً في القرى الأمامية المدمرة وذلك بهدف الضغط على الحزب والحكومة اللبنانية من أجل الدخول في مسار التفاوض بمعزل عما يجري في غزة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 8 تشرين الأول، إلا أن هذا الأمر لا يمكن أن يبصر النور، حيث أن منطقة الشمال ستبقى هدفا لصواريخ حزب الله ولن تشهد استقراراً إلا بوقف الاعتداء على غزة وفق ما يؤكد عليه الحزب.
ويمكن القول إن إسرائيل لا تريد الالتزام بقواعد الاشتباك مع تجاوزها للخطوط الحمر أكثر من مرة وعدم حصر قتالها مع المقاومين على الجبهة لكنها في الوقت نفسه تتجنب التوغل البري وتستعيض عنه بضربات تظهر تفوقها الأمني، لكن الأكيد أيضاً أن حزب الله قد يلجأ إلى تنفيذ رد موجع لإسرائيل على كل المستويات ويفاجئها بتفوقه الاستراتيجي. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: هذه الأجهزة حزب الله من خلال یمکن أن لا یمکن أن نظام ما حصل
إقرأ أيضاً:
من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
صراحة نيوز ـ بقلم: جمعة الشوابكة
في العاشر من حزيران من كل عام، لا يمرّ اليوم على الأردنيين مرور الكرام، بل ينبض التاريخ في وجدانهم من جديد. إنه اليوم الذي تختصر فيه الأمة مسيرتها المجيدة بين سطرين خالدين: الثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف الحسين بن علي عام 1916، ويوم الجيش العربي الأردني، حين توحّدت البندقية بالراية، والعقيدة بالوطن.
لم تكن الرصاصة الأولى التي انطلقت من شرفة قصر الشريف في مكة مجرد إعلان تمرّد على الحكم العثماني، بل كانت البيان التأسيسي للسيادة العربية الحديثة، وبداية مشروع تحرر قومي لا يعترف بالتبعية، ولا يرضى بأقل من الكرامة. قاد الشريف الحسين بن علي هذا المشروع بوعي تاريخي عميق، وسلّمه لابنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك، الذي جاء إلى شرقي الأردن مؤمنًا بأن الثورة لا تكتمل إلا ببناء الدولة، وأن الدولة لا تنهض إلا بجيش عقائدي يحمل راية الأمة ويحميها. وهكذا، وُلد الجيش العربي، من رحم الثورة، ومن لبّ الحلم القومي، لا تابعًا ولا مستوردًا، بل متجذرًا في الأرض والهوية.
كان الجيش العربي الأردني منذ تأسيسه أكثر من مجرد تشكيل عسكري، كان المؤسسة التي اختزلت روح الوطن. شارك في معارك الشرف على ثرى فلسطين، في باب الواد والقدس واللطرون، ووقف سدًا منيعًا في وجه الأطماع والعدوان، حتى جاءت اللحظة المفصلية في معركة الكرامة عام 1968، حين وقف الجندي الأردني بصلابة الرجولة خلف متاريس الكرامة، وردّ العدوان، وسطّر أول نصر عربي بعد نكسة حزيران، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه – ليُثبت أن الكرامة لا تُستعاد بالخطب، بل تُنتزع بالدم. لقد كان هذا النصر عنوانًا حيًا للعقيدة القتالية الأردنية، القائمة على الانضباط، والولاء، والثبات، وفهم عميق للمعركة بين هويةٍ تُدافع، وقوةٍ تُهاجم.
وفي قلب هذه المسيرة، وقف الشهداء، الذين قدّموا دماءهم الزكية ليظل هذا الوطن حرًا شامخًا. شهداء الجيش العربي الأردني لم يكتبوا أسماءهم بالحبر، بل خلدوها بالدم، في فلسطين، والجولان، والكرامة، وفي كل ميدان شريف رفرف فيه العلم الأردني. لم يكونوا أرقامًا في تقارير، بل رسل مجدٍ وخلود، يعلّموننا أن السيادة لا تُمنح، بل تُحمى، وأن كل راية تُرفع، تحمل في طياتها روح شهيد.
ومن بين هؤلاء، كان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – أول القادة الذين ارتدوا البزة العسكرية بإيمان وافتخار. تخرّج من الكلية العسكرية الملكية في ساندهيرست، وخدم جنديًا في صفوف جيشه، ووقف معهم في الخنادق، لا على المنصات. كان القائد الجندي، الذي يرى في الجيش رمزًا للسيادة، وركنًا من أركان الدولة، وظل يقول باعتزاز: “إنني أفخر بأنني خدمت في الجيش العربي… الجيش الذي لم يبدل تبديلا.” فارتقى بالجيش إلى مصاف الجيوش الحديثة، عقيدةً وعتادًا، قيادةً وانضباطًا، ليبقى المؤسسة التي لا تتبدل ولا تساوم.
واليوم، يواصل المسيرة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم – الملك الممكِّن والمعزّز – الذي تربّى في صفوف الجيش، وتخرّج من الميدان قبل أن يعتلي عرش البلاد. يرى جلالته في الجيش العربي الأردني شريكًا استراتيجيًا في بناء الدولة، لا مجرد مؤسسة تنفيذية. ولهذا، شهدت القوات المسلحة في عهده قفزة نوعية في الجاهزية القتالية، والتحديث، والتسليح، والتعليم العسكري، حتى أصبح الجيش الأردني عنوانًا للانضباط والسيادة الإقليمية والإنسانية، وصوت العقل في زمن الفوضى.
ويأتي تزامن يوم الجيش مع ذكرى الثورة العربية الكبرى تتويجًا لهذه المسيرة، ليس كمجرد مصادفة تاريخية، بل كتجسيد حي لوحدة الرسالة، واستمرارية المشروع الهاشمي، من الشريف الحسين بن علي، إلى الملك المؤسس عبد الله الأول، إلى الملك الباني الحسين بن طلال، إلى جلالة الملك الممكِّن والمعزّز عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم. فهذه ليست محطات منفصلة، بل خط سيادي واحد، يبدأ بالتحرر، ويُترجم بالجيش، ويُصان بالسيادة. لقد بقي الجيش العربي منذ نشأته على العهد، حاميًا للوطن، وحارسًا للهوية، ودرعًا للشرعية، لا يُبدّل قسمه، ولا يخون ميثاقه.
في العاشر من حزيران، لا نحتفل فقط، بل نُجدد القسم: أن هذا الوطن لا يُمس، وأن هذه الراية لا تُنكّس، وأن هذا الجيش لا يُكسر. من مكة إلى الكرامة، الرصاصة أصبحت جيشًا، والجيش أصبح عقيدة، والعقيدة أصبحت وطنًا لا يُساوم على كرامته، ولا يُفرّط بذرة من ترابه.