هل أرضت زيادة الرواتب العسكر؟
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
كتبت سلوى بعلبكي في" النهار": مرّر مجلس الوزراء موازنة الدولة لعام 2025 تحت القصف، وفي ظروف أمنية وعسكرية تهدّد البلاد بالمزيد من الانهيارات السياسية والاقتصادية والتفكّك الاجتماعي. وربما كان انعقاد مجلس الوزراء في الظروف الحرجة، وإصرار رئيسه على إقرار الموازنة، يحمل رسالة مبطنة إلى من يعنيهم الأمر محلياً ودولياً، بأن الدولة في لبنان لا تزال تعمل، وتقوم بما عليها وما أمكنها من واجبات، ولم تسقط في غمرة الفوضى السياسية والعسكرية التي تجتاح البلد.
مصادر متابعة للاجتماعات التي أفضت الى موافقة المجلس على مشروع مرسوم إعطاء تعويض موقت ومساعدة مالية لجميع العاملين في القطاع العام والمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي، أكدت أن الحكومة كانت تنوي أصلاً تحسين رواتب القطاع العام ولكن بالتدريج. بيد أنه بعد التحرك الأخير للعسكريين المتقاعدين في الشارع قرر مجلس الوزراء منح مساعدة لمرة واحدة في أيلول 2024 بقيمة 10 ملايين ليرة ومساعدة أخرى في كانون الأول بقيمة 10 ملايين ليرة أيضاً.
ففي الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء أقر بمرسوم زيادات شهرين (استناداً الى رواتب 2019) في تشرين الأول لكل القطاع العام، وراتب في تشرين الثاني وآخر في كانون الأول. وينص القرار حرفياً: يضاف اعتباراً من 1/10/2024 الى التعويض الذي يتقاضاه كافة الموظفين العاملين والمتقاعدين والعسكريين في الخدمة، والمتعاقدين، تعويض شهري موقت يوازي ضعفي الراتب الأساسي أو التعويض أو الأجر الشهري أو المعاش التقاعدي الذي كان يتم تقاضيه في عام 2019، واعتباراً من أول تشرين الثاني، يضاف الى الراتبين راتب إضافي ليصبح عدد الرواتب الإضافية ثلاثة، واعتباراً من أول كانون الأول يضاف الى الثلاثة رواتب راتب إضافي ليصبح مجموعها أربعة رواتب، على أن يعطى جميع الموظفين في القطاع العام مساعدة مالية مقطوعة قدرها 10 ملايين ليرة عن شهر أيلول و10 ملايين ليرة عن شهر كانون الأول".
وتالياً حسب هذه الزيادة التدريجية سيتقاضى العسكري في الخدمة والمتقاعد والإداري 13 راتباً على أساس راتب الـ2019، على أن تبدأ بـ11 راتباً في تشرين الأول، ثم 12 راتباً في تشرين الثاني و13 راتباً بدءاً من كانون الأول. وللتوضيح أكثر، تشير مصادر متابعة الى أن "العسكريين والمتقاعدين والإداريين في القطاع العام يتقاضون حالياً تسعة أضعاف رواتبهم في 2019، فيما سيصبح مجموع ما يتقاضونه بعد الزيادة المقرة بالمرسوم الأخير 13 راتباً استناداً الى رواتب 2019، وتالياً فإن مجموع الزيادة هو 4 رواتب.
وخلال الاجتماع في السرايا، أبدى العسكريون تفهّمهم لشرح الرئيس ميقاتي عن إيرادات الخزينة التي لا تسمح بزيادات أكثر خصوصاً في ظل العدوان الإسرائيلي. ولكنهم أكدوا في المقابل أنهم لن يكتفوا بهذه الزيادة خلال عام 2025، وأنهم يريدون زيادات إضافية لا تقل عن ستة رواتب في عام 2025.
كما أصروا على أن يصار الى تطبيق خطة تعديل الرواتب والأجور اعتباراً من 1/1/2025 لا بدءاً من 1/1/2026. بيد أن ميقاتي طمأنهم الى أنه إذا ما أقرّ القانون فسيدرس إمكانية زيادة جديدة حسب ما تسمح به الإيرادات، مؤكداً أنه لا يمكن إضافة عجز إضافي على الموازنة، فيما مصرف لبنان لا يستطيع تأمين أيّ تمويل.
وتؤكد مصادر متابعة أنه كان ثمة اقتراحات بزيادة 100 ألف ليرة على صفيحة المازوت و100 ألف أخرى على صفيحة البنزين، لكونها إيرادات مباشرة ولا تؤثر كثيراً على المستهلكين خصوصاً في ظل الانخفاضات العالمية بأسعار المحروقات، على أن يذهب إيراداتهم لتمويل راتبين إضافيين للقطاع العام والعسكريين خصوصاً في عام 2025.
وأوضحت أن الزيادات ستدفع بمفعول رجعي، فيما الفائض في حسابات الدولة موجود لدفع الرواتب الإضافية حيث تبلغ كلفة هذه الزيادة (أي أربعة رواتب شهرياً) نحو 40 مليون دولار شهرياً.
يشار الى أنه رصد للزيادات الملحوظة لعام 2024 الاعتمادات اللازمة خصوصاً أن لدى الدولة فائضاً يمكنها من تسديدها. أما بالنسبة للزيادات لسنة 2025 فهي ملحوظة باحتياطي الموازنة. أمّا الاحتياطي المخصّص لهذه الغاية قيمته نحو 37 ألف مليار ليرة أي نحو 420 مليون دولار، وهو يكفي لتغطية الأشهر الأربعة الإضافية التي أقرّت في المرسوم.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: القطاع العام کانون الأول ملایین لیرة فی تشرین على أن عام 2025
إقرأ أيضاً:
زيادة الرواتب ليست شعبوية… بل دفاع عن الدولة والمجتمع
#زيادة_الرواتب ليست #شعبوية… بل #دفاع عن #الدولة و #المجتمع
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
في خضم مناقشات الموازنة العامة لعام 2026، لفتت انتباهي كلمة سعادة النائب ينال فريحات تحت قبة البرلمان، بما حملته من وضوح وجرأة ومسؤولية وطنية عالية. لم تكن الكلمة استعراضًا خطابيا ولا مزاودة سياسية، بل جاءت أقرب ما تكون إلى مكاشفة صادقة مع الحكومة والرأي العام، تنطلق من هموم الناس اليومية وتستند إلى منطق الأرقام وروح الدستور ومبدأ سيادة القانون.
حين يقول النائب ينال فريحات إن زيادة الرواتب ليست مطلبًا خياليًا ولا شعبويًا، بل هي “قمة المنطق” بعد خمسة عشر عامًا من الجمود في سلم الرواتب مقابل تضاعف تكاليف المعيشة؛ فإنه يضع إصبعه على جرح يعرفه كل مواطن أردني. لا يمكن لدولة تريد الاستقرار الاجتماعي أن تبقي رواتب موظفيها ومتقاعديها – مدنيين وعسكريين – في حالة تجمّد، بينما الأسعار ترتفع والضرائب تتوسع وأعباء الحياة تثقل كاهل الأسرة الأردنية. إن رفض “كتلة حزب جبهة العمل الإسلامي” التصويت على الموازنة في حال خلت من زيادة الرواتب ليس ابتزازًا سياسيًا، بل هو استخدام دستوري وأخلاقي لأدوات الرقابة البرلمانية في اتجاه حماية الطبقة الوسطى والشرائح الأضعف، التي تشكل صمام الأمان لأي مجتمع ودولة.
حين يصف النائب الفريحات موازنات الحكومات المتعاقبة بأنها جبائية لا تنموية، فهو يعبّر عن شعور عام متراكم لدى فئات واسعة من المجتمع. فالموازنة التي تقوم أساسًا على زيادة الضرائب والرسوم دون رؤية تنموية حقيقية، لا يمكن أن تنتج إلا المزيد من المديونية والفوائد وتآكل القدرة الشرائية للمواطن. النقد هنا ليس رفضًا لمبدأ الموازنة ولا لمؤسسات الدولة، بل هو دعوة لإعادة صياغة فلسفة إعداد الموازنة العامة لتكون موجهة لخدمة الإنسان الأردني، وتوفير فرص العمل للشباب الذين – كما قال النائب – “شِيبوا وهم ينتظرون فرصة عمل، حتى أصبح الشاب في الثلاثين وما زال يأخذ مصروفه من والده”. هذه ليست مبالغة، بل واقع يعيشه آلاف الخريجين.
مقالات ذات صلةما جاء في كلمة النائب ينال فريحات مهم جدًّا في إعادة التذكير بالحقيقة البدهية: أن حزب جبهة العمل الإسلامي جزء أصيل من مكونات المجتمع الأردني، وجزء من نسيجه السياسي والوطني، يقف – كما قال – في ظهر الأردن والملك والجيش والأجهزة الأمنية. من الخطأ السياسي والوطني أن يُدفع أكبر حزب منظّم في البلاد إلى زاوية الشيطنة أو التخوين أو الإقصاء. فالحياة الحزبية الصحية تقوم على التعددية والتنافس البرامجـي، لا على محاولات نزع الشرعية عن طرف أو شيطنته إعلاميًا. وحين يؤكد النائب أن نواب الحزب لم يصوّتوا يومًا لصالح الموازنات التي راكمت المديونية، فإنه يقدّم قراءة سياسية لمسار طويل من المعارضة البرلمانية، يمكن الاتفاق أو الاختلاف معها، لكن لا يمكن تجاهلها أو اختصارها في صورة نمطية أو خطاب تخويني.
الفقرة التي شدّتني أكثر في كلمة النائب ينال فريحات ، هي تأكيده أن الملك عبد الله هو ملك للجميع: لحزب الميثاق، ولحزب الجبهة، ولمازن القاضي، ولينال فريحات. هذه الجملة تختصر الرؤية التي ننادي بها منذ سنوات: الدولة ليست حكرًا على تيار أو حزب أو منطقة أو طبقة. والملكية الدستورية في الأردن هي إطار جامع لكل الأردنيين على اختلاف اتجاهاتهم، ما داموا ملتزمين بالدستور واحترام القانون. من هذا المنطلق، يصبح غير منطقي – وغير منصف – أن يُقدَّم الاختلاف السياسي مع حزب أو كتلة على أنه خروج عن الصف الوطني أو تحدٍّ للدولة.
السؤال الذي طرحه النائب: “هل من يقول للملك إن أكبر حزب سياسي في تاريخ البلاد ليس معك، يعتبر محبًا للملك وغيورًا على الأردن؟” سؤال يستحق التوقف عنده؛ فمحاولة عزل قوى سياسية واسعة عن مؤسسة الحكم لا تخدم الاستقرار، بل تضعف الجبهة الداخلية التي نحتاجها جميعًا في مواجهة التحديات الإقليمية والاقتصادية والأمنية. وحين يؤكد النائب أن الاحتكام يكون إلى الدستور والقانون، وأن مبدأ سيادة القانون هو الفيصل للحكم على الجميع، فإنه ينسجم تمامًا مع ما نؤكد عليه دائمًا: الأردن دولة قانون ومؤسسات، لا تخضع لابتزاز من أحد، ولا تقبل إملاءات من أحد، لا من الداخل ولا من الخارج.
الاختلاف مع حزب جبهة العمل الإسلامي – أو أي حزب آخر – يجب أن يبقى في إطار المعادلة الدستورية: من يحترم القانون، يمارس حقوقه الكاملة، ومن يخالف القانون، يُحاسَب وفق القانون نفسه. لا يجوز أن يتحول الخلاف السياسي إلى محاكم ميدانية إعلامية، ولا أن تتحول الشاشات والمنصات إلى أداة لـ “شيطنة” طرف سياسي بعينه، ثم نطلب من الشارع أن يثق بجدية مشروع التحديث السياسي ومأسسة العمل الحزبي!
المخرج من هذا الانسداد في النقاش حول الأحزاب – وعلى رأسها جبهة العمل الإسلامي – ليس مزيدًا من التصعيد، بل حوار وطني شفاف تشارك فيه الدولة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، يقوم على الاعتراف المتبادل، والشفافية في عرض المخاوف والهواجس من جميع الأطراف، وتطبيق القانون بعدالة على الجميع دون انتقائية أو انتقام سياسي، والاتفاق على خطوط حمراء وطنية: الولاء للعرش الهاشمي أمن البلاد، استقرارها، وحدة المجتمع، واحترام النظام الدستوري. في هذا الإطار، تصبح كلمة النائب فريحات نموذجًا لخطاب معارض وطني ومنطقي في الوقت ذاته؛ خطاب ينطلق من هموم الناس، ويحترم ثوابت الدولة، ويرفع سقف المطالبة بالحقوق دون أن يتجاوز على رمزية الملكية أو مكانة الجيش والأجهزة الأمنية.
الأردن اليوم أمام مرحلة دقيقة، اقتصادية وسياسية واجتماعية. وفي مثل هذه اللحظات، لا تُقاس قوة الدولة بقدرتها على إسكات الأصوات الناقدة، بل بقدرتها على استيعابها في إطار الحوار والقانون. إنني، كأستاذ في العلوم السياسية و خبير دولي في دراسات الديمقراطية ،ومهتم منذ عقود بدراسة التجربة الحزبية الأردنية، أرى أن كلمة النائب ينال فريحات تشكل فرصة لإعادة النقاش إلى مساره الصحيح: نقاش حول سياسات الموازنة، لا حول شرعية المعارضة، وحول برامج الأحزاب، لا حول وجودها من الأصل، وفي حضن الدولة وتحت سقف مؤسساتها، لا خارجها.
الأردن – دولةً وقيادةً وشعبًا – أكبر من أن يخضع لابتزاز أو إملاءات، لكنّه أيضًا أكبر من أن يُختزل في لون واحد أو تيار واحد. التعددية السياسية ليست خطرًا على الدولة، بل هي ضمانة لاستمرارها، والحوار الصادق، لا التخويف والتخوين، هو الطريق الأسلم لحماية الوطن وتعزيز الثقة بين النظام السياسي والمجتمع. في النهاية، يبقى السؤال الجوهري: هل نريد أحزابًا حقيقية تمارس دورها في الرقابة والتشريع وتعبّر عن نبض الشارع؟ إن كانت الإجابة نعم – وهي كذلك – فلا بد أن نستمع جيدًا لمثل هذه الأصوات، لا أن نحاول إسكاتها.