العياشي الزمال أو المترشح الرئاسي المُشكل
تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT
قبل أيام معدودات من توجه التونسيين إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم، يبدو أن التنافس في هذا الاستحقاق الانتخابي سينحصر بين مترشحين من المترشحين الثلاثة الذين قبلتهم هيئة الانتخابات منذ البداية، ألا وهما الرئيس المنتهية ولايته السيد قيس سعيد والسيد العياشي الزمال. فبعد أن رفضت هيئة الانتخابات إرجاع ثلاثة مترشحين قضت المحكمة الإدارية بردهم إلى السباق الرئاسي (في مخالفة غير مسبوقة من الهيئة لكل مواقفها السابقة منذ المرحلة التأسيسية)، يبدو أن القاعدة الانتخابية للسيد زهير المغزاوي لن تتعدى القاعدة ذات التوجه القومي، أي لن تتعدى واقعيا جزءا من القاعدة الانتخابية التي كانت موالية للرئيس ولـ"تصحيح المسار" إلى وقت قريب.
بحكم الماضي المعلوم للسيد المغزاوي في التمهيد لـ"تصحيح المسار" وشرعنة خارطة طريقه (مشاركة حزبه في الاستفتاء الدستوري وفي انتخاب البرلمان بغرفتيه.. الخ)، وبحكم موقفه النقدي الثابت لما يسميها بـ"عشرية الخراب"، رغم أنه كان من أكبر الفاعلين فيها والمستفيدين سياسيا منها، وبحكم أنه المترشح الأوحد الذي لم يتعرض لمضايقات أمنية وقضائية تتصل بجمع التزكيات والرشاوى، فإن الرأي العام لا يكاد يميّز بينه وبين الرئيس رغم وعوده الانتخابية. ونحن نستبعد أن تتسع القاعدة الانتخابية للسيد المغزاوي لتشمل فئات غير مساندة لـ"تصحيح المسار"، سواء بصفة كلية أو بصفة نقدية.
هذا المترشح كان مواطنا مستقرا في عهد المخلوع، ولا نعلم له أي نشاط سياسي معارض. أما بعد الثورة فقد التحق بحزب "تحيا تونس" وكان رئيسا لقائمته في ولاية/محافظة سليانة، كما كان عنصرا فاعلا في الحملة الرئاسية للمترشح يوسف الشاهد سنة 2019. وكان السيد الزمال من النواب الذين دعوا إلى سحب الثقة من رئيس مجلس النواب السيد راشد الغنوشي و"فتح قنوات تواصل مع رئيس الجمهورية"، وكان جزءا من الكتل البرلمانية التي سمّمت الحياة النيابية ومهدت للانقلاب
ولعلّ أكبر دليل على نوعية الداعمين الجدد للسيد المغزاوي هو القيادي في حملته السيد محمد عبو. فهذه الشخصية السياسية التي كانت الشخصية الأهم في حزب التيار الديمقراطي (وهو حزب أصدر مكتبه السياسي بيانا يعلن فيه عدم اعترافه بشرعية الانتخابات وبنتائجها)، لم تعد تمثل إلا نفسها ولا تعكس إلا تاريخها في التمهيد لتصحيح المسار ومساندته، إلى حين ظهور الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 أيلول/ سبتمبر 2021 والمتعلق بالتدابير الاستثنائية.
فهذا الأمر الرئاسي كان نقطة الفراق بين الرئيس وبين العديد من مكونات الموالاة النقدية، ولكنه لم يكن مناسبة لتغيير الموقف من شرعية "إجراءات" 25 تموز/ يوليو 2021 ولا سببا في مراجعة الموقف من "العشرية السوداء"، خاصة الموقف المؤدلج الذي يختزل "العشرية" و"الفساد" في حركة النهضة دون غيرها من الفاعلين الكبار في إدارة تلك المرحلة، بمن فيهم أولئك المتحولون إلى دعم الرئيس الحالي أو المحافظين على مسافة نقدية منه.
ونحن نعتبر أن موقف السيدين المغزاوي وعبّو -مواجهة الرئيس في الانتخابات- هو مجرد صراع داخلي في سردية "تصحيح المسار"، أو بالأحرى في كيفية إدارته بصورة "تشاركية"، ولا يعكس الخلاف الحالي أي مراجعات جذرية سواء من جهة "شرعية الإجراءات" أو من جهة "لا شرعية العشرية السوداء". وهو موقف لا يسمح بتوسيع القاعدة الانتخابية للمترشح المغزاوي لتشمل خصوم الرئيس في المعارضة الراديكالية، مما يجعل من سقوطه في الدور الأول أمرا مفروغا منه.
عندما استعملنا كلمة "المترشح المُشكل" في العنوان للحديث عن السيد العياشي الزمال، فإننا نعني بـ"المُشكل" الإشكال والالتباس وعدم القدرة على رفع التنازع بين المختلفين بصورة يقينية، ونعني كذلك "الخطر الافتراضي" على حظوظ الرئيس، أي المشكل الحقيقي الذي يواجهه النظام الحالي بقبول هيئة الانتخابات ملف هذا المترشح بصورة نهائية. فهذا المترشح كان مواطنا مستقرا في عهد المخلوع، ولا نعلم له أي نشاط سياسي معارض. أما بعد الثورة فقد التحق بحزب "تحيا تونس" وكان رئيسا لقائمته في ولاية/محافظة سليانة، كما كان عنصرا فاعلا في الحملة الرئاسية للمترشح يوسف الشاهد سنة 2019.
وكان السيد الزمال من النواب الذين دعوا إلى سحب الثقة من رئيس مجلس النواب السيد راشد الغنوشي و"فتح قنوات تواصل مع رئيس الجمهورية"، وكان جزءا من الكتل البرلمانية التي سمّمت الحياة النيابية ومهدت للانقلاب على الديمقراطية التمثيلية. ولذلك كان من الطبيعي أن يساند إجراءات 25 تموز/ يوليو 2021 ويؤسّس حركة لدعمه باسم "عازمون". وإذا ما اعتمدنا على ما تقدم فإننا لا نجد أية فروق جوهرية بين مسار هذا المترشح وبين مسار السيد المغزاوي، فما الذي يجعل منه مترشحا "مُشكلا" بالمعنيين الواردين أعلاه؟
يرتبط "الإشكال" الأول بالسيرة الذاتية لهذا المترشح، فهو "رجل أعمال" يعارض بسلوكه الحالي قاعدة أن "رأس المال جبان". وهو أيضا "إنسان مستقر" لا علاقة له بـ"النضال" إلا داخل أجهزة الحكم في تحيا تونس وفي البرلمان، فما الذي يدفعه إلى الانقلاب على ذاته وعلى التحول إلى رمز من رموز الثبات وعدم التراجع رغم كل القضايا الانتخابية المنشورة ضده، بل رغم صدور بعض الأحكام الابتدائية القاسية ضده؟
نحن أمام معطى سياسي مهم يجعلنا لا نطمئن لأي تفسير "شعاراتي" يسعى إلى التأثير في الناخب نفسيا أو وجدانيا، ذلك أن رموز الحملة الانتخابية للسيد الزمال ينتمون إلى سرديات سياسية لا علاقة لها بالديمقراطية أو بالمصالحة الوطنية والاعتراف المبدئي بـ"المختلف الجذري"، خاصة حركة النهضة وائتلاف الكرامة
أما الإشكال الثاني فيتعلق بموقف مراكز القوى في المنظومة من هذا المترشح، ذلك أن قبول هيئة الانتخابات بترشحه وإبقائه رغم كل القضايا المتعلقة به، هو أمر ملتبس إذا ما استحضرنا موقف السلطة التنفيذية منه، أي موقف المركز السلطوي الداعم لبقاء الرئيس الحالي وحرصه على منع السيد الزمال من القيام بحملته الانتخابية. ورغم ميل العديد من التونسيين إلى تفسير هذا السلوك "النضالي" الجديد بوطنية السيد الزمال أو بمفهوم أخلاقي يتعلق بـ"الرجولة"، فإننا نعتبر أن الاكتفاء بهاتين العلتين لا يُفسّر شيئا.
فنحن أمام معطى سياسي مهم يجعلنا لا نطمئن لأي تفسير "شعاراتي" يسعى إلى التأثير في الناخب نفسيا أو وجدانيا، ذلك أن رموز الحملة الانتخابية للسيد الزمال ينتمون إلى سرديات سياسية لا علاقة لها بالديمقراطية أو بالمصالحة الوطنية والاعتراف المبدئي بـ"المختلف الجذري"، خاصة حركة النهضة وائتلاف الكرامة. كما أن أولئك الرموز معروفون بـ"براغماتيتهم"، وبعلاقاتهم المشبوهة بالمنظومة القديمة، وهو ما يجعل من مقاربة الإصرار على الترشح بمفاهيم "أخلاقية" أمرا غير موفّق.
بحكم غياب أي مصدر موثوق لمعرفة نوايا التصويت، فإنه لا مهرب من الاعتماد على إحصائيات "عفوية" تقوم على استقراء مواقف الناخبين داخل الفضاءات العمومية وفي مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم وعينا بالقيمة العلمية المحدودة لمثل هذه القراءة، فإننا نلاحظ أن جزءا معتبرا من قواعد المعارضة الجذرية يعتبر أن السيد الزمال هو الفرصة الأخيرة لغلق قوسي "تصحيح المسار". ولن ينفع هنا تذكير هؤلاء بـ"تمرّد" هيئة الانتخابات على أحكام القضاء الإداري، ولن ينفع أيضا تذكيرهم بتحويل التنازع الانتخابي إلى القضاء العدلي (محكمة الاستئناف بتونس) بدل المحكمة الإدارية، ولن ينفع أخيرا تذكيرهم بماضي هذا المترشح وعلاقته بـ"تصحيح المسار" ولا تذكيرهم بمسارات العديد من قيادات حملته الانتخابية (خاصة علاقتهم بـ"الوطد" باعتباره الذراع الإيديولوجية الأهم للدولة العميقة).
نعتبر دعم الزمال أو غيره ضربا من التعويض على ذلك العجز، بل ضربا من التغطية عليه. وإذا ما واصل العقل السياسي للمعارضة بمختلف تشكيلاتها إدارة الأزمة -وإدارة خلافاتها البينية- بالمنطق ذاته، فإننا لا نستبعد نجاح الرئيس الحالي في البقاء في السلطة حتى بعد عهدته الرئاسية القادمة (باعتبار "تصحيح المسار" بديلا شاملا لا يقبل التشاركية، وباعتبار الدستور مجرد نص فوقي تحكمه موازين القوى
فالرغبة في إنهاء "تصحيح المسار" أصبحت خيارا أقرب إلى "الخيار الإيماني" في الحد الأدنى أو "الخيار الاستراتيجي" في الحد الأقصى (تهرئة شرعية السلطة وتحسين صورة المعارضة أمام الرأي العام الداخلي وأمام القوى الخارجية)؛ منها إلى "الخيار العقلاني" القائم على وجود إمكانية للفوز في هذه الانتخابات.
ختاما، فإن توسع القاعدة الانتخابية للسيد الزمال (وهي في الأساس قاعدة تنتمي إلى المنظومة القديمة) لا يمكن أن يغير من نتائج الانتخابات شيئا. فالسلطة تمتلك كل مفاتيح العملية الانتخابية (هيئة الانتخابات، الإعلام العمومي وأغلب منابر الإعلام الخاص، الهيئة التحكيمية في القضاء العدلي)، وهو ما يجعل من إمكانية حصول مفاجأة أمرا مستبعدا. ولذلك فإننا نعتبر أن محاولة إنهاء "تصحيح المسار" من داخل قوانين اللعبة التي وضعها على مقاسه هو خيار "لا عقلاني" من الناحية السياسية. إنه خيار يعكس العجز البنيوي من مكونات المعارضة وأجسامها الوسيطة على التوحد ضمن مشروع جامع، يتجاوز جدليا عشرية الانتقال الديمقراطي وتصحيح المسار على حد سواء.
ولذلك، فإننا نعتبر دعم الزمال أو غيره ضربا من التعويض على ذلك العجز، بل ضربا من التغطية عليه. وإذا ما واصل العقل السياسي للمعارضة بمختلف تشكيلاتها إدارة الأزمة -وإدارة خلافاتها البينية- بالمنطق ذاته، فإننا لا نستبعد نجاح الرئيس الحالي في البقاء في السلطة حتى بعد عهدته الرئاسية القادمة (باعتبار "تصحيح المسار" بديلا شاملا لا يقبل التشاركية، وباعتبار الدستور مجرد نص فوقي تحكمه موازين القوى دون غيرها من التعهدات أو التوافقات، وباعتبار القوانين الانتخابية أيضا مجرد ترسانة تشريعية يمكن تغييرها في أي وقت تبعا للمصلحة "الوطنية"، أي تبعا لمصلحة النظام كما حصل مؤخرا). وهو طرح نعلم جيدا أنه لن يعجب الكثير من "الحالمين"، أي لن يعجب أولئك "الفاعلين الاجتماعيين" الذين ما زالوا يُصرّون -رغم كل الخيبات- على التفكير بمنطق الرغبة لا بمنطق الواقع.
x.com/adel_arabi21
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسيين الانتخابات الديمقراطية تونس انتخابات مرشحين ديمقراطية مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هیئة الانتخابات الرئیس الحالی تصحیح المسار هذا المترشح یجعل من ضربا من ما یجعل
إقرأ أيضاً:
المالكي ملكا.. متلازمة الرقم واحد في قوائم بغداد الانتخابية
آخر تحديث: 3 يونيو 2025 - 10:25 صبقلم:مسار عبدالمحسن راضي شهدت العاصمة خلال الأيام الماضية احتلال الرقم “واحد” للقوائم الانتخابية لبعض السياسيين العراقيين. أهميَّةُ الرقم الرمزية فضحت الطمع السياسي الذي يود هؤلاء السياسيون قبضه من صندوق نتائج الانتخابات القادمة. عند بعضٍ من بعض هؤلاء اُستخدِم لتعويض قصر الرقبة الجماهيرية بالإعلان عن طولٍ افتراضي لقاماتهم السياسية. لكن عند نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون كان إعلانا عن إعادة برمجة العملية السياسية بـ”أحدان” – جمع واحد – سنية وأصفار شيعية.محمد شياع السوداني لن يُحالفه الحظ بالحصول ولو على صفرٍ في هذا الشوط البرمجي. أحدُ أعضاء الفريق السياسي للمالكي تَهَكّمَ على “واحد” رئيس الحكومة الذي يرأس حاليا تحالف “الإعمار والتنمية” بالقول “سالب واحد”. أيضا، حظ بعض “أحدان” السنة الموثوقين تاريخيا عند المالكي مثل محمود المشهداني رئيس برلمان العراق الحالي، ضربها الأول في العاشر من مايو 2025 للضرورات البرمجية. الحُجَّة أن الثاني تحدَّث عن “انحسار الحاكمية الشيعية”. أمّا ضرورة التوازنات بين بقية “أحدان” السنة في بغداد فقد استدعت الجمع بين ثقيلها وخفيفها، مثل محمد الحلبوسي رئيس حزب تقدم، وزياد الجنابي رئيس حزب التشريع الوطني. المالكي وكما وصفتهُ قبل أعوامٍ ثمانية “رجلٌ مولع بفنون السُلطة التي تحب التوازنات.” ولهذا كان اهتمامُ حزبه بالمناصب الوزارية متواضعا فـ”السُلطة لا تشيخ كالمنصب.” هو يحاول اليوم أن يُعيد إحياء الإيمان القديم لقولٍ مأثور، جاء على لسان عباس البياتي أحد المتقاعدين الآن عن القُرب السياسي منه “إذا لم يكُن المالكي موجودا فيجب أن يُستنسخ.” السؤال “لماذا يقوم المالكي الآن بالإعلان عن استعداده لدفع سعر منصب رئاسة الحكومة القادمة من خزينة سُلطته؟”
تبدأ الإجابة من جاسم محمد جعفر القيادي في حزب الدعوة الإسلامية. كان قد صرَّح قبل أعوامٍ عديدة “إنَّ حزب الدعوة سيحصل على الولاية الخامسة والسادسة، ويبقى على حكم العراق إلى يوم القيامة، بإرادة الناس ومرجعية النجف والدعم الإيراني.” المالكي الذي يمثِّل “مرحلة ممارسة السُلطة” أو “المرحلة العاشرة” في أدبِ تأريخ المنظرين للحزب، يحاول – على ضوء ما قاله القيادي في الحزب – إعادة النقاء المذهبي للعملية السياسية التي تعكَّرت بالصفاء الوطني لـ”ثورة تشرين” في أكتوبر 2019. المشكلة أنه لم يعُد ممكنا بعد ذلك التاريخ استخدام لُغة برمجية بسيطة مثل قوله المأثور “فسطاط يزيد وفسطاط الحُسين.”
قام بتعديل الخوارزميات منذُ عام 2021 باستنساخ يزيد كـ”بعثي”. رائعةُ النسخ هذه تتفقُ مع ميزتين له. الأولى قُدرة عقله على استنساخ تجارب السياسيين قبل عام 2003 وبعده. كان أول منصب للمالكي في زمن الفوضى الديمقراطية استلامهُ مسؤولية الأمن في مجلس الحكم، واستمتاعه بساعاتٍ طويلة من العمل كما ذكرت صُحفٍ أميركية عديدة “كان يعمل منذُ السابعة صباحا وحتى منتصف الليل.” باختصار اشتغل كـ”نُسخةٍ إسلامية من رئيس النظام السابق البعثي.” أمّا ميزتهُ الأُخرى فقد كانت قُدرته على “السكون ثمَّ الانطلاق السياسي فجأة وبسرعة رصاصة.” عندما تولى رئاسة الحكومة عام 2006، كتب نقطة نهاية السطر لإبراهيم الجعفري وابتدأ سطرهُ السياسي المؤثِّر كأمين عام حزب الدعوة الإسلامية عام 2007. ثمَّ ضرب جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر في البصرة عام 2008 بمساعدة القوات الأميركية حينها، والتي كان يرأسها الجنرال ريمون أوديرنو. سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 وصعود أحمد الشرع في دمشق، كان فُرصة إضافية لجعل برمجة “البعث” أكثر جذبا وامتلاء بالتهديدات القديمة الجديدة “الأصفار الشيعية التي تُفكِّر بلغة ‘أحدان‘ فاعلة،” إمكانية ثورة تشرين أن تكون “واحد” مؤثِّر، وتحويل تهديد “أحدان” السنة الوازنين إلى “فُرصة انتخابية”. دخول القوائم السنية في بغداد هدفهُ زيادة استقطاب الشارع الشيعي لصالح المالكي “القائد الضرورة” بحسب تعبير حيدر العبادي وهو رئيس حكومة أسبق. الأهم أن طفوّ اللاعبين السنة في بغداد سيضمنُ إغراق الميليشيات في غوَّاصة “الإطار التنسيقي” الشيعي، وبالتالي إبعادها عن الرصد الدولي. إياد علاوي رئيس ائتلاف الوطنية الذي كان “واحد” الهوية الوطنية في انتخابات عام 2010، فضَّل أن يكون في هذا الشوط البرمجي واحدا من الأصفار الشيعية. أعلن بأنَّه “يتشرَّف بالبعث.” كان ذلك قبل ثلاثة شهور. علاوي انتقل منذُ عام 2018 من سياسي إلى مسيح دعائي يحيي ويُميت. أعلن في ذلك العام وبجانبه لطيف الهميم رئيس أسبق للوقف السني عن “موت القومية العربية.” ثمنُ معجزةُ علاوي “إحياء البعث” في 2025 كان ركوب ابنته في قطار المستشارين الذي لا يمتلئ لحكومة السوداني. كردستان العراق بدورها ولأنها “واحد” لا بد منها للعملية السياسية بعد عام 2003، شاركت في لُعبة الميت الحي البعثي بالصمت وبعقود نفطٍ جديدة مع شركاتٍ أميركية. هادي العامري وقيس الخزعلي اللذان يسبحان كأصفارٍ فصائلية في بُحيرة المرشد الأعلى الإيراني، تعاونا بحكم الضرورة مع المالكي. ذهبا معهُ إلى المحافظات لُيشرِفوا على ولادة “أحدان” سنة في محافظات ديالى، صلاح الدين، نينوى، وكركوك. الغاية تهجير العراقيين من الهوية الوطنية إلى الجلود المذهبية في حفل الدبغ الانتخابي المقبل. لعبةُ “أحدان” السنة الشيعة الذين يعتبرهم المالكي صفرا، تؤمِّنُ رؤية المجتمع الدولي للعراق كـ”بلد ديمقراطي”. لكن المالكي “واحد” لم يجِد إثما في نسف جهود التقارب بين بغداد والعواصم العربية التي وصفها نائبٌ في فريقه الحزبي بـ”الجرب العربي”. كان ذلك في الـ27 من مايو 2025. وقيادي آخر هاجم الدوحة في الـ29 من مايو 2025. نسي المالكي موقفها الذي كان في غاية النُبل مع العراق والذي لا يمكن نسيانه أبدا؛ ذكَّرت الجميع بأنَّ “شيعة العراق عرب”. رقم “واحد” المالكي قرر الرقود على بغداد عسى أن يحقق أمنيته القديمة “كسر بيضة النظام البرلماني ليفقس نظاما رئاسيا بعد الانتخابات القادمة.” مُستعينا بـ “البعث” كقشرة يرميها على أيَّ حِراكٍ جماهيري يسعى للتغيير عبر الانتخابات. أمّا “أحدان” شركاء الضرورة كقيس الخزعلي فهم يسعون إلى أهدافٍ أكثر تواضعا في هذه المرحلة، مثل توريث منصب قادة الفصائل من “الآباء المتقاعدين إلى الأبناء.”