تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

مع قرب حلول الذكرى الأولى لاندلاع الحرب بين "إسرائيل" وحركة "حماس"، وتصاعد الأزمة على جبهة أخرى بين "إسرائيل" وحزب الله، لا يوجد مكان آخر في العالم تظهر فيه مشكلة "حجم ومدى التأثير" التي تواجهها الولايات المتحدة بشكل أكثر وضوحا ومأساوية من منطقة الشرق الأوسط.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" أنه رغم جهودها الدؤوبة، لم تتمكن واشنطن من التفاوض على وقف إطلاق النار لتهدئة الحرب بين "إسرائيل" وحماس، ناهيك عن إنهائها.

والواقع كذلك أن واشنطن فشلت على مدى العام الماضي في تغيير الحسابات الاستراتيجية لصانعي القرار الرئيسيين في الصراع، وهما: زعيم حماس يحيى السنوار ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ففي حين حاولت واشنطن وأصحاب المصلحة الآخرون المتحالفون الضغط والإقناع، إلا أنهم لم ينجحوا بعد في إعادة تشكيل قناعات صانعي القرار، والمتمثلة في أن استمرار الصراع يحمل فوائد أكبر من التهدئة. (وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن العملية البرية الإسرائيلية في لبنان والضربات الصاروخية الإيرانية على "إسرائيل" تبرز بوضوح عجز الإدارة الأمريكية عن السيطرة على الأحداث في المنطقة).
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن بعض المراقبين ينظرون إلى فشل الولايات المتحدة بغضب أخلاقي في ضوء مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والكارثة الإنسانية التي فرضت على شعب غزة، والبعض الآخر يتساءلون لماذا لم تتمكن أقوى دولة في العالم من بذل المزيد من الجهود لإنهاء الصراع؟.
وترى "فورين بوليسي" أن عجز الولايات المتحدة عن التعاطي مع الأزمة الأكثر تعقيدا في الشرق الأوسط منذ عقود، سواء من خلال القوة أو الدبلوماسية، ليس مفاجئا. فقد لخص مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، وهو واحد من أكثر المحللين ذكاء وعلى دراية واسعة بمنطقة الشرق الأوسط لانخراطه فيها لأربعة عقود، الوضع الحالي في تصريح له خلال شهر يناير الماضي، حينما أكد أنه "لم ير الشرق الأوسط بهذا القدر من التشابك أو الانفجار إلا نادرا". 
فالهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر 2023 كان أزمة غير مسبوقة، حيث ترك الولايات المتحدة في دور المتجول في المنطقة، والمقيد بمصالح القوى الأصغر، والمدفوع بمحاولات الدبلوماسية حسنة النية التي لم يكن لديها سوى فرصة ضئيلة للنجاح.
وأوضحت المجلة أن السابع من أكتوبر قدم لإدارة بايدن مهمة مستحيلة حقيقية. فقد أعقبت هجمات "حماس" واحتجاز الرهائن، غارات جوية إسرائيلية عقابية، بدا أنها ركزت على الضرر بدلا من الدقة. وتسبب الغزو الذي أعقب ذلك في مقتل الآلاف من المدنيين.
وترى "فورين بوليسي" أنه خلال معظم فترات العام الماضي، كان نتنياهو والسنوار هما من يسيطرا على مسار الصراع، حيث كانت أهداف "إسرائيل" متطرفة، وهي: تدمير حماس كمنظمة عسكرية وإنهاء سيطرتها على غزة. كما كانت سياسات نتنياهو وقراراته الأمنية محكومة بفكرة ضمان عدم فرار وزرائه المتطرفين من الإئتلاف الحاكم؛ الأمر الذي جعل من المستحيل القيام بأي تخطيط لما بعد الحرب أو تسهيل تدفق مستمر من المساعدات التي تشتد الحاجة إليها في غزة.
بدوره، ركزت أهداف السنوار على استعادة مركزية الحقوق الفلسطينية على الأجندة الدولية والإقليمية؛ وإثبات أن حماس، وليس رئيس السلطة الفلسطينية، هي المسئول عن إنقاذ فلسطين، علاوة على أنه كان يأمل في التحريض على حرب أوسع نطاقا، على حد قول المجلة الأمريكية. لذا، كان التوفيق بين ما يسعى إليه السنوار وما يريده نتنياهو مستحيلا. وبالتالي، فإن مثل هذه الظروف والأوضاع لا تصلح للمفاوضات التي قد تتوسط فيها الولايات المتحدة.
ولفتت المجلة إلى أن أحد أسباب تقلص نفوذ إدارة بايدن في هذا الملف بشكل أكبر هو طبيعة الصراع بين حليف وثيق للولايات المتحدة ومجموعة تعتبرها الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية بموجب القانون. لذلك، فقد عكس التصريح العاطفي الذي أدلى به بايدن في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر وزيارته المبكرة لإسرائيل، دعمه العميق والراسخ لإسرائيل؛ الأمر الذي لم يترك سوى القليل للضغط على "إسرائيل"، خاصة في ظل تفسير البعض أي صرامة لواشنطن مع "إسرائيل" على أنها ضعف في التعامل مع "حماس".
وانتقلت "فورين بوليسي" للإشارة إلى جانب آخر يحول دون قيام واشنطن بالدور المأمول منها، وهو استغلال نتنياهو، أطول رئيس وزراء في الحكم في تاريخ "إسرائيل" والذي كان لا يثق في الولايات المتحدة لفترة طويلة، سخاء حليفته بصورة أبرزت –وفقا للمجلة- استغلال القوة الصغيرة للقوة الكبيرة، وإظهارها في موقف الضعف والتردد.
وأشارت المجلة إلى أن الرؤساء السابقين لأمريكا كانوا على استعداد لاستخدام الضغط في بعض الأحيان، وهو ما تمثل، على سبيل المثال، في تعليق الرئيس السابق رونالد ريجان تسليم الطائرات المقاتلة المتقدمة بسبب السياسات الإسرائيلية في لبنان، ورفض إدارة جورج بوش الأب ضمانات قروض الإسكان بسبب بناء المستوطنات الإسرائيلية أثناء محاولة واشنطن عقد مؤتمر مدريد للسلام.
وأوضحت المجلة الأمريكية أن ذلك لا يعني أن إدارة بايدن تفتقر إلى النفوذ على "إسرائيل". فالرئيس لديه العديد من الأدوات، مثل تقييد المساعدات العسكرية الأمريكية؛ وتقديم أو دعم قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ينتقد سياساتها في غزة؛ وإظهار استيائه من خلال الانضمام إلى أكثر من 140 دولة - أحدثها أيرلندا وإسبانيا والنرويج - في الاعتراف بدولة فلسطينية، أو الانضمام إلى إجماع دولي تقريبا في الدعوة إلى وقف فوري للأعمال العدائية، والتهديد بالعواقب إذا لم يمتثل أي من الجانبين.
إلا أن بايدن لم يختر حتى الآن أيا من هذه الإجراءات بسبب عدة عوامل، من بينها: الالتزام العاطفي العميق بفكرة أمن "إسرائيل" وشعبها؛ والمشهد السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، حيث برز الحزب الجمهوري باعتباره حزب "إسرائيل التي لا تخطئ". وحتى وإن كان غضب بايدن يظهر ويختفي من وقت لآخر. فإنه باستثناء التأخير في شحن بعض القنابل الثقيلة، لم يترجم هذا الغضب أبدا إلى تغييرات ملموسة أو مستدامة في السياسة، وفقا لما ذكرت المجلة الأمريكية.
ونوهت "فورين بوليسي" إلى أن أي إدارة أمريكية لم تواجه مطلقا موقفا مع حليفها الإسرائيلي مثل ذلك المرتبط بالسابع من أكتوبر، حيث تم النظر إلى طبيعة الصراعات مع حماس وحزب الله من منظور وجودي تقريبا؛ وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي عازما على فعل أي شيء تقريبا للبقاء في السلطة؛ كما أن غياب المسار الدبلوماسي الواقعي إلى جانب وجود رئيس مؤيد لإسرائيل بشكل مطلق، وتزامن ذلك مع عام انتخابي (انتخابات الرئاسة الأمريكية)، كل هذا حد من خيارات الولايات المتحدة ونفوذها (على إسرائيل).
وترى "فورين بوليسي" أنه رغم قوتها العسكرية والسياسية، فإن القوى العظمى ليست دائما عظيمة عندما تتورط في شؤون القوى الأصغر في منطقة تملكها الأخيرة. وعليه، فإن الشرق الأوسط مليء ببقايا القوى العظمى التي اعتقدت خطأ أنها تستطيع فرض إرادتها ومخططاتها وطموحاتها وأحلامها وخطط السلام على القوى الأصغر. ولكن الواقع هو أن هذه المنطقة هي في أغلب الأحيان مكان تذهب إليه الأفكار الأمريكية لتذبل أو تموت. وهذا هو الحال بشكل خاص في الصراعات التي لها تاريخ طويل، حيث تلعب الهوية والصدمة والذاكرة والدين أدوارا مهيمنة.
ومع إحياء ذكرى مرور عام على هجمات السابع من أكتوبر، يتعين على الولايات المتحدة –وفقا للمجلة- أن تتذكر أن تجاهل المنطقة، ناهيك عن تركها، ليس خيارا. فلدى الولايات المتحدة حلفاء وخصوم ومصالح حيوية هناك. كما أن الزعامة الأمريكية مهمة، ولكنها ليست المفتاح. وإن ما يهم أكثر هو وجود زعماء إسرائيليين وفلسطينيين متمكنين من سياستهم، وليسوا أسرى لأيديولوجياتهم، بل ويهتمون بمستقبل شعوبهم وعلى استعداد للتواصل مع بعضهم البعض برؤية لمستقبل مشترك؛ ما سيتيح على الأقل فرصة لخلق مسار أفضل للمضي قدما بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الولايات المتحدة نتنياهو حماس حزب الله إسرائيل المجلة الأمریکیة الولایات المتحدة السابع من أکتوبر الشرق الأوسط فورین بولیسی إلى أن

إقرأ أيضاً:

الغارديان: إسرائيل تحاول حرف مسؤولية المجاعة في غزة على حماس والأمم المتحدة

قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير أعده بيتر بيومنت، إن إسرائيل ووسط الشجب الدولي على المجاعة في غزة تحاول تحويل اللوم وإبعاد نفسها عن مسؤولية تجويع الفلسطينيين الواسع في غزة. 

وفي الوقت الذي قدمت فيه عشرات الحكومات ومنظمات الأمم المتحدة وشخصيات دولية أخرى أدلة عن مسؤولية إسرائيل، حاول المسؤولون والوزراء في إسرائيل الإيحاء بأنه لا يوجد جوع في غزة، وأنه إذا كان الجوع موجودا، فهو ليس خطأ إسرائيل، أو إلقاء اللوم على حماس أو الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة في مشاكل توزيع المساعدات.

وتواصلت الجهود الإسرائيلية حتى مع ظهور أحد وزراء حكومتها، وزير التراث اليميني المتطرف، عميحاي إلياهو، وهو يصف سياسة غير مبررة للتجويع والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وهي سياسة نفتها إسرائيل وقالت إنها ليست سياسة رسمية.

ووسط دلائل على تزايد أعداد الوفيات بسبب الجوع في غزة، بما في ذلك وفيات العديد من الأطفال، وصور وروايات صادمة عن سوء التغذية، حاولت إسرائيل التنصل من المسؤولية عما وصفه رئيس منظمة الصحة العالمية بـ"المجاعة الجماعية من صنع الإنسان".



وقد أيدت 28 دولة هذا الرأي في بيان مشترك صدر هذا الأسبوع، بما في ذلك بريطانيا، والذي ألقى باللوم صراحة على إسرائيل. وجاء في البيان: "لقد وصلت معاناة المدنيين في غزة إلى مستويات غير مسبوقة".

وأضاف البيان: "إن نموذج تقديم المساعدات الذي تنتهجه الحكومة الإسرائيلية خطير، ويؤجج عدم الاستقرار، ويحرم سكان غزة من كرامتهم الإنسانية". وجاء فيه: "ندين إيصال المساعدات بالتنقيط والقتل اللاإنساني للمدنيين، بمن فيهم الأطفال، سعيا لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الماء والغذاء".

وكان بعض المسؤولين الإسرائيليين أكثر حذراً بعض الشيء في تصريحاتهم العلنية، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي وعد بشكل مبهم بأنه "لن تكون هناك مجاعة" في غزة. إلا أن إحاطة غير رسمية قدمها مسؤول أمني إسرائيلي كبير قبل فترة للصحافيين دفعت إلى موقف أكثر حزما، مؤكدا "لا يوجد جوع في غزة"، ومدعيا أن صور الأطفال الجائعين على الصفحات الأولى حول العالم تظهر أطفالاً يعانون من "أمراض مزمنة".

وظهر ديفيد مينسر، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، على قناة "سكاي نيوز" قائلا هذا الأسبوع: "لا توجد مجاعة في غزة،هناك مجاعة للحقيقة". 

وفي تناقض مع هذا الادعاء، قالت منظمة "أطباء بلا حدود" إن ربع الأطفال الصغار والأمهات الحوامل أو المرضعات الذين فحصتهم في عياداتها الأسبوع الماضي يعانون من سوء التغذية، وذلك بعد يوم من إعلان الأمم المتحدة أن واحدا من كل خمسة أطفال في مدينة غزة يعاني من سوء التغذية.

ومع ذلك، فإن محاولات إسرائيل للتملص من المسؤولية تقوضها مسؤوليتها الوحيدة والشاملة: فهي، كقوة احتلال في صراع، ملزمة قانونا بضمان توفير سبل العيش لمن هم تحت الاحتلال.



وبينما حاولت إسرائيل باستمرار إلقاء اللوم على حماس لاعتراض المساعدات الغذائية، فقد قوّض هذا الادعاء تقييم أمريكي مسرب، اطلعت عليه "رويترز"، لم يجد أي دليل على سرقة ممنهجة من قِبل الجماعة الفلسطينية المسلحة للإمدادات الإنسانية الممولة من الولايات المتحدة.

وبعد فحص 156 حادثة سرقة أو فقدان لإمدادات ممولة من الولايات المتحدة أبلغت عنها منظمات شريكة في المساعدات الأمريكية بين تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وأيار/مايو 2025، قالت إنها لم تجد "أي تقارير تزعم أن حماس" استفادت من الإمدادات الممولة من الولايات المتحدة.

كما كثفت إسرائيل مؤخرا جهودها لإلقاء اللوم على الأمم المتحدة في مشاكل توزيع المساعدات، مشيرة إلى "عدم تعاون المجتمع الدولي والمنظمات الدولية".

وتتناقض مزاعم إسرائيل مع أدلة واضحة على جهودها لتقويض توزيع المساعدات.

ورغم التحذيرات الدولية من المخاطر الإنسانية التي يشكلها حظر أونروا، الوكالة الأممية الرئيسية للفلسطينيين والمنظمة الأكثر خبرة في غزة، من إسرائيل، فقد أُغلقت عملياتها، مما عقد جهود الإغاثة.

وبدلا من ذلك، اعتمدت إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، على مؤسسة غزة الإنسانية الخاصة عديمة الخبرة والمثيرة للجدل؛ وكانت مواقعها محورا للعديد من عمليات القتل الجماعي للفلسطينيين اليائسين على يد الجنود الإسرائيليين.

مقالات مشابهة

  • نيوزويك : مشاهد طاقم سفينة اتيرنيتي تصيب واشنطن وتل ابيب بالارباك
  • الخارجية الأمريكية: مؤتمر حل الدولتين في غير وقته ويقوض جهود السلام
  • واشنطن: مؤتمر حل الدولتين في غير وقته ويقوض جهود السلام
  • وزارة الخارجية الأمريكية: واشنطن ترفض مؤتمر حل الدولتين
  • إسرائيل تستنزف احتياطي الولايات المتحدة من صواريخ ثاد
  • واشنطن تستهلك ربع مخزون “ثاد” في حرب “إسرائيل” وإيران
  • سي إن إن:الولايات المتحدة استنفدت نحو ربع مخزونها من صواريخ ثاد خلال حرب إسرائيل مع إيران
  • عطاف يستقبل المستشار الرفيع لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية لإفريقيا
  • ما هي الخيارات الأخرى التي تدرسها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد حماس؟
  • الغارديان: إسرائيل تحاول حرف مسؤولية المجاعة في غزة على حماس والأمم المتحدة