أين نقف الآن؟
لم تكن المرّة الأولى التي يبدو فيها حميدتي في مظهر الضعيف البائس المهزوم؛
لو فيه زول متذكّر الأيّام الأولى للحرب، فحميدتي في آخر اتّصال ليه مع القنوات قبل اختفائه قال كلام مشابه من نوع بضربونا بالطيران وناصرنا الله و٤٨٠ ضابط مشوا خلّونا وواي وواي؛
لدرجة خلّتنا نظن إنّه أمره مقضي خلال أيّام؛
وجا بعدها فاجأ الجميع بتقدّم عسكري كبير وانتشار واسع وسقوط مدن عديدة في يدّه؛
فخطاب الانكسار لا يعكس الواقع بالضرورة؛
بل هو في الغالب أداة من أدوات التحكّم التفسي، psychological manipulation، على طريقة الجماعة إيّاهم؛
ولا يخفى على المتأمّل علاقتهم بحميدتي ومشروعه الاستيطاني؛
وفي نظرة ثانية ممكن تقدر تشوف بعض المكاسب الجناها الهالك من بكيته الأولى:
١- هزّ ثقة الناس كثيراً في مقدرات الجيش ومصداقيته ورغبته في كسب المعركة أمام عدو افتكروه ضعيف؛
٢- رفع ثقة الكثيرين في الحليف السياسي الـ”طلع كلامهم صاح وتحذيرهم في محلّه”؛
٣- كسب أسهم استعطاف دولي بإظهار موقفه كمدافع مستبسل، في حين كان هو المهاجم؛
وهكذا، ممكن براك تعدّد بعض النقاط على سبيل التمرين.
إذن، بمقارنة الموقفين، مع تكرار رد فعل الشارع وتكرار تعقيب الحليف السياسي، فمن المعقول إنّنا نتوقّع دورة جديدة في الحرب، ومن العقل إنّنا نتحسّب ليها؛
لــــــــــــكـــــــــــن؛
فيه حاجات كتيرة اختلفت ما بين المرّة الأولى والمرّة دي؛
من بينها:
١- بقينا أكثر وعياً، لا يسهل خداعنا؛
على سبيل المثال، فالمرّة دي نحن عارفين ومتأكّدين إنّه بيكذب، على الأقل في محاولة الإيحاء بقلّة الإمداد ونفاذ الذخيرة؛
كلّنا عارفين إنّه الكلام دا ما حاصل، وللا فيه زول ما عارف؟
يبقى على الأقل بقينا واعين لأنّنا بتتعامل مع شخص كذّاب ومراوغ، مش بسيط وساذج زي ما كان بعضنا بشوفه.
٢- الجيش المرّة دي أكثر استعداداً بكثير من الضربة المباغتة الاتلقّاها المرّة الفاتت، وأكثر تمرّساً بكثير بعد سنة ونص من الحرب؛
وفي خلال الفترة الأخيرة بالذات بقت الوحدات العسكريّة مترابطة، الإمداد مؤمّن، التجنيد مستمر، الخ؛
٣- حصلت تصفية كبيرة في الخلايا النايمة والطابور داخل الجيش؛
طبعاً من المعقول نتوقّع إنّه ما يزال لدي حميدتي بعض الخونة المتواطئين معاه داخل الجيش وجهاز الدولة، وما يزال ساعي في شراء ذمم المزيد، لكن الجزو الأكبر من الخونة والعملاء ح يكون اتحرق خلال فترة الحرب المضت دي؛
٤- المشروع السياسي اتنسف تماماً!
يعني ما عاد فيه بيان ممكن يذيعه يوسف عزّت على الأمّة السودانيّة، ولا عاد فيه يوسف عزّت ذاته؛
في النهاية براهم نقضوا كلّ ادعاءاتهم الأولى، وبقوا يختلقوا سرديّات جديدة يسوّغوا بيها المشروع، ما بين خطر المجاعة وخطر الإرهاب.
٥- الحليف السياسي انتهى؛
كتير من الكوادر السياسيّة الموالية للميليشيا فقدت صلاحيّتها؛
كان بي فضيحة زي عبد الباري والتعايشي؛
كان بمقت جماهيري زي علاء الدين نقد؛
كان بدعم صريح للميليشيا زي النور حمد؛
وللا كان بالاستهلاك، زي حمدوك: أعيد تدويره للمرّة الثالثة، ف ما أظن فضل أيّ انتروبيا تخلّي زول يعيره اهتمام تاني؛
فمعظم الكوادر السياسيّة في الحلف الميليشي اتحرقت، ولا يوجد دماء جديدة!
٦- نجاح الدعم السريع في السيطرة الكاملة على بعض المدن، زي مدني والجنينة ونيالا، كشف عورتها وبيّن عجزها عن إدارة الحياة المدنيّة؛
يعني مشروع تقسيم الدولة كخطّة بديلة أو فزّاعة فشل تماماً؛
ماف زول في العالم عنده رغبة في وجود دولة ينفرد بإدارتها الدعم السريع.
٧- المادّة التحفيزيّة نضبت في جانب الدعم السريع؛
ما فضلت غنايم تتشال، ولا فيه إشارة لنصر سريع في الأفق؛
المزيد حول هذه النقطة في مقال Mutasim Agraa [١]؛
وبالمقابل ف بنلقى الحافز متزايد في جانب الجيش والقوّات المقاتلة في صفّه، ما بين الدافع الوطني والدفاع عن العرض، وبين الأمل المتزايد في النصر ومن ثمّ المشاركة في المرحلة القادمة من دورة الحياة السياسيّة.
٨- مصالح المواطنين مالت بوضوح في جانب الجيش؛
في بداية الحرب الناس كانت خايفة تفقد أمنها ومالها ومأواها، ولذلك فالخطاب الداعي لوقف الحرب بالتفاوض، الكان بتروّجه كوادر قحت، كان شافع، appealing، لدى المواطنين؛
اليوم الناس فقدت معظم الكانت خايفة عليه، وفقدت معاه الشعور بالخوف؛
يعني زول هو وأهله كلّهم اتهجّروا واتبعثروا، وفقد كلّ ما يملك، داير تخوّفه تقول ليه “عنف عنف عنف”؟
يجوه يغتالوه في بلد اللجوء يعني؟
يضربوه بالكيماوي بدل الدوشكا؟
وللا يغتصبوه هو بدل يغتصبوا بناته؟!
فالخطاب الترهيبي المتبنّينّه أولياء الميليشيا ما عاد عنده أثر كبير؛
وبقوا حسّة دايرين يصدّروه للعالم الخارجي في شكل تحذير من الإرهاب ????؛
في المقابل، ظهر حافز جديد بديل في الفترة الأخيرة من عمر الحرب، وهو أمل العودة للوطن والديار؛
ودا مرتبط بانتصار الجيش وهزيمة الميليشيا، والمواطنين بدوا فعليّا يميلوا ليه تبعاً لمصلحتهم؛
الحاجة دي بتهزم مشروع الميليشيا بدرجة دفعتها لاستهلاك ذخيرتها في قصف مباشر للأحياء السكنيّة التي بدأ المواطنون بالعودة إليها؛
بأيّ طريقة دايرين يمنعوا الناس من العودة، لأنّها دا أقصر طريق لهزيمتهم سياسيّا، معنويّاً، ومن ثمّ عسكريّا.
٩- استعادة ثقة المواطنين في الجيش؛
مجهود كبير جدّا قامت بيه كوادر أولياء الميليشيا في الوسائط الاجتماعيّة تبدّد سريعاً مع انتصارت الجيش الأخيرة؛
– الجيش حارس مقرّاته
– متين الجيش دا استعاذ حاجة خسرها
– دي تمثيليّة ساي لتهريب قيادات كيزانيّة
– سنة كاملة شان يرجّعوا مبنى فاصي؟
– كان قعدوا ورا الكباري دي تلاتة يوم أحلق شنبي
هكذا تدرّج خطابهم الرامي لنسف الثقة في الجيش، لحدّي ما وصل مرحلة الإنكار الصريح للوقائع، ثمّ مرحلة خلع قناع الناصح الأمين وكيل الشتائم للمواطنين؛
الآن انعكست القناعة بشكل كبير؛
بدل “يعني شنو حرّروا الإذاعة” بقت الناس أميل لـ “يعني شنو سقطت فرقة وللا مدينة، كلّه برجع ان شاء الله”؛
الحاجة دي كان بيقولوها أخوانّا في الجيش، وكنت بستغرب من درجة الإيمان واليقين العندهم؛
وحسّة بقينا معاهم؛
دا بينقلنا للنقطة التالية:
١٠- انتظام الصف الوطني
دا الكان مفروض بكون من الأوّل؛
لكن “مكر الليل والنهار”؛
الحمد لله الناس كلّها ماشّة تبقى صف واحد، شعب وجيش، ضد الميليشيا المحتلّة!
النقاط ما انتهت لكن عيوني تعبت من الكتابة، فأكتفي بهذا القدر، وممكن الناس تناقش محاور تانية زي كونه تطاول الأمد في مصلحة الدولة وليس الميليشيا، زي التحرّكات الخارجيّة في الإعلام والميديا، زي إضافة القوني لقائمة العقوبات، الخ؛
خلاصة الداير أقوله إنّه الميليشيا ما انهارت عسكرياً لسّة، فيما يبدو لي؛
لــــــــــــكـــــــــــن؛
مشروعهم انهار سياسيّا تماماً؛
تحوّل لاستثمار فاشل، الأجدى تصفيته؛
دا المتوقّع قريباً ان شاء الله من جانب الجهات الراعية والمموّلة؛
ومن ثمّ يتبع الانهيار العسكري السريع؛
حميدتي ما عنده خيار يستسلم؛
النصر أو القبر؛
وكذا الحال بالنسبة لكبار أوليائه السياسيين؛
ح يحاولوا يعمل حركة مباغتة يحقّقوا فيها انتصار كبير؛
سقوط مدينة جديدة، اجتياح منطقة آمنة، استخدام أسلحة نوعيّة متقدّمة، أسر أو اغتيال ضابط كبير، الخ؛
والهدف منها، زي ما قلنا في البداية، حرب نفسيّة أكتر من عسكريّة؛
وقد تنجح المحاولة اللي ح يختّوا فيها جل مجهودهم؛
قد تهزّنا نفسيّا لو حصلت؛
لكن بتمنّى ما نخلّي حاجة تهز ثقتنا في دولتنا أو جيشنا أو قضيّتنا؛
نحن على حق، والنصر لنا بإذن الله؛
وقد يفيد في الأحوال دي نتذكّر بعض الحاجات الممكن تطمّنا؛
مثلا:
١- سور القيادة الخرساني
بورّيك إنّه الجيش كان صاحي، وسط عمى وتعامي النخبة السياسيّة عن خطر المشروع الاستيطاني، ومتحسّب للحرب الحتميّة دي؛
صحيح ما كان عنده القدر يوفّر الحماية لكل مواطن وكل مرفق وكل مدينة، ودي قصّة شرحها يطووول، لكن بحمد الله نجح في حماية الدولة نفسها من السقوط في أيدي الاحتلال الاستيطاني؛
ونحن شفنا السور، لكن ما شفنا المخزون الاستراتيجي الجوّاه الساعد الهيئة القياديّة على الصمود تحت الحصار؛
ف دي حاجة بتخلّيك تتطمّن إنّهم واعين، حتّى لو ما حكوا ليك!
٢- هلاك قيادات ميدانيّة كبيرة داخل الميليشيا، زي البيشي وعلي يعقوب، وشخصيّات كاريزميّة عتدهم، زي قرن شطّة وحسبو
دي حاجة حقّها تطمّنك إنّك الجيش ماخد الحرب دي بجدّيّة كاملة، وح يلقّطهم واحد واحد ان شاء الله!
ممكن الناس تشارك برسايل تطمينيّة تانية في التعليقات؛
#حميدتي_انتهى
تحرير:
نبّهني زول في المداخلات لعنصر مهم يستحق الحاقه بالعشرة الفوق، وهو خروج حركات دارفور من خانة الحياد إلى الوقوف بجانب الجيش والدولة؛
فضلاً عن قيمتها العسكريّة، فالحاجة دي عندها وزن سياسي كبير جدّا!
Abdalla Gafar
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: السیاسی ة المر ة
إقرأ أيضاً:
التهافت على المال
الله عز وجل لما خلق البشرية جعل بينهم الرحمة والمودة والإنسانية واللطف، فلا يمكن أن تستقيم الحياة إذا انتفت الأخلاق السامية والرحمة بين البشر والتعاون فيما بينهم، لابد أن يكون مبدؤنا في عمارة الأرض هو التكاتف وخدمة الناس كل بما أعطاه الله، وأن تكون نظرتنا تشاركية في المغنم والمغرم ، الحياة لن تدوم والآيات القرآنية والأحاديث النبوية والكتب السماوية قد دلت على ذلك؛ بل وزهدت في الدنيا المؤقتة وأنها طريق إلى الجنة والحياة الأبدية ،
ولما خلق الله الدنيا جعل المال والبنون زينتها، قال الله تعالى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} المال هو عصب الحياة وهو من أسباب الرفعة في الدنيا ومع تكاثر المعاملات المالية أصبح الناس رأس ماليين الكل يفكر كيف ينمي ثروته سواء بتجارة أو بوظيفة مرموقة وهذا محمود،
ولكن غير المحمود عندما ينتقل حب المال إلى نفوسنا ويقتل الإنسانية والرحمة ويكون هو المحرك الأساس في التعامل والتواصل مع الناس، فلا نتحدث إلا بالمال ولا نعمل إلا لأجل المال ولا نتواصل إلا لأجل المال؛ بل حتى وصل بعضهم إلى بيع دينه ووطنه لأجل المال ،
فعندما يتَشرب قلبه بتلك الأرصدة البنكية قد يصل إلى مرحلة أن يتجرأ على أكل المال الحرام من ربا وتعاملات مشبوهة والكذب والتدليس وأخذ أموال الناس بغير حق والاستيلاء على حقوق اليتيم ويبيع وطنه بترويج المخدرات ، لأن منتهى غايته أن يصل إلى الدراهم والدنانير ويكنزها ولايفكر أنها سوف تغمسه في النار عند وضع الموازين بالقسط ، والبعض قد يكون أخذ المال بالحلال ولكن أصبح قلبه معلقاً بالدراهم وهي المحرك له،
فتمل الجلوس معه فلا يتكلم إلا عن كيفية كسب ذلك المال وماهي الطرق التجارية والأسهم التي ترفع من أرصدته البنكية ومحور تفكيره واهتمامه في الدنيا ، وعندما تنظر ماذا قدم للأخرة تجده محروماً لم يقدم إلا القليل لم يكفل يتيماً ولم يقضِ حاجة مسكين ولم يطعم جائعاً! صدأ قلبه عن الإنفاق فهو يرى أن ذلك ينقص من ماله ، عندما تحدث قضايا مجتمعية وتحتاج إلى من يتبنى الوقوف لحل تلك القضايا ينقسم الناس إلى قسمين قسم يتلذذ بالعمل ويجعل هدفه كيف يكون مساهماً في حل تلك القضية التي أرقت الناس فيقضي ليله ونهاره في التفكير في الحلول المنطقية وبكل احترافية يبتغي بذلك الأجر والمثوبة مع مايتقاضاه من أجور دنيوية إن تيسرت ولكن هدفه الرئيس هو قضاء حوائج الناس ،
وقسم آخر يفكر بماسيجنيه من تلك الأعمال فهمه كم سوف أحصل عليه من حفنة مال؟ ولا يعمل إلا إذا أخذ ويعطي بقدر ما أخذ لا تهمه تلك القضية حلت أم لا فمنتهى مراده كم ارتفع الرصيد البنكي فهؤلاء المساكين لم يذوقوا طعم الحياة الحقيقية فقد أعمى الله أبصارهم عن فعل الخير ، إن أعمال الخير إذا خالطها حب المال والتعلق به فسدت النية ،
فلا نجعل المال هو منتهى علاقاتنا وإنسانيتنا فنتقاطع ونتدابر ونتباغض فكم من أخ فارق أخاه لأجل حفنة مال وكم من زوج فارق زوجته لأجل الاختلاف على المال وكم من صديق فارق صديقه ودخلوا المحاكم لأجل المال وكم من أولاد اختلفوا مع والدهم لأجل المال وكم من أسر تقاطعت لأجل الميراث من الأموال وكم وكم أمثلة لاتعد ولاتحصى وهذه الفتنة التي تصدأ منها القلوب عظم رسول الله ﷺ شأنها، فقال:( إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال)،
ولذلك كان ﷺلا يخشى على أصحابه الفقر،( ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم )،
وفي الختام تأمل قصة قارون عندما رزقه الله سعة وكثرة من المال والرزق الوفير حتى فاضت خزائنه وكانت مفاتيحها يحملها المجموعة من الأشداء فطغى وبغى وتجبر على قومه وربما حرمهم من حقوقهم في ذلك المال ونصحه قومه بتمتع بالمال في الدنيا ولاينس الآخرة فإنها خير وأبقى ولكن غرته تلك النعمة فلم يستجب ونسبها إلى نفسه وعلمه ولم يسمع لنداء قومه وافتتن الناس به وتمنوا مكانه فعاقبه الله وخسف به و بداره الأرض فهي سنة كونية لاتبديل لخلق الله فمن طغى وتجبر في الأرض على عباد الله فلن يتركه الله سدى، اللهم لاتجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا برحمتك يا أرحم الراحمين .