تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في عالم يملؤه الأمل كانت بسملة تُخطط لمستقبلها كطبيبة تحاليل، وتعقد العزم على تقديم أفضل ما لديها لتحقيق حلمها، لكن القدر كان يحمل لها في طياته مأساة لا يتخيلها أحد، إذ اختطف الموت حلمها، ورحلت بسملة ممدوح خلف الله، ابنة محافظة أسوان والطالبة بقسم بايو تكنولوجي بكلية العلوم بجامعة الجلالة، ومعها 12 طالبا وطالبة من زملائها عن عالمنا في حادث مأساوي أفجع القلوب؛ إثر حادث انقلاب الحافلة التي كانت تقلهم خلال عودتهم من جامعة الجلالة إلي السكن.

ولم تكن ابنة أسوان طالبة ذكية وطموحة فقط، بل كانت أيضًا ابنة محبوبة، وصديقة وفية، تُعطي الحب لمن حولها، تحمل في قلبها شغفًا لا ينتهي لتحقيق أحلامها في دراسة العلوم، وفجأة وجدت عائلتها نفسها في دوامة من الحزن والأسى، وهي تحاول استيعاب ما حدث حيث خلف موتها ذكرى مؤلمة لن تُمحى من قلوب أسرتها ومن أحبّوها.

توجهت «البوابة نيوز» لتقديم واجب العزاء للأسرة وليحدثنا والداها وأصدقائها عن بسملة وما حدث في الساعات الأخيرة قبل وفاتها وذهبنا أولا إلي المقابر، وفي مشهد مؤلم، اجتمع فيه الأهل وأصدقاء بسملة حول قبرها لزيارتها، حيث يعم الحزن والأسى، جلست أختها الصغرى بجوار القبر، تتأمل شواهد الحزن حولها تتمتم بكلمات غير مسموعة، كما لو كانت تحدث بسملة مباشرة، تروي لها كم يفتقدونها وكم الألم الذي يعيشونه بعد رحيلها، وكيف تركت فراغًا كبيرًا في حياتهم، أما الأخت الثانية، فلم تقوى على الحديث، ودموعها تنهمر بغزارة، تغسل وجهها في مشهد مهيب، تعبر عن عمق الحزن الذي يعتصر قلبها على فراق شقيقتها، كان المشهد مؤلمًا، حيث اختلطت مشاعر الفقد بالحب والحنين كان هذا اللقاء حول القبر ترك أثرًا عميقًا في النفوس، لتظل بسملة حاضرة في قلوبهم، رغم غيابها الجسدي. 


حزن لا ينتهي.. صديقة بسملة المقربة تروي ألم الفقد

وسط دموع لا تتوقف، تروي "شهد خالد" تفاصيل مؤلمة عن فقدانها لصديقتها المقربة التي كانت بمثابة أخت لها "كنت مع بسملة طوال الوقت، فهي صديقتي من المرحلة الإعدادية وعلاقتنا تجاوزت مجرد الصداقة إلى الأخوة الحقيقية، حيث كانت العائلتان تتعاملان معهما على أنهما أفراد من نفس الأسرة.

وتكمل «شهد» "كنا مع بعض 24 ساعة في اليوم، وكنت أتحدث معها طول الوقت وآخر مكالمة بينا كانت قبل الحادث بنصف ساعة فقط"، تقول شهد بحزن بالغ أنها وبسملة كانتا تتشاركان كل شيء، حتى الأحلام والطموحات،"كان عندنا حلم نشتري بيت مع بعض لما نكبر، وكنت أتخيل أننا سنعيش فيه أنا وهي وصديقتنا الثالثة مريم". 

وتتحدث شهد عن اللحظات الجميلة التي عاشتها مع بسملة، وكيف كانتا دائمًا تحرصان على الصلاة معًا جماعة، خاصة في المناسبات الدينية مثل رمضان كنا نختم القرآن سويا ويوم وقفة عرفة، حيث اتفقنا على قضاء الليل في قراءة القرآن والدعاء، وبسملة كانت بتحفظ القرآن بشكل جيد، وكانت ناوية تكمل ختم القرآن لما ترجع من السفر، موضحة "بسملة كانت متحمسة جدًا للسنة الجديدة في الجامعة، خاصة لمادة التشريح هذا العام لأنها كانت بتحب مجالها جدا، واشترينا أدوات التشريح قبل سفرها، وحتى ملابس الجامعة كنا نتسوق لشرائها معا  لأن أذواقنا متشابهة، معبره عن حزنها العميق لفقدان صديقتها "مفيش أصحاب في الدنيا زيي أنا وبسملة ومريم"  حيث كانت بسملة جزءًا من حياة شهد اليومية، موضحة  كانت قريبة جدًا من عائلتي، كانوا يعتبرونها ابنتهم، "وكنا بنحب نعمل الأكل معًا بشكل دائم، وكانت بتيجي لبيتي على طول" وحتى بعد وفاتها، أصبح قبرها مواجهًا لبيتي، كأنها لن تتركها أبدا وكأن الفراق لم يستطع أن يبعدهما.

وتركنا المقابر في طريقنا للقاء الحاج ممدوح خلف الله والد بسمله والذي عبر عن حزنه العميق بفقدان ابنته الكبرى بكلمات مليئة بالفخر والحب قائلًا: " افتقدها ولكنني راضي عن ابنتي بكل ما قدمته في حياتها، كانت دائمًا ابنة صالحة ومتفوقة، مشيرًا إلى طموحاتها وأحلامها التي سرقها الحادث المؤلم كنت أتمنى لها مستقبلًا مشرفًا، ولكن القدر اختار طريقًا اخر فتركت خلفها أختين أصغر منها وأخ كان لها تأثير كبير في حياتهم، دعواتي لها بالرحمة والمغفرة، فقلبي مثقل بالألم، لكني أجد السلوى  في ذكرياتها الطيبة وأخلاقها الرفيعة، أؤمن بأنها في مكان أفضل الآن بين يدي الله.

وأكمل حديثه بعينين مشبعتين بالدموع لـ18 عامًا، أعمل في السعودية بلا كلل، سعيًا وراء تحقيق أحلام أبنائي الأربعة تكبرهم بسملة التي تفوقت في دراستها الثانوية، كانت تطمح لدراسة الطب في روسيا، لكن بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، قررت تغيير خطتها والالتحاق بكلية العلوم بجامعة الجلالة،"طلبت مني الالتحاق بالجلالة، وكنت أرغب في أن تتلقى أفضل تعليم، وكان طموحها أن ترفع رأسي بتفوقها."


المكالمة الأخيرة

وتابع الحاج ممدوح حديثه في يوم الحادث، "كانت بسملة عائدة من الجامعة في طريقها إلى سكنها في شاليه بورتو السخنة، حيث كانت تقيم مع زميلاتها، وقبل ساعات قليلة من وقوع الحادث، أجرت مكالمة هاتفية معي: "كانت تطمئن عليَّ، وأخبرتني بأنها ستعد الغداء فور عودتها للسكن" قائلا بحسرة لم أكن أدري أن تلك المكالمة ستكون الأخيرة بيننا، وأن بسملة كانت تودعني إلى الأبد ولن أسمع صوتها مجددًا".

نبأ الفاجعة

واستطرد الحاج ممدوح "بينما كنت أعمل في محل ملابس بالسعودية، تلقى إشارة من القدر كما وصفها  "لم أعتد فتح هاتفي أثناء العمل، لكن في ذلك اليوم شعرت بشيء غريب"، عندما فتح هاتفه، ورأى صورة حادث حافلة جامعة الجلالة على مواقع التواصل الاجتماعي، وشعر بقلبه يتسارع ونزلت عليه صاعقة "عرفت في لحظتها أن ابنتي من بين ضحايا الحادث"، "جريت إلى خارج المحل وقلت لهم بنتي ماتت في الحادث"، يروي الأب بصوت مكسور لم تفلح محاولات من حولي لتهدئتي وإقناعي بضرورة التريث والتحقق من الأمر لأن قلبي كان يؤكد لي الفاجعة".

رحلة العودة الموجعة

في أقل من ساعتين، أنهيت إجراءات عودتي من السعودية إلى مصر، بمجرد وصولي، توجهت مباشرة إلى مشرحة مجمع السويس الطبي، حيث كانت ابنتي في ثلاجة الموتى،  "كان أصعب مشهد في حياتي"، وجدت ابنتي بين الموتى، وقد فارقت الحياة.

أوضح الحاج ممدوح، أن السكن الذي كانت تقيم فيه بسملة وزميلاتها سكن خاص شاليه في شاليه بورتو السخنة، وهو سكن اضطر الطلاب للجوء إليه لعدم وجود سكن جامعي مجهز، مشيرا إلي أن سكن الجامعة غير مجهز وهو سكن فندقي سياحي يفتقر إلى أدنى الخدمات اللازمة لإقامة الطلاب المغتربين، والمكان لا يليق بالطلاب الذين يأتون للدراسة من مختلف المحافظات. 
وأضاف "الجامعة عليها مسؤولية كبيرة تجاه الطلاب، فيجب أن تكون بيئة الدراسة آمنة ومستقرة، مطالبًا بتوفير بيئة آمنة ومجهزة للطلاب المغتربين، قائلا: "الآباء يرسلون للجامعة أبناءهم فهم ثمار تعب أسرهم بعد سنوات من الشقي والعمل والكد والعرق، ومنهم من ضاع عمره في الغربة لتوفير فرص التعليم لهم ويدفع تكاليف التعليم الخاص كاملة وعلى الجامعة أن تكون على قدر هذه المسؤولية، فيجب توفير السكن والخدمات المناسبة للطلاب حتى لا تتعرض حياتهم للخطر."

مواجهة الشائعات

بعد وفاة بسملة، انتشرت شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بأن والدها منفصل عن زوجته ولم ير ابنته منذ 12 عاما نفى والد بسملة هذه الشائعات بشدة، مؤكدًا: "أنا وزوجتي معًا منذ 20 عامًا، وهي ليست فقط زوجتي بل ابنة عمي أيضًا، وان ما يتم تداوله من لغط واشاعات عار تماما من الصحة فإنه زوج وأب واخ لزوجته وأنه لن يتركها إلا عند موته وذهابه للقبر. 

وأشار إلى أن ابنته كانت على تواصل دائم معه وكانت تحلم بأن تصبح دكتورة تحاليل شهيرة، وكانت تعمل بجد لتحقيق هذا الحلم وطلباتها كلها مجابه، "وكانت دائمًا تقول لي إنها ستصبح دكتورة معروفة، وأنا كنت أعدها بأن أساعدها في التدريب في أفضل الأماكن بعد تخرجها"، لكن الموت كان أسرع من تلك الأحلام.

1000117789 1000117788 1000117798 1000117797 1000117782

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: جامعة الجلالة كلية العلوم حادث اتوبيس جامعة الجلالة حادث انقلاب الحافلة حیث کانت

إقرأ أيضاً:

ذكرى عيد العرش المجيد في المغرب.. ملاحم متجددة من التنمية والتحديث والبناء


 

طارق الحسيسن

 

يحتفل الشعب المغربي في الثلاثين من يوليو الجاري بالذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عرش أسلافه الميامين، وهي مناسبة وطنية جليلة تحمل في طياتها العديد من الرموز  والدلالات التي تعبر عن عمق أواصر الولاء والبيعة والتلاحم الوثيق بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الوفي، وتكريس الالتزام الراسخ بمواصلة مسارات التنمية والبناء والتحديث، وتحقيق النموذج التنموي المغربي المتميز الذي أرسى دعائمه صاحب الجلالة، نصره الله، باعث نهضة المغرب الحديث، وفق مقاربة قوامها النمو الاقتصادي المستمر والتنمية المستدامة والتضامن الاجتماعي والحكامة الجيدة.

إن تخليد هذه الذكرى الغالية لعيد العرش المجيد، يشكل لدى كل المغاربة قاطبة مناسبة للتأمل في منجزات العهد الزاهر لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وهي لحظة سياسية مهمة لرسم معالم العشرية الثالثة من حكم جلالته الزاهر، والتي جعلت من إرساء الدولة الاجتماعية هدفا استراتيجيا ومحورا أساسيا لها يقوم على العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، من خلال تعزيز المكتسبات المحققة، والعمل على انتهاج النموذج التنموي الجديد وفق الرؤية الملكية المتبصرة والسديدة.

على الصعيد الدبلوماسي، تواصل المملكة المغربية بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الإسهام الفاعل والمؤثر في القضايا الإقليمية والدولية، وفق رؤية ملكية سامية سديدة، مبنية على الحوار وحسن الجوار واحترام سيادة الدول ودعم الأمن والسلم الدوليين وتكريس التعاون الدولي وترقية حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة. وفي هذا الإطار، فإن المغرب يعمل جاهدا، منذ سنوات، من أجل تفعيل الاتحاد المغاربي، وتعزيز العمل العربي المشترك، والدفاع عن القضايا المصيرية للأمتين العربية والإسلامية، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف في إطار حل الدولتين ووفقا للمرجعيات الأممية ذات الصلة.   كما إن التوجه الإفريقي أضحى محددا ثابتا واستراتيجيا في السياسة الخارجية المغربية، والتي بفضل ديناميتها، حققت نتائج مهمة على مستوى دعم التنمية في عدد من البلدان الإفريقية، وفق قاعدة الكسب المشترك والمنفعة المتبادلة، والتنمية الجماعية المستدامة للقارة، وهو ما تمت بلورته فعليا وعلى أرض الواقع من خلال المبادرة الأطلسية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس -نصره الله- لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وفق رؤية ملكية سامية طموحة ومبتكرة.

وفيما يخص واقع العلاقات المغربية العمانية وآفاقها، لا بد من التذكير أن هذه العلاقات الأخوية المتينة والراسخة والمتميزة بين البلدين الشقيقين والقائمة على الثقة المتبادلة والتعاون والتنسيق المثمر والبناء والتضامن المتواصل، عرفت وستعرف مزيدا من التقدم والتطوير إلى آفاق أرحب، في ظل القيادة الحكيمة والرشيدة لقائدي البلدين المبجلين صاحب الجلالة الملك محمد السادس -نصره الله، وأخيه صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه، والذي نتمنى لجلالته بهذه المناسبة السداد والتوفيق في قيادة الشعب العماني الشقيق نحو مزيد من التقدم والازدهار والرخاء.

وفي هذا الصدد، ينبغي التذكير أن العلاقات المغربية العمانية، تعززت خلال الفترة الأخيرة بالتوقيع -بمناسبة انعقاد الدورة السابعة للجنة المشتركة المغربية العمانية بمسقط بتاريخ 13 أبريل 2025،  برئاسة معالي وزيري خارجية البلدين الشقيقين- على عدد من الاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم شملت العديد من القطاعات الحيوية والمهمة،  كالرياضة والرقمنة وتبادل الخبرات بين وزارتي العدل بالبلدين ومجال الطاقة المتجددة والمجال السياحي والاعتراف بالشهادات الصادرة بموجب أحكام الاتفاقية الدولية لمعايير التدريب والإجازة والخفارة للملاحين لعام 1978 وتعديلاتها، إضافة إلى استمرار التشاور والتنسيق على مختلف المستويات بين مسؤولي البلدين الشقيقين، من أجل إبرام اتفاقيات جديدة تخص مجالات تعاون أخرى كالتعاون الأمني والعسكري وغيرها، فضلا عما تعرفه العلاقات الثقافية والعلمية من زخم متميز.

ويظل الطموح قائما للدفع بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين الشقيقين إلى مستويات أرحب، خاصة في ظل توفر كل الظروف المواتية لتحقيق ذلك من موقع استراتيجي متميز، ومؤهلات اقتصادية كبيرة، وبيئة استثمارية جاذبة، فضلا عن وجود إطار قانوني غني يغطي كافة مجالات التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين.

وفي الختام، أغتنم هذه المناسبة لأتقدم إلى كافة أفراد الجالية المغربية المقيمة بسلطنة عمان، بأحر التهاني بهذه المناسبة الغالية، وأتمنى لهم مزيدا من التقدم والنجاح، كما لا يفوتني أن أعبِّر عن جزيل الشكر وعظيم الامتنان والتقدير العالي لكل المؤسسات والهيئات الرسمية والخاصة بهذه الأرض الطيبة المعطاء، التي أبت إلا أن تعبر لنا عن تهانيها بالذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد.

** سفير صاحب الجلالة ملك المغرب، عميد السلك الدبلوماسي

 

مقالات مشابهة

  • آخر كلمات ضحية حادث انفجار أنبوبة بحفل محمد رمضان
  • بعد رسوم ترامب الجمركية الأخيرة.. عدة قطاعات بانتظار المزيد
  • بعد وفاة شاب وإصابة 6 بحفلة محمد رمضان يزعم: كانت محاولة اغتيال
  • «لم يعلم أنها ستكون الأخيرة».. صور توثق آخر ظهور لـ لطفي لبيب
  • نوال تتقبل اعتذار فجر السعيد بعد جدل تصريحات الأخيرة
  • انتهى التعنيف والضرب بالموت.. مصرع فتاة على يد والدها داخل منزل الأسرة بالشرقية
  • اللي ربنا معاه عمره ما يتكسر.. وفاء عامر توجه رسالة بعد أزمتها الأخيرة
  • جلالةُ السُّلطان المُعظم يلتقي بدولة رئيس وزراء المملكة المتحدة
  • ذكرى عيد العرش المجيد في المغرب.. ملاحم متجددة من التنمية والتحديث والبناء
  • إليك 10 من أفضل المدن للزيارة في الـ2025 إن كانت أمريكا وجهتك