الشراكة العمانية الجزائرية.. من الرؤية إلى التنفيذ
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
غادر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون سلطنة عمان بعد زيارة استمرت ثلاثة أيام أسست لمسارات تعاون وشراكات استثمارية واقتصادية بين البلدين. وعكست التطلعات المتبادلة نحو بناء شراكة فعّالة ترتكز على أسس تاريخية متينة ورؤى سياسية متطابقة. والزيارة التي تخللتها مباحثات سياسية مهمة وتوقيع مذكرات تفاهم متنوعة، تحمل إشارات واضحة على رغبة القيادتين في الانتقال بالعلاقات إلى مستوى التعاون الاستراتيجي المنهجي، الذي يخدم مصالح الشعبين ويعزز مكانتهما على الساحتين الإقليمية والدولية.
ويمكن النظر إلى القرارات التي خرج بها البيان الختامي، بدءًا من تأسيس صندوق استثماري مشترك إلى تعزيز الشراكة في الطاقة والزراعة والتكنولوجيا، باعتبارها تمثل رؤية جديدة تسعى لتحقيق أهداف اقتصادية واستراتيجية مستدامة. مثل هذه المبادرات تتجاوز في أهميتها حدود الاقتصاد، فهي تساهم في بناء تكامل اقتصادي بين البلدين، وتخلق فرصًا جديدة تُعزز من الاستقلالية وتفتح آفاقًا للابتكار والنمو. هذه الخطوات أيضًا ترسل رسائل ضمنية عن تحول نوعي في الاستراتيجيات الثنائية، بحيث تسعى كل من سلطنة عُمان والجزائر إلى تكريس مفهوم «شراكة المصير» القائم على المصالح المشتركة. في الجانب السياسي، يأتي توافق البلدين حول القضايا الإقليمية، وخاصة القضية الفلسطينية، كتعبير عن توجهاتهما الثابتة إزاء حقوق الشعوب وضرورة احترام القانون الدولي. هذا التوافق يعكس الرؤية السياسية العميقة للبلدين ويكشف عن رغبتهما في أن يكون لهما دور محوري في دعم الاستقرار الإقليمي. إن دعوة البيان إلى وقف العدوان الغاشم على كل من فلسطين ولبنان وسوريا وإيران والتمسك بحل الدولتين يؤكد ويعزز سياسة كل من سلطنة عُمان والجزائر في السعي الحثيث نحو السلام العادل، ويعكس قيم العروبة والإنسانية الراسخة في سياسة البلدين الشقيقين. ومن هذا المنطلق، فإن الدور الذي تلعبه الجزائر بصفتها عضوًا في مجلس الأمن، وهو ما أثنت عليه سلطنة عمان في البيان، يُشكّل امتدادًا للعمل العربي المشترك. في المقابل، تُدرك الجزائر أهمية الدور الذي تقوم به سلطنة عمان في تقريب وجهات النظر ودفع الحلول السلمية للأزمات الإقليمية. هذه الأدوار تعزز من المكانة السياسية للبلدين وتجعلهما ركيزة للاستقرار في المنطقة. وعلى الرغم من أن البيان يحمل الكثير من الدلالات والتطلعات ويكشف أيضا عن إرادة سياسية قوية، فإن التحدي الأكبر الآن هو تحويل هذه التطلعات إلى واقع ملموس، حيث إن تنفيذ المشروعات المعلنة يتطلب إرادة قوية وتنسيقًا مكثفًا بين القطاعات المعنية. وإذا كانت هذه الزيارة خطوة على طريق الشراكة، فإن النجاح الحقيقي يكمن في بناء آلية فعّالة لمتابعة هذه المبادرات وضمان استمراريتها. وقد أكد وزير الخارجية معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي في تصريح صحفي أمس سعي البلدين لإيجاد آلية واضحة لمتابعة تنفيذ وتفعيل مذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين. وتبقى الزيارة وما خرجت به من قرارات فرصة تاريخية لتوطيد العلاقة بين البلدين الشقيقين وإطلاق عهد جديد من التعاون المشترك. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بین البلدین
إقرأ أيضاً:
توسعة الربط الجوي.. رؤية طموحة تعزز مكانة سلطنة عمان كمركز عبور عالمي
كتب-حمدان الشرقي
تسعى سلطنة عمان ممثلة بشركة مطارات عمان إلى توسعة الربط الجوي وشبكة الوجهات الدولية، واستعرض مختصون في قطاع الطيران والسفر والسياحة وفي استطلاع أجرته "عمان" أبعاد هذا التوسع على النمو الاقتصادي، وتحفيز القطاعات غير النفطية، وزيادة التدفقات السياحية، وتعزيز دور السلطنة كمركز عبور جوي عالمي، مشيرين إلى أن التوسع في الربط الجوي بإضافة خطوط طيران جديدة من مختلف الوجهات العالمية يسهم بشكل مباشر في تنشيط حركة السفر والسياحة، ويفتح آفاقا واسعة أمام قطاعات النقل والخدمات والضيافة، مؤكدين على أن الاستثمار في هذا المجال يُعد رافدًا مهمًّا في مسيرة التحول الاقتصادي الذي تنشده السلطنة في السنوات القادمة.
في البداية، قال المهندس حمود بن مصبح العلوي، نائب الرئيس التنفيذي للطيران العُماني: إن إضافة خطوط دولية جديدة تعد عنصرا حيويا ضمن استراتيجية الشركة التشغيلية والتجارية، مشيرا إلى أن إعادة هيكلة أسطول الطيران العماني تخضع لتقييم دقيق لمدى جدوى كل مسار دولي جديد، مع مراعاة مدى توافقه مع الأهداف الإستراتيجية طويلة المدى، وذلك لضمان استدامة الربحية.
وحول التنسيق بين الناقل الوطني وشركة مطارات عمان أفاد بأن هناك تنسيقا مباشرا ومكثفا مع شركة "مطارات عُمان" قائم على تكامل الإستراتيجيات، لا سيما خلال المواسم السياحية مثل موسم الخريف، وذلك لتوفير تجربة سفر متكاملة وسلسة للمسافرين، حيث يشمل التعاون جداول الرحلات، والتخطيط التشغيلي، ومناولة الأمتعة، وخدمات الضيوف، بما يضمن ترابطًا فعالًا بين الرحلات الدولية والداخلية.
وأشار إلى أن المنافسة المتزايدة مع شركات الطيران منخفضة التكلفة تمثل تحديًا على كل شركات الطيران، لكنها تخدم فئة مختلفة من المسافرين، وأكد أن الطيران العُماني -باعتباره شركة متكاملة الخدمات- يركز على تقديم تجربة سفر راقية تتميز بجودة عالية وتجسد الضيافة العُمانية الأصيلة، الأمر الذي يعزز موقع الشركة التنافسي في السوق.
وأوضح العلوي أن المحافظة على الحصة السوقية تشكل تحديا دائما لأي شركة طيران في ظل التوسع المتسارع للربط الجوي في المنطقة، وبالنسبة للطيران العماني لا يقتصر التحدي فقط على الحفاظ على الحصة السوقية، بل يشمل السعي للنمو بطريقة ذكية ومستدامة من الناحية المالية والاستراتيجية، وهو ما تعمل عليه الشركة ضمن برنامج تحول شامل يشمل تركيز الجهود على المسارات ذات الطلب المرتفع والمستدام، وبناء شراكات استراتيجية مثل الانضمام الأخير إلى تحالف "oneworld"، بالإضافة إلى تطوير المنتجات وتحسين تجربة الضيوف باستمرار، مع التمسك بالمرونة كعنصر أساسي في مواجهة تقلبات السوق.
إضافة نوعية
من جانبه أوضح الدكتور خالد بن عبدالوهاب البلوشي، مختص في قطاعي السياحة والطيران: إن التوسع في الربط الجوي الدولي يمثل إضافة نوعية مباشرة للناتج المحلي الإجمالي، لما يحمل من تأثير إيجابي على المستويين التشغيلي والخدمي، وبيّن أن زيادة عدد الرحلات الجوية الدولية لا يقتصر تأثيرها على تنشيط الحركة السياحية، بل يمتد ليشمل خدمات المطار، كالتموين، والخدمات الأرضية، والشحن الجوي، والأسواق الحرة، وغيرها من الأنشطة الداعمة.
وأشار إلى أن هذا التوسع يسهم في خلق فرص عمل جديدة، ويمنح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأسر المنتجة منصات أوسع للاستفادة من التدفق السياحي والتجاري، مؤكدًا أن الربط الجوي يعزز الحراك الاقتصادي العام داخل السلطنة.
تكامل الأدوار
وأكد الدكتور البلوشي بأن المخاوف من أن تؤدي الزيادة في عدد شركات الطيران الأجنبية إلى الإضرار بشركات الطيران المحلية غير مبررة، مشددًا على أهمية تكامل الأدوار بدلا من التنافس، وأشار إلى أن انضمام الطيران العماني إلى تحالف "one world" يتيح له الربط مع شبكات عالمية، ويفتح آفاقا لتوسيع حضوره الدولي، مما يعزز مكانة السلطنة كمركز عبور جوي مهم في المنطقة.
وبيّن الدكتور أن القطاعات غير الجوية، وفي مقدمتها السياحة والضيافة والخدمات اللوجستية، هي المستفيد الأكبر من هذه التوسعات، فمع زيادة عدد الرحلات والوجهات سيرتفع عدد السياح مما ينعكس على إشغال الفنادق، وزيادة الطلب على المطاعم، وسيارات الأجرة، والمتاحف، والأنشطة الترفيهية.
وحول مؤهلات سلطنة عمان للتوسع بالنقل الجوي أفاد بأن سلطنة عمان تمتلك جميع المؤهلات لتكون نقطة محورية ونموذج للنقل الجوي والبحري والبري خصوصا في صلالة وصحار، حيث تتكامل المنافذ البرية وموانئ الشحن والنقل الجوي، مما يفتح آفاق التبادل التجاري والنقل العابر "الترانزيت"، ويخلق فرصًا لوجستية متقدمة.
خدمات التوقف السياحي
وأشار إلى أن تعزيز الربط الجوي يتيح استكشاف مدن عمانية داخلية مثل نزوى، وصحار، وظفار، والمواقع الشاطئية، مما يعزز من تنويع المنتج السياحي الوطني، كما أن الترويج لما يعرف بخدمة التوقف السياحي (Stopover Packages) سيسهم بدوره في توفير فرص لاستقطاب سياح البقاء القصير، عبر تقديم عروض تشمل تأشيرات مخفضة، وإقامة فندقية بأسعار ترويجية، وهذا النوع من البرامج يحتاج إلى تنسيق مشترك بين شركات الطيران، والفنادق، والجهات الحكومية المختصة، لتحقيق أكبر عائد ممكن من الربط الجوي.
نقطة عبور استراتيجية
وقال الدكتور خالد البلوشي إن موقع سلطنة عمان الجغرافي يمنحها منذ آلاف السنين دورا تجاريا محوريا، مشيرا إلى علاقاتها التاريخية مع حضارات مصر القديمة، وشرق أفريقيا، والهند، والصين، عبر تصدير اللبان والتجارة البحرية، وإن إشراف عمان على مضيق هرمز، واتصالها المباشر ببحر العرب، يجعل منها نقطة عبور استراتيجية على طرق التجارة البحرية والجوية العالمية.
وأضاف أن الموانئ الحديثة مثل صلالة والدقم وصحار، ومطار مسقط الدولي، ومطار صلالة، تمتلك جميعها بنية أساسية عالية المستوى، وتخدم شبكات لوجستية متكاملة، مما يجعل من السلطنة مركزًا محوريًّا لإعادة التصدير والشحن والصيانة البحرية من خلال الحوض الجاف بالدقم.
الاستقرار السياسي
وأشار إلى أن الاستقرار السياسي والأمني الذي تنعم به سلطنة عمان، يشكل عامل جذب مهما لشركات الطيران الأجنبية والمستثمرين في قطاعي السياحة واللوجستيات، ودائما شركات الطيران تبحث عن بيئة آمنة وموثوقة لرحلاتها واستثماراتها وهذا ما تملكه السلطنة.
وأضاف: إن وجود جهاز شرطة وجمارك متمرس، وتسهيلات تأشيرية مرنة، وشركات وطنية لوجستية مثل "أسياد"، يدعم بيئة النقل والشحن الجوي ويزيد من جاذبية السلطنة كمركز عبور إقليمي ودولي.
وأشار إلى أن هناك حراكا واضحا من قبل مطارات عمان، بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة، لجذب شركات طيران دولية جديدة. وبيّن أن هذا التوجه يهدف لتحقيق التكامل في منظومة تعود بالنفع على الجميع، سواء من حيث زيادة التدفق السياحي أو تعزيز الخدمات الجوية المقدمة.
كما لفت إلى أن الاستثمار في البنية الأساسية الجوية في مطارات كخصب، وصحار، والحديث عن مطار الجبل الأخضر ورأس الحد، يصب في إطار دعم استراتيجية السلطنة للتحول إلى مركز إقليمي للنقل والسياحة.
البنية والربط الشامل
وأوضح أن التوسع في خدمات الطيران المروحي، وربطها مع الطيران النفاث سيثري تجربة السائح، ويتيح له خيارات متعددة للتنقل داخل السلطنة، وإنشاء محطات ومراكز شحن متطورة بالقرب من مطار مسقط، ومخازن في موانئ صلالة وصحار تتيح مرونة في استقبال وتخزين ونقل البضائع.
وأضاف أن أداء الموانئ العمانية يحظى بتقدير دولي من حيث السرعة والدقة والسلامة، ما يعزز مكانة السلطنة كميناء آمن وفعال في المنطقة.
انفتاح عالمي
ويرى عماد بن فايز الغافري، خبير السفر الاقتصادي: إن التوسع في شبكات الربط الجوي لسلطنة عمان يمثل نقلة نوعية في مسيرة السلطنة نحو الانفتاح العالمي سياحيا واقتصاديا، وهو ما سينعكس على تعزيز مكانة السلطنة كوجهة جاذبة ومتجددة.، مشيرا إلى أن الربط الجوي لا يُقاس فقط بعدد الوجهات بل بنوعية الرحلات، وخدمات الطيران، وقدرة عمان على استيعاب التدفق المتوقع من المسافرين سواء كانوا سياحًا أو مستثمرين أو عابرين.
وأضاف الغافري: إن من أبرز الآثار المباشرة لتوسيع شبكة الوجهات الجوية هو دعم القطاع السياحي، الذي يُعد من أهم روافد التنويع الاقتصادي في رؤية عمان 2040، فالربط الجوي الفعال سيتيح وصول السياح من أسواق مختلفة مثل: أوروبا، وآسيا، وشرق أفريقيا، ويزيد من مدة الإقامة المتوقعة كما سيسهم بدوره في زيادة معدلات الإنفاق للسياح القادمين وخاصة في الفنادق والمطاعم والأنشطة الترفيهية والثقافية، الأمر الذي ينعكس على ارتفاع مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي.
ويرى أن الوجهات الجوية الجديدة تفتح نوافذ اقتصادية غير تقليدية، مثل تعزيز قطاع المعارض والمؤتمرات (MICE tourism)، واجتذاب فئات نوعية من السياح مثل المغامرين ومحبي الطبيعة والسياحة البيئية، ما يتناسب مع طبيعة عمان المتنوعة جغرافيا وثقافيا.
ثقافة السفر
وأشار الغافري إلى أن حضور شركات الطيران الاقتصادي في مشهد الربط الجوي يخلق تحولا حقيقيا في ثقافة السفر داخليا وخارجيا، حيث إن الأسعار التنافسية التي تقدمها هذه الشركات تتيح للمواطنين والمقيمين السفر بتكلفة أقل، مما يحفز الطلب ويُشجّع الأفراد على خوض تجارب سياحية جديدة.
وقال إن هذه الخطوط تُعد عامل جذب للسياح من الفئات المتوسطة والباحثين عن رحلات قصيرة وميسورة، وهي فئات ذات تأثير مباشر في إنعاش الاقتصاد المحلي. ويرى أن من الضروري وجود تنسيق أكبر بين الشركات الوطنية والمطارات وشركات السياحة لتوفير حزم سفر متكاملة بأسعار مشجعة تشمل الطيران، والإقامة، والتنقل، والأنشطة السياحية.
امتياز جغرافي
وبيَّن الغافري أن سلطنة عمان تمتلك موقعا جغرافيا مثاليا يؤهلها لأن تكون مركزا مهما للعبور الجوي بين الشرق والغرب، خاصة مع ما تتمتع به من استقرار سياسي ومناخ استثماري جاذب. هذا الموقع يمكن أن يخدم رحلات الربط بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويجعل من مطارات السلطنة نقطة توقف مفضلة للعديد من شركات الطيران الأجنبية، ما يعني زيادة الإيرادات من خدمات المطارات والضيافة وقطاع الشحن الجوي.
وأضاف أن هذا الامتياز الجغرافي يجب أن يُستثمر ليس فقط في نقل المسافرين، بل في الترويج الذكي للسلطنة كوجهة "تستحق التوقف والاكتشاف"، من خلال عروض عبور (Transit) تشمل جولات قصيرة في المدن، وتجارب تراثية وثقافية.
البنية السياحية
وفي ختام حديثه، لفت الغافري إلى أهمية الاستعداد المستقبلي وتهيئة البنية الأساسية علاوة على ضرورة التسويق الفعال للمواقع السياحية بسلطنة عمان قائلا: إن التوسع في الربط الجوي يحتاج إلى استعداد ميداني متكامل، يشمل تطوير البنية السياحية في مختلف الولايات، وتسهيل الوصول إلى المواقع الطبيعية والثقافية، ورفع جودة الخدمات المقدمة في الفنادق والمرافق الترفيهية، ومن الضروري وجود استراتيجيات تسويقية خارجية تستهدف تعريف الأسواق العالمية بجماليات السلطنة، وما تقدمه من تجارب سياحية فريدة، بدءًا من صلالة في الجنوب، إلى الجبل الأخضر، ووصولًا إلى رمال الشرقية، كما ويجب علينا أن نولي أهمية بتوظيف المحتوى الرقمي والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي لنقل صورة عمان إلى الخارج بطريقة عصرية وجاذبة.