جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-31@09:31:42 GMT

نزيف الصُحف

تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT

نزيف الصُحف

 

صبري الموجي

sabry_elmougy@yahoo.com

 

 

قد لا يُعجِب هذا المقال  كثيرًا من مُلاك الصحف الخاصة، ورؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف الحكومية كذلك، ولو!

هذا المقال هو كلمة في رثاء مهنة الصحافة، التي وصلت إلي حالة مُتردية، تستحقُ البكاء أو العويل، أو قل شقّ الجيوب ولطم الخدود؛ بسبب ما آلت إليه من ركود وانتكاسة مُفضية إلى الموت، شارك فيها بجانب المسؤولين وصناعِ القرار، العاملون فيها أنفسُهم.

قطعا الصحافة الورقية سواء في مصر، أو الدول العربية وحتي الغربية، تُعاني أزمة حقيقية، إلا أنها في مصر والمنطقة العربية أكثر وضوحًا بسبب كثرة العراقيل.

إن ما تعانيه مهنة الصحافة مؤخرا، ويعانيه العاملون فيها يؤكد فراسة الأديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي، والذي أثنى أحد موظفي الدولة في عهده- من ذوي الأقلام المُعبرة والأسلوب الجذّاب- عن ترك وظيفته والعمل بالصحافة؛ إذ أقنعه المنفلوطي، بخطأ ذلك القرار، وجنوح تلك الفكرة "العَبيطة" عن الصواب!

وينبني رأيُ المنفلوطي على أنّ الصحافة مهنةٌ شاقة، قد يُجبَرُ العاملُ فيها على التنازل عن كثيرٍ من مبادئه من أجل لقمة العيش، وتجنب قصف قلمه وحجب مقاله.

هذا التنازل هو ما أهدر قيمة الكلمة، فصارت "ضحك على الذقون"، فترتب على ذلك أن عزف عنها الكثير، خاصة الشباب، ولجأوا إلى وسائل أخرى أكثر اتساعا، وأشد إثارة مثل "تيك توك" وخلافه.

الغريب في الأمر أنّ المنفلوطي أسدى نصيحته تلك لسائله في زمن هيمنتْ فيه الكلمة المكتوبة، وامتد نفوذها وتأثيرُها حتى على أصحاب السلطة وصانعي القرار أنفسهم آنئذ.

والسؤال: ماذا لو عاصر المنفلوطي ما يعانيه الكتاب والصحفيون الآن من تضييق الخناق على الكلمة، وقلة العائد المادي من ورائها، فصارت بحق "صنعة المفاليس"، وهو ما جعل كثيرًا من العاملين فيها، يفكرون جديًا في تعديل مسارهم، والبحث عن مصدر آخر للدخل، يضمن لهم حياة كريمة، أو حتى شِبه كريمة.

إنّ وصف الصحافة بأنها مهنةٌ البحث عن المتاعب، لا ينطبق علي زمن أكثر من زماننا، خاصة في ظل من نغّصوا علينا معيشتنا، وجعلوها ضنكا من عاملين بالمهنة، عملوا بليلٍ ونهار على إرضاء أطراف بغرض تحقيق مكاسب شخصية، وبناء مجد ذاتي على أشلاء ضحايا المهنة، ولسان حالهم: أنا ومن بعدي الطوفان، وليذهب الآخرون إلي الجحيم!

كثيرٌ من الكّتاب، والصحفيون، يعانون تدخلات رؤساء التحرير، وحتى رؤساء الأقسام فيما يكتبون، والتي تضيع معها شخصية الكاتب، ويعانون كذلك من إملاءات تعوق حرية الكلمة، وتئد الرأي، وما أبشعها من جريمة في حق كلّ كاتب له هدف ورسالة.

إنّ الصحافة لا بُد لها من حرية، ولا أقصد بها التهور، أو أن نرى من الكاتب "جعجعة بلا طحين"، فيصرخ بما يُجافي العقل، ويُجانب الصواب.

الحرية تعني أن تكون الكلمة مسؤولة، مبنيةً علي حجة ومنطق بعيدين عن الهوي والغرض الرخيص.

الحرية تعني الجرأة المتزنة، التي تُمكّن صاحبها من قول ما يريد بلا إساءة أو تجريح بحجة أن على "راسه ريشة".

الحرية هي التي لا تسمح بالتستر علي فاسد، أو تُبقي على مرتشٍ، أو تغُض الطرف عن مُختلس، أو تتحاوز عن خطأ، بدر عن مسؤول، مهما يكن منصبه.

الحرية هي الالتزامُ، وأن يكون الناصح قدوة؛ لأنّ فاقد الشيء لا يُعطيه.

إن مهارة الصحفي والكاتب تتمثل في قدرته علي توظيف الكلمة، وولوج الأماكن الشائكة دون شتمٍ أو تجريح، وعدم القول إلا ببينة، والاتهام إلّا بدليل، ثم يترك بعدها الكلمةَ الفصل لأهل الاختصاص، ولا تعني مُطلقًا أن يجعل الكاتبُ من نفسه جرّاحًا يستخدمُ مِشرطه في تجريح المجتمع، أو أن يجعل من نفسه قاضيا، يحكم علي البشر دون الاستماع لدفوعاتهم.

وإغفالُ عددٍ من الصحفيين ذلك الأمر، زاد من أزمات المهنة، وزادها من شعر الرثاء بيتا.

تلك الأزمات، التي اتسع معها الخرقُ على الراقع، ومنها أنّ العاملين داخل المؤسسة الواحدة، لا يعملون بروح الفريق، بل بـ"روح الأنا"؛ إذ يتعمدُ بعضُهم تشويه "شُغل" غيره، ليبقي هو المُتميز، ممّا تسبب في إخراج مادة صحفية ركيكة وضعيفة كسدتْ سوقُها أمام سرعة وتطور الميديا الحديثة، خاصة الفضاء الأزرق، وبرأيي أن هذا أول مسمار في نعش المهنة.

إنّ أزمة الصحافة أيضا أنه لم يعُد مُتاحًا لكثيرٍ  من الكتاب أن يُعبّروا عن آرائهم داخل صحفهم ومؤسساتهم بحجة أنّ  المساحة لا تسمح، أو لأنه ليس على هوي رئيسه المباشر، أو لأنه لا يُقدم فروض الطاعة، وقرابين الولاء، فصارت الصحافة مهنة استلطاف، واستظراف لا مهنة كفاءة، وهو ما دفع، ويدفع الكثيرين للكتابة في صحف أخري بلا أجر؛ لمجرد أنها تفتح لهم نافذة للنشر بغرض الحفاظ علي أسمائهم من النسيان، وتلك هي الطامة الحقيقية!

طامةُ لأنها جعلت الصحافة مهنة بلا مقابل، رغم أنّ كلّ المهن من طب وهندسة وتدريس وسباكة ونجارة، وحتى الحِلاقة، وغيرها، يتزايدُ أجرُها، أمّا مع مهنة تنوير العقول، والارتقاء بالفكر والسمو بالوجدان، فصار الأمرُ مختلفًا تمامًا؛ إذ يكتب الكاتبُ بلا أجر، ولو كان ما قدمه سبقًا صحفيًا، أو مقالًا جابت شهرتُه الآفاق، أو تحليلًا عجز عنه الكثيرون، أو تحقيقًا (كسّر الدنيا).

إنَّ الكلمة أقوي أسلحة الأمم، فبها تشتعل الحروب، وتُوأد الفتن.. فحريٌ بالدولة أن تُقدرها وتدعمها، وسيعود هذا بالنفع على الدولة أولًا، والعاملين بالصحافة ثانيًا؛ حيث سيكونون أكثر عطاءً وأشد مصداقية، بعدما يرون أنّ لكلمتهم عائدًا وصدى.

وهو ما سيصبُ أولًا وأخيرًا في مصلحة كل دولة.. فهل نحن فاعلون.. الله يهديكم؟

** مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مديرية المهن الصحية تبحث واقع مهنة التمريض وسبل تطويرها

دمشق-سانا

بحث مدير مديرية المهن الصحية دريد رحمون مع مديري مدارس التمريض بالمحافظات، سبل تطوير مهنة التمريض، والمشاكل التي تواجهها وسبل تطويرها.

وناقش المشاركون بالاجتماع الذي عقد في مبنى وزارة الصحة مقترحاً لتأهيل وترميم مدارس التمريض في كل المحافظات، والاحتياجات اللوجستية والبشرية، وتقديم التدريب والتأهيل اللازم للمدرسين.

وبحث المشاركون احتياجات ومشاكل الكوادر التمريضية والتوصيف الوظيفي لهم، وضرورة وجود دليل الطالب التمريضي وتنظيم آلية العمل والتعويضات وتعديل النظام الداخلي والمالي بشكل كامل.

بدوره بين رحمون أن الوزارة تعمل على تحسين واقع التمريض، ورفع جودة مناهج المدارس لتكون نوعية ومتطورة في الاختصاص وطريقة التدريس، وفق معايير عالمية، وإنشاء قاعات تدريبية مجهزة بالكامل.

2025-05-28Hassan Nasrسابق 25 مشروعاً ريادياً للشباب في ختام المعسكر التدريبي في حاضنة تقانة المعلومات والاتصالات بحمص انظر ايضاً25 مشروعاً ريادياً للشباب في ختام المعسكر التدريبي في حاضنة تقانة المعلومات والاتصالات بحمص

حمص-سانا ضم معرض مشاريع رواد الأعمال في ختام أعمال المعسكر التدريبي لريادة الأعمال لمشاريع الشباب، …

آخر الأخبار 2025-05-28مديرية المهن الصحية تبحث واقع مهنة التمريض وسبل تطويرها 2025-05-2825 مشروعاً ريادياً للشباب في ختام المعسكر التدريبي في حاضنة تقانة المعلومات والاتصالات بحمص 2025-05-28الوزير عبد الرزاق يبحث مع وفد أردني فرص دعم عملية إعادة الإعمار 2025-05-28وزارة الخارجية تصدر تكليفات الإدارات والمكاتب فيها 2025-05-28رئيس اتحاد غرف التجارة السورية يبحث مع الوفد الصناعي الأردني سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري 2025-05-28وزير التعليم العالي يبحث مع وفد من الجالية السورية في أستراليا التعاون في المجال العلمي والبحوث الطبية 2025-05-28الوزير الشيباني: بدأت بوادر الاستثمارات الضخمة التي ستنعكس إيجاباً على حياة المواطن 2025-05-28وزير الثقافة يبحث مع رئيس هيئة الرقابة والتفتيش سبل تطوير الأداء وتعزيز الشفافية 2025-05-28بصمات ملفتة للكوادر الرياضية السورية بكرة السلة في ملاعب الإمارات 2025-05-28المجلس الأوروبي يعتمد إجراءات قانونية لرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا

صور من سورية منوعات العالم على موعد مع أخطر 5 أعوام مناخياً في التاريخ 2025-05-28 سرطان الجلد واختلاف مناطق الإصابة بين الرجال والنساء 2025-05-26فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • المفتي حجازي: البلديات أمام تحديات كبيرة ونحن مع جمع الكلمة
  • حرير القز في أفغانستان مهنة قديمة تعود للحياة رغم التحديات
  • حركة العدل والمساواة السودانية تنعي رائد الكتابة باللغات الافريقية الكاتب والمفكر الكيني نقوقي واثينقو
  • شيخ الأزهر لـ وفد الإعلاميين العرب: الكلمة أمانة ودوركم مهمٌّ في رفع الوعي بالتحديات
  • شيخ الأزهر لوفد الإعلاميين العرب: الكلمة أمانة ودوركم مهمٌّ في رفع الوعي بقضايا الأمَّة
  • شروط الحصول على ترخيص مهنة مزاولة مهنة الصيادلة بالقانون
  • 600 فرصة عمل على مهنة حداد مسلح في مشروع محطة الضبعة النووية
  • وفاة الكاتب الكيني المشهور نغوغي وا تيونغو عن 87 عاما
  • الجارديان: وفاة الكاتب الكيني نجوجي واثيونجو عن 87 عامًا
  • مديرية المهن الصحية تبحث واقع مهنة التمريض وسبل تطويرها