جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-31@01:19:46 GMT

نزيف الصُحف

تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT

نزيف الصُحف

 

صبري الموجي

[email protected]

 

 

قد لا يُعجِب هذا المقال  كثيرًا من مُلاك الصحف الخاصة، ورؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف الحكومية كذلك، ولو!

هذا المقال هو كلمة في رثاء مهنة الصحافة، التي وصلت إلي حالة مُتردية، تستحقُ البكاء أو العويل، أو قل شقّ الجيوب ولطم الخدود؛ بسبب ما آلت إليه من ركود وانتكاسة مُفضية إلى الموت، شارك فيها بجانب المسؤولين وصناعِ القرار، العاملون فيها أنفسُهم.

قطعا الصحافة الورقية سواء في مصر، أو الدول العربية وحتي الغربية، تُعاني أزمة حقيقية، إلا أنها في مصر والمنطقة العربية أكثر وضوحًا بسبب كثرة العراقيل.

إن ما تعانيه مهنة الصحافة مؤخرا، ويعانيه العاملون فيها يؤكد فراسة الأديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي، والذي أثنى أحد موظفي الدولة في عهده- من ذوي الأقلام المُعبرة والأسلوب الجذّاب- عن ترك وظيفته والعمل بالصحافة؛ إذ أقنعه المنفلوطي، بخطأ ذلك القرار، وجنوح تلك الفكرة "العَبيطة" عن الصواب!

وينبني رأيُ المنفلوطي على أنّ الصحافة مهنةٌ شاقة، قد يُجبَرُ العاملُ فيها على التنازل عن كثيرٍ من مبادئه من أجل لقمة العيش، وتجنب قصف قلمه وحجب مقاله.

هذا التنازل هو ما أهدر قيمة الكلمة، فصارت "ضحك على الذقون"، فترتب على ذلك أن عزف عنها الكثير، خاصة الشباب، ولجأوا إلى وسائل أخرى أكثر اتساعا، وأشد إثارة مثل "تيك توك" وخلافه.

الغريب في الأمر أنّ المنفلوطي أسدى نصيحته تلك لسائله في زمن هيمنتْ فيه الكلمة المكتوبة، وامتد نفوذها وتأثيرُها حتى على أصحاب السلطة وصانعي القرار أنفسهم آنئذ.

والسؤال: ماذا لو عاصر المنفلوطي ما يعانيه الكتاب والصحفيون الآن من تضييق الخناق على الكلمة، وقلة العائد المادي من ورائها، فصارت بحق "صنعة المفاليس"، وهو ما جعل كثيرًا من العاملين فيها، يفكرون جديًا في تعديل مسارهم، والبحث عن مصدر آخر للدخل، يضمن لهم حياة كريمة، أو حتى شِبه كريمة.

إنّ وصف الصحافة بأنها مهنةٌ البحث عن المتاعب، لا ينطبق علي زمن أكثر من زماننا، خاصة في ظل من نغّصوا علينا معيشتنا، وجعلوها ضنكا من عاملين بالمهنة، عملوا بليلٍ ونهار على إرضاء أطراف بغرض تحقيق مكاسب شخصية، وبناء مجد ذاتي على أشلاء ضحايا المهنة، ولسان حالهم: أنا ومن بعدي الطوفان، وليذهب الآخرون إلي الجحيم!

كثيرٌ من الكّتاب، والصحفيون، يعانون تدخلات رؤساء التحرير، وحتى رؤساء الأقسام فيما يكتبون، والتي تضيع معها شخصية الكاتب، ويعانون كذلك من إملاءات تعوق حرية الكلمة، وتئد الرأي، وما أبشعها من جريمة في حق كلّ كاتب له هدف ورسالة.

إنّ الصحافة لا بُد لها من حرية، ولا أقصد بها التهور، أو أن نرى من الكاتب "جعجعة بلا طحين"، فيصرخ بما يُجافي العقل، ويُجانب الصواب.

الحرية تعني أن تكون الكلمة مسؤولة، مبنيةً علي حجة ومنطق بعيدين عن الهوي والغرض الرخيص.

الحرية تعني الجرأة المتزنة، التي تُمكّن صاحبها من قول ما يريد بلا إساءة أو تجريح بحجة أن على "راسه ريشة".

الحرية هي التي لا تسمح بالتستر علي فاسد، أو تُبقي على مرتشٍ، أو تغُض الطرف عن مُختلس، أو تتحاوز عن خطأ، بدر عن مسؤول، مهما يكن منصبه.

الحرية هي الالتزامُ، وأن يكون الناصح قدوة؛ لأنّ فاقد الشيء لا يُعطيه.

إن مهارة الصحفي والكاتب تتمثل في قدرته علي توظيف الكلمة، وولوج الأماكن الشائكة دون شتمٍ أو تجريح، وعدم القول إلا ببينة، والاتهام إلّا بدليل، ثم يترك بعدها الكلمةَ الفصل لأهل الاختصاص، ولا تعني مُطلقًا أن يجعل الكاتبُ من نفسه جرّاحًا يستخدمُ مِشرطه في تجريح المجتمع، أو أن يجعل من نفسه قاضيا، يحكم علي البشر دون الاستماع لدفوعاتهم.

وإغفالُ عددٍ من الصحفيين ذلك الأمر، زاد من أزمات المهنة، وزادها من شعر الرثاء بيتا.

تلك الأزمات، التي اتسع معها الخرقُ على الراقع، ومنها أنّ العاملين داخل المؤسسة الواحدة، لا يعملون بروح الفريق، بل بـ"روح الأنا"؛ إذ يتعمدُ بعضُهم تشويه "شُغل" غيره، ليبقي هو المُتميز، ممّا تسبب في إخراج مادة صحفية ركيكة وضعيفة كسدتْ سوقُها أمام سرعة وتطور الميديا الحديثة، خاصة الفضاء الأزرق، وبرأيي أن هذا أول مسمار في نعش المهنة.

إنّ أزمة الصحافة أيضا أنه لم يعُد مُتاحًا لكثيرٍ  من الكتاب أن يُعبّروا عن آرائهم داخل صحفهم ومؤسساتهم بحجة أنّ  المساحة لا تسمح، أو لأنه ليس على هوي رئيسه المباشر، أو لأنه لا يُقدم فروض الطاعة، وقرابين الولاء، فصارت الصحافة مهنة استلطاف، واستظراف لا مهنة كفاءة، وهو ما دفع، ويدفع الكثيرين للكتابة في صحف أخري بلا أجر؛ لمجرد أنها تفتح لهم نافذة للنشر بغرض الحفاظ علي أسمائهم من النسيان، وتلك هي الطامة الحقيقية!

طامةُ لأنها جعلت الصحافة مهنة بلا مقابل، رغم أنّ كلّ المهن من طب وهندسة وتدريس وسباكة ونجارة، وحتى الحِلاقة، وغيرها، يتزايدُ أجرُها، أمّا مع مهنة تنوير العقول، والارتقاء بالفكر والسمو بالوجدان، فصار الأمرُ مختلفًا تمامًا؛ إذ يكتب الكاتبُ بلا أجر، ولو كان ما قدمه سبقًا صحفيًا، أو مقالًا جابت شهرتُه الآفاق، أو تحليلًا عجز عنه الكثيرون، أو تحقيقًا (كسّر الدنيا).

إنَّ الكلمة أقوي أسلحة الأمم، فبها تشتعل الحروب، وتُوأد الفتن.. فحريٌ بالدولة أن تُقدرها وتدعمها، وسيعود هذا بالنفع على الدولة أولًا، والعاملين بالصحافة ثانيًا؛ حيث سيكونون أكثر عطاءً وأشد مصداقية، بعدما يرون أنّ لكلمتهم عائدًا وصدى.

وهو ما سيصبُ أولًا وأخيرًا في مصلحة كل دولة.. فهل نحن فاعلون.. الله يهديكم؟

** مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من التنجيم إلى النصب.. كيف يُجرّم القانون أعمال السحر والدجل؟

رغم أن القانون المصري لا يحتوي على نص صريح يُجرّم السحر أو الشعوذة بمسماهما التقليدي، إلا أن الواقع القانوني لا يخلو من أدوات ردع واضحة، فالأفعال التي يمارسها الدجالون، من ادعاء القدرة على جلب الحبيب، أو فك السحر، أو علاج الأمراض بوسائل "روحانية"، تُصنّف قانونًا كجرائم نصب واحتيال، ويُعاقب مرتكبوها بموجب قانون العقوبات المصري.

ماذا نفعل حتى لا نصاب بالسحر؟.. أمين الفتوى يجيبهل يُجدّد السحر في شهر صفر؟.. انتبه لـ7 حقائق واحتمي بـ 3 أدعيةالسر في الأكل.. ازاي تحمي شعرك من التساقط بنظام غذائي سحريأعراض القولون العصبي.. وروشتة سحرية للتعامل معه

وينص القانون على تجريم كل من يستخدم وسائل احتيالية لخداع الناس والاستيلاء على أموالهم، ويُطبق هذا النص على من يروج لحلول خرافية مقابل مبالغ مالية.

وتصل عقوبة السحر والدجل في هذه الحالات إلى الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وغرامات تصل إلى 50 ألف جنيه في حال تكرار الجريمة.

أما إذا لجأ المحتال إلى الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي، فإن العقوبة تتضاعف. وفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، يمكن أن تصل العقوبة إلى خمس سنوات سجن، إضافة إلى الغرامات المالية، خاصة في الحالات التي تُثبت فيها نية الاستغلال المنظم.

العلاج الروحاني.. مهنة بلا غطاء قانوني

ورغم انتشار من يطلقون على أنفسهم لقب "معالج روحاني"، إلا أن القانون المصري لا يعترف رسميًا بهذه المهنة. 

وعدم وجود تنظيم قانوني واضح لها يجعل ممارسيها عرضة للمساءلة بتهمة مزاولة مهنة دون ترخيص أو الاحتيال.

الدولة تتحرك.. والوعي سلاح أول

مؤسسات الدولة تعمل على أكثر من محور لمواجهة الظاهرة. الأزهر الشريف ودار الإفتاء أكدا مرارًا تحريم اللجوء للسحرة والمشعوذين، محذرين من آثار هذه الأفعال على الفرد والمجتمع. 

أما وزارة الداخلية، فتنفذ حملات دورية لضبط الدجالين، خصوصًا أولئك الذين يمارسون نشاطهم عبر المنصات الرقمية.

من جهة أخرى، يتحمل الإعلام والمجتمع المدني مسؤولية كبرى في نشر الوعي والتحذير من الوقوع في فخ الدجل، وتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن الممارسات المشبوهة.

كيف تحمي نفسك؟

لا تثق بأي شخص يعدك بـ"حلول سحرية" لمشاكلك.

تحقق دائمًا من التراخيص قبل التعامل مع أي شخص يقدم خدمات "غير تقليدية".

إذا وقعت ضحية، بادر بالإبلاغ فورًا.

طباعة شارك السحر أو الشعوذة القانون المصري الدجالون قانون العقوبات المصري السحر

مقالات مشابهة

  • 14 قتيلاً برصاص الاحتلال في غزة.. نزيف مستمر قرب مراكز المساعدات
  • من التنجيم إلى النصب.. كيف يُجرّم القانون أعمال السحر والدجل؟
  • الشباب والرياضة تستكمل الحملة القومية «شارك.. الكلمة كلمتك» بمختلف المحافظات
  • الكلمة كلمتك.. الشباب والرياضة بالأقصر تنفذ حملة لتعزيز المشاركة السياسية
  • برلمانية: العلاقات المصرية البريطانية ركيزة دولية لوقف نزيف غزة
  • الدبيبة يلتقي الكاتب «محمود البوسيفي» ويبحث دعم الإعلام الوطني وترسيخ حرية التعبير
  • غزة.. نزيف بين صفوف المجوّعين
  • أصداء الطوفان.. حين تصير الكلمة بندقية
  • يعلن هيثم محمد صالح عن فقدان ترخيص مزاولة مهنة صيدلة رقم (00008034)
  • تعلن سوسن حميد الجلهم عن فقدان ترخيص مزاولة مهنة قبالة