لثني اليمن عن مساندة فلسطين ولبنان.. أمريكا تستعين بـ”أدواتها” في الداخل لدعم العدو الإسرائيلي
تاريخ النشر: 6th, November 2024 GMT
الوحدة نيوز/ في الوقت الذي تقف اليمن في وجه الاستكبار العالمي لمناصرة ومساندة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وما يتعرض له الغزيين من إبادة جماعية ممنهجة من قبل الكيان الصهيوني المحتل بدعم أمريكي وغطاء دولي، وتخاذل عربي مخز خلال عام، تسعى مجدداً ما تسمى “الشرعية” ومرتزقتها لتقديم نفسهم أداة للغرب وإسرائيل لإشعال فتيل الحرب الداخلية ضد اليمنيين في دعم واضح منهم للكيان الصهيوني بهدف اشغال القوات المسلحة اليمنية عن أداء مهامها وواجبها الديني والأخلاقي في مساندة المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
وبرغم التحشيدات والترتيبات العسكرية التي يعدها المرتزقة في الداخل بتخطيط وإشراف أمريكي وإسرائيلي لخلق معارك متعددة في مختلف الجبهات حتى يتسنى للسفن الإسرائيلية العبور من البحر الأحمر إلى ميناء أم الرشراش “إيلات” في فلسطين المحتلة، غير أن الجيش والشعب اليمني قد أعدوا العتاد وباتوا على استعداد تام لمواجهة تلك المخططات الخبيثة وسترتد سكاكين المرتزقة المسمومة إلى خاصرتهم، وستكون بمثابة الضربة الأخيرة لوجودهم، وتقطع أوردة الخيانة والارتزاق معاً.
ومن المفارقات العجيبة أن هؤلاء المرتزقة الذين يجندون أنفسهم لمساندة أمريكا والكيان الصهيوني في اليمن، يطعنون ليل نهار في الملحمة التاريخية التي يخوضها محور المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، ويروجون لسرديات العدو بل يؤيدونها، في حين أن شعوب العالم الحر تنظر لموقف اليمن المشرف مع فلسطين ولبنان بإكبار واعزاز وفخر، وتحتفي وتؤيد العمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية في البحرين الأحمر والعربي في فرض حظراً بحرياً لمرور السفن الإسرائيلية بالإضافة إلى استهداف عمق الكيان بأسلحة محلية الصنع، رغم البعد الجغرافي الذي لم يشكل عائقاً أمامها في الدفاع عن شرف الأمة العربية ومقدساتها، وهذه دلالة واضحة على وضاعة التفكير وانحطاط مبدأي لدى “المرتزقة”، وهي سابقة تاريخية خطيرة.
ضباط الموساد في المخا
تتحدث المعلومات الموثوقة عن وصول ضباط من الموساد الإسرائيلي إلى مديرية المخا المحتلة، بحسب حسين العزي نائب وزير الخارجية السابق، والذي أكد أن هذا الأمر يحفزنا للقتال والجهاد والمواجهة لعشرين سنة قادمة، ويغلق باب العفو كليا أمام أي متورط في معركة العدو الصهيوني ضد اليمن.
وقال العزي: ” لسنا هواة حرب ولكن حينما تُفرض علينا فإننا نتقنها أكثر من أي جهة أخرى في هذا العالم، وقتالنا كله من أجل السلام والحرية والأمن والعدالة.
وأضاف: أن المرتزقة يتوسلون الخارج لاحتلال اليمن، ويحاولون منذ عامين سرقة النفط ومع ذلك منعنا ذلك رغم وانهم فوقه ولم نستعمل أي شاطئ.
مؤكداً أن اليمن قادر على الدفاع عن نفسه وحماية كل “نقطة في الماء من أي نقطة في اليابسة”، منوها أن البحر الأحمر لن يكون آمناً إلا بإرادة صنعاء فقط
ووجه العزي رسالة للمخدوعين المتواجدين في معسكرات المرتزقة قبل فوات الاوان: “أنتم الآن في معسكرات صهيونية بامتياز وقريباً ستحركها أمريكا لصالح العدو الإسرائيلي ضد شعبنا المناصر لغزة، فنسق مهمتك أو غادرها فورا وتذكر انك أغلى وأعز من أن تكون جزءاً من معركة اليهود ضد يمن الايمان”.
رفض العروض الأمريكية
من جانبه أشار محمد البخيتي عضو المجلس السياسي لأنصار الله، إلى أن كل قيادات المرتزقة ابتداء من العليمي مرورا بعيدروس الزبيدي وطارق عفاش وانتهاء بالعرادة عرضوا على أمريكا تفجير الجبهات الداخلية لوقف عملياتنا العسكرية المساندة لغزة في البحر الأحمر، رغم أن أمريكا سبق وعرضت علينا رفع حمايتها وحماية السعودية والإمارات عنهم مقابل وقفها إلا أننا رفضنا.
موضحاً، أنه لا شيء يساوي خيانة هؤلاء المرتزقة إلا غبائهم الشديد، فلو خضعنا لأمريكا بالأمس أو اوقفنا عملياتنا اليوم لاستغنت عنهم وعندها لن يصمدوا أمامنا أسبوعاً واحداً بدون حمايتها السعودية والامارات عنهم مقابل وقفها إلا اننا رفضنا.
ولفت البخيتي إلى أن تفجير أمريكا للجبهات الإقليمية والداخلية، يعني ذلك أن “منتسبي الجيش السعودي وقوات عفاش وعيدروس والعرادة والمحرمي” سيكونون أمام خيارين، فإما أن يقاتلوا كأول خط دفاعي عن إسرائيل وإما أن يقاتلوا كأول خط هجومي عليها وذلك بالانضمام لمحور الجهاد والمقاومة بكامل سلاحهم وعتادهم.
الخسائر ستكون كبيرة
تجديد السيد عبد الملك الحوثي التحذير للتحالف السعودي الإماراتي من التورط بتصعيد – بدفع أميركي – خدمة لـ”إسرائيل” مبني على معطيات وأحداث تم لمسها، في جبهات عدة داخل اليمن، كما يقول خليل نصر الله الخبير اللبناني في الشؤون الإقليمية، منوهاً أن ما قدمه السيد عبد الملك يبين أن صنعاء تحسبت لشيء من هذا النوع وأعدت له، لذا هو قال إن خسائرهم ستكون كبيرة، وحاججهم بالعجز الأميركي.
وتابع نصر الله: “مهما كانت العناوين التي يمكن أن تقدم لأي عدوان على اليمن، فإن الظرف الذي تمر فيه المنطقة سيضعها حتما بأنها إسناد لـ”إسرائيل”.
ولا شك بأن هناك تهيب سعودي إماراتي من خطوات كهذا النوع، لكن لا أحد يعرف المدى الذي يمكن ان تبلغه الضغوط الأميركية عليهما، بحسب خليل نصر الله.
تحذير للسعودية والإمارات
وعملا بمبدأ (لن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) فإن أي عدوان جديد على الشعب اليمني فسيكون المسؤول عنه هو الإمارات والسعودية؛ حيث هم من أنشأوا هذه الميليشيات، ودعموها، وسلحوها، ووفروا لها التغطية الجوية والسياسية، ولا يزالون يمولونها، وفق ما ذكر الدكتور حمود الاهنومي أستاذ التأريخ الإسلامي بجامعة صنعاء وعضو رابطة علماء اليمن، لافتاً إلى أن المنشآت العسكرية والاقتصادية في السعودية والإمارات ستكون تحت قسوة نيران صواريخ القوات المسلحة اليمنية وطائراته، كما أن سفنهم وبوارجهم الحربية والاقتصادية وموانئهم الكبيرة لن تكون بمأمن في كل نقطة من البحار المحيطة، من المحيط الهندي إلى البحر المتوسط، وما بينهما بحر فارس والبحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن.
لن تقف عمليات الإسناد لغزة ولبنان
فيما يقول محمد الفرح عضو المجلس السياسي لأنصار الله إن أي تصعيد من قبل دول العدوان ومرتزقة اليمن إنما هو إسناد للعدو الإسرائيلي على غزة ولبنان وتنفيذاً لتوجيهات أمريكية.
ويضيف: “حتى لا يتعب المرتزقة وهم يبحثون عن عنوان مقبول للتصعيد، لكي يدرك كل مخدوع أنه عمل ممقوت ومخزي وأنهم مجرد أدوات تستغلها أمريكا، يجب أن يرفع الناس أصواتهم في وجه أمريكا ويقولون لها ولمرتزقتها لو حشدتم كل طلائع أهل الارض للزحف علينا فلن تستطيعوا إيقاف عملياتنا المساندة لغزة ولبنان قطعاً”.
المصدر: الوحدة نيوز
كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا انصار الله في العراق ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
قائد الثورة: العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء لن يؤثر على موقف اليمن في نصرة الشعب الفلسطيني
الثورة / سبأ
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في هــذه الأيــام المبــاركة، وكما في الأعوام الماضية، نُقَدِّم دروساً باستثناء يومي (الخميس، والجمعة):
• يوم الخميس، عادةً نخصصه للحديث عن تطورات العدوان الإسرائيلي الهمجي الوحشي على قطاع غزَّة.
• وفي يوم الجمعة، الخروج الشعبي المليوني الواسع، في التضامن مع الشعب الفلسطيني والنصرة له.
وقبـل أن ندخـل في موضـوع الـدروس، نتحـدث عـن نقطتـين:
• الأولى: فيمــا يتعلَّـق بالعــدوان الإسـرائيـلي على مطــار صنعــاء هــذا اليــوم:
والذي يأتي في سياق العدوان الإسرائيلي المستهدف لأُمَّتنا في فلسطين، في لبنان، في سوريا، والهادف أيضاً- فيما يتعلَّق ببلدنا- إلى الضغط على موقف شعبنا العزيز، وموقف بلدنا المشرِّف، في النصرة للشعب الفلسطيني المظلوم، فالعدو الإسرائيلي أراد أن يتفرَّد بالشعب الفلسطيني، وأن يستمر في الإبادة الجماعية ضده، دون أن يكون هناك أي رد فعل، أو مناصرة للشعب الفلسطيني من أي بلدٍ مسلم، في البلاد العربية أو غيرها، ومع الموقف المشرِّف والعظيم لليمن في نصرة الشعب الفلسطيني، تدخَّل العدو الأمريكي أولاً، في مسعاه لمنع الموقف اليمني؛ إسناداً منه للعدو الإسرائيلي، ومع ذلك كان العدو الإسرائيلي ينفِّذ اعتداءات بين الفينة والأخرى، وبعد كل مرحلة، من هذا النوع من غاراته العدوانية، التي يستهدف بها المطار، أو الموانئ، أو المصانع، ثم لمَّا فشل الأمريكي بشكلٍ كامل، وتوقف من الغارات والتصعيد في العدوان الجوي على بلدنا والعدوان البحري، بقي العدو الإسرائيلي في موقفٍ ضعيف، ولكنه يحاول من خلال هذا العدوان المتكرر، الذي يستهدف به هذه المنشآت المدنية، يحاول الضغط لأن يستعيد الردع؛ من أجل- كما قلنا- أن يستفرد بالشعب الفلسطيني، ويستمر في الإبادة الجماعية.
مهما كان حجم العدوان الإسرائيلي، ومهما تكرر، فهو لن يؤثِّر إطلاقاً على موقف شعبنا العزيز في مناصرة الشعب الفلسطيني؛ لأن هذا واجبٌ إسلاميٌ، دينيٌ، أخلاقيٌ، إنسانيٌ، لا يمكن التفريط به، وكذلك محاولات العدو الإسرائيلي قد يكون منها في هذا التوقيت: السعي لإعاقة نقل الحجاج لأداء فريضة الحج، ولكن- إن شاء الله- سيفشل في كل ذلك، الموقف مستمر، الترميم المتكرر للمطار، بالمقدار الضروري الذي يتيح استمرارية عمله، سواءً في نقل الحجاج، أو نقل المرضى والمسافرين، سوف يستمر أيضاً بإذن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
موقفنا- كما قلنا- نسعى فيه دائماً إلى كيف يكون بشكلٍ أقوى في مناصرة الشعب الفلسطيني، الذي هو يعاني أشد المعاناة، معاناته في هذه المرحلة هي أكثر مما سبق، سواءً من حيث أضرار الحصار الشديد، والتجويع الشديد للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، أو من حيث مراكمة الجرائم الإسرائيلية، فيما قد أباد من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فيما هناك من جرحى، من معاناة بكل أشكالها في قطاع غزَّة؛ ولـذلك فكلما استمر العدو الإسرائيلي في إجرامه ضد الشعب الفلسطيني، في إبادته الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، في تجويعه للشعب الفلسطيني، فالمسؤولية على هذه الأُمَّة بكلها أكبر وأكبر في أن يكون لها موقف، وهذا يدفعنا من واجب المسؤولية الإيمانية، والأخلاقية، والإنسانية، إلى الاستمرار، والسعي نحو التصعيد ضد العدو الإسرائيلي، في عمليات القوات المسلحة اليمنية، وفي سائر الأنشطة المناصرة للشعب الفلسطيني.
• في النقطــة الأخــرى: فيمــا يتعلَّـق بهــذا الشهــر المبــارك (شهـر ذي الحِجَّـة):
نحن أولاً نتوجُّه بأطيب التهاني والمباركة لأبناء أُمَّتنا الإسلامية كافَّة، ولشعبنا اليمني المسلم العزيز، بدخول هذا الشهر المبارك، الذي هو موسمٌ عظيمٌ ومبارك من مواسم الخير والبركة، أتاح الله فيه لعباده الكثير من الخير والبركات، لمن يغتنم مثل هذه الفرصة المهمة والعظيمة والمباركة.
هــذا الشهــر فيــه منـاسبـات دينيـة متعــدِّدة ومهمــة ومفيــدة، مـن ضمنهـا: أن فيه أداء ركنٍ عظيمٍ من أركان الإسلام، وهو: فريضة الحج، شعائر الحج تقام في هذا الشهر المبارك، وهي فريضة عظيمة ومهمة، ولها مدلولها الكبير، ولها عطاءاتها العظيمة التي تحتاج إليها الأُمَّة، وسنتحدث عن ذلك- إن شاء الله- في سياق الدروس.
هنــاك أيضــاً مناسبــات أخــرى، منهـا:
• عيد الأضحى، لهو مدلوله المهم، سنتحدث عنه- إن شاء الله- في سياق الدروس كذلك.
• كذلك الأيام المعلومات، والأيام المعدودات، ويوم عرفة.
• وكذلك ذكرى حِجَّة الوداع لرسول الله «صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ».
• وذكرى يوم الولاية.
نتحدث- إن شاء الله- عن ذلك في سياق الحديث، وفي سياق الدروس بإذن الله.
الثلث الأول من شهر ذي الحِجَّة فيه الليالي العشر، التي أقسم الله بها في القرآن الكريم، في قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ}[الفجر:1-2]، في الروايات عن النبي «صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ» أن الليالي العشر هي: العشر الأولى من شهر ذي الحِجَّة، ومعنى ذلك: أنها ليالٍ مباركة، والأعمال الصالحة فيها، والأذكار، والقرب إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بما شرعه لعباده، فيها فضلٌ عظيم:
• من حيث مضاعفة الأجر والثواب.
• ومن حيث الأثر أيضاً.
وهذه المواسم المهمة التي يجعلها الله لعباده، من مثل شهر ذي الحِجَّة، من مثل شهر رمضان الذي هو أفضل من حيث فضل الشهور… غيرها من المواسم، هي نعمة أنعم الله بها على عباده، يتهيأ فيها لهم من الفرص في الارتقاء الإيماني والأخلاقي وتزكية النفس، في عُلُوِّ الدرجات، في القربة إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، في فتح أبواب الاستجابة للدعاء… وغير ذلك من البركات الواسعة، التي هي مهمة بالنسبة لنا، يعني: نحن بحاجةٍ إليها؛ وإنما ينبغي أن نقبل على مثل هذه الفرص، أن ندرك قيمتها وأهميتها، وأن نسعى للاستفادة منها، فالله هيأها لنا وأنعم علينا بها، في إطار اهتمامنا المستمر فيما يتعلَّق بالأعمال الصالحة، والمسؤوليات الإيمانية، والالتزامات الإيمانية؛ إنما المزيد منها، واغتنام بعض القرب، مطلوب في مثل هذه المواسم المباركة.
كنَّا في شهر رمضان المبارك قدَّمنا دروساً من قصص القرآن الكريم، وفي شهر رمضان من هذا العام كانت الدروس من القصص القرآني عن نبي الله وخليله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، ولكن لم تكتمل هذه الدروس خلال شهر رمضان المبارك، في آخر شهر رمضان المبارك تحدثنا عن أن بالإمكان أن نستفيد من هذه الأيام المباركة من شهر ذي الحِجَّة، في إكمال تلك الدروس القرآنية، من القصص القرآني عن نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وباعتبار أيضاً أن لنبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» علاقة وثيقة بالمناسبات الدينية المباركة في هذا الشهر الكريم:
• فيما يتعلَّق بفريضة الحج، سيأتي الحديث عن ذلك إن شاء الله تعالى.
• فيما يتعلَّق بعيد الأضحى، كذلك ستأتي التفاصيل المتعلقة بذلك- إن شاء الله تعالى- أثناء الدروس.
• بل في بعض المصادر التاريخية، أن مولد نبي الله ابراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» كان أيضاً في اليوم الأول من شهر ذي الحِجَّة.
فهناك علاقة لنبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» بشهر ذي الحِجَّة، وما فيه من المناسبات الدينية؛ ولـذلك كانت مناسبةً لاستكمال تلك الدروس القرآنية المباركة.
فيما يتعلَّق بقصص نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» في القرآن الكريم، نتحدث على أساس المحطات الثلاث البارزة:
• المحطة الأولى: تحدثنا عن بعضٍ من القصص المتعلق بها في القرآن الكريم، وهي في أثناء تواجده مع قومه في العراق، في مقاماته مع أبيه وقومه، وتبليغه لرسالة الله تعالى إليهم، وسعيه لهدايتهم.
• هناك محطة أخرى أيضاً: تتعلَّق بهجرته من العراق إلى الشام، والبعض من القصص والأحداث التاريخية المهمة، ما بعد هجرته إلى الشام.
• أمَّا المحطة الثالثة: فهي متعلِّقة بمكة، بنبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» حينما أسكن بعضاً من أسرته في مكة، وأسَّس الحج، وبنى البيت الحرام، وبعضاً من الأحداث التاريخية المتعلقة بذلك.
في مقاماته في المحطة الأولى مع قومه في العراق، تحدثنا عن بعضٍ منها مما قدَّمه القرآن الكريم، وهي نماذج مهمة؛ لأن القرآن الكريم لم يقدِّم حصراً لكل الأنشطة والمقامات في إطار حركة نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، حركته وحركة واسعة، كما هو شأن الأنبياء في نشاطهم وعملهم الكبير لتبليغ رسالة الله تعالى، يعملون بكل جد، بكل اهتمام، في عملٍ دؤوب، كما ذكر الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» عن نبيه نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا}[نوح:5]، عمل دؤوب، وجهد مكثف، ولكن القرآن الكريم يُقدِّم لنا نماذج منها، تتضمن الهداية المهمة التي نحتاج إليها نحن، وتقدِّم لنا صورةً ملخصةً عن طبيعة النشاط العام لأنبياء الله ورسله «صَلَوَاتُهُ عَلَيْهِم».
فنبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» ذكر الله لنا مقامات من مقاماته، مثل ما ورد في الآيات المباركة من (سورة الأنعام)، وتحدثنا عنها في شهر رمضان المبارك، والآيات المباركة من (سورة الشعراء)، وتحدثنا عنها كذلك في شهر رمضان المبارك في آياتٍ أخرى، هي تتضمن الدروس الكثيرة، ودروساً نحن في أمسِّ الحاجة إلى الاستفادة منها، هي لهدايتنا، الله ذكرها لنا في القرآن الكريم؛ لنهتدي بها، لنستفيد منها، ولأنها أيضاً عن الأنبياء «عَلَيْهِمُ السَّلَامُ»، وهم القدوة، والأسوة، والهداة، الذين يأمرنا الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أن نقتدي بهم، أن نهتدي بهم، أن نتأسى بهم، أن نسير في طريقهم ودربهم؛ ولـذلك هي ذات أهمية كبيرة بالنسبة لنا، ونحن في أمسِّ الحاجة اليها.
في إطار المقامات التي عرضها الله في القرآن الكريم لنبيه إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» بين قومه، نصل إلى مقامٍ حاسم من مقاماته بينهم، ما بعده كان هناك خطوة عملية كبيرة وحساسة جدًّا، قام بها نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وما بعد ذلك أتى الحديث عن هجرته، وهذا المقام أتى بعد مقامات قبله، كان فيها عرض كبير للأدلة والبراهين الواضحة، لما يدعوهم إليه من العبادة لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وحده، وترك الشرك، ونبذ الأنداد التي يتَّخذونها من دون الله، والعنوان في العبادة هو عنوانٌ جامع، كما شرحنا ذلك أثناء الدروس في شهر رمضان المبارك، عنوانٌ جامع، يعني: يدخل فيه التوحيد لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، في ألوهيته، أنه وحده الإله الذي لا نعبد إلا هو، ثم نبني مسيرة حياتنا على أساسٍ من العبادة لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، على أساس الطاعة والانقياد التام لله «جَلَّ شَأنُهُ»؛ باعتبارنا عبيداً له، نطيعه، نثق به، نخضع له، نلتزم بأوامره، بتوجيهاته، بتعليماته، نقبل شرعه، وهديه، ونهجه، ونتحرك في مسيرة حياتنا على أساس نهجه وهديه وتعليماته.
نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» قدَّم لقومه من الحجج، والبراهين، والدلائل الواضحة والنَّيِّرة، ما يوضِّح لهم الحقيقة، وما يصل بهم إلى القناعة، إلى الوضوح التام، ولكنَّ المشكلة هي فيهم هم، بما كانوا قد ألفوه جدًّا، وتشبَّثوا به بشدَّة من الباطل الذي هم عليه، بعد أن وصلوا إلى مستوى أن لم يبق لديهم أي حُجَّة يحاولون أن يستندوا إليها، ولم يكن لديهم أي مبرر صحيح، هم يحاولون أن يبرِّروا بمبررات غير صحيحة، لا تُمثِّل حُجَّةً لهم، ولم يظهر لهم أي مستند يعتمدون عليه في تشبُّثهم بما هم عليه من الباطل؛ ولـذلك فالمقامات التي سبق الحديث عنها ذات أهمية كبيرة، لنستوعب أهمية هذا المقام الحاسم، وما تبعه من خطوةٍ عمليةٍ مهمةٍ وضرورية.
الحديث في المقامات تلك، بيَّن فيه نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» أنه لا يحق العبادة إلا لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وأن الشرك باطلٌ ليس له مستند، ولا أساس، ولا حُجَّة، ولا برهان، وهو باطلٌ فظيع، كبير؛ لأنه باطلٌ يبنى عليه الانصراف التام عن نهج الله، وهدي الله، وتعليمات الله، وفيه تنكُّر لأكبر الحقائق المهمة: أن الله وحده هو الإله الحق، ولا تحق العبادة إلا له؛ لأنه ربُّ العالمين، وملك السماوات والأرض، والمالك لكل شيء، والخالق وحده «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ ولـذلك فالانحراف في حالة الشرك انحرافٌ خطيرٌ جدًّا، فيه تنكُّرٌ لأكبر الحقائق، فيه انصرافٌ تام عن هدي الله ونهج الله، وإعراض كامل، وقطيعة تامَّة مع هدى الله وتعليماته، هو كذلك فيه ظلمٌ كبير، وتنكُّرٌ للحقائق، اخضاعٌ للنفس لغير الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، لمن لا يملك هذا الحق، والذي يملكه وحده هو الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى». وإن شاء الله سنتحدث في هذا القصص المبارك كذلك عن بعضٍ من النقاط المهمة، على ضوء ما ذكره الله في القرآن الكريم.
هذا المقام الذي ذكره الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»- كما قلنا- هو مقام حاسم، أتت بعده خطوة عملية ذات أهمية كبيرة، ذكره الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في (سورة الأنبياء)، يقول الله «جَلَّ شَأنُهُ»: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}[الأنبياء:51].
ما قبل هذه الآية المباركة، ذكر الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» نعمته الكبرى وحُجَّته على عباده بالقرآن الكريم، لقوله: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}[الأنبياء:50]، يعني: القرآن الكريم، النعمة الكبرى بكتاب الهداية، والنور المبارك، الذي فيه البركة الواسعة في كل شؤون الحياة ومجالات الحياة، وفي كل امتدادات مجالات العمل به، وما قبل ذلك ذكر الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أيضاً نعمته على نبيه موسى «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، ونبيه هارون، بنزول الفرقان والضياء والذكر، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بيَّن سُنَّتَهُ في الهداية لعباده.
حينما نشاهد ما عليه واقع الناس من أفكار ظلامية، ومعتقدات باطلة، وتصورات خاطئة، ينتج عنها ويبنى عليها انحرافات عملية، مظالم ومفاسد في الحياة، وسياسات خاطئة، وينتج عنها ما نجده في واقع الناس- أشياء واقعية- من معاناة وشقاء؛ فلندرك أن هذه المشكلة تعود إلى الناس أنفسهم، وأنه ليس هناك أي تقصير من جانب الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فهو قدَّم لعباده الهداية الكاملة، التي إن اتَّبعوها كانت النتيجة: فلاحهم، ورشادهم، والخير لهم في الدنيا والآخرة؛ لأن كل الحالة التي يعيشها البشر من شقاء، وعناء، ومظالم، ومفاسد، وراءها أفكار ظلامية، تصورات خاطئة، معتقدات باطلة، تصرفات الناس لا تأتي بدون فكرة، كل تصرف ورائه فكرة، ورائه تصور، وهذه المشكلة الخطيرة على الناس، حينما لا يهتدون بهدى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويتقبَّلون الكثير من الأفكار الباطلة والخاطئة، والتصورات الظلامية، التي تتيه بهم عن الحق، وعن الحقائق، وعن الخير.
فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بيَّن لنا في القرآن الكريم، الذي هو كتاب هداية، كتاب رشد، نور، بصيرة، يضيء لنا الدروب في هذه الحياة، يضيء لنا الطريق، يسير بنا إلى الاتِّجاه الصحيح، إلى النتائج المهمة والعظيمة، التي ينبغي أن تكون أهدافاً لنا كبشر نريد الخير لأنفسنا، وسُنَّة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في هداية عباده سُنَّة ثابتة قائمة على مرِّ العصور، مع كل الأجيال والأمم؛ ولـذلك بيَّن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هذا المسار التاريخي، مع حقب تاريخية مهمة.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}[الأنبياء:51]، الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في سياق أن يبيِّن لنا سُنَّته في هداية عباده، في إطار هذه السلسلة الطويلة من الهداة، الذين أتى الهدى إلى الناس من خلالهم، بيَّن ما منح نبيه إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» من الرشد.
الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» حينما أرسل الرسل إلى عباده، وقدَّم إلى عباده الهدى من خلال أولئك الرسل أنفسهم، أكمل أولئك الرسل والأنبياء؛ ليكونوا بمستوى أداء هذه المهمة العظيمة والمقدَّسة، فكانوا هم في ما هم عليه من النور، والهدى، والبصيرة، والرشد، في مستوى أداء هذه المسؤولية، في مستوى أيضاً تقديم أرقى نموذجٍ لها، شاهداً على صدقها، على أثرها، على نتيجتها، وأهلاً لهذا الدور في واقع البشر؛ لأن الرسل والأنبياء ليسوا فقط مجرَّد موصلين للهدى، بل وقدوة في الواقع البشري، في التَّمَسُّك بذلك الهدى، وفي تجسيد قيمه وأخلاقه؛ ولـذلك فالله أكملهم، فكانوا هم في ما هم عليه من كمال: على مستوى الرشد في الفكر، والفهم، والرؤية، والنظرة؛ وعلى مستوى الالتزام العملي، الرشد في التصرف، في العمل، في التطبيق، في التنفيذ، في الممارسة؛ وعلى مستوى ما يقولون، ما يلتزمون به، ما يعبِّرون عنه كذلك؛ في ذلك كله كانوا يجسِّدون حالة الرشد والهداية التي منحهم الله إيَّاها.
نبي الله إبراهيم تحدثنا عن مقامه بين الأنبياء، عن مستواه بين رسل الله، عن مقامه العظيم والمميز، في ما سبق من الدروس خلال شهر رمضان المبارك، والسياق هنا فيما يتعلَّق بعنوان الرشد، أن يكون هو العنوان لهذا الدور الذي قام به نبي الله ابراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» في قومه، يلفت نظرنا نحن، هذه الأُمَّة، بل وهذا الجيل من هذه الأُمَّة، الذين نحن في أمسِّ الحاجة إلى الرشد، حينما يتخبَّط النَّاس في الكثير من مواقفهم، حينما نلحظ في واقع أُمَّتنا الإسلامية غياب الرشد في المواقف، في السياسات، في التَّوَجُّهات، فهذه حالة كارثية تعاني منها الأُمَّة، وتدل بشكلٍ قاطع على الحاجة إلى الرشد.
الإنسان بحاجة إلى الرشد، والرشد مصدره الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، كلما ابتعد الناس عن هدى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، واعتمدوا على اتِّجاهات أخرى، كما هو سائد في واقع المجتمع البشري في مراحل كثيرة من التاريخ، وفي هذا العصر، يعتمدون على جهات ومصادر أخرى: فلاسفة، عباقرة منهم، يتصورونهم عباقرة، ومفكِّرين… وغير ذلك، ثم يحاولون أن يعتمدوا على ما يقدِّمونه هم من رؤى، من فلسفة، من تصورات، من أفكار، حتى في هذا العصر، في المجتمعات الغربية وفي غيرها، المعتمد عندهم رؤى، وأفكار، وتصورات، مصدرها أناسٌ جهلة، ليسوا متَّصلين بهدى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وبمصادر وقنوات الهداية الإلهية، على قطيعةٍ تامَّة مع رسل الله وأنبيائه، على قطيعةٍ تامَّة مع القرآن الكريم، الذي هو الإرث لكل محتوى الرسالة الإلهية على مرِّ التاريخ، وخلاصة تجمع كل الهدى الذي يحتاج إليه البشر، فيما بقي من مسيرة حياتهم، من كل ما قد قدَّمه الله لعباده من الهدى على مرِّ التاريخ، وبما هو أكثر من ذلك، بحسب المتطلبات التي يعلمها الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لعباده، فيما بقي من مسيرة حياة البشر إلى نهاية التاريخ، وقيام القيامة، فالحاجة إلى الرشد في كل شيء:
• في الاستقامة السلوكية، والأخلاقية، والعملية.
• في التدبير في مختلف شؤون الحياة على نحوٍ صحيح.
• في المعتقدات، فيما يتعلق بالجانب الإيماني والفكري والمعتقدات، يحتاج الإنسان إلى الرشد؛ لأن البديل عن الرشد هو الغواية.
عادةً ما يركِّز المفسرون وأصحاب المعاجم اللغوية في شرح مفردة (الرشد) على عدة عناوين:
• منها: الاهتداء للخير.
• منها: إصابة الصواب.
• منها: الاتِّجاه الصحيح.
• منها: الاستقامة في الطريق.
كل هذه العناوين تدخل تحت مفردة (الرشد)، تحت ما تدل عليه مفردة (الرشد)، فأن تكون مصيباً للصواب، أن تتَّجه بشكلٍ صحيح، أن ترى الأشياء بشكلٍ صحيح، أن تفهم الأشياء بشكلٍ صحيح، أن تتصرف بشكلٍ صحيح، كل هذا يعود إلى معنى هذه المفردة ومدلولها، وهو الرشد، الإنسان يحتاج إلى الرشد في معتقداته، في إيمانه بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويحتاج إلى الرشد في كل شؤون حياته.
ولهـذا مما قاله الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» عن القرآن الكريم، فيما عبَّر به الجن في قصة إيمانهم بالقرن الكريم، وهو تعبيرٌ صحيحٌ وحقيقي: {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}[الجن:2]، القرآن الكريم هو كتاب يهدي إلى الرشد، يجعل منك راشداً في فكرك، لا تحمل الأفكار المعوجة، والخاطئة، والتصورات الباطلة، والمعتقدات الباطلة، في إيمانك بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فيما يتعلق أيضاً بمسيرة حياتك، بمواقفك، بتوجهاتك، بتصرفاتك… بغير ذلك، فعنوان الرشد هو عنوانٌ مهم.
ثم كذلك فيما يتعلق بمهام الأنبياء، وورثة الأنبياء، والدعاة إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، الرشد حتى في أدائهم لمهامهم الرسالية، لمهامهم في تبليغ رسالة الله، لمهامهم في العمل على هداية عباد الله، هذا كله أيضاً يفتقر إلى الرشد أيضاً، في الطريقة، في المنهج، في الأسلوب، كل هذا هناك أهميةٌ للرشد فيه، فالله هو مصدر الرشد، هو الذي يمنح عباده، ويمنح أنبياءه وأولياءه والهداة من عباده الرشد.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}[الأنبياء:51]، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» عندما أرسل الرسل والأنبياء، ليكونوا هداةً، وقادةً، وقدوةً، وأسوةً للمجتمع البشري، جعل لهم قادةً راشدين، راشدين هم في توجهاتهم، في أفكارهم، في تصرفاتهم، في أعمالهم، ويتحرَّكون على أساس هدى الله وتعليماته، التي هي رشدٌ وهدى، وكذلك يتَّجهون بالناس في اتِّجاه الرشد، ومن يتَّبعهم، ويهتدي بهم، ويقتدي بهم، يكون راشداً، مصيباً، سائراً في الاتِّجاه الصحيح، راشداً في فكره، في فهمه، في وعيه، في تصرفاته، في أعماله، في أقواله… وغير ذلك، وهذه نعمةٌ أنعم الله بها على عباده؛ لكن المشكلة حين يسير الناس في اتِّجاه الغواية، الاتِّجاه الذي هو بديلٌ عن الرشد: الغواية، ويتَّبعون الغاوين، الذين يتَّجهون بهم في الاتِّجاه الخاطئ، يقدِّمون لهم الأفكار الخاطئة، المعتقدات الباطلة، التصورات الخاطئة، المواقف السيئة، الاتِّجاهات غير الصحيحة… وهكذا.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}[الأنبياء:51]، الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» عالمٌ بنبيه وعبده وخليله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وبأنه أهلٌ لهذه المهمة، ولديه القابلية لما يمنحه الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» من المؤهلات، التي تجعل منه راشداً على المستوى النفسي، وعلى المستوى الفكري، وعلى المستوى العملي، وفي أدائه للمهمة الرسالية التي كلَّفه الله بها، فهذا يفيد ما هو عليه من القابلية العالية، والأهلية الكبيرة لأداء هذه المهمة، ولأن يكون- فعلاً- متقبِّلاً لما يؤهِّله لهذه المهمة من الرشد، مثلما قال الله: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام:124].
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}[الأنبياء:52]، هذا مقام من مقامه مع أبيه، وتحدثنا في شهر رمضان عن ما عاناه نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» حتى في محيطه الأسري، من الانحراف والضلال الكبير، فسعى إلى هداية أبيه، وهداية قومه، في هذا المقام أيضاً يوجِّه لهم أسلوب الأسئلة، يتعامل بأسلوب الأسئلة، ويتخاطب معهم بأسلوب السؤال، السؤال الذي يهدف إلى إلجائهم إلى الاعتراف بالحقيقة، وإلى الإذعان للحقيقة، أسلوب من أساليب الهداية، وهو يحاول أن يصل بهم إلى التَّقَبُّل للحق، وليس فقط الشعور بما هم عليه من خطأ، وأنه ليس لهم أي مستند فيما هم عليه من باطل؛ لأن الباطل لا يوجد له أي مستند، ولا يمتلك مستنداً، ولا دليلاً، ولا برهاناً يُعتَبر، حتى يوثق به، أو يعتمد عليه لأجل ذلك.
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}[الأنبياء:52]، وهو يعمل على هدايتهم، وفي مسيرة الهداية يحاول أن يعالج ما هم فيه من مشكلة الشرك، الذي هو باطلٌ فظيع يترتب عليه بقية التفاصيل من الضلال والباطل، باطلٌ رهيب، كما شرحنا عن خطورته، أنه: تنكُّرٌ لأكبر الحقائق، إساءةٌ إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وفي نفس الوقت إساءةٌ حتى إلى النفس، من يعبِّد نفسه لغير الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يسيء حتى إلى نفسه، ويتنكَّر للحقيقة، ويوجِّه ما هو لله، حقٌ لله، وليس لأحدٍ فيه أي حق، هو حقٌّ خالصٌ لله، يوجِّهه لغير الله، من الإذعان بالعبودية، والإقرار بالعبودية، وخضوع للعبودية؛ ولـذلك كان باطلاً رهيباً جدًّا، فهو يحاول أن يعالج هذه المشكلة.
في ذلك العصر كانت هذه الحالة من الشرك- الذي هو العبادة للأصنام الحجرية- منتشرة بشكلٍ كبير، من ضمن ذلك في قومه، فهم يعتمدون على العبادة للتماثيل، التماثيل: عبارة عمَّا يقومون بصناعته من الأحجار، أو الأخشاب… أو أي مادة أخرى، ما يصنعون منه بشكل إنسان، أو شكل حيوان، هذا يسمى تمثال، فالتماثيل ما يصنع من المواد الحجرية، أو المواد الخشبية… أو غيرها من المواد، المشركون يتفننون في هذا النوع من الإنتاج، ثم بعد ذلك يجعلون منها أصناماً، يعتقدون أنها آلهة، ويجادلون حتى على ذلك، وفي نفس الوقت يتوجَّهون إليها بالعبادة والخضوع بأشكال وطقوس معيَّنة.
{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}[الأنبياء:52]؛ لأنهم يعكفون على العبادة لها، من خلال طقوس معيَّنة معهم، هذا السؤال- كما قلنا- هو سؤالٌ يهدف إلى إلجائهم إلى الاعتراف بالحقيقة؛ لأنهم يعرفون حقيقة تلك التماثيل، التي صنعت على يد الإنسان نفسه، من الأحجار في الحالة الأغلب، أكثر ما كانوا يصنعونها وينحتونها من الأحجار، البعض من الأخشاب، البعض من مواد أخرى، لكن في الأغلب من الأحجار، فهم يدركون حقيقتها، حينما يكون الجواب على نفس السؤال، يكون جواباً معبِّراً عن حقيقتها: أنَّها مجرَّد أحجار، ليس لها أي شيء يضاف على ذلك، سوى أنها نُحِتت وفق تمثال مُعَيَّن، أو شكل مُعَيَّن، فهي لا تمتلك ما يؤهِّلها لأن تكون آلهة، ولا تزيد عن حقيقتها، عن كونها أحجار صُمِّمَت بشكل معيَّن؛ أمَّا الإضافات الأخرى فهي إضافات باطلة، بما في ذلك أن يجعلوا منها آلهة، وأن يتقرَّبوا إليها باسم أنها آلهة، إضافات باطلة، ليس لها أي مستند إطلاقاً.
وهم أدركوا هذه الحقيقة، وأنَّه ليس لهم أي حُجَّة، ولا برهان، ولا دليل؛ ولـذلك كان جوابهم فقط بقولهم: {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}[الأنبياء:53]، يعني: ليس لهم أي مستند في أن يجعلوا من تلك التماثيل التي صنعوها هم آلهة، صناعتهم لها بشكل معيَّن لا يجعل منها آلهة، ولا يستطيعون أن يبرروا ذلك؛ فاستندوا فقط إلى مستند ليس حُجَّةً لهم، وهو: أنَّهم ورثوا العبادة لها كظاهرة اجتماعية، وعادة اجتماعية من آبائهم.
نحن تحدثنا في شهر رمضان، في دروس شهر رمضان المبارك، عن الموروث الثقافي والاجتماعي للأمم والأقوام، وكيف يقيَّم، وعلى أيِّ أساسٍ يقيِّم؛ لأن الموروث من العقائد والأفكار والثقافات، ليست مسألة أنه كان قديماً، أو كان عليه الآباء والأجداد، هي ما يُحكم فقط على أساسه بأنه إمَّا حقٌّ أو باطل، المعيار آخر، ما كان منه حَقّاً وصواباً، يبقى ويعتمد؛ ما كان منه غير صحيح، فغير مقبول؛ ولهـذا قارنَّا في دروس شهر رمضان ما بين قول نبي الله يوسف «عَلَيْهِ السَّلَامُ»: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}[يوسف:38]، يعني: مِلَّة التوحيد لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فهي بالنسبة له موروث من آبائه، لكن موروث حق، موروث هدى، موروث صواب، وآباؤه أنبياء، وهو يسير على نهج أنبياء، وخطى أنبياء، وطريق أنبياء، هداه مهتدين؛ فلـذلك ما كان موروثاً حَقّاً كان عليه من هم على حق، من هم على هدى، فهو موروثٌ عظيم، مقدِّس، يستحق الاستمرار عليه، والافتخار به، والانتماء إليه؛ وما كان بخلاف ذلك، فعلى العكس من ذلك.
{قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأنبياء:54]؛ لأن ضلالهم واضح، {مُبِينٍ}، فهم على معتقد باطل، ضلَّوا فيه عن الحقيقة، وتاهوا فيه عن الحقيقة، وضلال في نفس الوقت خطير وكبير، يعني: لا يمكن التَّقَبُّل له، أو أن يبقى ولا يكون له آثاره وأضراره الكبيرة، المؤثِّرة عليهم في حياتهم؛ لأنه باطل كبير، يترتب عليه الكثير من الباطل، ويتفرَّع عنه الكثير من الباطل.
فاعتذارهم، واحتجاجهم بما ليس فيه حُجَّة لهم، بالاستناد إلى أنَّه موروث من آبائهم، ليس حُجَّةً لهم، لماذا؟ لأن آباءهم كانوا ضالِّين أيضاً معهم، في مثل ذلك الضلال، {ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأنبياء:54].
{قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ}[الأنبياء:55]، وهم في نقاشٍ معه، هم لم يعد لديهم أي حُجَّة، ولا برهان، ولا مستند صحيح؛ ولـذلك عندما اتَّجهوا لجداله بهذا الأسلوب: هل أنت جاد؟ هل أنت تمتلك الدليل على ما لديك أنت، على ما تدَّعيه أنت، {أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ}[الأنبياء:55]: تهدف إلى إثارة الشكوك في ما نحن عليه، والتَّلَعُّب بذلك.
{قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}[الأنبياء:56]، فهو يتحدث معهم بكل جِدِّيَّة، ويستند إلى ما هو حقٌّ واضح، حقٌّ له دلائله الكبرى، وبراهينه العظيمة: الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» الذي خلق السماوات والأرض، وهو ربُّ السماوات والأرض، المالك للسماوات والأرض، والخالق لهذا الكون وكل ما فيه، هو وحده الربّ، الذي تحقُّ له العبادة، لا تحقُّ العبادة إلا له؛ لأنه الخالق، المالك، الملك، المنعم، فهو وحده «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» من له الحق في العبادة له.
{وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}[الأنبياء:56]؛ لأن أنبياء الله ورسل الله «صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم» هم يأتون بالحق، الذي يؤمنون به إيماناً قاطعاً حاسماً، لا ريب عندهم ولا شك أبداً، ويشهدون على ذلك الحق، ويقدِّمون للناس بما هداهم الله إليه من الدلائل، والبراهين القاطعة، والحجج النَّيِّرة، حتى تكون الحقيقة واضحة تماماً للناس، ثم عندما يكون هناك انحراف في المقابل، هو انحراف وهلاك عن بيِّنة، لم يعد على أساس غموضٌ في الحق، أو عدم اتِّضاح للحقائق… أو غير ذلك، فالمسألة واضحة، وهو يتحرَّك على أساس هذا الحق، وأساس هذا الهدى، هو يبلِّغهم هذا الحق، وهو يؤمن به، ويتحرَّك على أساسه، ويسعى إلى مواجهة الباطل، الباطل الذي هو باطلٌ خطير، يترتب عليه المفاسد، يترتب عليه المضار الكبيرة للناس في حياتهم، نتائجه خطيرةٌ على الناس في واقع حياتهم، وتصرفهم عن نهج الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
ثم يتَّجه إلى الحديث عن خطوات عملية: {وَتَاللَّهِ}[الأنبياء:57]، هنا يقسم بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}[الأنبياء:57].
نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» بدأ التحضير لخطوةٍ عمليةٍ، ذات أهمية كبيرة جدًّا من الواقع العملي؛ لإثبات أنَّ تلك الأصنام لا تمتلك أي قدرة، ولا أي تأثير، ولا أي مؤهِّل لأن يجعل منها آلهة، بل هي دون مستوى ما عليه البشر مما وهبهم الله من قدرات، وطاقات، وإمكانات، فهو يحضِّر لهذه الخطوة العملية، التي هي جزءٌ من مساعيه لهدايتهم، ولإيضاح الحقيقة لهم، ولإنقاذهم مما هم فيه من ضلالٍ مبين؛ لأن الضلال خطير جدًّا على الناس في كل مجالاته:
• الضلال على المستوى العقائدي.
• الضلال على المستوى الفكري والثقافي.
• الضلال على مستوى المواقف والتَّوَجُّهَات.
الضلال بكله خطيرٌ جدًّا على الإنسان، ضياعٌ له، إبعادٌ له عن الحقائق، وتيهٌ به في الاتِّجاه الخاطئ، الذي لا يوصله إلى النتيجة الصحيحة.
هنا في وعيده الذي اقسم عليه بالكيد لأصنامهم، هو أيضاً يقدِّم درساً مهماً، يشهد على عجز أصنامهم؛ لأنه هنا يتوعَّد أصنامهم، فهي لو كانت تمتلك ما يعتقدونه هم، ويدَّعونه لها من القدرات الخارقة، وأنها تضر، وأنها تؤثِّر… وغير ذلك؛ لكانت تمكَّنت من أن تدفع عن نفسها مسبقاً ما توعَّدها به، وتوعَّد أن ينالها به، في قوله: {لَأَكِيدَنَّ}[الأنبياء:57]؛ لأن معنى ذلك: أنه سيستهدفها من خلال خطة خفية، يُعِدُّ لها ويحضِّر لها لاستهدافها بها، فهذا الوعيد بنفسه، وهذا التهديد بنفسه، هو شاهدٌ على عجزها، على ضعفها، أنها ليست ذات شعور، أو معرفة، أو إدراك لما قال، ولا ذات قدرة على الامتناع لما يخطط له، ولا تمتلك شيئاً لنفسها.
{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}[الأنبياء:57]، هذا يعبِّر عن أنَّها لا تمتلك لنفسها أي قدرة على الحماية؛ وإنما هي تستند على حمايتهم، فكيف يقدِّمون أنفسهم أنهم عبيدٌ لها، يريدون منها أن تنصرهم، أن تنفعهم، أن تغيثهم، أن ترزقهم، أن تُنْعِم عليهم، أن تجلب النفع لهم، أن تدفع الضر عنهم، وهي لا تمتلك أي مقومات أو قدرة على الحماية لنفسها، وهذا درسٌ مهمٌ جدًّا لهم، هو يذكِّرهم مسبقاً بذلك، ليكون ذلك درساً لهم فيما بعد.
عندما أقسم بمثل هذا القسم، ربما لم يتصوروا أنه سيستطيع أو يتمكن من تنفيذ ما تعهَّد به، وما أقسم عليه، ربما تصوروا أنه لن يفعل ذلك، لن يجرؤ على فعل ذلك، ولن يتمكَّن من ذلك، وسنتحدث عن حيثية هذه الخطوة العملية المهمة في سياق الحديث عنها.
نكتفي بهذا المقدار…
نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إنَّه سميع الدعاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛