بقلم عمار محمد آدم
العام ١٩٩٣ حدثت عملية استلام الاسلاميين للسلطة كاملة حتى أن كل أمين مكتب تنظيمي كان يتولى الحقيبة الوزارية في ذات المجال فمثلاً كان الزبير محمد صالح هو الشخص الممسك بملف التعليم العالي وفي مقابله كان الدكتور ابراهيم احمد عمر ممسكاً بذات الملف في التنظيم فينعقد اجتماع عادة ما يترأسه الترابي تتم فيه عملية التسليم والتسلم فيقوم مثلاً الزبير محمد صالح بتسليم ملف التعليم العالي على مستوى الدولة إلى ابراهيم احمد عمر الذي كان مسؤولا عنه على مستوى التنظيم ويعلن عن ابراهيم احمد عمر وزيراً للتعليم العالي أو أن يقوم بكري حسن صالح مدير جهاز الأمن إلى تسليم الملف والجهاز إلى نافع علي نافع الذي كان مسؤولاً عن الملف على مستوى التنظيم ليكون مديراً لجهاز الأمن والمخابرات وحتى الحلقة الأخيرة في عملية التسليم والتسلم وهو أن يقوم الرئيس عمر البشير بتسليم الأمر كله إلى الأمين العام للحركة الاسلامية ليكون رئيسا للجمهورية .
ولعله شقَّ على الترابي أن يقول ذلك مباشرة في آخر اجتماع من اجتماعات التسليم والتسلم فأسند الأمر إلى علي عثمان قائلاً: (بعد ده يحصل شنو يا علي عثمان) فحوِّل علي عثمان السؤال مباشرة قائلاً: (بعد ده يحصل شنو يا عوض الجاز) فحدث مالم يكن متوقعاً أو في الحسبان حين قال عوض الجاز: (اعتقد انه من المهم الآن أن يستمر الرئيس عمر البشير رئيساً لأن الأوضاع في البلاد لا تحتمل غير ذلك الآن). وقد فوجئ الترابي بذلك ولربما كان تحت وقع الصدمة حين أتاه الغدر من أقرب المقربين إليه فعبر عن ذلك لاحقاً بالقول: (كنت قايلها حماقة جعليين فطلعت لي غتاتة شايقية) وبذلك اختصر حديثا كثيرا في هذا المجال.
كذلك اُدرِج حادثة أوتاوا والاعتداء على الترابي في كندا ضمن دائرة ومنظومة الخيانة للترابي لأن الأمر يتجاوز حدود الظنون والتأويلات بأن الأمر كان مدبرا أصلا. ولكن تبدت الخيانة في طريقة التعامل مع الحدث حين انقسمت القيادات حين وقوعه ما بين الحرس القديم وفيهم المرحوم موسى حسين ضرار والسنوسي ويسن عمر الإمام ولست أدري كيف كان موقف علي الحاج وقد اتخذت هذه المجموعة مباني المؤتمر الشعبي العربي والاسلامي مقرا لها اما المجموعة الأخرى فكانت قد اعتبرت الترابي قد انتهى وعلى رأسها علي عثمان وعوض الجاز وجاءنا في منزل العميد عثمان أحمد حسن من يقول لنا: (الترابي منتهي ولكننا في السودان نقول عن الزول وهو يحتضر انو لسه كويس).
ولكن تفاجأت تلك المجموعة حينما علمت أن الكابتن شيخ الدين محمد عبد الله قد طار بطائرة خاصة إلى كندا لإعادة الترابي بعد ان كانت اعتبرته قد انتهى كما ذكرت وحتى بعد عودة طائرة كابتن شيخ الدين الى مطار الخرطوم وهى تحمل الترابي حاولوا اخفائه ولكنه قاومهم وعاد إلى بيته وما يزال الغموض يكتنف حادثة الاعتداء تلك بينما لم يفصح احمد عثمان المكي في كندا عن شئ رغم انه كان مرافقا للترابى . واذكر ان الاستاذ احمد سليمان المحامي قال لى ان الترابي عرض نفسه في الولايات المتحدة بقدرات فكرية شخصية عالية وبصورة جعلتني احذره واقول له بأن الصورة التي قدمت بها نفسك لربما تعرضك للخطر. وكان احمد عثمان مكي رفيق الترابي في تلك الرحلة قد تعرض لما تعرض له الترابي ولم يتكلم لي ابداً في هذا الأمر برغم علاقتي الوطيدة به وهو متزوج بابنة خال لي. ولربما كان له موقف مقاوم ولكنني اتساءل هل يمكن ان يضرب بطل في الكاراتيه ويحمل الحزام الاسود وتعتبر يده آلة قاتلة. هل يعقل أن يضرب رجل في الستين وآخر مريض دون أن يحدث كدمات على وجوههم أو جراح؟ .. لست مقتنعا ان هاشم بدر الدين قد ضرب الترابي او احمد عثمان مكي وكان معهما حارس صومالي لماذا لم يشتبك مع هاشم؟ ود المكي حتي رحيله لم يذكر لي شيئا عن ذلك كما ذكرت ولكن الترابي قال لي أن الدماء تدفقت من أنفه حتي ملأت صدره ثم حدثني بعد افاقته عن تلك المرأة الخواجية التي جاءت لتعلمه اللغة فأجابها يمكن أن تعلميني اللغة الهولندية اما العربية والانجليزية والفرنسية فإنني اجيدها.
وكنت في بيت الترابي حين وصوله وكان يبدو عليه الوهن والضعف وطلب مني ان اجلس إلى جواره وطلب مني الدعاء له وكان يطلب ذلك على كل من يدخل عليه ومنهم عبد الوهاب بوب المحامي..
قمة الخيانة في الحركة الاسلامية تبدث في الاطاحة بالشفيع في انتخابات المؤتمر الوطني والاتيان بغازي صلاح الدين أمينا عاما ايضا وفي ذلك المؤتمر الذي اجتمعوا فيه لاختيار قائد للحزب الجديد وقف عبد الباسط سبدرات ورشح للمنصب غازي صلاح الدين وقرظه تقريظا شديدا واعقبه احد ابناء الاقليم الجنوبي وقام بتثنية ترشيح غازي ثم قام من بعد من رشح الشفيع احمد محمد فضج المكان بالتصفيق والهتاف وتبين ان غالب من في المؤتمر يؤيدون الشفيع هنا قام غازي بكتابة وريقة وبعث بها إلى رئيس المؤتمر الزبير محمد صالح ولكن الترابي من موقعه الامامي نظر إلى غازي وحرك سبابته وحركها يمنة ويسرة مما يشير إلى رفضه وهكذا فعل مع الزبير استمر المؤتمر حتي وقت متأخر من الليل وفي الصباح فاز غازي متعللين بأنهم وجهوا الفئات للتصويت لغازى ولربما كانت هذه الواقعة بداية للكتاب الأسود او لربما لحركة العدل والمساواة وكان علي الحاج من وراء تنظيم عملية فوز الشفيع.
وقد شرب غازي لاحقا من ذات الكأس التي سقي منها الآخرين حينما اُبعِد عن المفاوضات في مشاكوس ليحل محله علي عثمان لتأتي نيفاشا التي هيأ لها غازي برفضه سودان علماني موحد وموافقته على فصل الجنوب مقابل الشريعة في الشمال وأيضا حينما كان على وشك الفوز بمنصب الأمين العام وكانوا مجموعة كونت لوبي لذلك ولكن منعوا من ذلك مباشرة حين رشح علي عثمان الذي كان في نيفاشا بدلاً عن المرشح الرئيسي عوض الجاز.
كان الترابي دائما لا يريد أن يصدق أن من حوله ينوون خيانته ويبدو انه لا يميل عادة إلى التخوين وحين تأتيه التقارير عن علي عثمان مثلا ومنذ العام ١٩٩٢ وأن علي عثمان يعمل على تكوين تنظيم داخل الجيش كان يتهم كاتبيها بأنهم يحسدونه حتى إذا ما وقع الفأس في الرأس تبينت له الحقيقة.
وكشفت المؤامرة عليه عن وجهها الكالح في مذكرة العشرة الشهيرة والتي كان على راسها سيد الخطيب وبهاء الدين حنفي وكرتي وغازي صلاح الدين وأمين حسن عمر وعثمان خالد مضوي بإضافة تورين وبكري حسن صالح وأحمد علي الإمام وآخرين كانت المذكرة المؤامرة تقضي بجعل الترابي أمينا عاما بلا صلاحيات وتحويل صلاحياته إلى رئيس المؤتمر الوطني الفريق البشير الذي جاء مرتدياً البزة العسكرية وفوجئ الترابي بالمذكرة أمامه وقد حجبت المعلومات حولها عنه تماما وهذا ما لا يحدث ولا يمكن أن يحدث لولا أن هنالك إرادة قوية خلفه وحينما حاول الترابي كسب الوقت للتصويت على المذكرة بعد صلاة المغرب أصر البشير على التصويت عليها قبل الصلاة وقد أجيزت المذكرة وأصبح الترابي أميناً عاماً بلا صلاحيات.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: علی عثمان
إقرأ أيضاً:
الدكتور / احمد الخلايلة ..( جاب التايهه )
صراحة نيوز- عوض ضيف الله الملاحمة
إطلعت بالصدفة على فيديو يتضمن لقاءاً على ( قناة الحقيقة الدولية ) مع شخصية تبدى لي انها شخصية عسكرية مرموقه ، وتبين من كلامه انه ضابط متقاعد . بيّن حديثه انه شخصية منتمية حق الانتماء للوطن ، وعكس كلامه سعة إطلاعه ، ومعرفته للمخاطر التي تهدد الأردن وجودياً .
بعد جهد جهيد ، وبمساعدة من شباب العائلة ، تمكنت والحمد لله من التشرف بمعرفة إسمه ، حيث تبين انه النائب الدكتور / احمد الخلايله ، كان نائباً في مجلس النواب التاسع عشر . وأتشرف بأن أنقل اليكم ما تضمنه الفيديو الذي يبدو انه مجتزأ من مقابلة طويلة ، وهنا أبدأ بالإقتباس الحرفي :— [[ عندنا ( ٣٨٠,٠٠٠ ) متقاعد عسكري ، وانا واحد منهم ، قادرون على حمل السلاح ، المتقاعد العسكري يتقاعد وعمره في سن ( ٤٠ ) الاربعين عاماً ، ما عدا الضباط . وفي عمر الأربعين سنة يكون في قمة العطاء ، ومتدرب على الكيماوي ، والاسلحة ، والمتفجرات ، والذخيرة ، والاتصالات ، والامن السيبراني . إذاً ما المانع من ان نستغل هذا الجيش ، في فترة تدريب لمدة شهر واحد بالسنة ؟ هذا جيش جاهز ، لا يحتاج لشيء ، بحاجة فقط ليلبس الفوتيك وينزل على الميدان . عندما نستغلهم فان العدو الصهيوني يحسب ألف حساب ويعرف ان الوضع ليس كما يتصور هو . يجب ان لا نعتبر خطوة الكنيست الصهيوني بانها خطوة بسيطة ، لا ، لأن الكنيست صوت اليوم ب ( ٧١ ) صوتاً على ضم الضفة الغربية ، نحن اليوم في خطر ، في خطر على القضية الفلسطينية وعلى الأردن ، والمستهدف الأردن والقضية الفلسطينية … ]] إنتهى الإقتباس ، وإختفى الفيديو .
تنادى الكثير من أبناء الوطن المخلصين بالإستعداد لما يحاك ضد الأردن من تهديدات ، تهدده وجودياً . كما طالب الكثيرون بتمتين وتحصين الجبهة الداخلية . وكان هناك دعوات عديدة للعودة لخدمة العلم والتجنيد الإجباري والجيش الشعبي .
كل تلك الدعوات ، لم تجد آذاناً صاغية ، ولم يلتفت لها أحد ، ولم تلقَ أي إهتمام . كما طُرح الموضوع على أحد مجالس النواب السابقة ، لكنه تم وأده بحجة عجز الموازنة ، وعدم التمكن من توفير الكلف اللازمة .
ها قد أتحفنا النائب الدكتور / احمد الخلايله ، بفكره الوقاد ، وإنتمائه الصادق لوطنه ، ( وجاب لينا التايهه ) . لماذا لا يتم الأخذ بفكرته الرزينة بإستغلال وجود ( ٣٨٠,٠٠٠ ) متقاعد عسكري ، كانوا يعملون في الجيش العربي الأردني ، وتقاعد معظمهم في سِنٍ مبكرة ، سِن الشباب ، سِن العطاء ، سِن الأربعين !؟ وكما تفضل الدكتور / احمد الخلايله ، هم عسكريون مدربون على : الكيماوي ، والأسلحة ، والمتفجرات ، والذخيرة ، والإتصالات ، والأمن السيبراني . والمطلوب فقط تدريبهم لمدة ( ١ ) شهر واحد سنوياً ، ليبقوا على تواصل مع الحياة العسكرية ، وليستمر إنعاش ذاكرتهم بالتعامل مع الأسلحة ، ويطلعوا على ما يستجد عليها من تحديث وتطوير . وبهذا تسقط حجة عدم قدرة الموازنة على تحمل كلفة خدمة العلم ، والتجنيد الإجباري ، والجيش الشعبي ، لأن كلفة تدريب العسكريين المتقاعدين لمدة شهر واحدٍ في العام تكون كلفة زهيدة مقابل الحفاظ على الوطن ، والإستعداد للقادم المظلم الخطير الذي يهدد الوطن وجودياً .
الخطر حقيقي ، وداهم ، ويهدد الأردن الحبيب وجودياً . وعلينا الإستعداد ، والأخذ بالأسباب ، وان نعد العُدة ، ونتهيأ للقادم الأخطر . علينا تعزيز وتمتين جبهتنا الداخلية ، ومنع أية محاولات مشبوهة لزعزعتها واختراقها لإضعافها . كما علينا ان نستعد ، ونتجهز عسكرياً لنشكل شوكة في حلق العدو . وعلينا ان نعمل بالممكن لعزيز مقاومتنا ، بتجهيز المتقاعدين العسكريين المدربين المجهزين للقتال ليكونوا سنداً لجيشنا الباسل واجهزتنا الأمنية القديرة .
الأوطان لا تُبنى بالتمني ، ولا تُهاب من الأعداء بالأهازيج والأغاني والتفاخر الأجوف . بل تُصان ، وتُهاب بسواعد أبنائها الشجعان عندما ينزلون للميدان بجسارة وبسالة وإقتدار . وطننا في خطر داهم ، والعلي القدير جلّ جلاله يحثنا على الإستعداد وإعداد العُدّه ليومٍ حربٍ ضروس ، حيث قال تعالى : (( وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفَّ اليكم وانتم لا تُظلمون )) . صدق الله العظيم/ آيه رقم ٦٠سورة الأنفال .