جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-11@13:57:39 GMT

سجود السهو (1)

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

سجود السهو (1)

 

ناجي بن جمعة البلوشي

كم هو الوقت حالك الظلام والأصوات لا تسمع منها إلا همسًا، فقط همس صوت رجلي المتخاذلتين من المشي أسمع، وأسمع بها همسًا ثقيلًا أكاد أخفيه من ضجيجه في تلك الساعة التي لا يُسمع فيها إلا تعبي الذي لا أخفيه عن نفسي، لأنها نفسي التي تعلم ما بها من تعب، تعب السير كان أم تعب النهوض في تلك الساعة التي نادى فيها المنادي "حي على الصلاة.

. حي على الصلاة".

في تلك الظلمة هو نادى نعم، هو نادى بمكبرات الصوت التي رجَّت المنطقة برمتها وأيقظتني من شدة ضخامة صوته، لكن كيف كان يمشي إلى ذلك الجامع وحده دون غيره كيف وصل هو إلى ذلك الجامع؟ دون خوف ولا تعب وصل هو إلى ذلك الجامع لكن كيف؟ هكذا أسمح لنفسي أن تتساءل عن حال ذلك المؤذن الذي أدى ما عليه وأستراح في دفء الجامع المحاط بالجدران الخرسانية وفرشته بلونها الأحمر إنها من السجاد الأحمر القاني الذي نسج داخل الجامع بأيدي النساجين الماهرين الذين استجلبهم وكيل المسجد من إيران وقد كلفته نصف قيمة تكلفة مبنى الجامع، لكنه استحب تلك السجادة على غيرها من أساسيات بناء الجوامع فهي وتلك الديكورات التي وضعها فيه، فنانون هم من قاموا بتلك النقوشات والديكورات في ذلك الجامع استجلبوا من بلاد المغرب العربي مهنتهم صنع الديكور الغالي والمميز والمنفرد استجلبوهم هنا فقط لغاية النقش على سقفه وجوانبه وفي محراب الإمام.

فمن تلك السجاد والديكورات ستعرف قيمة الجامع كما يقول كُل وكلاء المساجد ومرتادوه، أما الذين تصدقوا لبنائه فهم في عجب مما يرونه؛ لانه في كل مرة ينتهي كل جامع قد تصدقوا له من التشييد ثم الافتتاح إذا بوكلاء المساجد يقومون بنشر الرسائل من جديد لإكمال دفع ما تبقى من مبالغ المقاولين ودفع أقساط المكيفات وأدوات الكهرباء والأدوات الصحية التي لم تسدد بعد.

يداي تكاد تتجمدان بعد أن توضأت بماء بارد تجانس مع برودة الجو، نعم إنه الطقس البارد في الشتاء. أسير متجمعًا في كومة رجل لا يعرف مقدمة رأسه من مؤخرتها، ولأنه يمشي فهو نائم يمشي! على رأسي غترة تمتاز بلونيها الأحمر والأبيض هي هدية من أحد زائري البيت الحرام، لكنها الآن لا تبدي نفعها من وجودها على رأسي، لأنها لا تقيني برودة الطقس ولا تغطي كل جسدي المرتجف من برودة الطقس. إيه.. كم هي المسافة بعيدة بيني وبين الجامع الذي أنوي الصلاة فيه، فأنا سوف أمر على جدران لا تنطق ولا تسمع ما أقوله لها لو أردت التحدث معها، لذا تطول المسافة بيني وبين ذلك الجامع الذي أنوي الصلاة فيه. هذا بيت جاري الأول، الفيلا ذات الطابقين، وهي المبنى الضخم لا بل الضخم جدا، وقد بناه على حساب البنك الذي أقرضه فوق ما يتوقع أن يحصل عليه من أي بنك آخر بعد أن وضع كل أبنائه من ضمن المقترضين. هذا البيت سيعيقني ويعيق مسيري الذي يكلفني الوقت لإنهاء الالتفاف حوله؛ فالالتفاف حوله يأخذ مني الكثير من الوقت، كما فعل مالكه حين التف حول قوانين البنك المقرض، إنه يفعل في كل من يمر بجانبه نفس فعلة مالكه، فيلفوا حوله لفة طويلة لا تنتهي من مجرد السير ببطء.

المؤكد أن هذا الجار سيدفع مبالغ طائلة تسمى بفوائد للبنك، لكن كل هذا لا يهم، فهو بين الجيران رجل ذو هيبة اجتماعية وشأن عظيم من مجرد بناء هذا البيت، فلولا بنيانه لهذا البيت لما عرف اسمه، ولما زاره الكثيرون من الناس ليباركوا له هذا المبنى الضخم، هو ضخم جدا لكنه مرهون للبنك حسب ما يتبع من قوانين، فلا يمكنه التصرف فيه دون دفع كل أموال البنك أولًا.

وضعت يدي الباردتين على تلك الغترة الحمراء بعد أن لففتها حول رأسي وعنقي وربطتها من أعلاها برباط غليظ، وضعتهما مغطيًا أذني اللتين تغطيتا أصلًا من تلك الغترة الحمراء وما زلت لم أخرج من بيتي لألتف حول تلك الفيلا، فأنا الآن في حوش بيتي مقابل لها من اليسار. يتبع،،،

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التنين الصيني الذي يريد أن يبتلع أفريقيا

في منتصف تسعينات القرن المنصرم كان الباعة الصينيون يقفون قبالة الشوارع الرئيسية في العاصمة السودانية الخرطوم، يعرضون دهان الفيكس الرخيص بلا ثمن يذكر، حتى بدا وكأن ذلك نوع من التسول اللطيف، لكنهم في حقيقة الأمر كانوا مجرد طليعة كشفية لأنماط الثقافة الشرائية، هنا وفي معظم البلدان الإفريقية، أو بالأحرى مستعمرون جدد تزحف خلفهم مطامع اقتصادية بلا حدود.

وإن كانت تلك الشركات الصينية أمثال عمالقة النفط “سينوبك” و”كيونت” و”هاير” والمصانع المزدهرة في مقاطعة شاندونج وعلى ميناء غوانزو، وكذلك شركات الأسلحة والمسيّرات الصينية تستعمل استراتيجية تسويق عابرة للحدود، فإنها تسعى وبقوة لالتهام القارة السمراء بالكامل عما قريب.

على مدى أكثر من أربعة عقود تقريباً رقصت قاعة الشعب العظمى في بكين على وقع خطابات حكام الصين الشيوعيين، وكانت هذه الخطابات تترافق مع تصفيق مجازي للقائد ماو تسي تونغ، مدير الدفة العظيم، والملهم الأزلي للتجربة، وشيئاً فشيئاً فقدت قاعة الشعب بريقها الاشتراكي، ليظهر جيل جديد لا تستهويه الروح الأيديولوجية بأي حال، فكل ما يهمه الخروج إلى العالم وتأمين الازدهار الاقتصادي الكبير. كما لا يجب إغفال ملاحظات الاصلاحي دينغ زياوبينغ في بداية التسعينيات، حول عدم إمكانية الصينيين أن يصبحوا أثرياء جميعاً علامة سياسية مهمة، معتبرًا اللامساواة كثمن للتقدم، وقد أدرك دينغ أن القوة والثراء لا يتحدران ببساطة من داخل الحدود الوطنية للصين، فأطلق العنان لشركات بلاده لتقوم بالمهمة.
لبكين وبقايا مكونات الماركسية الماوية المحسنة أكثر من مدخل للتعامل مع الدول الإفريقية، فهى تختار صداقاتها بعناية، وتبني علاقتها مع دكتاتوريات قابضة، وعلى قطيعة مع العالم الليبرالي، مثل الرؤساء المتهمين بقمع المعارضة وانتهاك حقوق الإنسان، ضيوف محافل الإدانات السنوية في مجلس الأمن، وهؤلاء بالنسبة للصين صيد سهل التعامل معه. فهي من جهة تملك امتياز استخدام الفيتو لصالحهم، ومن جهة أخرى تمثل لهم طوق نجاة اقتصادي، فتنعم على الحكومات الإفريقية بالقروض الميسرة، والتسهيلات الائتمانية ومشروعات التنمية، من موانئ وسكك حديدية ومطارات، لكن ما هو المقابل؟

لا بد عن إلقاء نظرة قصيرة حول ما تقوم به الصين من نشاط اقتصادي هائل في أفريقيا. فهى تستثمر في كل شيء تقريبًا، وقد وصل حجم التبادل التجاري بينها والقارة الأفريقية نحو ثلاثمائة مليار دولار في العام 2015، فيما تمكنت المؤسسة الوطنية للنفط في الصين من امتلاك حصصٍ ضخمة في إفريقيا، تصل إلى 40% من مؤسسة النيل الأعظم للنفط، التابعة للحكومة السودانية، خلافاً لاستثمارات نفطية مُشابهة في جنوب أفريقيا، أثيوبيا، وأنغولا، وقد رفع منتدى التعاون الصيني الإفريقي الأخير وتيرة طموحات الرؤساء الأفارقة، والذين يواجهون مشاكل اقتصادية جمة، ولربما جعل منهم المنتدى منطلق لغزوات جديدة في أوطانهم، تعبر الصين فوق أحلامهم الصغيرة إلى حلمها الكبير.

إذًا وكما يبدو فإن الرباط الخانق الذي تضعه أمريكا والدول الأوربية حول رقاب الرؤساء الأفارقة، تحاول الصين بخبث حماية مدى إحكامه، دون تخليصهم منه نهائياً، حتى تحتفظ بهم تحت رحمتها، على الدوام، وفي حالة خوف ورغبة بالتنازل عن كل شيء مقابل الحُكم الأمن، وهنا يمكن للصين أن تحصل على ما تريد بسهولة.

بينما لا أحد يعلم بالضبط كم هى ديون الصين على الحكومة السودانية مثلاً، فالأرقام تتفاوت ما بين 5 إلى 7 مليار دولار، لكن ثمة جدل حول جدولة تلك الديون، وفشل في الإيفاء بها، أرغم حكومة الخرطوم للإذعان لكل شروط التسديد من جهة الصين، وذلك بعد زهاء عقود من التعاون الغامض، وابتداع آلية النفط مقابل المشروعات.

بمجازفة قليلة في الظن، يمكن القول أن تلك الديون مقصودة في حد ذاتها، وأن إغراق دول إفريقية بها هو هدف للوصول إلى هدف أكبر، غالباً بجعلها رهينة لإمداد نفطي دائم، وامتلاك أراضي استثمارية واسعة، قد تتحول بسببها إفريقيا في يوما ماء إلى أملاك إقطاعية خاصة بالتنين الصيني، أو مستعمرة تحت عيون الصين.

“العالم بأسره مسرح، وكل الرجال والنساء يؤدون دورهم فحسب” كانت تلك استعارة لائقة لشكسبير، ولكنها لن تحد من رغبة الصين في احتلال هذا المسرح الاقتصادي لأطوال فترة في المستقبل، وقد أدارت، أي الصين، عجزًا تجاريًا هائلاً مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أنها تمتص بشراهة مواد أولية ونصف منجزة، وتركز بصورة أساسية على النفط والعقود الطويلة في إفريقيا والشرق الأوسط.

ذلك التوسع التجاري والسيطرة على اقتصاد العديد من الدول النامية، يمكن في يوماً ما أن يحول بكين إلى حلقة حاكمة في السياسة الدولية، وبينما تحدثت صحيفة “لوموند” الفرنسية قبل أعوام عن تجسس الصين على مقر الإتحاد الإفريقي لم تعبأ بكين بذلك ونفته، رغم أنه قد يكون صحيحاً، فهو أيضاً تسريب مفهوم في سياق التنافس الشره بين فرنسا والصين، وشعور الأولى بخسارات مستعمراتها القديمة من خلال الزحف الصيني عليها. لكنها مع ذلك لم تسفر الصين عن دوافع ظاهرة للهيمنة، فقط تسعى لتمكين شركاتها، وكل ما يهمها أن يتخلى أصدقائها الجدد عن تايوان، العدو اللدود، ولذا قطعت معظم الدول الإفريقية علاقتها بتايوان لضمان وصلها ببكين.

يحب القادة الأفارقة الصين، وتحبهم الصين بقسوة، فهي على الأقل لا تقض مضاجعهم بكوابيس مطالب “التداول السلمي للسُلطة”، كما أنها لا تبدو مشغولة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا تتدخل في شؤون الحكم والسياسات الداخلية، ما يعني أنها النموذج المريح للتعامل، والذي لا يكسر بخاطر أحد، ومن هنا تقريباً تخلقت وشائج المنافع المتبادلة، كلغة وحيدة للتفاهم.

ولعل الصين التي تعتمد على إفريقيا في توفير ثلث مواردها النفطية طرحت نفسها كعاشق بديل، يبذل في سبيل مصالحه كل ما يمكن أن يداوي جراح صندوق النقد الدولي، والعقوبات الأمريكية، وتحاول أيضاً أن تغطي على كوارث الاستعمار القديم، بما يمكن أن يمنح الشعوب الإفريقية شعوراً بالزهو والتحرر، ولتحقيق ذلك عاودت فتح ممرات طريق الحرير القديم عبر المحيطات، كما لو أنها تبحث عن سلالة مينغ التي تزاوجت مع قبائل إفريقية قبل مئات السنين.

من المهم إدراك أن أكثر ما ينمي مشاعر القلق أن أفريقيا أصبحت مكباً للبضائع الصينية الرديئة، بينما خطوط الإنتاج الأولى تبقى من نصيب شمال الكوكب، والتي تعبر بخفة مقاييس الجودة والمواصفات، حتى أنه يمكن لجهاز آلكتروني أن ينفق في يدك خلال ساعات، دون أن تتوقف عمليات الشراء. وتحولنا نتيجة لذلك إلى مستهلكين شرهين، نؤمن حاجة الصين إلى خطوط إنتاج جديدة وفرص عمل لشعبها كل يوم، دون أن نعبأ بخساراتنا المديدة، وهذا باختصار مزعج بعض ما يمكن أن يقال عن اللعبة الاقتصادية الصينية.

عزمي عبد الرازق

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الأونروا: إطالة أمد حصار غزة يزيد الضرر الذي لا يمكن إصلاحه
  • انتهاء وقف اطلاق النار الذي أعلنته روسيا لمدة 72 ساعة في أوكرانيا
  • بإجمالي 53 ألف دارس.. الأزهر يفتح باب التقديم لدفعة جديدة برواق القرآن الكريم
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • حكم من نسي التشهد الأوسط في الصلاة.. الأزهر يجيب
  • خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في الدين تجرؤ واستخفاف يقود للفتنة
  • الحبل الأميركي الذي قد يشنق نتنياهو
  • حمدان بن محمد: على خطى محمد بن راشد تعلمنا أن المجتمع المتماسك هو الذي يبني الأمل
  • التنين الصيني الذي يريد أن يبتلع أفريقيا
  • الفاتيكان يختار أول بابا أمريكي عبر التاريخ.. وهذ اللقب الذي سيحمله