إيران تنتظر عودة سياسة «الضغط الأقصى» مع وصول ترامب للحكم
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أثار فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية العديد من التساؤلات بشأن تأثير هذا الفوز على الأمن القومي الإيراني، وكيف يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تتعامل مع إيران في ظل الإدارة الثانية لترامب، خاصة في ظل الإعلان إعلاميًا عن عدد من المرشحين المناهضين بشكل واضح لإيران؛ لتولي مناصب في هذه الإدارة، التي ستختلف قطعًا عن إدارة ترامب الأولى، بسبب عدد من المتغيرات أبرزها تصاعد القتال في الشرق الأوسط بين إسرائيل ووكلاء إيران من حزب الله والحوثيين والذي انتقل للصراع المباشر بين إسرائيل وإيران، وأضعف الأخيرة وأذرعها قليلًا عما كانت عليه في ٢٠٢٠ خاصة مع استخدام استراتيجية قطف الرؤوس، واستهداف قادة أذرع إيران، وتشير التوقعات لعودة سياسة "الضغط الأقصى".
كان لدى الولايات المتحدة علاقة مضطربة مع إيران منذ الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩، في حين أن الصراع - الذي يتم إدارته عادة من خلال الوكلاء - قد تضاءل كثيرًا على مر السنين، فقد نظرت طهران إلى الولايات المتحدة على أنها "الشيطان الأكبر"، في المقابل ترى واشنطن أن إيران تشكل تهديدًا عامًا للاستقرار في المنطقة، باعتبارها راعيا للجماعات التي تصنفها أمريكا بـ"الإرهابية"، وأبرزها حزب الله وحركة حماس.
على مدى العقدين الماضيين، ربما كان الانتشار النووي المحرك الرئيسي للعداء بين الطرفين؛ باعتبار أن حصول إيران على السلاح النووي قد يدفع دولًا أخرى في المنطقة لامتلاكه أيضًا، مما يخلق سباق تسلح نووي مزعزع للاستقرار في منطقة الخليج، لذا أصبحت المسألة النووية محورية في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران.
كان توسيع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط مقلقًا أيضًا لواضعي السياسات في المنطقة وفي واشنطن، ومن المفارقات أن قوة إيران ازدادت مع إطاحة الولايات المتحدة بالرئيس العراقي صدام حسين بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام ٢٠٠٣، حيث كان نظامه يهيمن عليه السنة، ويحافظ على توازن القوى في المنطقة في مواجهة إيران الشيعية، حتى في ظل الضعف الذي أصاب النظام العراقي بعد هزيمته في حرب الخليج عام ١٩٩١.
ومع زوال هذا نظام صدام، شهدت إيران اختفاء خصم استراتيجي كبير؛ لتصبح الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة الآن، منذ الغزو الأمريكي، تتمتع بعلاقة ودية بشكل عام مع طهران بمرور الوقت.
منذ عام ٢٠١١، خلقت الثورات في جميع أنحاء المنطقة تحديات وفرصًا استراتيجية لإيران. ففي سوريا، وهي حليف قديم، تدخلت إيران عسكريًا للمساعدة في إنقاذ نظام بشار الأسد، وعلى الرغم من نجاحها في تحقيق هذا الهدف إلا أن هذا الحليف لم يعد بالقوة التي كان عليها قبل الحرب، مما يخصم من النفوذ الإيراني في المنطقة.
وفي اليمن، قدمت إيران الدعم العسكري للمتمردين الحوثيين الذين قاتلوا حكومة عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية، واستطاعت من خلالهم تهديد حركة الملاحة في البحر الأحمر. في العراق، زاد النفوذ العسكري الإيراني أيضًا بسبب تهديد داعش؛ حيث اعتمدت الحكومة العراقية بشكل كبير على "قوات الحشد الشعبي"المدعومة من إيران في كثير من الأحيان لمحاربة التنظيم.
ما يعني أن استراتيجية إيران اعتمدت على مغازلة الخصوم السابقين (العراق)، والدفاع عن الشركاء المحاصرين (سوريا)، أو إلحاق الأذى في المناطق الحدودية للخصم (اليمن). علاوة على ذلك، كانت إيران مستعدة لدعم الجماعات السنية - ولا سيما حماس - عندما ترى أن مثل هذه التدابير تصب في مصلحتها الوطنية.
لا تبالغ الولايات المتحدة الأمريكية في حجم التهديد الذي يشكله توسع النفوذ الإيراني. فهي ترى أن إيران بكل ما قدمته من دعم لحكومة الأسد في سوريا، والقتال نيابة عنها، فإن الحرب الأهلية هناك جعلت إيران في وضع استراتيجي أسوأ مما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الأهلية، عندما كان بإمكانها الاعتماد على دولة سورية قوية كشريك يمكن الاعتماد عليه.
سيكون تقييد النفوذ الإيراني من قبل إدارة ترامب صعبًا - ومحفوفًا بالمخاطر في ظل الحفاظ على نظام الأسد في سدة الحكم، في المقابل من الصعب تخيل تنازل إيران عن نفوذها التقليدي في سوريا دون قتال، خاصة أن لديها وكلاء مسلحين على الأرض لجعل المعركة سيئة.كما أن احتفاظ إيران بنفوذ كبير في سوريا - قد يوفر ذريعة للولايات المتحدة، للمضي قدمًا في إعادة الإعمار. وعلى الرغم من هزيمة نظام صدام "السني" وإدماج ميليشيات شيعية ضمن الحكومة والجيش، إلا أن المكاسب التي تحققت لإيران لا تجعل نفوذها كبيرًا إلى حد ما بسبب ضعف الدولة العراقية بشكل عام، وسيطرة الولايات المتحدة على الفواعل السياسيين هناك.
ويمكن لإدارة ترامب العمل على تشجيع الحكومة العراقية لاستيعاب المظالم السنية، وتقليل اعتماد العراق على إيران، من خلال تقديم مساعدات إعادة الإعمار بسخاء أكبر، لكن من غير المرجح أن تؤدي هذه السياسة إلى إنهاء النفوذ الإيراني في بغداد، ولكنها ستضعفه بلا شك.
كما أن المواجهة في اليمن لم تحسم بعد لصالح الحوثيين كذراع من الأذرع الإيرانية، ومن المرجع أنها لن تحسم لصالحهم بسبب توسع ترامب نطاق العمليات العسكرية في اليمن، باستهداف قادة الحوثيين والبنية التحتية العسكرية، مع احتمالية وجود بعض الترتيبات لتقاسم السلطة بين الحوثيين والحكومة اليمنية، وعلى افتراض إتمامها فإنه من المرجح أن يستمر النفوذ الإيراني مع الحوثيين، إلا أنه سيتخذ شكلًا أقل فتكًا.
خلال فترة ولايته الأولى، أعاد ترامب فرض العقوبات على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرم عام ٢٠١٥ مع القوى العالمية، والذي حد من أنشطة طهران النووية مقابل حوافز اقتصادية.
في اليوم الأول من ولايته الجديدة، وقع ترامب سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تهدف إلى إعادة بدء "أقصى قدر من الضغط"على إيران. مما يشير لعودة سياسة "الضغط الأقصى" التي اتبعها الرئيس في ولايته الأولى بفرض العزلة السياسية، باعتبارها "الدولة الرائدة في رعاية الإرهاب". وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية، مع الاستمرار في عمليات قطف الرؤوس لقادة الأذرع التي تدعمها إيران مثل حماس وحزب الله والحوثيين.
كما تتضمن العقوبات الاقتصادية وقف صادرات النفط الإيرانية، لتقليص الإيرادات الحكومية وإجبار البلاد على اتخاذ تدابير غير شعبية، مثل زيادة الضرائب وحوث عجز كبير في الميزانية، وزيادة معدل التضخم.
وتهدف هذه العقوبات لمواجهة البرنامج النووي الإيراني والحد منه ومنع إيران من الحصول على أسلحة نووية بشكل أساسي.
عندما سئل ترامب عما إذا كان سيعيد التفاوض على صفقة مع إيران إذا أعيد انتخابه، قال ترامب "بالتأكيد، سأفعل ذلك" على الرغم من اتهامه لإيران بالوقوف وراء محاولة اغتياله.
على الرغم من عودة سياسة "الضغط الأقصى" إلا أنه لن تحدث تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة. بسبب تحالفات الولايات المتحدة الأمريكية وشراكاتها والتزاماتها طويلة الأمد التي لن تنقلب عليها.
تدرك الولايات المتحدة أن إيران لديها جيش كبير، ولكن الكثير منه مسلح بمعدات قديمة. ولا شك أن إدارة ترامب ستواصل تفضيل ممارسة القوة العسكرية على الدبلوماسية في المنطقة، من خلال الاستمرار في دعم نتنياهو في معاركه في غزة ولبنان وربما في سوريا دون السماح له بالدخول في حرب شاملة ضد إيران.
في اليوم الأول لولايته الثانية، أعلن ترامب عن نيته عقد صفقة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وأشار إلى أنه "يجب وقف هذه الحرب"، لأنها "كارثة تهدر أموالنا"، وأن "أوكرانيا ليست مسئولية أمريكا، ولدينا مشاكل أخرى"، وقال ترامب في تصريحات صحفية إن "بوتين كان حازمًا جدًا في أنه يريد القيام بذلك.. أعتقد أنه قد يرغب في القيام بذلك أكثر مني ".
ستؤثر هذه الصفقة أيضًا على الحد من النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، بسبب تضمينها إنهاء جهود التحديث العسكري الروسية مع إيران، مقابل حوافز اقتصادية، تضاف لجهود ترامب إنهاء التدخل في أوكرانيا.
إيران لن تتخلى بأي شكل من الأشكال عن حلفائها في المنطقة، وفعليًا لا ترغب الولايات المتحدة في أن تتخلى إيران عن دعم حلفائها، حيث تحتاج الولايات المتحدة إلى الصراعات القائمة بين دول المنطقة من أجل تبرير وجودها واستمراريتها في تلك المنطقة. ما يهدف إليه دونالد ترامب فعليًا هو إقامة علاقات تعاون مع إيران، بعد فرض عقوبات اقتصادية من خلال العودة لتطبيق سياسة الضغط الأقصى، خاصة فيما يتعلق بصادرات النفط الإيرانية التي بدأت تحقق عائدات جيدة، وتجديد القيود المفروضة على الصادرات النفطية، لدفع إيران نحو التوصل إلى اتفاق جديد، فيما يتعلق بالاتفاق النووي.
هناك رغبة متبادلة بين إيران والولايات المتحدة في تخفيف التوترات والخلافات والتوصل إلى صفقة، وتسعى الولايات المتحدة إلى منع إيران من الإضرار بمصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ترامب إيران دونالد ترامب الانتخابات الامريكية الولايات المتحدة الأمريكية النفوذ الإیرانی فی الولایات المتحدة الضغط الأقصى على الرغم من فی المنطقة مع إیران إیران فی إیران من فی سوریا من خلال إلا أن
إقرأ أيضاً:
أكاديمي إسرائيلي يتحدث عن ارتباك تجاه سياسة ترامب.. لم يعد المسيح المُخلّص
بات واضحا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتحرك بوتيرة رجل الأعمال، ويعقد الاتفاقيات ويحصد الإنجازات، ثم ينتقل إلى شيء آخر، في المقابل يبدو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عالق في الوقت، ويرفض إنهاء الحرب في قطاع غزة، وإطلاق سراح الأسرى وفي أسرع وقت ممكن.
وأكد البروفيسور يوسي شاين، الرئيس الأسبق لكلية العلوم السياسية بجامعة تل أبيب، وعضو هيئة التدريس بجامعة جورج تاون في واشنطن، أن "ترامب سعى لإحداث صدمة في العالم من خلال بناء قوة إمبريالية، أشبه بالقوة المتسلطة في بعض الأحيان، لم نشهدها على الساحة الدولية، وفي الداخل منذ فترة طويلة، ومنذ يومه الأول في البيت الأبيض، أوضح أنه غير ملزم بالاتفاقيات الأخلاقية التي وضعها بايدن، ولا بـ"النظام الفاسد" الذي بناه بايدن وأوباما، ولا بـ"الضعف الأمريكي" الذي يتسم به الديمقراطيون، وحتى الجمهوريون، قائلا إننا "لن نتحدث بعد الآن عن الأخلاق الزائفة".
وأضاف شاين في مقال نشرته "القناة 12"، وترجمته "عربي21" أن "الأمر لا يتعلق بالنتائج الحقيقية، وتعزيز المصالح الأمريكية الواضحة، بل باستفادة حلفاء إسرائيل من هذه السياسية ومعاناة خصومها، كما إن نتنياهو ومعسكر اليمين، مثل كثيرين غيرهم، انجذبوا إلى فكرة ترامب على الفور، بزعم أن "شفيع اليهود" وصل، وسيقضي على أعدائنا في الشرق الأوسط وداخل الولايات المتحدة، واندلعت معاداة إسرائيل لأبعاد مثيرة للقلق، كما لاقت العقوبات المفروضة على الجامعات الأمريكية المعادية ترحيبا حارا في تل أبيب".
وذكر أن "نتنياهو وأنصاره وقعوا مرة أخرى في "حبّ راعي اليهود الصالح"، وأعطى حياة جديدة لرئيس الوزراء وائتلافه، حيث وعد ترامب بإنهاء الحرب في غزة لترسيخ رؤيته لـ"ريفييرا" فرنسية في غزة تحت رعاية وملكية أمريكية، مع أنه في الواقع، تم تعريف ترامب باعتباره المسيح النهائي، وعلى اليمين صرخوا بأنه سيسمح لنا بنفي جميع الفلسطينيين، وضرب الإيرانيين، واحتلال سوريا، وأفضل وأفضل".
واستدرك بالقول إن "حقيقة أن ترامب لا يركز على القضايا الأخلاقية، وحتى في أمريكا قام بإلغاء وكالة نشر الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، وأعطى اليمين تفويضًا لشن حرب شاملة على الأخلاق التقدمية "الكاذبة"، لكن نتنياهو ورجاله نسوا أن ترامب لا يركز على الأيديولوجية، وبالنسبة له، يجب أن تكون للقوة ترجمة واضحة وسريعة في المجال الاقتصادي والجيو-سياسي، وهو أمر جيد بالنسبة للأمريكيين، ورغم أنهم يبدأون بسياسة الفوضى والتنمّر، إلا أنهم سرعان ما يستقيمون، ويحصدون الإنجازات مثل رجال الأعمال".
وأوضح أن "نتنياهو لم يفهم روح الأعمال والتسويات التي يتبناها ترامب، زاعما أننا لن نتوقف حتى "النصر الكامل"، مما يمثل بالنسبة للأخير رؤية تفتقر للوضوح الكامل، ولذلك تم استدعاؤه للبيت الأبيض، وتلقى نبأ مفاده أن أمريكا تجري مفاوضات مع إيران بشأن الاتفاق، وساد تصور مفاده أن نتنياهو يماطل، لأنه لا ينهي الأمور، ولا يقدم حلاً حقيقياً لغزة، ومدمن على المتطرفين الذين يريدون الاستيطان فيها، ويؤخر إطلاق سراح الرهائن، وفوق كل ذلك يظهر ميلاً معيناً لتوريط أمريكا في حرب غير مرغوب فيها مع إيران".
وأكد ان "نتنياهو وشركاؤه لا ينكرون إرباكهم من سياسة ترامب لأنه جمع بين روسيا وأوكرانيا، ويعزز السلام بين الهند وباكستان، لكنه في غزة ما زال لا يحقق التقدم بالسرعة المطلوبة، مما دفعه لنقل مركز ثقله للسعودية وقطر والعالم العربي بأكمله، وأصبح الآن "مسيح" الآخرين، ويعمل على توسيع قناة الأعمال العربية، ويُمجّد قوته في جميع أنحاء العالم من خلال المبالغ الهائلة وروعة القصور التي تُبهِر الجميع".