أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق، أن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أرشدنا إلى قيم القوة والسعي للارتقاء بالنفس والمجتمع، وشدد على أن العجز مرفوض في الإسلام، خاصة إذا كان مرتبطًا بالتقصير في عبادة الله أو عمارة الأرض، ورغم ذلك، فإن المؤمن العاجز خير عند الله من الفاجر القوي، لأن المؤمن يمتلك القيم والأخلاق التي تعزز الحضارة الحقيقية.

العجز والقوة: رؤية إسلامية متوازنة

أوضح جمعة أن الإسلام يدعو إلى الجمع بين الإنجاز والقيم، مشيرًا إلى أن الإنجاز الذي يخالف الأخلاق والقيم مرفوض تمامًا. وأضاف أن الإنجاز الحقيقي يتطلب الالتزام بالمبادئ والثوابت، وليس فقط تحقيق النجاح المادي أو الظاهري. وذكر أن الأمم السابقة، مثل قوم عاد، وقعوا في فخ الغرور بإنجازاتهم، كما ورد في القرآن الكريم.

قال الله تعالى:

(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ)،

مشيرًا إلى أن نبي الله هود عليه السلام حاول تذكيرهم بأن نعم الله تزيد بالإيمان والتقوى، لكنهم تمسكوا بباطلهم وقالوا:

(سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الوَاعِظِينَ).

التوازن بين الكم والكيف

أكد الدكتور جمعة أن الإسلام يُعلي من شأن الكيف على الكم، والقيم الإنسانية على الإنجازات المادية. وأوضح أن المسلم الحقيقي هو من يقدّم التقوى على الإنجاز، ويراعي حقوق الإنسان قبل بناء المنشآت.

وما ترك الله لنا طريقًا يبلغنا رضاه وجنته إلا وقد أرشدنا إليه، وحثنا عليه رسوله الكريم ﷺ ، وما ترك لنا طريقا يؤدي بنا إلى النار إلا وحذرنا منه وأحدث لنا منه ذكرا، وتركنا رسول الله ﷺ على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

فلما زاغ الناس عن المحجة البيضاء شاع الفساد، وفشت الفتن من حولنا، تلك الفتن التي وصفها سيدنا رسول الله ﷺ فقال : (يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله عز وجل : أبي يغترون ؟ أم علي يجترئون ؟ فبي حلفت، لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانًا) [رواه الترمذي]. وفي ذلك تصديق لقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) .

رسالة للمسلمين اليوم

اختتم جمعة حديثه بالدعاء أن يرزق الله المسلمين الرشد والصواب في أعمالهم، ويحقق التوازن بين الإنجاز المادي والروحي، مشددًا على أهمية تقديم القيم الإنسانية والدينية كمعيار أساسي للنجاح والتقدم.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جمعة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم التوازن الله المسلمين

إقرأ أيضاً:

أول احتفال لليمنيين في عيد جمعة رجب بجامع “الجند”

يمانيون| تقرير| محسن علي

تعد “المساجد” التاريخية والأثرية في اليمن, من أوائل المساجد التي شيدت على التقوى في صدارة الإسلام-بعيدا عن مساجد ضرار- وبأمر مباشر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسست في عدة مناطق متخلفة لا تزال شواهدها قائمة وإلى اليوم يجسد فيها الشعب اليمني انتماءه الأصيل للإسلام والرسالة المحمدية ويجدد فيها هويته اليمانية والإيمانية, وقد أولى الرسول محمد ,”اليمن” مكانة خاصة وابتعث إليها العديد من الرسل لدعوة أهل اليمن للدخول في الإسلام, على طليعتهم الإمام علي بن أبي طالب, ومعاذ بن جبل, عليهما السلام, فلبوا الدعوة ودخلوا طوعا وأفواجا, فأكرمهم بأفضل الأوسمة حيث قال “الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان”, ومن تلك المعالم التاريخية والأثرية جامع “الجند” في محافظة تعز, الذي أشرق منه نور الهداية وأقيم فيه أول احتفال بعيد جمعة رجب.

 

 مخلاف الجَنَدْ

تنسب منطقة “الجند ” في التاريخ إلى جند بن شهرات أحد بطون قبيلة المعافر، إذ كانت اليمن مقسمة حينذاك إلى ثلاثة مخاليف هي الجَنَدْ وحضرموت وصنعاء، وكانت تعد أحد المناطق الشهيرة, ليبقى اليوم مسجد “الجند” بمكانته التاريخية والأثرية أحد المعالم الدينية العريقة والصامدة في هذه المنطقة, كأحد المدارس الدينية والمآثر التاريخية التي يزخر بها اليمن , رغم الاستهداف الثقافي الخطير الذي غيب الدور الحقيقي للمساجد وبنيت من أجله, باعتبارها كانت المدرسة والمحكمة والميدان الجهادي والتثقيفي والتعبوي للأمة الإسلامية , لتتحول في ذاكرة الشعوب الإسلامية على مدى القرون المتعاقبة إلى مجرد أماكن تؤدى فيها الطقوس العبادية والدينية لا أقل ولا أكثر.

 

عظمة المرسل وولاء الرسول

يقع الجامع المعروف شعبيا بمسجد الصحابي الجليل معاذ بن جبل, في القسم الشمالي الشرقي من مدينة الجند الواقعة على بعد 22 كم شمال شرق بمدينة تعز، يتجاوز عمره أكثر من 1435 سنة, ويعود تأسيسه إلى عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عام 6 هـ واكتمل بناؤه في العام الـ10 من الهجرة.

ويعد الجامع من أقدم مساجد اليمن وأكثرها شهرة وقدسية ، ومرد شهرته ومكانته تعود إلى عدة أسباب وهي : أن أول من وضع حجر أساسه وبناه هو الصحابي الجليل معاذ بن جبل الذي كلفه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بالذهاب إلى اليمن ليكون والياً عليها وليدعو أهلها إلى الإسلام, وليعلمهم أمور الدين ويقضي بينهم وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

كما ورد في كتب السيرة بأمر من الرسول صلى الله عليه وآله سلم ، إذ أمر معاذاً بأن يبني المسجد في الجند بين السكاسك والسكون قائلاً له :”يا معاذ انطلق حتى تأتي الجند فحيثما بركت هذه الناقة، فأذن وصل وابتن مسجداً ” وقد أقام المسجد حيث بركت ناقته.

 

 في مرمى الاستهداف

تحدثت كتب التاريخ عن تعرض المسجد للعديد من حملات الهدم, وأنه تم إعادة بنائه عدة مرات, ففي القرن الرابع للهجرة تم إعادة بنائه على يد الحسين بن سلامة, فيما قام الحاكم الصليحي المفضل بن أبي بركات بأعمال إنشائية بالجامع, وتعرض للهدم في عام 558 هـ، ثم أعيد بناؤه مرة أخرى في عام 575 هـ على يد الحاكم الأيوبي سيف الدين أتابك سنقر, .

 

تحفة فنية وتصميم فريد

يعد الشكل الهندسي والمعماري تحفة فنية غنية بالزخارف المنحوتة والمخرمة والمجمعة, ويتميز الجامع بتصميمه الفريد، حيث يتكون من صحن مكشوف (الفناء) تحيط به أربعة أروقة، أعمقها رواق القبلة, ويضم الأوسط المكشوف والذي وضع فيه عمود مربع، ارتفاعه متران، ويستخدم كمزولة لتحديد أوقات الصلاة، وتحيط به أبنية مظللة من الجهات الأربع تشرف على الصحن من ثلاث جهات، هي الشرقية، والجنوبية، والغربية، أما الجهة الشمالية ففيها قبلة المسجد ومحرابه للصلاة وتضم منبرا خشبيا قديما يعود إلى نهاية القرن السادس من الهجرة، وهي الأكثر عمقاً، وتُطلّ المظلات على الصحن بأقواس عالية متجاورة، أضفت على المنظر هالة البناء الإسلامي العريق، كما يعلو الجزء الجنوبي الغربي من زاويته مئذنة رائعة الجمال, تتكون من جزء سفلي اسطواني يعلوه شكل مثمن، ومن فوقه شكل مسدس، وتنتهي بقبة جميلة,

ويشير محمد بن عبد الرحمن علوي إلى قيم الجامع والتجديدات التي توالت عليه عبر التاريخ، وأهمها ما قام به وزير السيدة بنت أحمد الأفضل ابن أبي البركات سنة (480هـ – 1087م) كما أوصلت الماء من جبل التعكر الذي يبعد 60 كم، ومن وادي السودان القريب من مدينة القاعدة عبر ساقية عرفت بساقية الجند، يتخللها أفلاج عجيبة وعقود يقارب ارتفاعها 600 ذراعاً، واستمرت تزود الجامع بالمياه حتى أواخر ستينات القرن الماضي وآثارها لا تزال باقية إلى الآن.

 

عيد جمعة رجب ..أصالة وهوية

يعد جامع الجند من المواقع الدينية المهمة في محافظة تعز، ويحظى باهتمام كبير من قبل المصلين والزوار, ويشتهر بإقامة الصلاة فيه في أول جمعة من شهر رجب في كل عام، احتفالًا بأول جمعة أقيمت في اليمن في هذا الشهر الكريم المعروفة في الوسط الشعبي بـ “عيد جمعة رجب”, الذي دخل فيه اليمنيين طوعا إلى الإسلام, كما يمثل بالنسبة للشعب اليمني أحد المحطات التاريخية والمناسبات الدينية العظيمة التي يولونها اهتمام خاص, بل ويعتدونه أحد الأعياد التي يرتدون فيها الملابس الجديدة’ والقيام بصلة الأرحام, احتفاء بهذه المناسبة,  لما له من دلالات ورمزية لها أثرها العميق في وجدانهم وحياتهم المعتادة تربطهم بالإسلام ودخولهم في دين الله.

 

مساجد أسست على التقوى

إلى جانبه توجد العديد من المساجد المماثلة التي بنيت بنفس التصميم الهندسي المعماري ولها قدسيتها ومكانتها التاريخية لدى الشعب اليمني وارتباطها الوثيق بعمق التاريخي الاسلامي والهوية اليمنية الايمانية، ومن أكثرها شهرة: الجامع الكبير بصنعاء،  ومسجد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهما السلام في مدينة صعدة، وكذلك الجامع الكبير في مدينة زبيد جنوب غرب محافظة الحديدة،  وجامع المحضار في مدينة تريم بمحافظة حضرموت، لا يقتصر دورها على تأدية الطقوس العبادية والدينية بداخلها وحسب، إنما كانت ولا تزال مدارس عملاقة عامرة بالعلماء وطلاب العلم، ومآذن صادحة بالحق وقلاع حصينة شامخة للجهاد والمجاهدين.

 

صيانة المعالم ضمن أولويات القيادة

ورغم ما تعرضت له العديد من المعالم الأثرية والتاريخية في اليمن من إهمال وتجاهل من قبل كافة الأنظمة المتعاقبة للحكم في اليمن, أدى إلى اندثار أجزاء كبيرة منها, وكانت في دائرة مرمى الاستهداف إثر العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن التي طالت الغارات الجوية العديد منها على مدى 10 سنوات, غير أن القيادة الثورية والسياسية أولت اهتماما خاصة في الحفاظ على هذه المعالم ذات الطابع التاريخي ومنها  مسجد “الجند” , حيث شهد منذ مطلع العام 2024م عملية ترميم وصيانة واسعة للجامع وملحقاته الشرقية بتمويل من مكتب الهيئة العامة للاوقاف في محافظة تعز وباشراف ميداني مباشر من مكتب الهيئة العامة للاثار في المحافظة.

معايير للترميم

تركزت اعمال الترميم المنفذة التي بدأت اوائل جمادى الاولى من العام 24م وفق المعايير والشروط المعمول بها في ترميم وصيانة المعالم الاثرية والتاريخية في استكمال اعمال اظهار المعالم الاثرية لساحة الجامع الشرقية ممثلة في السواقي والمناهل ومدافن الحبوب و جدران بعض المنشآت المرتبطة بالجامع.

بالإضافة إلى اعادة تأهيل السواقي والبرك الصغيرة المرتبطة بالمطاهير والمواضي في الطرف الجنوبي من الساحة الشرقية بتكسيتها بمادة القضاض التقليدية،  وكذا اعمال التنظيف وازالة الردميات المتراكمة داخل الحمام البخاري (الذي يعود الى الدولة الرسولية) وعن شبكة قنوات تصريف المياه الخاصة به.

وفي سياق ازالة التشوهات والاستحداثات العشوائية لعناصر الجامع المعمارية واستبدالها باستخدام مواد البناء التقليدية الاصيلة قامت الفرق المختصة في ازالة الطبقات الاسمنتية عن واجهات اعمدة وعقود الجزء الشمالي من الرواق الشرقي المطل على صحن الجامع وتقوية الاعمدة ومعالجة وفلس الاجزاء التالفة منه واعادة تكستيتها بمادة القضاض التقليدية, باعتبارها تاريخ وحضارة اليمن واليمنيين.

الخاتمة

للمساجد الاثرية والتاريخية في قلوب أهل اليمن مكانة خاصة لا يغيرها الزمان ولا المكان، فهي لهم محور التقاء يمتن الروابط الدينية والاخوية مهما تعددت الرؤى وتنوعت الأفكار ومنابر جهادية يعلو فيها صوت الحق الذي لابد منه.

#المعالم_الإسلامية_في_اليمن#جامع_الجند#عيد_جمعة_رجب

مقالات مشابهة

  • غرف في الجنة يدخلها من فعل 4 أمور.. حاول أن تكون منهم
  • أسامة قابيل: لطفي لبيب عُرف عنه الاحترام والرقي والقيم الإنسانية النبيلة
  • أول احتفال لليمنيين في عيد جمعة رجب بجامع “الجند”
  • علي جمعة: الكذب عارض بشري والسكوت لا يعني دائما الرضا
  • علي جمعة: الرضا والتسليم والتوكل مفاتيح النجاة في عالم يملكه الله
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • هل يجوز قضاء السنن الرواتب لمن فاتته؟.. الإفتاء تجيب
  • علي جمعة: الخطأ من شيم النفس البشرية وعلى المسلم أن يتوب ويتسامح مع نفسه والآخرين
  • كيف نؤمن بالمهدى المنتظر؟.. علي جمعة يوضح
  • علي جمعة يكشف من هو المنافق الحقيقي