أطفال مبتورو الأطراف.. معاناة ممتدة في غزة وألم لا حدود له
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
في قلب مستشفى "شهداء الأقصى" وسط قطاع غزة، تتجسد مأساة الطفولة في أبشع صورها، حيث يرقد أطفال فقدوا أطرافهم وأحلامهم بأسلحة إسرائيلية حوّلت حياتهم إلى جحيم لا يطاق.
من بين هؤلاء الأطفال، برزت قصة الطفلة إيليا يونس ذات السنوات الأربع التي تحكي واحدة من آلاف قصص الأطفال المبتوري الأطراف في قطاع غزة.
يقول والد الطفلة إن ابنته فقدت قدمها اليمنى إثر إصابتها بشظايا صاروخ إسرائيلي استهدف منزلهم في مخيم النصيرات، بينما لا تزال قدمها اليسرى وكفّا يديها مهددة بالبتر بسبب الحروق العميقة التي غطت 45% من جسدها الصغير.
وأضاف والد إيليا أن منزلهم استهدف بقصف مباشر يوم 7 سبتمبر/أيلول دون سابق إنذار، مما أدى إلى استشهاد ابنه ذي السنوات التسع، إضافة إلى والدته وشقيقته، مشيرا إلى أن باقي أفراد عائلته أصيبوا إصابات بالغة.
لم يدر في خلدنا ونحن نتحدث مع والد إيليا الشهر الماضي، أن تكون هذه آخر مقابلة قبل أن يعلن عن استشهاد ابنته في أحد المستشفيات الأميركية. فبعد محاولات علاج طويلة في قطاع غزة المفتقر للإمكانات الطبية، تم تحويل إيليا إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج، فإنها استُشهدت يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تاركة خلفها فراغا وجرحا لن يندمل في قلوب عائلتها وكل من عرف قصتها.
حنان ومسكفي قسم آخر بالمستشفى، تجلس السيدة شفا الدقي التي تروي مأساة ابنتي شقيقها اللتين لم تتجاوزا الثلاث سنوات، بعدما تعرضتا للبتر إثر قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلهما في دير البلح، واستشهاد والدتهما.
وتوضح شفا أن ابنة شقيقها حنان ذات السنوات الثلاث، فقدت ساقيها وتعاني من حروق شديدة وتهتك في الأمعاء نتيجة شظايا الصاروخ الذي قذفها مسافة 6 أمتار بسبب قوة الانفجار، مشيرة إلى أنها تحتاج الآن إلى عمليات تجميلية وترقيع للجلد، إضافة إلى العلاج الطبيعي والنفسي.
أما شقيقتها مسك التي تبلغ من العمر عاما و3 أشهر، فقد تعرضت لبتر في قدمها اليسرى، وهي بحاجة إلى علاج طويل ومكثف للتأهيل.
إصابات البتروأوضح الدكتور محمد شاهين، طبيب جراحة العظام في مستشفى "شهداء الأقصى"، أن المستشفى يستقبل إصابات كبيرة، معظمها من الأطفال والنساء، في ظل الحرب الابادة المستمرة على قطاع غزة.
وذكر الدكتور شاهين، في حديث للجزيرة نت، أن الأولوية تُعطى لحالات البتر والكسور المفتوحة، خاصةً لدى الأطفال، ويتم تقسيم الحالات وفقًا للأولوية الطبية بهدف تقليل حالات البتر قدر الإمكان. لافتا إلى أنه يتم إدخال الأطفال إلى غرف العمليات فورًا لمحاولة ترميم الأطراف المكسورة بقدر المستطاع وتجنب حالات البتر.
وأشار إلى تنوع الإصابات التي يعالجها يوميا، مثل البتر والجروح العميقة الناتجة عن شظايا الأسلحة الإسرائيلية، التي زادت من معدل عمليات البتر بين الأطفال، بالإضافة إلى نوعية الإصابات غير المعهودة التي تحدثها تلك الأسلحة.
وأضاف أن التعامل مع بتر الأطراف عند الأطفال يتطلب عناية خاصة لتجنب المضاعفات والالتهابات التي قد تؤدي إلى الوفاة.
وأوضح الدكتور شاهين أن الفريق الطبي الذي يتعامل مع حالات البتر يضم طبيبا وممرضًا وأخصائي علاج طبيعي وأخصائي دعم نفسي، يعملون معا لدعم علاج الأطفال والجرحى بعد عملية البتر.
ونبه الدكتور إلى أن دور الطبيب يتوقف بعد البتر، ودور الممرض يتوقف بعد إغلاق الجرح، لكن دور أخصائي العلاج الطبيعي والدعم النفسي يبدأ لإعادة تأهيل المصابين لممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
تحديات طبية ونفسيةوقال عرفات أبو مشايخ، رئيس قسم الصحة النفسية في مستشفى "شهداء الأقصى"، في تصريح للجزيرة نت، إن الدعم النفسي للأطفال الذين تعرضوا للبتر يختلف حسب أعمارهم، مشيرا إلى أن عددا كبيرا منهم، خاصة من هم أقل من 10 سنوات، يعتقدون أن أطرافهم المبتورة ستنمو مجددا.
وأوضح أبو مشايخ، أن الطفل غالبا يدخل في مرحلة الإنكار ولا يكون على دراية كافية بالأطراف الصناعية، مبينا أن سوء التغذية يؤثر سلبا على صحة الأطفال وعلى عملية التئام الجروح.
وأشار إلى أن نقص الرعاية الصحية والنفسية، بالإضافة إلى غياب التأهيل النفسي والعلاج الوظيفي، يؤدي إلى تدهور حالة الأطفال الصحية والنفسية.
وأكد أن الأطفال الذين يعانون من البتر يعانون أيضا من مشكلات اجتماعية، حيث يشعرون بالعجز مقارنة بأقرانهم، إذ لا يستطيعون المشي أو اللعب أو ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي. كما أن فقدان أحد الوالدين أو كليهما يؤثر على نفسية الطفل، خاصة الشعور بالأمان والحصول على الدعم الكافي من الأسرة.
وأوضح أبو مشايخ أن الدعم النفسي يمكن أن يتضمن إنشاء مجموعات علاجية تجمع بين الأطفال مبتوري الأطراف، أو عرض فيديوهات تُظهر قصص نجاح لأشخاص تمكنوا من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي بعد البتر.
وأضاف أن التأهيل النفسي يجب أن يركز على إقناع الطفل، من الناحيتين النفسية والطبية، بالخروج من مرحلة الإنكار إلى مرحلة التقبل، مع تأكيد أن البتر ليس نهاية العالم، بل يمكن أن يكون بداية جديدة لحياة مختلفة لكنها قريبة من الطبيعية.
وأكد أن التأهيل النفسي يشكل 90% من عملية العلاج، بينما تشكل الأطراف الصناعية 10% فقط، مشدد على أهمية التأهيل التدريجي، بما في ذلك الدمج الاجتماعي وتعزيز الاستقلالية، بحيث يتعلم الطفل الاعتماد على نفسه في أنشطة حياته اليومية.
وتشير إحصائيات رسمية محلية ودولية إلى أن الحرب تسببت في أكثر من 11 ألف حالة بتر أطراف، من بينها 4 آلاف حالة بتر في أوساط الأطفال، لا تتوفر لهم أطراف صناعية ومتطلبات العلاج اللازمة في القطاع المحاصر.
وبدعم أميركي تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حربا على غزة خلفت أكثر من 148 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قطاع غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
المجاعة تشتّد بغزة.. أطفالُ تحولوا لـ"هياكل عظمية"
غزة - خاص صفا مع تفاقم المجاعة ووصولها إلى مستويات "كارثية وخطيرة" في قطاع غزة، تحولت أجساد الأطفال الذي يصلون المستشفيات إلى "هياكل عظمية"، بسبب نقص الغذاء وسوء التغذية الحاد. وبدأت تُبرز العظام من تحت جلد العديد من الأطفال، وتظهر علامات واضحة على نقص التغذية. ويعاني أطفال غزة أوضاعًا صحية مأساوية للغاية، بفعل المجاعة والنقص الحاد في الغذاء، وتدهور الوضع الصحي، في مشهد يلخص عمق الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع منذ أشهر. ولا يجد الأطفال ما يسد رمقهم أو يروي ظمأهم، ما يؤدي لموت بعضهم جوعًا، بينما يصارع آخرون الهزال وسوء التغذية والأمراض. ويواجه الفلسطينيون في القطاع مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية والحصار الإسرائيلي. وفق تقرير أممي وبحسب تقرير مشترك صادر عن منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، وبرنامج الأغذية العالمي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، ومنظمة الصحة العالمية، فإن قطاع غزة يواجه النسبة الأكبر من السكان مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي. ويواجه 100% من السكان مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقًا للتقرير. وقال برنامج الأغذية العالمي: إن "هناك حاجة ملحة لزيادة المساعدات لقطاع غزة للوصول إلى المجوعين قبل فوات الأوان". وأشار البرنامج في منشور على منصة "إكس"، الثلاثاء، إلى أن "الجوع ينتشر بسرعة" في غزة. وأضاف "هناك حاجة ملحة لزيادة هائلة في المساعدات الغذائية لقطاع غزة للوصول إلى كل المجوعين في كل أنحاء القطاع، قبل فوات الأوان". وذكر أن لديه مخزون من الغذاء يكفي لكل الفلسطينيين في قطاع غزة لمدة ثلاثة أشهر، مشددًا على ضرورة أن تسمح "إسرائيل" بدخول هذه المساعدات. وطالب بإدخال مزيد من شاحنات المساعدات الغذائية إلى القطاع عبر كل المعابر، وبفتح مسارات أكثر داخل القطاع لعبور الشاحنات لتقليل التأخير في الوصول إلى كل الفلسطينيين المجوعين في القطاع. بدوره، قال مدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية إن أهالي غزة يواجهون الموت بالتجويع والقصف والمستشفيات مكتظة بالشهداء والجرحى. وأوضح أبو سلمية "للتليفزيون العربي"، أن 147 شهيدًا، منهم 88 طفلًا ضحايا التجويع الإسرائيلي الممنهج في قطاع غزة وأشار إلى أن الاحتلال يقصف مناطق يدعي أنها آمنة غربي مدينة غزة، كما يدعي وجود مسارات إنسانية ويقصف منتظري المساعدات ومن يحاول تأمينها. بدوره، قال المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى الطبيب خليل الدقران إن أعداد الوفيات بسبب المجاعة تزداد كل ساعة في قطاع غزة. وأشار إلى أن ما تم إدخاله من مساعدات قليل ولا يفي بحاجات سكان القطاع. وأضاف أن ما يقوم به الاحتلال في حق غزة يضرب جميع المواثيق والقوانين الدولية. وأكد أن الحاجة ملحة في قطاع غزة لحليب الأطفال بشكل أساسي، مشيرًا إلى أن ما يحدث في قطاع غزة بشأن الأطفال والنساء الحوامل فظيع بسبب الجوع. وبين أن الاحتلال يمنع دخول المساعدات الطبية إلى قطاع غزة، موضحًا أن الأطفال يصلون إلى المستشفيات في غزة على هيئات هياكل عظمية. وحذرت مؤسسات دولية وأممية من انهيار الأوضاع الإنسانية وتفاقم الكارثة غير المسبوقة في قطاع غزة. وحسب الهيئة الدولية لحقوق الشعب الفلسطيني (حشد) فإن أكثر من 2.3 مليون فلسطيني، غالبيتهم من الأطفال والنساء يواجهون خطر الموت جوعًا ومرضًا، بفعل استمرار الاحتلال في استخدام التجويع الجماعي كأداة ضمن جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 22 شهرًا. وبات أهالي القطاع يعيشون مرحلة المجاعة الكاملة (المرحلة الخامسة) والمجاعة الحادة (المرحلة الرابعة) حسب التصنيف الأممي، وفق تقارير موثقة صادرة عن برنامج الغذاء العالمي ومنظمة "الفاو"، في ظل حاجة القطاع اليومية لأكثر من 500 شاحنة مساعدات إغاثية و50 شاحنة وقود. وحذرت "حشد" من تداعيات المجاعة علي سكان القطاع، والتي أدت حتى الآن لاستشهاد 147 مواطنًا جوعًا، بينهم 88 طفلًا، عدا عن 650 من المرضى والنساء وكبار السن ، في وقت لا تستطيع 50 ألف أم إرضاع أطفالها، بسبب سوء التغذية. ولا يزال 70 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، و60 ألف امرأة حامل يواجهن خطر الجوع، منهن 11 ألف حالة حرجة. وتظهر التقارير أن نصيب الفرد اليومي من المياه الصالحة للشرب انخفض بنسبة 100%، فيما بات 99% من السكان يعانون من انعدام أمن غذائي حاد وأكثر من ثلث السكان لم يأكل أي طعام لأيام متتالية ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب "إسرائيل" بالتوازي جريمة تجويع بحق أهالي قطاع غزة، تفاقمت مع تشديد حصارها وإجراءاتها في 2 مارس/ آذار الماضي، بإغلاق جميع المعابر أمام المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية، ما تسبب بتفشي المجاعة ووصول مؤشراتها إلى مستويات "كارثية".