زنقة 20:
2025-08-03@14:19:21 GMT

معنى كلنا علمانيون

تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT

بقلم : ذ. أحمد عصيد

كان طبيعيا أن تتم مواجهة تصريح وزير الأوقاف “كلنا علمانيون” بموجة من الغضب من التيار الديني السياسي الذي يعتبر الدين مطية للسيطرة، فالإسلامي لا يمكن أن يقبل العلمانية لأنها تحرمه من الحديث باسم السماء واعتبار خصومه السياسيين “كفارا” خارج “الجماعة” يتخلص منهم بسهولة عبر أسلوب التحريض المعهود، بينما تطالب العلمانية من يمارس السياسة ببرنامج دنيوي واضح يجد الحلول الملائمة لمشاكل المجتمع، انطلاقا من الدستور والترسانة القانونية الوضعية التي تؤطر العمل المؤسساتي في الدولة، وهذا كله شأن علماني صميم ما دامت العلمانية (بفتح العين) هي تدبير الشؤون الأرضية انطلاقا مما هو أرضي، أي من الواقع الملموس اعتمادا على العقل النسبي المشرّع، ولهذا تسمح العلمانية بمراجعة القوانين حسب التحولات المجتمعية وحسب المصالح المتجدّدة، وحرصا على الكرامة الإنسانية وحقوق المواطنة، بينما يرفض التيار الذي يقحم الدين في السياسة أية مراجعة بزعم وجود قوانين مستلهمة من نصوص دينية “ثابتة” لا تتغير بتغير الزمان والمكان وانقلاب الأوضاع، مما يؤدي إلى شرعنة أشكال الظلم وعرقلة تطور المجتمع وخلق حالة استنفار تطبعها الرقابة والضبط والزجر، عوض المواطنة التي يشعر فيها الفرد بحقوقه موفورة وكرامته محفوظة.

وزير الأوقاف قام بالتأصيل للعلمانية بنص قرآني يقول ” لا إكراه في الدين”، وهو نقاش يتجنبه التيار المتشدّد الذي تعوّد على إنكار جميع النصوص الدينية التي لا تلائم اختياراته السياسية، ولهذا يفضل هذا التيار اعتماد الحديث الموضوع المنسوب إلى النبي بعد 200 عام من وفاته، والذي يقول “من بدّل دينه فاقتلوه”، حيث كانت دولة الخلافة تضطر بسبب مصالحها السياسية وطابعها القهري والعنيف أن تتخلى عن القرآن عندما لا تناسب مضامينه سياستها، وتلجأ إلى اصطناع الأخبار الملفقة التي تُشرعِن اختياراتها، ولهذا قال فقهاء البلاط “السُنة أسبق من القرآن”، فتمّ غضّ الطرف عن جميع الآيات التي تنصّ على حرية المعتقد وتعويضها بأحاديث القتل والذبح، كما تم طمس آيات الوصية بحديث آخر مكذوب يقول “لا وصية لوارث”.

والحقيقة أن وزير الأوقاف الذي هو أيضا من كبار المؤرخين بالمغرب، يعرف جيدا التجربة المغربية في الاجتهاد الفقهي وفي الملائمة بين النصوص الدينية وحياة الناس وواقعهم، هذه التجربة التاريخية أعطت إسلاما وسطيا عقلانيا في تدبير الشؤون الأرضية، ولهذا لم يكن أجدادنا الأمازيغ يطبقون العقوبات الجسدية كقطع يد السارق وغيرها مما يدخل ضمن ما يسمى ب”الحدود”، بل كانوا يحكمون بالغرامات عوضا عن المسّ بالجسم البشري وتشويهه، كما لم يكونوا يحكمون بالإعدام والقتل بل كانوا يفضلون النفي من الأرض، مع العلم أنهم مسلمون يقيمون الصلاة ويصومون رمضان ويحجّون البيت، وعلى مستوى تدبير الشؤون الجماعية (الاقتصادية الاجتماعية والسياسية) فقد كانوا يضعون قوانين “أزرف” العُرفية التي ليست من الدين وإن كانت حسب المختار السوسي مطابقة له في مراميه وغاياته السامية التي هي حفظ الكرامة الإنسانية، وكانت القبائل تعمل على تغيير قوانينها كما تقوم بتغيير رئيسها “أمغار” حرصا على تجنب الاستبداد والحكم الفردي، بل كانت أكثر من ذلك تقوم بإبلاغ جميع السكان بقرار تعديل قانون ما فيجتمع الكل في مكان معلوم ويستمعون إلى أسباب تعديل القانون العرفي ليكون الكل على بينة من الأمر، إذ “لا يُعذر أحد بجهله للقانون”. هذا النظام المتعلق بمؤسسة “أمغار” الذي استمر لقرون طويلة في البوادي والجبال المغربية يعطي صورة واضحة عن نظام اجتماعي “سيكولاري” جنيني يفصل ويميز بين الشؤون الدنيوية التي يتم تدبيرها بقوانين وضعية تضعها الجماعة بنفسها، وبين الشؤون الدينية والروحية التي كانت من اختصاص الفقيه في المسجد.

يعني هذا أن الذين يعتبرون العلمانية اليوم شيئا غريبا عن ثقافتنا لا يعرفون في الحقيقة شيئا عن الثقافة التي يزعمون تمثيلها، كما أنهم يقعون في خطأ آخر هو الاعتقاد بأن العلمانية نموذج غربي صرف، بينما حتى في الغرب نفسه توجد نماذج علمانية مختلفة ومتباينة من بلد إلى آخر، حيث أنّ كل نموذج يتبع للسياق التاريخي لهذا البلد أو ذاك، ولهذا انتقدنا كثيرا العلمانية الفرنسية المتشدّدة، والمخالفة لعلمانية 1905 الأصلية، كما أشدنا بعلمانية النرويج وإنجلترا، وهذا يعني أنّ حديثنا عن العلمانية في المغرب لا يمكن أن يكون حديثا عن “نموذج جاهز”، بل هو بناء وسيرورة يمتدّ من الماضي نحو الحاضر، ويتجاوز بعض السياقات الخصوصية المرتبطة بالوضع القبَلي، ويحافظ على القيم العليا التي رسخها أجدادنا في الثقافة المغربية.

بجانب هذه الجذور التاريخية الجنينية للثقافة العلمانية لدينا من جانب آخر مؤسسة “إمارة المؤمنين” التي تقود التحديث عبر امتلاك السلطة الدينية ولعب دور التحكيم في الأمور الخلافية، مما يجعلنا نُسوّي خلافاتنا المتعلقة بالنصوص الدينية بشكل سلس، ونتقدم في التشريع المدني، دون فتنة أو صراع داخلي،  وهذا يعني خلاف ما يذهب إليه البعض من أن الحديث عن العلمانية في المغرب لا يستقيم بوجود إمارة المؤمنين، وهذا خطأ فادح تكذبه الأدوار العملية لهذه المؤسسة ورصيدها في الحفاظ على التوازنات الداخلية في سياق التطوير والتحديث والدمقرطة وليس العكس، حيث لم يسبق لمؤسسة إمارة المؤمنين أن دعت إلى تغيير نص مدني وضعي بنص ديني، لكنها عملت دائما على تحقيق العكس تماما.

وعلى مستوى آخر لا ننسى أن الدولة المغربية منذ 1912، وهي تعيش مسلسل علمنة لا يتوقف، وقد انطلق مع إرساء المحاكم الوضعية بدل المحاكم الشرعية المخزنية منذ سنة 1913، كما أرسى أسس التعليم النظامي العصري وأدخل الفتاة المغربية إلى المدرسة، وخلق انقلابا في نظام العلاقات الاجتماعية، وجعل الكثير من القيم تختفي كليا وبعضها يظهر وينتشر، وتغيرت كليا وضعية الفقيه وتدبير الشأن الديني الذي انتقل من مصدر للتشريع والتأطير في الدولة كلها إلى قطاع من القطاعات الحكومية هو وزارة الأوقاف، كما صارت الدولة تستمد أطرها من الجامعات والمعاهد العصرية التي يتكون طلبتها في علوم الإدارة والتسيير والقانون والتدبير والعلوم الإنسانية والعلوم الدقيقة والآداب التي هي كلها علوم دنيوية لا صلة لها بالدين، وبقيت التخصصات الدينية التقليدية محصورة في كلية الشريعة أو شعبة الدراسات الإسلامية. بينما كان أطر الدولة التقليدية من قبل هم الفقهاء وخريجو التعليم التقليدي من القرويين والمدارس القرآنية.

هذه العناصر العلمانية الموجودة في خصوصيتنا المغربية تجعلنا عندما نتحدث عن العلمانية، لا نقصد أي نموذج غربي محدّد، بل نقصد تجربتنا المغربية في بناء علمانيتنا الخاصة، وهذا شيء ينبغي أن يستوعبه جيدا من يخوض في هذا الموضوع.

خلاصات لكل من تزعجه كلمة “علمانية”:

ـ أن المغرب انتقل منذ أزيد من قرن من النموذج التقليدي للدولة ـ الذي كان على مستوى الحكم المركزي يعتمد الدين مصدرا للتشريع ـ إلى نموذج الدولة الوطنية الحديثة التي تقوم على قوانين وضعية، وأن هذا الانتقال حاسم ولا رجعة فيه إذ لا يمكن العودة إلى الوراء، وإن كان ممكنا لنا تطوير تجربتنا السياسة والانتقال إلى نموذج دولة حديثة ديمقراطية أرقى من النموذج الحالي.

ـ أن العلمانية المرتبطة بوضعية القوانين وبمنطق التدبير الدنيوي للشأن العام ليست إلحادا ولا عداء للدين بل هي الإطار الوحيد الذي تتعايش فيه كل الأديان بأمان وحرية، والدليل على ذلك أن غالبية العلمانيين في بلادنا هم من المؤمنين بل من الممارسين للشعائر الدينية، كما هو شأن المغاربة اليساريين والليبراليين والكثير من المواطنين البسطاء الذين لا يقبلون استعمال الدين لأغراض سياسية، ويعتبرونه شأنا شخصيا.

ـ أنه لا قيمة لدين بدون حرية، لأن الإيمان اقتناع باطني شخصي قبل كل شيء، والعلمانية هي الإطار الذي يضمن التدين بكل أشكاله وأنواعه مقرونة بالحرية واحترام الآخر، ولهذا دعا فقهاء المسلمين بالهند إلى احترام الطابع العلماني للدولة الهندية حفاظا على حقوق الأقلية المسلمة، ضدّ عنصرية الحزب الهندوسي الحاكم.

ـ أن الدين اختيار شخصي وليس نظاما عاما، وأنه عندما يتحول إلى نظام عام يصبح نسقا سلطويا مفروضا، وهذا يناقض الحكمة من وجود الدين ذاته. ولهذا وجب على الدولة مراجعة القانون الجنائي المغربي وإلغاء جميع المواد المجرمة للحريات الفردية وعلى رأسها حرية المعتقد.

ـ أن الإكراه في الدين يؤدي إلى الخوف، والخوف يصنع النفاق وكل أنواع الرذائل، كما يجعل من المجتمع فضاء للعنف واللاتسامح، ويخلق الإحباط لدى الأفراد مما ينقص من مردوديتهم وإنتاجيتهم لصالح الدولة.

ـ أنه لا يمكن إحقاق المساواة بين المواطنين على أساس ديني لأن المواطنة هي المساواة بين الجميع بغض النظر عن المعتقد والجنس واللون واللسان والعرق، ولهذا ميزت جميع الأديان في مراحل تاريخية سابقة بين المؤمن وغير المؤمن، كما ميزت بين الرجل والمرأة ووضعت المرأة في مستوى أدنى بكثير من الرجل، وما زال هناك من يدافع عن ذلك التمييز والتفاوت إلى اليوم.

ـ أنّ الدين المُسيّس خارج الإطار العلماني إيديولوجيا حربية تقوم على صناعة الأعداء لتبرير العنف، وهذا لا يساعد مطلقا على التطور والبناء.

المصدر: زنقة 20

كلمات دلالية: لا یمکن

إقرأ أيضاً:

الهيمنة على المسجد الإبراهيمي: الاحتلال يكافئ الصهيونية الدينية بالسيطرة على المقدسات

غزة- «عُمان»- بهاء طباسي:

في خطوة اعتبرها الفلسطينيون انقلابًا على الوضع القائم وانتهاكًا صارخًا للاتفاقيات الدولية، أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا سحب صلاحيات وزارة الأوقاف الفلسطينية وبلدية الخليل في إدارة المسجد الإبراهيمي الشريف، ونقلها إلى ما يُعرف بـ«المجلس الديني اليهودي» في مستوطنة كريات أربع.

هذه الخطوة غير المسبوقة قوبلت برفض شعبي ورسمي واسع، وسط مخاوف متصاعدة من أن تكون تمهيدًا لفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الحرم الإبراهيمي، بل وامتدادًا لسيناريو تهويد المسجد الأقصى لاحقًا.

أن القرار الذي صدر دون أي تنسيق مع الجهات الفلسطينية، يضرب بعرض الحائط كل التفاهمات الدولية حول المدينة القديمة في الخليل، ويضع المسجد الإبراهيمي، ثاني أقدس مسجد في فلسطين، على رأس أولويات مشروع التهويد الاستيطاني الذي تقوده حكومة يمينية متطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو وبدفع مباشر من وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش.

الخطورة لا تكمن فقط في نقل الصلاحيات الإدارية، بل في التداعيات الرمزية والسياسية لهذه الخطوة؛ إذ تمثل إعلانًا ضمنيًا بأن إسرائيل قررت تجاوز سلطة الأوقاف الإسلامية وبلدية الخليل، ومباشرة أعمالها التهويدية من خلال جهة دينية استيطانية لا تعترف أصلًا بهوية المكان وتاريخه الإسلامي.

التطور الجديد يأتي بعد أكثر من ثلاثة عقود على صدور قرار لجنة «شمغار» الإسرائيلية، التي قسمت المسجد الإبراهيمي عقب المجزرة التي نفذها المستوطن باروخ جولدشتاين عام 1994، لتصبح 60% من المساحة خاضعة لليهود، فيما تبقى للمسلمين مساحة محدودة يتحكم بها الاحتلال إداريًا وأمنيًا.

ومع قرار نقل الصلاحيات الجديد، تفتح إسرائيل الباب أمام تغييرات بنيوية في طبيعة الحرم، مثل تركيب نظام إطفاء متطور وكاميرات مراقبة وبناء سقف في ساحة يعقوب، وكلها أعمال تهدف إلى تعزيز الوجود اليهودي في المسجد، تحت ذريعة السلامة أو التنظيم، لكنها في الحقيقة تجسيد فعلي لسياسة فرض الأمر الواقع.

وتزامنًا مع هذا القرار، حذّرت جهات فلسطينية رسمية ودينية من أن يكون هذا التحول مجرد مقدمة لفرض سيطرة مماثلة على المسجد الأقصى المبارك، ضمن سياسة «التهويد أو الأسرلة المتدرج» التي بدأت بهدوء في الحرم الإبراهيمي، لكنها لا تنوي التوقف عنده.

رفض شعبي

في الأسواق القديمة للخليل، وتحت ظلال مآذن المسجد الإبراهيمي، يغلي الغضب الشعبي من القرار، الذي قد يحرم الفلسطينيين من الصلاة في حرم إبراهيم تدريجيًا.

يقول المواطن الخمسيني سعيد الجعبري: «لم نعد نثق بأي وعود دولية. كل يوم نخسر جزءًا من الحرم، واليوم الاحتلال يعلن صراحة أنه لم يعد يعترف بأي صلاحية فلسطينية. هذا احتلال ديني بلباس إداري».

يستذكر الجعبري لحظات الطفولة حين كانت ساحة المسجد مفتوحة للمصلين والزائرين دون حواجز، ويقول: إن الاحتلال منذ مجزرة 1994 يعمل على تقطيع الحرم وتمزيق حضوره الإسلامي، والقرار الأخير جاء ليُكمل هذا المشروع القديم الجديد.

ويضيف بغضب خلال حديثه لـ«عُمان»: «نحن نعيش في الخليل لكننا محرومون من الصلاة بحرية في مسجدنا. كل زاوية فيه مراقبة، وكل خطوة تحتاج لتصريح. والآن، يريدون أن يديروه من كريات أربع، هذه وقاحة ما بعدها وقاحة».

أما ناهد سويطي، وهي معلمة تسكن قرب المسجد، فتقول: «كأن الاحتلال يريد أن يقول لنا: إن صوتنا لم يعد له قيمة، وإن المسجد لم يعد لنا. هذا القرار يدوس على مشاعرنا الدينية والوطنية، ويفتح الباب لمزيد من الاقتحامات والتغييرات».

وتضيف خلال حديثها لـ«عُمان»: إن سكان الخليل اعتادوا العيش في حصار دائم، لكن ما يجري في المسجد الإبراهيمي تجاوز الحصار إلى الاستئصال: «الآن يدير شؤوننا مستوطنون، لا يعترفون بنا أصلًا.. كيف نقبل ذلك؟».

صلاحيات مغتصبة

من جهة رسمية، اعتبر رئيس بلدية الخليل، تيسير أبو سنينة، أن القرار الإسرائيلي «يمثل اعتداءً صارخًا على حقوق المواطنين الفلسطينيين، وعلى الصلاحيات التاريخية لبلدية الخليل ووزارة الأوقاف، التي تمثل الوصاية الدينية على المسجد الإبراهيمي منذ قرون».

وأضاف : إن «نقل الإدارة إلى مجلس مستوطنة كريات أربع هو عدوان على الإرث الإنساني المسجل في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، ويشكّل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي والمواثيق التي تحفظ للمدنيين حقوقهم في الأماكن المقدسة».

وأشار أبو سنينة إلى أن البلدية كانت على الدوام المسؤولة عن تقديم الخدمات العامة للمنطقة، والإشراف على محيط الحرم، وأن قرار الاحتلال يعني عمليًا تقويض هذا الدور وإفراغه من مضمونه.

وشدّد على أن ما يجري «لا يهدف إلى التنظيم أو الصيانة كما يروّج الاحتلال، بل إلى تثبيت سيطرة استيطانية على مكان إسلامي خالص، وتحويله تدريجيًا إلى كنيس يهودي مغلق أمام المسلمين».

موقف الأوقاف

أما وزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطيني الدكتور محمد نجم، فقد اعتبر أن الخطوة الإسرائيلية «تندرج ضمن سلسلة من الإجراءات التعسفية التي لا يمكن أن تمنح الاحتلال أي شرعية في الحرم الإبراهيمي».

وقال نجم، في تصريح لـ«عُمان»: إن «الاحتلال يسعى جاهدًا لإلغاء الوجود الإسلامي في الحرم، من خلال التحكم في أوقات الصلاة، ومنع رفع الأذان، وفرض قيود على الحركة، والآن يريد استكمال السيطرة عبر إدارة تابعة للمستوطنين».

وأضاف: إن وزارة الأوقاف لن تتعامل مع هذا القرار، وستواصل أداء دورها التاريخي والديني، وستلجأ إلى كل المحافل الدولية من أجل وقفه.

وأكد نجم أن «تهويد الحرم الإبراهيمي لن يمر، وأنه كما سقطت قرارات أخرى ظالمة بحق مقدساتنا، فإن هذا القرار سيُفشل بإرادة أبناء الخليل وكل أحرار العالم».

شكوى اليونسكو في ظل هذه التهديدات المتزايدة للمسجد الإبراهيمي، أعلنت السلطة الفلسطينية أنها قدّمت شكوى رسمية إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، باعتبار أن المسجد مدرج ضمن قائمة التراث العالمي كممتلك حضاري إنساني.

وأشارت الشكوى إلى أن التغييرات التي تعتزم إسرائيل إجراءها، مثل بناء السقف جديد وتركيب الكاميرات، تُعد تعدّيًا مباشرًا على الطابع المعماري والديني للمكان، ومحاولة لإيجاد واقع جديد لا يعكس الحقيقة التاريخية.

وأكدت السلطة في شكواها أن هذه التدخلات لن تنجح في طمس هوية المسجد، ولن تمنح إسرائيل أحقية في إدارة مكان ليس لها فيه أي جذور شرعية أو دينية.

استهداف مقدسات

من جهته ، يرى الدكتور عبد الله معروف، الباحث المتخصص في شؤون القدس والمسجد الأقصى أن القرار الإسرائيلي بنقل إدارة الحرم الإبراهيمي ليس سوى محطة في مسلسل طويل من السياسات التهويدية التي تستهدف الهوية الدينية الإسلامية في فلسطين.

ويقول معروف : إن «ما يحدث في الخليل هو بالضبط ما تحاول إسرائيل تنفيذه في القدس: فرض السيادة الدينية بالقوة، وتحويل الأماكن الإسلامية إلى رموز يهودية رغمًا عن أصحابها».

ويُذكّر بأن لجنة «شمغار» الإسرائيلية التي قسّمت الحرم بعد مجزرة 1994، كانت أول خطوة لشرعنة الاقتحامات، وأن القرار الجديد يُكمل هذه الخطة، ويمهّد لتجارب مماثلة في المسجد الأقصى.

ويؤكد أن الخطر الحقيقي يتمثل في تمرير هذه القرارات تحت غطاء «الصيانة» أو «الإدارة»، بينما الهدف الحقيقي هو فرض السيطرة الكاملة على أحد أبرز المعالم الإسلامية في فلسطين.

ويختم معروف بأن «الصمت الدولي والعربي، أو الاكتفاء بالشجب، يشجّع الاحتلال على مواصلة خطواته، وأنه إذا لم يتحرك المجتمع الدولي اليوم لحماية الحرم الإبراهيمي، فإن الدور سيأتي على المسجد الأقصى».

مشروع الضم

من جهته، يربط الباحث الفلسطيني في شؤون الاستيطان أحمد حنيطي هذا القرار بما يُعرف بمشروع الضم التدريجي للضفة الغربية، الذي يروّج له وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش.

ويقول حنيطي، في تصريح لجريدة لـ«عُمان»: إن «إسرائيل تحاول اليوم إدارة المناطق الفلسطينية من خلال المستوطنين، وقرار نقل صلاحيات المسجد الإبراهيمي يؤكد هذا التوجه».

ويضيف: إن الهدف ليس فقط السيطرة الدينية، بل أيضًا فرض وقائع سياسية جديدة، بحيث تصبح البلديات الفلسطينية بلا سلطة فعلية، ويتم استبدالها بهياكل استيطانية تُدار من داخل المستوطنات.

ويحذر من أن هذا النمط من الإدارة قد يتم تعميمه لاحقًا على مناطق أخرى مصنفة (ج)، خاصة في شمال الضفة الغربية، ما يعني تقويض كامل لاتفاق أوسلو.

ويختم حنيطي بأن «الرد يجب أن يكون شعبيًا ودوليًا، عبر التحرك القانوني والإعلامي، والضغط لوقف هذا المخطط قبل أن يتحول إلى نموذج يُطبّق في كل مكان».

مقالات مشابهة

  • ما معنى نزول الله الى السماء الدنيا؟.. الدكتور يسري جبر يجيب
  • الهيمنة على المسجد الإبراهيمي: الاحتلال يكافئ الصهيونية الدينية بالسيطرة على المقدسات
  • تحقق نبوءة نبوية في اليمن .. الإمام الذي أحيا الله به الدين
  • محمد بن راشد: فخور بفريق عمل قطارات الاتحاد الذي يقوده ذياب بن محمد بن زايد
  • الحكومة: الحوثيون يجنون من قطع التبغ الذي سيطروا عليه نصف مليار دولار سنوياً
  • مفكر سياسي: ترامب أدخل حالة الفوضى التي حاول من خلالها التحكم بكل مفاصل الدولة
  • قبلان: لا يملك أحد شرعية نزع القوة الدفاعية التي تحمي لبنان
  • مع السلامة يا عمنا كلنا.. مصطفى عماد يودع لطفي لبيب
  • القيادات الدينية الفلسطينية يتضامنون مع مصر في وجه الحملة المغرضة
  • وزارة المالية: الدولة السورية حريصة على القيام بواجباتها تجاه أبنائها جميعاً، وتتطلع لتوفير الشروط التي تساعد على ذلك، وأهمها سلامة العاملين في المؤسسات العامة التي وجدت لتخدم أبناء المحافظة