صحيفة التغيير السودانية:
2025-07-30@15:59:30 GMT

حرب السودان وضياع الفرص

تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT

حرب السودان وضياع الفرص

محمد بدوي

سؤال يتكرر في المجالس الرسمية والاهلية، وبالطبع في أذهان السودانيات/ن، واصدقاء السودان والديمقراطيات/ون ومناصري السلم والسلام والاستقرار، عن ماهي إمكانية وقف الحرب الراهنة في السودان؟
تصعب الإجابة بالطبع لأنها رهن بأطراف متعددة، مرئية في المشهد، ومستترة لكنها معروفة بحكم مواقفها تجاه أطراف الحرب .


أحداث رئيسية إلي جانب عوامل أخري سأعتمد عليها في تحليل المشهد، الأول هو حادثة القصف الجوي لمنطقة جبل مويه بولاية سنار، جاء القصف في اكتوبر٢٠٢٤ بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها، ليخرج قائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو ” حميدتي” بخطاب أهم ما ورد فيه هو اتهام دولة مصر العربية بالقصف الجوي، بينما سارعت الخارجية المصرية بالنفي، بغض النظر عن صحة الاتهام أو النفي، الا أن منطقة جبل مويه تمثل أهمية قصوي جغرافيا في سياق ملف مياه نهر النيل الذي ازداد تعقيدا بحالة سد النهضة وما أثاره من نزاع في المنطقة وصل إلي أضابير الاتحاد الافريقي ثم مجلس الأمن الدولي، ثم حدث انقلاب اكتوبر ٢٠٢١ جمد عضوية السودان بالاتحاد الافريقي، ومنح اثيوبيا فرصة للمضي قدما للملأ الرابع في فرصة لم تكن لتحدث في الظرف الطبيعي، لذا فاستمرار الحرب كشف بعد عام ونصف الاثار على دول الجوار على نسق ما ظللنا نردده أن ما يحدث في السودان لن يبقي طويلا في السودان لجوهرية موقفه ومواردة المتعددة، وعرقلة اي تغيير يفضي إلي التهيئة للتحول الديمقراطي.

ما ظل يرشح إعلاميا عن صراع حزب المؤتمر الوطني المحلول، بالرغم من محاولة تسويقه كاختلاف مواقف من الحرب الراهنة في تقديري أنه خطاب مفخخ ينتهي بالترويج لتعزيز مشاركة المؤتمر الوطني في المشهد السياسي المستقبلي للسودان، لأنه كحزب يظل الاتفاق داخله على مناهضة التحول السياسي وخروجه من المشهد، وجرت اختبارات كثيرة لعلاقته بالمصلحة العامة او الوطن، وفشل في إثبات ذلك، ولا حاجة لنا للغوص في السجل الطويل، بالنظر إلي الأمر من زاوية صراع المؤتمر الوطني علي الاقل منذ ٢٠١٥، ومواقف تلك المجموعات المختلفة حتي ثورة ديسمبر٢٠١٨ مثل موقف الفريقين عوض بن عوف وصلاح عبدالله قوش، المديرين السابقين للاستخبارات والامن الوطني، ثم التقاط القفاز من قبل مجموعة على كرتي القيادي الإسلامي ووزير الخارجية الاسبق باعتبارها مجموعة على سيطرة على الفئات بما شملت الضباط الإسلاميين بالقوات المختلفة، و التي اوصلت الحال إلي حرب أبريل ٢٠٢٣، ومحاولة الظهور بوجه جديد بتكليف المهندس الزراعي ابراهيم محمود حامد برئاسة الحزب لفض الاشتباك بين مجموعتي الدكتور نافع على نافع المدير الاسبق لجهاز الامن، وكرتي والاستاذ على عثمان نائب الرئيس الاسبق والمهندس أسامة عبدالله، إضافة إلي ذلك فإن تكليف ابراهيم محمود هدف إلي الاستفادة من نفوذ العشائري بشرق السودان، ولا سيما ان معسكرات المقاومة الشعبية في الشرق تمت غلى اساس قبلي، بما يسهل استخدامها حاليا ومستقبلا، لدعم خط المؤتمر الوطني وقطع الطريق أمام أي تحول ديمقراطي مدني مستقبلا، وتصدير تصور سيطرة الحزب لدول الجوار بإمساكهم بزمام الأوضاع، وأهمها الجوار الشرقي دون التحسب للنتائج الناتجة من استمرار القتال وتقلص المساحات الامنة للمدنيين، و ما ينتج من احتمال أو مؤشرات انتقال الحرب للشرق في رفع جرس الانذار لدي دول اثيوبيا واريتريا بذات ما حدث مع مصر بعد انتقال الحرب الي جبل مويه.

اثر صراعات المؤتمر الوطني سياسيا تنعكس في إضعاف استمرار الحرب، لأن التجربة اثبتت بأن التحولات المرتبطة بالصراعات داخله لا تنفك من التأثير الاستخباراتي الخارجي، يبصم على ذلك ما حدث لاحقا في ٢٠١٧ كنتاج اولي لبداية الصراع في ٢٠١٥ بخروج الفريق طه عثمان الحسين من مكاتب رئيس الجمهورية إلي المملكة العربية السعودية مستشارا عبر مطار الخرطوم ولم يجرؤ أحد على إيقافه أو حتي مجرد انتقاد موقفه علنا.

الأمر الثالث لا تثريب على ان تأثير حرب السودان على دولة جنوب السودان، فتوقف الخط الناقل للنفط منذ أكتوبر ٢٠٢٣ ضاعف من التضخم بالجنوب باعتبار النفط يمثل المورد الأساسي للميزانية العامة بنسبة٩٠%،وفشل جهود دولة الجنوب في التوصل إلي حل لإعادة تأهيل الخط واستمرار الضخ مع طرفي حرب السودان، فبدأ يلوح في الافق التدخلات الرأسمالية بعرض أحد الشركات الاماراتية إقراض الجنوب ١٣ مليار دولار أمريكي، فقا لوسائل الاعلام، بالضرورة ضخامة المبلغ يظهر بأن القدرة تفوق الشركات الخاصة باي حال، هذه يكشف أضن الحرب في تمددها تبصم على طبيعة الحرب المرتبطة بالموارد.
العوامل الأخرى ومرتبطة بطرفي القتال المباشرين، فميزانية الحرب واستمرارها بدأت تظهر أنهكاها للأطراف، والتي ظهرت مؤشراتها مؤخرا في نسق الانسحاب من مناطق/ مدن ودخول الطرف الثاني اليها، انسحابه منها، دخول الطرف الأول إليها، وهي طريقة حرب الاستخبارات التي فشل كل طرف في حسم عسكري مستدام لها بما جعل المدنيين تحت سيف الانتهاكات من الطرفين في كلا الحالات، إضافة إلي ظاهرة التدخل الخارجي في المشهد عبر ما ظلت تتناوله وسائل الإعلام من ظاهرة الطائرات التي تهبط في بعض المطارات بدارفور سواء لإجلاء الجرحى، أو لإنزال اسلحة متطورة كالمسيرات وغيرها، أو لنقل مقاتلين إلي الخارج للتدريب .

أضف إلي ذلك أن الضغط الدولي رغم أنه لم يراوح التلويح، صار ينبني على ضغط نوعي سواء خطورة تفشي حالة الكوليرا، التحدي بضرورة ضمان عقد امتحانات الشهادة السودانية لعام ٢٠٢٤، بما يشمل كل السودان حتي لا يثير الأمر عقبات مستقبلية مع اليونسكو .

حرب السودان كصراع سياسي في المقام الأول حول السلطة والموارد يتأثر بالنسق الرأسمالي من ململة رؤوس أموال شركات الاتصالات التي تضررت من التوقف الجزئي الواسع في مناطق واسعة بالبلاد، هذا يدفع للسؤال عن استمرار طرفي الحرب في تصدير الذهب طيلة فترة الحرب التي قصفت فيها الاعيان الطبية لكن لم يطال الأمر حقول الذهب، ولم تؤثر الحرب على تصدير أو تسرب الصمغ العربي إلي خارج السودان.

بالرغم من هذه الاحداث، إلا أنه بالمقابل لا تزال القوي السياسية الأخرى بعيدة عن التنسيق، فقد نجح الهجوم على تحالف تقدم في تراخي دوره، هذا بالطبع إلي عوامل اخري.

بالمقابل فقد نجح اعضاء تحالف ثلاثة من حركات التحرير بدارفور بقيادة الاستاذ عبدالواحد نور، الدكتور الهادي ادريس، الاستاذ الطاهر حجر التي اتخذت موقفا من الانخراط في الحرب، في أن تعزز مواقفها على الأرض عبر ما قامت به من تامين اجلاء المدنيين من الفاشر إلي مناطق امنه، ومؤخرا تأمين وصول مساعدات إنسانية بما شكلت الأدوية إلي الضعين بشرق دارفور، ومعسكر زمزم بالفاشر، بما يشير الأمر إلي تفاهمات غير معلنة على الأرض بين الأطراف المختلفة.

أخيرا: للإجابة على السؤال الرئيسي للمقال في تقديري، مرتبط بما سقناه في الفقرة قبل الأخيرة بالمقال حول دور القوي المدنية السياسية، وقوي الثورة، القيام بدورها في التنسيق وبناء التحالفات المرتبطة بالمرحلة، فغياب التحالف التنسيقي’ أو الحد الأدنى” يمنح كافة الأطراف سواء طرفي القتال المباشرين، الاسلاميين وجناحهم المؤتمر الوطني، الحلفاء الخارجين للأطراف التحرك في مساحة للمناورة اكثر بما ينصب في استمرار الصراع .

الوسوممحمد بدوي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: محمد بدوي المؤتمر الوطنی حرب السودان

إقرأ أيضاً:

بعد إعلان حكومة "تأسيس"...ما أسباب حالة الانقسام في السودان؟

ألقى إعلان حكومة تحالف السودان الجديد "تأسيس" يوم السبت في مدينة "نيالا" باقليم دارفور، الضوء على حول حالة الانقسام الكبير الذي يعيشه السودان منذ اندلاع الحرب في منتصف ابريل 2023، فما أسباب ذلك الانقسام وما المآلات المحتملة من وجود حكومتين في البلاد في ظل وجود حكومة أخرى في بورتسودان بقيادة الجيش؟.

وعزا مراقبون حالة الانقسام الحالية إلى خمس ممارسات أفرزتها الحرب المستمرة بين الجيش والدعم السريع.

وقال المراقبون إن انتشار خطاب الكراهية، وهجمات طيران الجيش التي أدّت إلى مقتل آلاف المدنيين في دارفور، والمزاعم باستخدام أسلحة محرّمة دوليًا هناك، إضافة إلى قانون "الوجوه الغريبة" الذي استهدف إثنيات دارفورية في مناطق سيطرة الجيش، وحرمان الكثيرين من حق استخراج الأوراق الثبوتية، وخطوتي إقامة الامتحانات القومية وتغيير العملة في مناطق الشمال والوسط والشرق قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار يضمن استفادة سكان غرب السودان من الخطوتين – جميعها عوامل أجّجت "غبنًا شعبيًا" كبيرًا في أجزاء واسعة من إقليمي دارفور وكردفان.

ويأتي هذا في ظل محاولة كل طرف الدفاع عن موقفه؛ ففي حين قال علاء الدين نقد، المتحدث باسم تحالف "السودان الجديد – تأسيس"، إن التحالف يسعى لضمان حقوق "جميع السودانيين"، ملقيًا باللوم على تنظيم الإخوان في محاولة فصل إقليمي دارفور وكردفان، اتهمت وزارة الخارجية في بورتسودان، في بيان يوم الأحد، الأطراف المكوّنة لحكومة "تأسيس" بالانخراط في "مؤامرة للاستيلاء على السلطة".

 شرخ إثني

ووفقًا لخالد كودي، الأستاذ في الجامعات الأميركية، فإن ما يتعرض له المدنيون في دارفور وكردفان من حرمان من الحصول على الأوراق الثبوتية، وملاحقتهم بقانون "الوجوه الغريبة"، يُعد انتهاكًا "ينسف مبدأ المواطنة المتساوية ويُعمّق الشرخ الإثني–الجهوي، وبالتالي يُغذّي شعورًا واسعًا بالغبن".
لكن كودي يشير في حديثه إلى موقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن هذه الأفعال ليست السبب الجذري الوحيد، بل هي "تفجيرات جديدة لمرض قديم، هو بنية الدولة المركزية الإثنوقراطية التي راكمت تمييزًا تاريخيًا"، بحسب تعبيره.

ويحذر كودي من أن تؤدي هذه الأفعال التمييزية إلى "تآكل شرعية الوحدة القسرية، ودفع قطاعات متزايدة نحو مطالب الحكم الذاتي أو تقرير المصير".

ويرى أن الحل يكمن في التوافق على رؤية جديدة تستعيد الثقة، عبر تبني نظام ديمقراطي علماني لامركزي، يقوم على العدالة والمساواة الاجتماعية، وتفكيك الطابع العسكري–الأمني للدولة، وإعادة هيكلة الجيش والأجهزة على أسس مهنية مدنية.

مسار معقد

يلقي مهدي داود الخليفة، وزير الدولة الأسبق بوزارة الخارجية السودانية، باللوم على الحرب الحالية التي أدت إلى انهيار مؤسسات الدولة، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وتعميق الانقسامات السياسية والاجتماعية.
ويشير الوزير السابق إلى أن إعلان حكومة "تأسيس" سيؤدي إلى دخول البلاد في مسار معقّد، ينتهي إما بتسوية تاريخية شاملة، أو بتفكك الدولة السودانية. ويشدد على أن المخرج الوحيد يتمثل في وقفٍ عاجلٍ لإطلاق النار لأغراض إنسانية، "يفتح الطريق أمام حوار وطني شامل لإقامة دولة مدنية تقوم على احترام المواطنة والعدالة، والوصول إلى جيش مهني قومي، بعيدًا عن عسكرة السياسة ومنطق الميليشيات".

ويضيف: "فيما يتعلّق بالسياق السياسي والإقليمي، فإن إعلان حكومة (تأسيس) يعكس حالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد، وفشل المبادرات الإقليمية والدولية في إيقاف الحرب، ووضع خارطة طريق سياسية".

ويتوقع الخليفة أن يتعامل المجتمع الدولي مع حكومتي بورتسودان ونيالا كأمر واقع، دون منح أي منهما اعترافًا رسميًا، مع الاكتفاء بالتركيز على الملف الإنساني.
ويشرح رؤيته للموقف الداخلي واكتساب الشعبية بالقول: "رغم فشل الدولة المركزية لعقود، ما زالت الوحدة تمثل قيمة رمزية كبرى في الوعي الجمعي السوداني، مما يجعل أي خطوة نحو حكم موازٍ مثار رفض شعبي. لكن، مع ذلك، فإن استمرار الحرب، وانهيار الخدمات، وفقدان الأمل في حكومة بورتسودان، قد يدفع بعض القوى المحلية لدعم حكومة (تأسيس) كخيار واقعي، لا مبدئي".

شبح الجنوب

تتزايد المخاوف من أن تؤدي الأوضاع الحالية إلى انقسام جديد يعيد إلى الأذهان عملية انفصال الجنوب في عام 2011، والتي جاءت بعد حرب أهلية تُعد الأطول في إفريقيا، إذ استمرت لأكثر من نصف قرن، وفقد السودان بسببها نحو ثلث مساحته.

وتتعزز تلك المخاوف في ظل الأوضاع الميدانية الراهنة؛ ففي حين يسيطر الجيش على العاصمة الخرطوم ومناطق شرق وشمال ووسط البلاد، تسيطر قوات الدعم السريع على كامل إقليم دارفور (باستثناء مدينة الفاشر)، وأجزاء كبيرة من إقليم كردفان، وهما يشكلان أكثر من 45% من مساحة السودان الحالية، البالغة نحو 1.8 مليون كيلومتر مربع، إذ تبلغ مساحتهما مجتمعتين نحو 870 ألف كيلومتر مربع.

وفي هذا السياق، يرى الصحفي فايز السليك أن تشكيل حكومة ثانية هو تأكيد على ماراثون "البحث عن الشرعية"، مبدياً، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، تخوفه من أن يكون ذلك "بداية لمشروع انقسام إضافي".

مقالات مشابهة

  • الإدارات الأهلية بشمال دارفور ترفض ما تسمى “حكومة التأسيس” وتدعو لتوحيد الصف الوطني
  • «التيار الوطني القومي» يؤكد دعمه للقوات المسلحة السوادنية
  • مراسل سانا: بدء المؤتمر الصحفي الخاص بإطلاق فعاليات الدورة الـ 62 من معرض دمشق الدولي، التي تقام خلال الفترة من الـ 27 من شهر آب المقبل حتى الـ 5 من أيلول
  • بعد إعلان حكومة "تأسيس"...ما أسباب حالة الانقسام في السودان؟
  • ترامب يقلص المهلة التي منحها لبوتين لوقف الحرب
  • رئيس الوزراء الفلسطيني: ندعم جهود الوساطة التي تبذلها مصر وقطر والولايات المتحدة بغزة
  • ترامب: أنقذت العالم من 6 حروب.. وسأقلل مهلة الـ 50 يوما التي منحتها لبوتين
  • غوتيريش يرفض استخدام الجوع سلاحا في الحرب
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة الرباعية وتكتيكات الإسلاميين
  • ماذا فعلت الأصابع الخفية في السودان؟