هذا الاحتلال الذي بلغ أعلى درجات التوحّش بات يستهدف كلّ شيء في قطاع غزّة، حتى أنّ المستشفيات بات يتخيّلها قواعد عسكرية.. كذب كذبة على نفسه وعلى الناس وبات يتخيّلها حقيقة. ورغم فشله الذريع في إثبات ادّعاءاته كلّ مرّة منذ استهدافه للمستشفى المعمداني ثم مجمع الشفاء، وبات عاريا من كل القيم التي تعارف عليها البشر، إلا أنّه مصرّ على تكرار توحشّه على جميع مشافي غزّة.



يصرّ على استهدافه لكلّ مقوّمات الحياة وهذا يسفر عن نواياه التي باتت لا تخفى على أحد، وهي التهجير لسكّان غزّة وأن الطريق الوحيد هو ذات الطريق التي أقام عليها كيانه منذ نكبة ثمانية وأربعين، المجازر والإمعان في القتل والتدمير لكل مقوّمات الحياة هو أسلوبه المفضّل لتفريغ القطاع من سكّانه، وبالذات المرافق التي هي من ضرورات الحياة: المشافي والمدارس ومحطات المياه والكهرباء والجامعات.. الخ.

هذا الحدث الخطير والمؤلم من العيار الثقيل والمنتهك لكل المحرّمات الدوليّة في الاعتداء على مشفى وطبيب بهذه الطريقة المجرمة والمستهترة يجب أن يحرّك كل من له قلب ويجب أن يفعل مفاعيله في الجماهير الحيّة، ولكن لماذا أصبح لا يحرّك حراكا ولا يثير شعورا ولا يصنع فعلا؟!
وتمرّ الأمّة المخدّرة بنوع من الأفيون الثقيل مرور اللئام على خبر مقتل الدكتور أحمد الكحلوت، مدير العناية المركزة في مستشفى كمال عدوان.

طبعا يأتي الخبر في خضمّ تتابع أخبار المجازر مما يجعل الأمر معتادا، في حين لو كان في ظرف مختلف لقامت الدنيا ولم تقعد. هذا الحدث الخطير والمؤلم من العيار الثقيل والمنتهك لكل المحرّمات الدوليّة في الاعتداء على مشفى وطبيب بهذه الطريقة المجرمة والمستهترة يجب أن يحرّك كل من له قلب ويجب أن يفعل مفاعيله في الجماهير الحيّة، ولكن لماذا أصبح لا يحرّك حراكا ولا يثير شعورا ولا يصنع فعلا؟! هذا بالطبع يشجّع الاحتلال للمزيد من المجازر والتوحّش وضرب كل الحرمات.

الاجابة الصادقة على هذا السؤال الصعب معلّقة في رقبة كلّ صاحب تأثير وطني أو ديني أو اجتماعي أو ثقافي، لماذا سمحتم لتجار المخدّرات أن يوقعوا الأمّة في هذا النوع الثقيل من الأفيون؟! وهل يحتاج الناس إلى مجرّد خطبة أو صرخة أو صيحة أو مصحّة علاج من هذا الأفيون؟

لنعمل جميعا في هذه المصحّة ثقافيا ودينيا وتربويّا، ولنعمل جميعا في حملة قوية في مكافحة المخدّرات التي تجعل الناس لا يتحرّكون في مواجهة هذه المجازر، لنكتب، لنتحدّث، لنناقش، لنستفزّ، لنركّز في الأهم علّنا بحركة جناح الفراشة نحدث العاصفة.

بات واجبا دينيا وأخلاقيا ووطنيّا وإنسانيا، واجبا لأمّة طال عليها الأمد، حكمها حكام غالبيتهم هم منهم وليسوا منّا، بات واجبا أن تبحث هذه الشعوب عن كرامتها، أن تزيل كل العوائق التي تحول بينها وبين حريتها، بينها وبين أن تقوم بواجبها تجاه قدسها وقضيتها المركزية: فلسطين، وأن تتحرّك لوقف شلالات الدماء النازفة والمنتهكة من قبل أرذل قوم عرفتهم البشرية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات المجازر مستشفى غزة مجازر مستشفى مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

كيف يتلاعب المستبدين بماضي الشعوب تمهيداً لقمعها؟

لم يبالغ المؤرخ الفرنسي جاك لوغوف، وهو يتحدث عن خوف الجماهير من فقدان ذاكرتها، وهو خوف يعبّر عن نفسه ـ غالبًا ـ بشكل باثولوجي، ويفتح الباب على مصراعيه، كما يقول، "لتجار الحنين للماضي، الأمر الذي جعل الذاكرة والحنين إلى الماضي واحدة من أكثر الأشياء الرائجة في المجتمع الاستهلاكي".

وللسبب ذاك، ولأسباب أخرى، يجب ألا نترك الذاكرة مطية لتجار الحنين أو حراس المعابد القديمة، كما يتوجب ألا نتركها فريسة للعبث السياسي وللسلطوية والفلكلورية والانتقائية.

إن العمل الذي صدر مؤخرًا للباحث المغربي زهير سوكاح : "دراسات الذاكرة في العلوم الإنسانية والاجتماعية. مقاربات وقضايا جديدة" (دار خطوط وظلال 2025) يندرج في إطار هذا السياق، وهو جاء ليردم فجوة كبيرة في العلوم الإنسانية والاجتماعية العربية بشأن هذا الموضوع، وذلك على الرغم من أن الحرب المعلنة وغير المعلنة على المجتمعات العربية هي حرب على ذاكرتها أيضًا.

ففي مكان ما، هم بصدد صناعة ذاكرة جديدة لنا، ذاكرة بلا ذاكرة أو ذاكرة مشوهة، غربلتها النيوليبرالية وعبثت بهويتها المتعددة عقود الاستبداد والتخلف، عاجزة ليس فقط عن التذكر ولكن أيضًا عن النسيان.

يمتلك سؤال الذاكرة الجمعية، إذن، أهمية قصوى في السياق العربي اليوم. إنه سؤال يتقاطع عنده مجموع الأسئلة الأخرى: أي علاقة بالحداثة الغربية؟ كيف نقرأ تراثنا الحضاري؟ في أي مجتمع نريد أن نعيش؟ أي شكل من أشكال السلطة السياسية وأي علاقة بها؟

إعلان

وما يتفرع عن هذه الأسئلة من قضايا أخرى، كثيرة، تمتد من العلاقات بين الجنسين، بين الأجيال داخل الأسرة وخارجها، القيم التي تسود المجتمع، بنية المؤسسات الاجتماعية، العلاقة بين الدين والسياسة.. إلخ.

والواقع أننا إذا التفتنا إلى قرن من التفكير العربي، فسنجده قد انشغلَ منذ بداياته بهذا السؤال، وكان واعيًا بمركزيّته، ولكنّه في أغلب الأحيان سينحو منحًى توفيقيًا أو استغرابيًا أو سلفيًا، فتلك هي الأجوبة الثّلاثة التي سيقدّمها عن هذا السؤال.

دون أن يعني ذلك أنّنا لا نقف أيضًا على تيار رابع داخل الفكر العربيّ، وهو الذي يمكننا – ولا غروَ- أن نصفه بالنقدي، ذلك الذي نلتقيه مع محمد أركون و"نقد العقل الإسلامي" أو "الجابري و"نقد العقل العربي" وعبدالله العروي، والذي يمكننا أن نقرأ مشروعه باعتباره "نقدًا للعقل اللاتاريخي". إذ أدرك هؤلاء المفكرون أنّ الموقف من الماضي يحدد بشكل عضوي موقفنا من الحاضر والمستقبل.

ولكن، وعلى الرغم من أهمية هذه المساهمات الفكرية وغيرها، من مثل تلك التي قدمها الخطيبي في تفكيكه لذاكرة الجسد، هذا الغائب الكبير، للثقافة العربية المعاصرة، فإنّ الأوان قد آن لنتجاوز اللغة النضالية والروح الأيديولوجية والتشرذم الإبستمولوجي التي طبعت قرنًا من التفكير العربي، وبلغة أخرى، لقد آن الأوان لنفكر في الذاكرة بشكل علمي، وبتعبير آخر: إن علينا أن نؤسس نوعًا من علم الذاكرة.

وهو علم يتوجب أن ينبثق من السياق العربي وأسئلته، وفي حوار نقدي مع حقل دراسات الذاكرة في الغرب، ولمّا أقول نقديًا، أعني أنه يجب ألا نتعامل مع المنجز الغربي في هذا السياق بمنطق الموضة، كما درجنا على فعل ذلك، بل أن نكون على وعي شديد، بأن أسئلتنا قد تختلف كما قد تلتقي مع أسئلته، وأن الأجوبة التي قد ننتهي إليها في مرحلة معينة، لن تكون بالضرورة نسخة طبق الأصل عن تلك التي انتهوا إليها في الغرب.

إعلان

إن هذا الكتاب- والذي أنجزه باحث متمرّس بالموضوع، انتبه إلى ضرورة تبيئة هذا العلم عربيًا، لما له من أهمّية قصوى بالنسبة لسياقنا- يمثل أول مدخل باللغة العربية حول حقل "دراسات الذاكرة" Memory Studies، وهو ينفتح على مقاربات بتخصصية، تمتد من التاريخ إلى الأدب والسوسيولوجيا.. إلخ.

ويتوقف عند مختلف الأبعاد الاجتماعية والثقافية والتاريخية للذاكرة، مؤكدًا أن حقل دراسات الذاكرة لا يهتم بالتمثلات الفردية والجمعية للماضي فقط، بل يتوقف عند نتائج تلك التمثلات على حاضر الناس وينعكس أيضًا في تصوراتهم للمستقبل.

إن استدعاء الماضي يرتبط بالحاضر وحاجاته، والمؤرخ، كما كتب جاك لوغوف، "خاضع للزمن الذي يعيش فيه"، وهو يكرّر هنا ما أشار إليه موريس هالبڤاكس، وهو يؤكد أن "الذاكرة لا تُحيي الماضي ولكن تُعيد تشكيله".

لا يمثل الماضي كُلًا جوهرانيًا، كما تحاول أن تقنعنا بذلك القراءات الأرثوذكسية أو الأيديولوجية أو حتى الانتقائية وغير المنهجية، فالأمر لا يتعلق هنا بذاكرة تابثة، فالذاكرة، شأنها في ذلك شأن كل الأشياء الأخرى، لا تسلم من لعبة التاريخ ومكره.

إنها تخضع لتحولات مستمرة، وقد تتعرض لاستعمالات وتأويلات مغرضة، مثل تلك الذاكرة الطائفية التي تلقي بظلالها المقفرة اليوم على الحاضر العربي.

ألم يكتب المؤرخ الفرنسي جان شينو أن الطبقات المهيمنة تتلاعب بالماضي، وأن "النظام السياسي ينظم الزمن الماضي ويشكل صورته وفقًا لمصالحه السياسية والأيديولوجية"؟، مؤكدًا أن قراءات الماضي أو المعرفة التاريخية، "يمكن أن تعمل في خدمة المحافظة الاجتماعية وفي خدمة النضالات الشعبية… وكل واحد يختار ماضيه، وهذا الاختيار ليس بريئًا".

يتحول الماضي دومًا إلى نوع من الوصاية أو الإكراه، حين نربطه بقراءة محددة، مُختزَلة ومُختزِلة، أو حين نصبغ عليه صلاحية فوق تاريخية. فبقدر ما تؤدي خسارة الذاكرة الجمعية عند الشعوب والأمم إلى اضطرابات خطيرة في الهوية الجمعية، كما يؤكد ذلك لوغوف، بقدر ما يهدد تضخمها، أو تحولها، في تعبير هيغل، إلى " عبء تاريخي"، ما يمكن أن نصطلح عليه بـ "الحقوق التاريخية للأجيال المقبلة"، ويحكم على هذه الهوية الجمعية بالجمود.

إعلان

ولقد كان لوغوف منتبهًا إلى ذلك، وهو يدعونا إلى العمل من أجل "أن تستخدم الذاكرة الجمعية لتحرير البشر، لا استعبادهم"، وهو الأمر نفسه الذي سيتوقف عنده بول ريكور وهو يتحدث عن "الذاكرة المتلاعب بها"، وعن سوء استعمال الذاكرة والنسيان من طرف السلطة، أو ما يسميه بالذاكرة المجروحة أو الأداتية، لأنه قد تم الانحطاط بها إلى مستوى الأداة الأيديولوجية، وهنا يقف ريكور على ذلك التداخل "بين إشكالية الذاكرة وإشكالية الهوية، الجمعية منها والشخصية"، وهي إشكالية تطرح نفسها بقوة في السياق العربي، ولكن بشكل مؤدلج ومزيف، أو بشكل يجعلنا نعيش الذاكرة باعتبارها هوية، وليس في هوية لها ذاكرة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الأمة.. إشكالية الهوية فيما بعد التاريخ (1)
  • كيف يتلاعب المستبدين بماضي الشعوب تمهيداً لقمعها؟
  • وزيرة التنمية توجه بسرعة تشغيل 14 مجزرًا قبل عيد الأضحى
  • الثقيل: تصرفات رونالدو تدل على أنه يحب نفسه أكثر من أي شيء آخر.. فيديو
  • وزيرة التنمية المحلية تتابع الموقف التنفيذي لملف تطوير المجازر الحكومية بالمحافظات
  • في اليوم الـ 580 .. استئناف الإبادة على غزة ومجازر متواصلة
  • مدير مجمع الشفاء: مستشفيات القطاع لا تتحمل حجم المجازر 
  • ضبط 390 كيلو جرام لحوم ودواجن مجهولة المصدر في كفر الشيخ
  • ضبط ١٨.٥ طن لحوم مستوردة ومصنعات لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالجيزة
  • غارة اسرائيلية فجراً على صيدا واستشهاد شخص (فيديو)