هل تفتح التطورات في سوريا الطريق لعودة اللاجئين من تركيا؟
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
أنقرة- مع استمرار التغيرات الميدانية في سوريا، وتقدم قوات المعارضة في مقابل انسحاب قوات النظام من مدن جديدة، عاد ملف اللاجئين السوريين في تركيا إلى واجهة النقاش السياسي والاجتماعي، إذ تشهد تركيا حالة من التركيز على إمكانية إعادة اللاجئين، مدفوعة بالتطورات الأخيرة التي وصفتها الأوساط السياسية بأنها "فرصة تاريخية" لإعادة اللاجئين إلى وطنهم.
وفي هذا السياق، قالت رئيسة بلدية غازي عنتاب الكبرى عن حزب العدالة والتنمية، فاطمة شاهين، أمس الأحد، إن فتح طريق حلب يمثل "خطوة مهمة في تعزيز العودة الآمنة والطوعية للسوريين".
وأضافت خلال تصريحاتها أن "اللاجئين السوريين جاؤوا إلى تركيا تحت ظروف قسرية، لكن مع التحسن النسبي للأوضاع في بعض المناطق داخل سوريا، علينا الآن التركيز على تهيئة الظروف اللازمة لتشجيعهم على العودة".
وأوضحت رئيسة البلدية أن إدارات البلديات تعمل بالتعاون مع الحكومة على توفير البنية التحتية واللوجستيات لدعم هذا المسار، مشيرة إلى أن هناك جهودا مكثفة لضمان تحقيق عودة "آمنة وكريمة"، موضحة أن "هذه العودة ليست مجرد هدف سياسي، بل ضرورة عملية لضمان استقرار السوريين وإعادتهم إلى بيئتهم الطبيعية".
ووفقا لإحصاءات إدارة الهجرة التركية الصادرة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا تحت بند "الحماية المؤقتة" مليونين و938 ألف و261 شخصا.
إعلانويعكس هذا الرقم انخفاضا ملحوظا مقارنة بالسنوات السابقة، بحسب تصريحات لوزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، فسر فيها هذا التراجع بأنه يأتي على خلفية عودة اللاجئين إلى المناطق التي تعتبرها تركيا "آمنة"، حيث أشار إلى أن 729 ألفا و761 لاجئا سوريا عادوا إلى بلادهم بين عامي 2016 و2024، منهم 114 ألفا و83 عادوا خلال العام الجاري فقط.
كما لفت إلى أن هذه العودات تتم في إطار ما وصفه بـ"العودة الطوعية والآمنة"، مؤكدا أن الحكومة التركية تعمل على توفير الظروف المناسبة في المناطق السورية المستهدفة لإعادة اللاجئين إليها، بما في ذلك تأمين الخدمات الأساسية وتطوير البنية التحتية.
وتُظهر بيانات إدارة الهجرة أن عدد السوريين في تركيا شهد زيادة مستمرة منذ عام 2011، حيث سجلت أعدادهم في عام 2012 نحو 14 ألفا و237 شخصا فقط، قبل أن تشهد قفزات متتالية خلال السنوات اللاحقة.
وبحلول عام 2016، تجاوز العدد مليوني لاجئ، فوصل إلى مليونين و834 ألفا و441 شخصا، ثم تجاوز حاجز 3 ملايين عام 2017، أما عام 2021 فقدد سجلت الأعداد ذروتها عند 3 ملايين و737 ألفا و639 شخصا، وهو أعلى رقم منذ بداية اللجوء السوري إلى تركيا.
فرحة وترقبتحدثت الجزيرة نت مع عدد من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا حول نيتهم العودة إلى وطنهم في ظل التطورات الأخيرة، حيث أبدى البعض تفاؤلا حذرا بينما عبر آخرون عن مخاوفهم من عدم استقرار الوضع.
يقول ناصر الخطيب، وهو صاحب محل قهوة في حي أوندر بالعاصمة أنقرة، إن "الأحداث الأخيرة أعادت لنا الأمل في العودة إلى سوريا، أنا هنا في تركيا كلاجئ، وليس لدي نية للاستقرار الدائم، الحياة أصبحت صعبة جدا، خاصة مع الظروف الاقتصادية المتردية وارتفاع تكاليف المعيشة".
ويضيف الخطيب "إذا استقرت الأوضاع في حلب وأصبح هناك ضمان حقيقي لعدم عودة القتال، فسأعود مع عائلتي من دون تردد، كثير من أقاربي ومعارفي يفكرون بالطريقة نفسها، فنحن جميعا ننتظر فرصة العودة إلى بيوتنا وحياتنا السابقة".
إعلانأما محمد العزاوي، وهو صحفي سوري من مدينة حلب ويقيم حاليا في إسطنبول، فيرى أن التطورات الأخيرة فتحت بابا جديدا للنقاش الجدي مع عائلته حول العودة إلى مدينتهم، ويقول "لم نتخذ قرارا نهائيا بعد، لكن خيار العودة أصبح مطروحا بشكل أكبر، هناك شعور متزايد بأن الأمور قد تتغير نحو الأفضل، ومع ذلك نحتاج إلى رؤية ضمانات واضحة بأن هذا الاستقرار لن يكون مؤقتا".
ويشير العزاوي أيضا إلى أن ظروف الحياة في إسطنبول، على الرغم من كونه يعمل صحفيا ويتمكن من تغطية نفقاته، إلا أنها باتت تشكل ضغطا كبيرا، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، ويقول: "العودة إلى حلب ستوفر لي ولعائلتي فرصة لإعادة بناء حياتنا، ولكننا لا نريد أن نتسرع قبل أن تتضح الصورة بالكامل".
من جانبه، يبدي عبد الحي النجار، وهو لاجئ سوري مقيم في تركيا، حذرا أكبر تجاه فكرة العودة في الوقت الراهن، ويقول إن "الأوضاع الحالية ما زالت غير واضحة تماما، صحيح أن هناك تقدما للمعارضة وسيطرة على بعض المناطق، لكن لا شيء يضمن أن هذا الوضع مستدام، نحن نخشى أن يكون هذا استقرارا مؤقتا سرعان ما يتبعه تراجع أو تصعيد عسكري جديد".
ويعبر النجار عن مخاوفه من احتمال عودة قوات النظام السوري إلى المناطق المحررة، وهذا قد يعرِّض العائدين لخطر الاعتقال أو التهجير مجددا، ويضيف: "قرار العودة ليس سهلا، هناك الكثير من الترتيبات التي يجب اتخاذها، مثل إعادة بناء المنازل وتأمين مصدر دخل، نحتاج إلى ضمانات حقيقية ودعم ملموس لتسهيل هذه الخطوة".
ويرى حيدر شان، الباحث في وقف أبحاث الهجرة التركي، أن التطورات الميدانية الأخيرة في سوريا، قد تفتح الباب أمام عودة طوعية للاجئين السوريين المقيمين في تركيا، لكنه يؤكد أن تحقيق ذلك يتطلب تدخلا رسميا مدروسا وتنسيقا دوليا لضمان استدامة هذه العودة وحفظ كرامة اللاجئين وأمانهم.
إعلانويشدد شان في حديثه للجزيرة نت، على أهمية تسوية أوضاع اللاجئين القانونية في تركيا لتسهيل انتقالهم إلى وطنهم من دون تعقيدات، ويقول: "اللاجئون بحاجة إلى دعم حكومي وإجراءات مبسطة تجعل العودة الطوعية خطوة عملية قابلة للتنفيذ، بدلا من أن تكون مجرد خيار نظري".
كما يشير إلى أن تأمين المدن المحررة بشكل دائم يمثل شرطا أساسيا لنجاح هذه الجهود، موضحا أن اللاجئين لن يقدموا على العودة ما لم يشعروا بالاطمئنان لاستقرار هذه المناطق، ويوضح أن "توفير بنية تحتية صالحة للعيش، تشمل الإسكان، الخدمات التعليمية، والرعاية الصحية، أمر لا غنى عنه لجذب العائدين".
ويرى شان أن إطلاق مشاريع تنموية في المناطق المحررة قد يكون حافزا كبيرا، إذ يمنح اللاجئين فرصة لإعادة بناء حياتهم بشكل مستدام، لكنه يلفت إلى أن "أي مسعى لتحقيق العودة الطوعية لن يكتمل إلا بضمانات حقيقية توفر حياة كريمة وآمنة، بعيدا عن أي تهديدات أو مخاطر مستقبلية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اللاجئین السوریین العودة إلى فی ترکیا إلى أن
إقرأ أيضاً:
سوريا تفتح صفحة جديدة.. زيارة تاريخية للمبعوث الأمريكي و7 مليارات دولار لاستثمارات الطاقة
في زيارة هي الأولى من نوعها منذ رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع، اليوم الخميس، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، في قصر الشعب بالعاصمة دمشق، في خطوة وُصفت بأنها بداية لمرحلة جديدة في العلاقات السورية-الأمريكية.
وأكد باراك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يعتزم إزالة اسم سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب قريبًا، مشددًا على أن الهدف الأساسي للإدارة الأمريكية هو تمكين الحكومة السورية الحالية بقيادة الشرع.
وأضاف أن “الجيش الأمريكي أنجز 99% من مهمته ضد تنظيم داعش في سوريا”، مشيرًا إلى استمرار دعم الكونغرس لإجراءات ترمب، بما في ذلك “جهود تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في البلاد”.
كما افتتح باراك رسميًا مقر إقامة السفير الأمريكي في دمشق، حيث تم رفع العلم الأمريكي بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في خطوة رمزية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية.
وأكد باراك أن “كل جهود الإدارة الأمريكية تصب في مصلحة الحكومة السورية الجديدة”، ناقلاً تحيات الرئيس ترمب، ومشيدًا بـ”الظروف التاريخية” التي تمر بها سوريا.
دعم أمريكي وسعي لحل إقليمي
وفيما يتعلق بالملفات الإقليمية، وصف باراك العلاقات السورية الإسرائيلية بأنها “مشكلة قابلة للحل تبدأ بالحوار”، مقترحًا البدء باتفاق “عدم اعتداء وترسيم الحدود”، ضمن استراتيجية أمريكية جديدة لتحقيق السلام الإقليمي.
وفي منشور عبر الخارجية الأمريكية على منصة “إكس”، كتب ترمب: “يسعدني تولي توماس باراك منصب المبعوث الأمريكي الجديد إلى سوريا، فهو يدرك الإمكانات الكبيرة لتحسين العلاقات وإرساء السلام ووقف التطرف في الشرق الأوسط”.
اتفاقات طاقة غير مسبوقة بقيمة 7 مليارات دولار
بالتزامن مع الزيارة، شهد قصر الشعب توقيع مذكرات تفاهم ضخمة بين وزارة الطاقة السورية وتحالف شركات دولية بقيمة 7 مليارات دولار، تهدف إلى تعزيز الاستثمار في قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة.
وبحسب وزير الطاقة محمد البشير، تشمل الاتفاقات “تطوير أربع محطات توليد كهرباء بتوربينات غازية تعمل بالدورة المركبة في دير الزور، ومحردة، وزيزون، وتريفاوي، بسعة إجمالية تبلغ 4000 ميغاواط، باستخدام تقنيات أمريكية وأوروبية”، إضافة إلى “إنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 1000 ميغاواط في وديان الربيع جنوبي سوريا”.
ووصف البشير المشروع بأنه “الأكبر في تاريخ سوريا”، مؤكدا أنه “يشكل نقطة تحول في قطاع الطاقة”، وسيسهم في “محاربة الفقر، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتحسين المعيشة اليومية للسوريين، والمساهمة في إعادة إعمار البلاد”.
من جهته، قال الرئيس التنفيذي لشركة “أورباكون” القابضة، رامز الخياط، إن المشروع “سيوفر أكثر من 50 ألف فرصة عمل مباشرة و250 ألف غير مباشرة”، موجها الشكر للرئيس السوري أحمد الشرع، ولأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وللرئيس الأميركي دونالد ترمب، على توفير الظروف الملائمة لتوقيع الاتفاق.
توتر في الشمال وتحذير تركي
في سياق موازٍ، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بالمماطلة في تنفيذ اتفاقها مع الحكومة السورية، داعيًا إياها إلى الالتزام الكامل ببنود الاتفاق.
وأكد أردوغان، في تصريحات أدلى بها للصحفيين خلال عودته من أذربيجان، أن “تركيا تتابع تنفيذ الاتفاق عن كثب، وتتمسك بوحدة الأراضي السورية وبمبادرة “تركيا خالية من الإرهاب””، مشيرًا إلى أن التطورات تسير بشكل إيجابي على هذا الصعيد.
ملامح مرحلة جديدة
زيارة المبعوث الأمريكي وتوقيع اتفاقيات الطاقة تمثلان نقطة تحوّل استراتيجية في المسار السياسي والاقتصادي لسوريا، مع مؤشرات متزايدة على توجه دولي نحو دعم الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، وبدء مرحلة إعادة الإعمار والانفتاح السياسي بعد سنوات من العزلة والعقوبات.