كيف توقع هنري كيسنغر قوة وإمكانات الذكاء الاصطناعي؟
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
عندما نشرَ السياسي المخضرم الراحل هنري كيسنغر – الذي توفي في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي – مقاله تحت عنوان "نهاية التنوير" في يونيو (حزيران) 2018، فوجئ كثيرون بأن السياسي الأكبر عُمراً أبدى رأيّاً في تقنية الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي أكثر إثارةً للرعب بمراحل من برامج التنوع والشمول
وعندما أتمَّ كيسنجر عامه الخامس والتسعين، بدأ موضوع الذكاء الاصطناعي يتصدر المشهد وعناوين الأخبار، إذ أصدرت شركة OpenAI برنامجها "شات جي بي تي" في أواخر عام 2022.
وفي هذا الإطار، قال نيال فرغسون باحث أول في معهد هوفر حاصل على زمالة عائلة ميلبانك ومؤلف كتاب "كيسنجر، المجلد الأول: 1923-1968: المثالي" (Kissinger, Volume 1: 1923-1968: The Idealist)، في مقاله بموقع صحيفة "نيويورك بوست": بما أنني كاتب السيرة الذاتية لكيسنغر شخصياً، لم يُفاجئني استحواذ تقنية الذكاء الاصطناعي على اهتمامه وانشغاله بها. كيسنجر يتصدر المشهد على أية حال، تصدر كيسنغر المشهد في عام 1957 بكتابه الذي وضَعَه عن تقنية جديدة ستُغير العالم كله. وحظي كتابه "الأسلحة النووية والسياسة الخارجية" (Nuclear Weapons and Foreign Policy) ببحث متعمق واتسم بدقةٍ مدهشة حتى أنه نال استحسان روبرت أوبنهايمر مدير مشروع "مانهاتن" نفسه.
على النقيض من السمعة التي اكتسبها كيسنغر بصفته داعية حرب، فقد شدَّدَ طيلة حياته على ضرورة تفادي اشتعال فتيل حرب عالمية ثالثة. وأدركَ أن تكنولوجيا الانشطار النووي ستجعل أي حرب عالمية أخرى أكثر تدميراً من سابقتيها. نزعة شبابية لم تجعله من دعاة السلام
في بداية الكتاب، قدَّرَ كيسنجر الآثار التدميرية المروعة لقنبلة تزن 10 ميغاطن إذا أُسقطت على نيويورك، ثم استنتج أن هجوماً سوفيتيّاً شاملاً على أكبر 50 مدينة أمريكية سيودي بحياة ما بين 15 و20 مليون نسمة، وسيصيب ما بين 20 و25 مليون آخرين. وقدَّرَ كيسنجر أيضاً أن ما بين 5 و10 ملايين آخرين سيهلكون بسبب الغبار النووي. ورغم ذلك، فإن النزعة المثالية لكيسنغر في شبابه لم تجعله من دعاة السلام.
Still fascinating that Kissinger said this in 2018 in one of his last major profiles done by a newspaper. https://t.co/PpAqmM9T1B pic.twitter.com/VZr2AoqviH
— Dr S Maitra (@MrMaitra) November 9, 2024
ولم يكن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بما إذا كان من الجائز أن نتفادى الحرب كليّاً بنزع السلاح، وإنما كان يرتبط بما إذا كان "من الممكن أن نتخيل تطبيقات للقوة أقل كارثيةً من الحرب النووية الحرارية الشاملة".
وقد كان على هذا الأساس أنْ طرحَ كيسنغر عقيدة الحرب النووية المحدودة.
وقد نفرَ كثيرون من فكرة كيسنجر المتعلقة بحرب نووية محدودة النطاق بدت لهم قاسية وعديمة الرحمة.
ورغم ذلك، فقد بادرت كلتا القوتين العظميين إلى صنع أسلحة نووية قتالية أو تكتيكية في ساحة المعركة، إذ اتبعتا بالضبط المنطق نفسه الذي رسمَ كيسنغر خطوطه العريضة.
وفعلاً، ما برحت هذه الأسلحة موجودة حتى يومنا هذا. وقد هددت الحكومة الروسية باستخدامها أكثر من مرة منذ غزوها لأوكرانيا. ومن سوء الحظ أن صانعي القرار في واشنطن يبدو أنهم نسوا الدروس التي لقنهم إياها كيسنغر خلال فترة الحرب الباردة.
لم يتقاعد هنري كيسنغر قط. فلم يكن لرجلٍ مثله أن يتجاهل في خريف حياته تطور تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تُعدُّ واحدة من أهم الإنجازات التقنية وانتشارها.
وحقيقة الأمر أن مهمة استيعاب الآثار المترتبة على هذه التكنولوجيا الوليدة استحوذت على شقٍ كبير من سنوات كيسنغر الأخيرة.
How Henry Kissinger foresaw the power and potential of AIhttps://t.co/x05xskloOc
— Steve Forbes (@SteveForbesCEO) December 2, 2024
يضمُّ كتاب كيسنغر الأخير "التكوين" Genesis الذي شاركَ في تأليفه اثنان من علماء التكنولوجيا البارزين، ألا وهما كريغ موندي وإريك شيمدت الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، تحذيراً شديداً من مخاطر سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي.
وكتب المؤلفون في الكتاب الذي نُشرَ في وقت سابق من الشهر الجاري ما مفاده: "إذا كان مراد كل مجتمع بشري أن يرقى بموقفه الأحادي الجانب إلى أقصى حدٍ ممكن، فإن الظروف ستكون مُهيأة لمباراة نفسية قاتلة من القوات العسكرية المتنافسة وأجهزة الاستخبارات؛ مباراة لم نشهد لها مثيلاً من قبل قط".
قد ينكر "المتفائلون بالتقنية" في وادي السيليكون هذا التصريح بوصفه محض ترويج لرؤية مُتشائمة. غير أن الإشكالية المحورية للتقدم التقني تجلَّت في حياة هنري كيسنغر. لقد رُصِدَ الانشطار النووي أول مرة في برلين على يد كيميائيين ألمانيين، هما أوتو هان وفريتز ستراسمان، في عام 1938. وكانت إمكانية حدوث تفاعل نووي مُتسلسل من بنات أفكار الفيزيائي المجري ليو زيلارد.
ورغم ذلك، استغرق الأمر القائمين على مشروع "مانهاتن" أقل من 4 سنوات لبناء أول قنبلة ذرية، في حين لم تُفتتَح أول محطة للطاقة النووية حتى عام 1951. واليوم، يوجد نحو 12500 رأس نووي في العالم أجمع. وهذا العدد مُرشَّح للزيادة بوتيرة سريعة بالتزامن مع تعزيز الصين لترسانتها النووية. وفي المقابل، هناك 436 مفاعلاً نووياً قيد التشغيل حاليّاً.
ويختلف الذكاء الاصطناعي اختلافاً شاسعاً عن الانشطار النووي. لكن، من الخطأ الفادح أن نفترض أننا سنستخدم هذه التكنولوجيا الجديدة لأغراض إنتاجية أكثر من استخدامها لأغرضٍ تدميرية محتملة.
لا يُقر كثيرون – ربما عدا إيلون ماسك – بأن أكبر تهديد ستواجهه إدارة دونالد ترامب لا يكمن في الصواريخ الروسية (أو الكورية الشمالية)، ولا يكمن حتى في الإرهابيين المدعومين من إيران، وإنما يتمثل في أن العلماء الصينيين يعكفون حالياً على إجراء تجارب ذكاء اصطناعي متهورة، كأبحاث "اكتساب الوظيفة" التي أجروها على فيروسات كورونا قبل خمس سنوات.
وعلى النقيض مما حدث في خمسينات القرن العشرين، هناك أكثر من سباق تسلح واحد جارٍ على قدمٍ وساق حالياً، وربما كان أخطرها على الإطلاق سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي.
إن بيت هيغسيث، مرشح ترامب لمنصب وزير الدفاع، محق في معارضته لانتشار برامج التنوع والشمول والمساواة في القوات المسلحة الأمريكية. غير أن هذه ليست بالقضية التي ينبغي أن يساوره القلق بشأنها.
فالذكاء الاصطناعي، برأي الكاتب، أكثر إثارةً للرعب بمراحل من برامج التنوع والشمول والمساواة. وينتظر جيلنا أن ينشأ بين ظهرانيه عَلَماً مثل كيسنجر يتمتع بما يكفي من الذكاء والفطنة لاستيعاب تبعات هذه التكنولوجيا الجديدة على سياستنا الخارجية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي.. أداة للتمكين أم بديل يُضعف التفكير؟
في ظل تسارع وتيرة التكنولوجيا وتوسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتشمل مختلف جوانب الحياة، يبرز تساؤل جوهري: هل أصبح الذكاء الاصطناعي بديلاً عن التفكير البشري؟ وهل باتت الأجيال الناشئة تعتمد عليه اعتمادًا يُهدد قدراتها الذهنية؟
فمع تزايد استخدام أدوات مثل "GPT" للحصول على المعلومات وحلول المشكلات، لم يعد الجهد الذهني مطلبًا ضروريًّا لدى كثير من المستخدمين، صغارًا وكبارًا. وأصبح الوصول السهل والفوري للمعرفة سببًا في تراجع عمليات التحليل والتفكير النقدي، خصوصًا بين المراهقين والشباب.
الاستطلاع الذي أجريناه رصد تباينًا في وجهات النظر حيال هذه الظاهرة، لكنه كشف بوضوح عن اعتماد متزايد على الذكاء الاصطناعي لتلبية مختلف الاحتياجات المعرفية واليومية، وهو ما يثير مخاوف التربويين والأسر من تحول هذه التقنيات من أدوات مساعدة إلى بدائل تُغني عن الجهد العقلي.
ويرى مختصون أن المشكلة لا تكمن في التقنية ذاتها، بل في طريقة استخدامها. فالذكاء الاصطناعي -إذا أُحسن توظيفه- يمكن أن يكون داعمًا قويًّا لتعزيز التفكير والتحليل، لا بديل عنهما. ومن هنا تبرز أهمية توعية النشء بكيفية استخدام هذه الأدوات بشكل متوازن، وتشجيعهم على التفكير المستقل، بما يعزز مهاراتهم الذهنية بدل أن يُضعفها.
الاستطلاع طرح تساؤلات مهمة: إلى أي مدى يعتمد الأفراد على الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية؟ وما دور الأسرة في ضبط هذا الاستخدام، خاصة لدى الأبناء الذين باتوا يطلبون الإجابات الجاهزة لكل كبيرة وصغيرة؟
أسئلة مفتوحة على نقاش واسع، في وقت لم يعد فيه الذكاء الاصطناعي ترفًا، بل واقعًا يفرض إعادة النظر في أساليب التعليم والتفكير.
معلم ذكي
تصف ثراء أسعد محمد علاقتها بالذكاء الاصطناعي بقولها: "هو معلمي الذكي ورفيقي في اتخاذ القرارات". وتضيف أنها تعتمد عليه بكثافة سواء في دراستها أو في شؤون حياتها اليومية والمهنية، حيث تراه أداة مساعدة متاحة دائمًا حتى في ساعات الليل المتأخرة.
وتوضح أنها تبدأ عادة بالتفكير الذاتي، ثم تقارن استنتاجاتها بما يقدمه الذكاء الاصطناعي، لتصل في النهاية إلى قرار "أكثر اتزانًا ومنطقية".
وترى ثراء أن الذكاء الاصطناعي يمتلك قدرة على التفكير المستقل بشكل يشبه الإنسان، خاصة في قدرته على فهم السياق وتحليل المعلومات بشكل منطقي. وتشير إلى أن أحد أبرز تفوقاته هو الموضوعية، إذ يساعد المستخدمين في رؤية الأمور من زوايا متعددة قد لا ينتبه لها الإنسان الذي يتأثر غالبًا بعواطفه أو تجاربه الشخصية.
تطوير التفكير
من جانبها، تؤكد مريم بنت أحمد الكيومية أن الذكاء الاصطناعي كان له أثر إيجابي مباشر في تحسين مستواها الدراسي، حيث تستخدمه لفهم الدروس وحل التمارين في الوقت الذي يناسبها، مما خفف من اعتمادها على المعلمين والدروس الخصوصية.
تقول: "طريقة شرحه سلسة ودقيقة، وكان له دور في رفع درجاتي الدراسية".
وعند اتخاذ القرارات، تعتمد مريم أيضًا على الجمع بين التفكير الذاتي أولًا، ثم استخدام الذكاء الاصطناعي للمقارنة والتمحيص، وتؤمن أنه لا يقلل من قدراتها، بل على العكس يعينها على ملاحظة أمور كانت تغفل عنها سابقًا. وتضيف: "ساعدني في تطوير طريقة تفكيري، لا في طمسها".
وترى أن الفرق الأساسي يكمن في اتساع أفق التحليل لدى الذكاء الاصطناعي مقارنة بالرؤية المحدودة التي قد تصاحب التفكير البشري، خاصة في حالات التشويش أو ضيق الأفق أو غياب البيانات الكافية.
بين المساندة والاستغناء
من خلال هذه الآراء، يتضح أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في نظر العديد من الشباب أداة تعزز الفهم وتنظم التفكير، لكنه في الوقت ذاته يحمل احتمالية أن يتحول -إن أُفرط في استخدامه- إلى بديل يهدد المهارات العقلية المستقلة.
وإذا كان بعض المستخدمين يتعاملون معه بوعي واتزان، فإن التحدي الأكبر يظل في بناء ثقافة تضمن الاستخدام المسؤول لهذه الأدوات، بما يحافظ على القدرات الذهنية، ويُبقي على التفكير النقدي والتحليلي كعنصر أصيل في حياة الجيل الجديد.
وتتعدد دوافع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لدى المستخدمين، بين من يراه وسيلة لتوفير الوقت والجهد، ومن يخشى أن يتحوّل مع الزمن إلى أداة تُضعف القدرات الذهنية وتُعوّق التفكير المستقل.
السرعة والمنطق
ترى تقى بنت قاسم الذهلية أن الذكاء الاصطناعي يؤدي دورًا مهمًّا في مساعدتها على اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول، وتُرجع ذلك إلى ما توفره التقنية من سرعة في توليد الأفكار، واقتراحات منطقية وجديدة، الأمر الذي يمثّل اختصارًا فعّالًا للوقت.
لكنها رغم اعتمادها عليه، تؤكد أنه لا يمتلك قدرة حقيقية على "التفكير المستقل"؛ لأن نتائجه تقوم على بيانات مصدرها البشر أنفسهم.
وترى الذهلية أن الذكاء الاصطناعي يتفوق على التفكير الذاتي في معالجة القضايا العلمية المعقدة والبيانات الرقمية، حيث يبتعد عن التأثيرات العاطفية التي تضعف أحيانًا قرارات الإنسان. وتشير إلى نقاط ضعف في التفكير البشري مثل التعب، والانحياز العاطفي، والقصور في التعامل مع البيانات الكبيرة، وهي ثغرات يسدها الذكاء الاصطناعي بدقة وموضوعية.
"الإعاقة الذهنية"
أما عائشة بنت عبدالله البلوشية فتعبّر عن تخوّفها من الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، وتقول إنها لا تلجأ إليه إلا في حالات محددة، خصوصًا إذا كانت المسألة علمية أو تحتاج إلى تحليل بعيد عن التأثيرات العاطفية.
لكنها في المقابل، تُبدي تحفظًا واضحًا تجاه استخدامه المكثف، وتوضح: "أحاول تجنب استخدامه حتى لا أقع في فخ الإعاقة الذهنية، فالذكاء الاصطناعي من صنع البشر، ومحتواه معتمد في الأساس على ما يُغذيه به المستخدمون، وله دورة حياة تنتهي بإعادة البرمجة والتحديث".
وتحذّر البلوشية من أن الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تراجع المهارات الفكرية لدى الإنسان، مشيرة إلى أن الطبيعة البشرية تميل دائمًا إلى البحث عن الحلول السهلة، والذكاء الاصطناعي وفّر تلك السهولة إلى حد الاستحواذ على العقول، مما أدى في رأيها إلى "خمول ذهني" وعدم استغلال القدرات العقلية الذاتية بالشكل الأمثل.
يرى زهير بن عوض العجمي أن الذكاء الاصطناعي يشكل أداة قوية في دعم اتخاذ القرار وتحليل البيانات، خاصة في مجالات مثل التخطيط والتنبؤ وتحسين الكفاءة.
لكنه يُصر على أن هذه التقنية تبقى وسيلة مساعدة وليست بديلاً عن التفكير البشري. ويقول: "الذكاء الاصطناعي لا يملك وعيًا ولا ضميرًا أخلاقيًّا. إنه لا يتخذ قرارات مبنية على قيم إنسانية، بل على أنماط مستخلصة من بيانات سابقة".
ويؤكد أن قوة الذكاء الاصطناعي تظهر بوضوح في إزالة التحيّزات العاطفية من بعض القرارات مثل التوظيف أو تقييم المخاطر. لكن في المقابل، يتميز التفكير البشري بالقدرة على التأمل القيمي والإبداع والمرونة. ويختم بالتحذير من مغبة الاعتماد الزائد، الذي قد يؤدي إلى تآكل مهارات التفكير النقدي لدى الجيل الجديد.
التفكير الذاتي
أما رزان بن طارق الهنائية، فتتخذ موقفًا أكثر تحفظًا تجاه الذكاء الاصطناعي، إذ تقول إنها لا تعتمد عليه كثيرًا، وتفضل استخدام قدراتها الذهنية، رغم إدراكها أن نتائج الذكاء الاصطناعي قد تكون أكثر منطقية أحيانًا.
وتضيف: "تفكيري الذاتي هو ما يصقل عقلي ويؤهلني لمواجهة تحديات الحياة... لا أريد أن أضيع تلك الفرصة باعتمادي على تقنية جاهزة".
وترى رزان أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُستخدم كمرجع مساعد، لتوضيح الإيجابيات والسلبيات فقط، وليس لاتخاذ قرارات نهائية. وتقرّ بأن له قدرة فائقة في معالجة المعلومات "الحقائقية"، خاصة في حالات التعب أو ضيق الأفق، لكنها تحذّر من خطورة الاعتماد الكلي عليه.
الحسم للعقل البشري
من جانبه، يصف نبيل بن محمد اللواتي اعتماده على الذكاء الاصطناعي بـ"المتزن"، مؤكدًا أنه أداة فعالة في تحليل البيانات التقنية والإدارية، لكنه يحرص على أن يكون القرار النهائي إنسانيًّا يأخذ في الاعتبار الجوانب العاطفية والثقافية والدينية.
ويقول: "الذكاء الاصطناعي لا يفكر بمعناه الكامل، بل يعمل بخوارزميات رياضية مبنية على بيانات. قد يُظهر إبداعًا في الظاهر، لكنه يفتقر للنية والوعي والمشاعر".
ويُعدد اللواتي حالات يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي على التفكير الذاتي مثل، تحليل البيانات الضخمة، والتشخيص الطبي المعتمد على الصور، والتنبؤ بالمخاطر المالية، وكتابة النصوص التلقائية، والمقارنات التفصيلية.
لكنه يُشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يعاني من ضعف في فهم القيم وعدم القدرة على ربط المعلومات ذات الأبعاد الأخلاقية والوجدانية، وهو ما يُشكل جوهر الفكر البشري.
بين الدعم والتحديات
وفي سياق الحديث عن أثر الذكاء الاصطناعي على عمليات التفكير واتخاذ القرار، لا يمكن تجاهل البعد النفسي والاجتماعي لهذا التطور التقني المتسارع. سهير العامرية، أخصائية نفسية بوزارة التربية والتعليم ومدربة دولية، تؤكد أن الذكاء الاصطناعي بات يسهم بشكل فعّال في تحسين جودة الحياة على مستويات عدّة، لكنه يحمل في طياته أيضًا تحديات نفسية واجتماعية قد تؤثر في الأفراد والمجتمعات إذا لم يُستخدم بوعي.
مساهمات إيجابية
توضح العامرية أن الذكاء الاصطناعي يوفر أدوات ذكية تسهّل الحياة اليومية، من بينها تحسين الوصول إلى المعلومات والدعم الشخصي السريع، وتعزيز الاستقلالية في المهام اليومية خاصة لكبار السن وذوي الإعاقة، ورفع كفاءة العمل والتعلم والرعاية الصحية من خلال تقنيات تساعد في إدارة الوقت وإنجاز المهام بشكل أفضل.
وفي الجانب الصحي، تبرز أدوار متعددة للذكاء الاصطناعي منها الصحة النفسية: كأدوات لمراقبة القلق والاكتئاب عبر تحليل سلوك المستخدم على الهواتف ووسائل التواصل، ودعم نفسي مباشر: مثل روبوتات المحادثة (كـ Woebot) التي تقدم إرشادات سلوكية يومية بأسلوب علمي، والصحة الجسدية: من خلال التشخيص المبكر عبر قراءة الصور الطبية، وتتبع الحالة الصحية باستخدام الساعات الذكية وتطبيقات النوم والتغذية، إضافة إلى خدمات طبية مخصصة تعتمد على تحليل بيانات المستخدم.
تحديات مقلقة
إلى جانب الفوائد، تحذر العامرية من آثار سلبية محتملة للاستخدام المكثف وغير الواعي للذكاء الاصطناعي، أبرزها العزلة الاجتماعية: نتيجة الاعتماد المفرط على الأجهزة الذكية وضعف التفاعل البشري، والقلق التقني، خاصة في ما يتعلق بالخوف من فقدان السيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي أو عدم فهم كيفية عملها، والإرهاق الذهني بسبب التعامل المستمر مع توصيات أو نتائج غير متوقعة، والاعتمادية النفسية، حيث قد يفقد الفرد القدرة على اتخاذ قراراته بشكل مستقل دون الرجوع إلى الخوارزميات.
الاستخدام السلبي
وللوقاية من الآثار النفسية والمعلومات المضللة، توصي العامرية بعدة خطوات منها تعزيز الوعي الرقمي عبر الالتحاق بدورات وورش لفهم آلية عمل الذكاء الاصطناعي، والتحقق من المعلومات وعدم الاعتماد التلقائي على النتائج أو التوصيات، وضبط الخصوصية الرقمية من خلال مراجعة إعدادات التطبيقات الذكية وتحديد البيانات التي تتم مشاركتها، واستخدام أدوات الأمان مثل برامج منع الإعلانات وVPN، والإبلاغ عند وجود اختراقات أو استخدام غير آمن للتطبيقات والخدمات الذكية.
ما بين الاستخدام المسؤول والدخول في دوامة الاعتمادية النفسية، تبقى العلاقة مع الذكاء الاصطناعي خاضعة لمعادلة دقيقة من الوعي، والتعليم، والرقابة الذاتية.
ففي النهاية، ما يُقرر إن كان الذكاء الاصطناعي أداة تمكين أم عائقًا ذهنيًّا، هو طريقتنا في استخدامه ومدى قدرتنا على حماية تفكيرنا وصحتنا النفسية من آثاره الجانبية.