في مشهد دراماتيكي مفاجئ، تغير النظام السوري مع إعلان سقوط النظام الحاكم في البلاد، بعد مغادرة الرئيس السوري بشار الأسد، واحتلال الفصائل المسلحة عدة مدن، كان آخرها العاصمة دمشق التي باتت تحت التحكم الكامل لهم.

سقوط بشار

وأعلنت الفصائل المسلحة التي تقودها ما تعرف بـ”هيئة تحرير الشام”، “الأحد”، سيطرتها على العاصمة دمشق دون أي مقاومة تذكر، مؤكدة سيطرتها على المدينة التي وصفتها بأنها “تحررت” ب”سقوط بشار الأسد”، في وقت قال فيه رئيس الحكومة السورية محمد غازي الجلالي إنه لن يغادر البلاد، وذلك من أجل الحفاظ على مقدرات البلد وضمان استمرار مرافق الدولة، مضيفاً: “لن أرحل إلا بطريقة سلمية”، ودعا الجلالي الشعب السوري للحفاظ على مؤسسات الدولة والتفكير بعقلانية، وعدم المساس بأى أملاك عامة لأنها بالأساس أملاكهم.

هجوم مباغت

يذكر أن الفصائل المسلحة قد سيطرت، الخميس، على مدينة حماة، رابع كبرى مدن سوريا، الواقعة في وسط البلاد، بعد أيام من سيطرتها على حلب وإدلب في إطار هجوم مباغت، وكانت قد سيطرت أمس الأول الجمعة، على ريف حمص الشمالي بشكل كامل، وأطلقت ما تعرف بـ “هيئة تحرير الشام” والفصائل المتحالفة معها هجومها في 27 نوفمبر الماضي، انطلاقاً من معقلها في إدلب شمال غربي البلاد، وذلك بعد دعمها بأسلحة متطورة وحديثة ساعدتها كثيراً في حسم معارك ميدانية على الأرض بشكل سريع.

تقاطعات دولية

هذا التغيير المفاجئ والسريع، لا يخلو من تقاطعات إقليمية ودولية كانت حاضرة في المشهد السوري منذ سنوات، ففي الوقت الذي ساندت فيه كل من روسيا وإيران النظام السوري، تداخلت أمريكا وقوى غربية داعمة للمعارضة السورية، ما أدى إلى وجود قوى إقليمية ودولية في البلاد على رأسها (روسيا – إيران – تركيا – أمريكا)، ما آثار العديد من التساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى سقوط نظام الأسد الذي حكم البلاد أكثر من 50 عاماً بهذه الطريقة، هل انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا، وهل تصفية حزب الله المصنف ذراعاً لإيران بالمنطقة كان سبباً، مَن باع مَن، هل روسيا وإيران باعت بشار الأسد، أم هو الذي باعها باتصالات سرية مع بريطانيا والدول المناوئة، وماذا بعد سقوط نظام الأسد، وماهو مستقبل سوريا بعد هذا المشهد المعقد.

مستقبل غامض

في الوقت الذي يرى فيه خبراء بأن سوريا قد تحررت من نظام الأسد الذي قتل وشرد شعبه، يرى آخرون إنّ سوريا باتت في حوزة التنظيمات المسلحة ذات الخلفية الإسلامية، وبات مستقبلها غامضاً أمام سيطرة هذه التنظيمات، كما رأوا أن هذه التنظيمات التي تقاتل تحت كيان هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقًا ما تزال لديها إرتباطات بتنظيم القاعدة، صحيح هي فككت ارتباطها بالتنظيم من قبل ولكن لا يوجد ما يؤكد أنها تخلت عن أفكارها. وتبقى الخطورة ليست في نظام سياسي قد سقط، ولكنه جرس إنذار لمستقبل يبدو غامضاً مع التنظيمات المتطرفة، وقد تؤدي هذه التطورات إلى سقوط الدولة السورية نفسها وتمزيقها.

خارطة جديدة

وتشير التوقعات بأنّ هناك من يسعى إلى أفغنة الحالة السورية، فكما تم تسليم أفغانستان في أول عهد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، فقد تم تسليم سوريا في نهايات عهد نفس الرئيس الديمقراطي، الذي لا يرى مشكلة في استخدام جماعات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط، كما يرى آخرون أن سوريا قد تقع فريسة لمطامع مختلفة سواء من تركيا أو من إسرائيل وسيكون لذلك انعكاسات وتأثيرات استراتيجية تقودها أمريكا وإسرائيل، لإعادة رسم الخارطة السياسية والجغرافية والأمنية في المنطقة، وفق معادلات وتوازنات ومصالح جديدة، وذلك لتفكيك النفوذ الإقليمي الإيراني، لصالح بسط النفوذ الإسرائيلي، لكن هذه الاستراتيجية ربما تواجه تحديات جمه على رأسها عدم استسلام ايران.

وقد يرى البعض أن هناك وجه تشابه بين المشهدين السوري والسوداني، من حيث التقاطعات الإقليمية والدولية، فإلى أي مدى يمكن أن ينسحب المشهد السوري على الأوضاع في السودان، وهل يمكن أن نرى صراع المحاور الذي حدث في سوريا في السودان قريبا؟

لا يوجد تشابه

من جانبه يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدكتور خالد التيجاني أن لا وجه للتشابه بين ماحدث في سوريا والسودان. وقال التيجاني لموقع “المحقق” الإخباري ربما يكون التشابه الوحيد في تعقيدات المشهد السياسي الداخلي، لكن في سوريا هناك تدخل خارجي كثيف له حواضن شعبية على الأرض، إضافة إلى وجود عسكري داخل سوريا من الروس والأتراك والايرانيين والأمريكان، مضيفا أن سقوط نظام الأسد جاء نتيجة لتغيير التحالفات الاقليمية والدولية، متسائلا هل ستظل هذه الارتباطات مستمرة ومرتهنة بالخارج، موضحا أن الدور الخارجي موجود في السودان ولكنه أقل تعقيدا من سوريا، لعدم وجود حاضنة شعبية لهذا الدور، وقال إن الدعم السريع وسيلة لتحقيق أجندة خارجية في السودان، ولكن ليس له حاضنة شعبية تسانده في هذا الأمر، وتابع أن الجيش السوداني ظل يقاتل بمفرده معتمدا على قدراته الذاتية، عكس الحال في سوريا التي دخلت قوات بالعتاد والأفراد لمساندة الجيش السوري، مؤكدا أن فكرة أن النظام السوداني مستند على دعم خارجي هذا غير صحيح، وأن مايحدث في سوريا صراع محاور خارجية، وقال مالم تكن هناك حاضنة شعبية حقيقية لهذه الأجندات الخارجية لا يمكن أن يحدث تغيير، ورأى أن كل من يشبهون المشهد السوري بالسوداني، يحاولون التعلق “بقشه” تتوافق مع مصالحهم، وقال إن الحاضنة الشعبية الموجودة في السودان الآن تساند الجيش السوداني، وإن هذا لا يمكن معه تدخل دولي.

هناك مقارنة

في المقابل يرى رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني أن هنالك مقارنة بين المشهدين السوري والسوداني. وقال ميرغني لموقع “المحقق” الإخباري أن هناك ترتيبات دولية متفق عليها بين الأطراف اللاعبين الأساسيين في المشهد (روسيا – ايران – تركيا – أمريكا)، وإن هناك إتفاقاً على تسليم وتسلم، موضحا أن هذه الترتيبات عبارة عن خارطة طريق لشرق أوسط جديد بلا نزاعات، وأنه تم بدأها في غزة وحزب الله وسقوط نظام الأسد، وأن الدور القادم على الحوثيين في اليمن وبعدها إيران، وقال إن السودان جزء من هذه الأزمة، وإنه كانت هناك مجهودات دولية لحلها ولكن تم رفض كل هذه المجهودات، مؤكداً أن أطراف اللعبة بيد الخارج، وقال يبدو أن البرهان يريد أن يحافظ على بقائه في السلطة بهذه التقاطعات، ولكن يتضح أنه لن يستطيع أن يسير أكثر من ذلك، ومن الأفضل أن يتعظ مما يحدث في المنطقة، متسائلا إلى متى سيستمر البرهان في ذلك، وقال إنه ليس هناك أفق محدد للتعامل مع هذا الوضع، مؤكدا أن الجيش هو القوة الشرعية بالبلاد وأن الدعم السريع لا وجود له في مستقبل السودان باقرار الجميع والمجتمع الدولي، وتابع يجب أن يبني البرهان على ذلك ويعول عليه ويذهب إلى حل بديل إذا كان رافضا لكل الحلول الخارجية.

القاهرة – المحقق – صباح موسى

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: سقوط نظام الأسد فی السودان فی سوریا یمکن أن وقال إن

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: الرباعية الدولية .. صراع المصالح يبدد فرص الحل..!

في لحظة كانت الأنظار تتجه فيها إلى اجتماع الرباعية الدولية المقرر انعقاده في واشنطن، باعتباره فرصة لإحداث اختراق في مسار الحرب السودانية، جاء الإعلان المفاجئ عن إلغائه ليكشف عن تعقيدات الملف السوداني وهشاشة المبادرة الدولية ذاتها.

فهذا الاجتماع الذي كان يُفترض أن يُتوَّج مسارًا تنسيقيًا دوليًا نحو السلام، تحوّل إلى ساحة لتضارب الأجندات داخل الرباعية التي تضم: الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات، ومصر. وقد بدأ واضحًا أن غياب الرؤية المشتركة طغى على أي إمكانية لتفاهم حقيقي.

ما تسرّب من كواليس دبلوماسية بحسب الشرق الأوسط أشار إلى أن الخلافات لم تكن حول الهدف المعلن، بل حول الوسائل والآليات، وعلى رأسها مسألة توسيع المشاركة لتشمل أطرافًا مثل بريطانيا، وقطر، والاتحاد الأوروبي. وهي خطوة دعمتها واشنطن، بينما رفضتها أطراف أخرى خشية فقدان السيطرة على القرار الجماعي.

هذا الانقسام لم يكن شكليًا، بل عبّر عن تباين جوهري في أولويات كل طرف: فبينما تنظر الولايات المتحدة إلى السودان من منظور جيوسياسي مرتبط بصراعات النفوذ مع الصين وروسيا، تركّز القوى الإقليمية على استقرار حدودها ومصالحها المباشرة. أما السودان نفسه، كدولة وشعب، فيغيب عن معادلة الحل وصناعة القرار.

إقصاء الجيش السوداني والحكومة الرسمية عن الاجتماع، رغم أن القضايا المطروحة تشمل الترتيبات الأمنية والمساعدات الإنسانية، أثار شكوكًا واسعة حول جدية المبادرة. فكيف يُناقش وقف إطلاق النار دون حضور من يمتلك سلطة فرضه على الأرض؟ هذا الغياب اعتُبر مؤشرًا إضافيًا على أن ما يُطبخ خلف الأبواب المغلقة لا يعكس تطلعات السودانيين، بل يُعيد إنتاج خارطة النفوذ الإقليمي بواجهة سياسية.

وقد ازداد المشهد تعقيدًا بعد إعلان مليشيا الدعم السريع وتحالف “تأسيس” مؤخرًا عن تشكيل حكومة موازية في مدينة نيالا بجنوب دارفور، حملت اسم “حكومة السلام والوحدة”، برئاسة محمد حمدان دقلو “حميدتي” ، مع تعيين عبد العزيز الحلو نائبًا، ومحمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء.

هذه الخطوة، التي ترافقت مع إعادة تفعيل الهياكل التنفيذية والإدارية في مناطق سيطرة المليشيا، تجسّد فعليًا الأطماع الإقليمية ، وتحول الصراع من نزاع على السلطة إلى تنازع على الجغرافيا والشرعية. وقد قوبل هذا التطور برفض واسع من الحكومة السودانية والنخب والأحزاب الوطنية والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره محاولة لتقسيم البلاد.

هذا الإعلان يُقوّض أي مسار تفاوضي يُدار من الخارج دون مشاركة حقيقية للفاعلين على الأرض، ويؤكد أن التراخي الدولي والتنازع داخل الرباعية لا يفتحان بابًا للسلام، بل يُمهّدان لمناخ تقسيم غير معلن. كما يُعيد طرح الأسئلة حول مشروعية أي مبادرة لا تستند إلى تفويض شعبي أو غطاء سياسي من مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

فشل اجتماع واشنطن لا يمكن اعتباره مجرد تعثّر دبلوماسي، بل هو دليل إضافي على غياب إرادة دولية موحدة، وافتقار المبادرة لتمثيل عادل وغطاء قانوني. فالسلام في السودان لا يُبنى على تفاهمات فوقية أو تسويات نفوذ، بل على مسار سياسي شامل ينطلق من الداخل ويستند إلى شرعية وطنية، لا وصاية فيها لأحد على أحد.

وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل دروس التجارب الإقليمية القريبة. ففي ليبيا واليمن، لعبت أطراف إقليمية ودولية أدوارًا مزدوجة: فاعلة في النزاع ووسيطًا في آنٍ معًا، ما أفرغ مسارات السلام من مضمونها الحقيقي.

تلك الوساطات، بدلاً من أن تستجيب لصوت الضحايا، تحوّلت إلى أدوات لتمرير صفقات النفوذ. وكانت النتيجة حروبًا متجددة واتفاقات هشة. وإذا فشلت تلك القوى في بناء السلام هناك، فما الذي يجعلها مؤهلة لقيادة مسار ناجح في السودان، وهي لا تزال تتعامل معه بعقلية النفوذ لا المسؤولية؟

ربط مستقبل السودان بمصالح الخارج هو وصفة مكرّرة لإعادة إنتاج الفشل، ما لم يكسر السودانيون هذا النمط عبر مراجعة جذرية وشجاعة لخلافاتهم، وصولاً إلى مشروع وطني خالص، ينمو من داخل المجتمع السوداني، بدعم مؤسسات الدولة والجيش والأحزاب السياسية.

وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن ما يجري في السودان اليوم ليس مجرد صراع على السلطة أو موارد الدولة، بل هو صراع على تعريف الدولة ذاتها. والرباعية الدولية، بصيغتها الحالية، لا تملك مقومات الحل بقدر ما تعكس تاريخًا مخزيا ساهم في إدخال السودان إلى نفق الحرب، وسط توازنات متقلبة ومصالح متقاطعة.

الحقيقة التي يجب الاعتراف بها هي أن أي سلام لا ينبع من إرادة السودانيين، سيُولد ميتًا. أما المشروع الوطني الجامع، فلن يأتي بقرار دولي أو إعلان سياسي من نيالا أو واشنطن، بل بإرادة داخلية تفرض حضورها وتجبر العالم على الإصغاء.

دمتم بخير وعافية

.إبراهيم شقلاوي

الخميس 31 يوليو 2025م
[email protected]

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مراسل سانا: افتتاح خط النقل الإقليمي للغاز الذي يربط سوريا بتركيا بحضور وزير الطاقة السوري المهندس محمد البشير ووزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار ووزير الاقتصاد الأذربيجاني ميكائيل جباروف وممثلين عن صندوق قطر للتنمية
  • وفاة نجل حارس بايرن بعد صراع طويل مع المرض
  • ماذا يمكن أن يفعل المرشح الذي عينه ترامب في بنك الاحتياطي الفيدرالي؟
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الرباعية الدولية .. صراع المصالح يبدد فرص الحل..!
  • مرتزقة أجانب يغادرون محاور القتال في كردفان ويتجهون إلى دولة مجاورة
  • صراع المال الذي سيشكل مستقبل أوروبا
  • نجاح تجربة الناتو في العراق.. هل يمكن تطبيقها في سوريا ولبنان؟
  • أنباء عن ظهور إعلامي قريب لرئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد
  • صراع الهامش ضد المركز أم صراع الهامش والمركز من أجل البقاء؟
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القيادة الأذربيجانية تولي أهمية خاصة للعلاقات مع سوريا الجديدة، وقد لقي ذلك ترحيباً وتجاوباً من الجانب السوري، الأمر الذي أدى إلى إقامة علاقات الصداقة والتعاون المتبادل بما يتماشى مع مصالح البلدين والشعب