كارثة وشيكة تهدد كوكب الأرض… العلماء يحذرون!
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
شمسان بوست / متابعات:
أفاد علماء أن الانهيار المحتمل لـ”دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي” قد يؤدي إلى عواقب كارثية، مثل تراجع قدرة المحيطات على امتصاص غازات الدفيئة الناتجة عن الوقود الأحفوري.
ويعد دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي (AMOC) نظاما من التيارات العميقة في المحيطات التي تعمل كمنظم حراري للأرض، حيث تنقل المياه الدافئة إلى الشمال والمياه الباردة إلى الجنوب داخل المحيط الأطلسي، ما يوفر الدفء لعدة مناطق في العالم.
وباعتباره جزءا من الدورة الحرارية الملحية (المعروفة أيضا باسم حزام نقل المحيطات، أو حزام النقل العالمي)، والتي تعتمد على درجات الحرارة والملوحة، يحمل نظام دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي المغذيات اللازمة لدعم الحياة البحرية. ومع ذلك، فإن التيارات تتباطأ عندما يتم ضخ مزيد من المياه العذبة إلى المحيط، حيث أن المياه العذبة أقل كثافة من المياه المالحة التي تساعد في تحريكها.
وبينما كانت هناك تساؤلات حول مدى سرعة ضعف أو انهيار هذه الدورة في السنوات الأخيرة، فقد كشفت الأبحاث التي نُشرت هذا العام عن نتائج مقلقة للغاية.
والآن، تحذر دراسة جديدة من جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية من تأثير ذوبان صفائح الجليد في غرينلاند والأنهار الجليدية الكندية، والتي يقول العلماء إنها تضعف الدورة المحيطية وتسرع من الاحترار في نصف الكرة الجنوبي.
وقال مؤلفو الدراسة إن دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي الذي يعد الآن أضعف من أي وقت مضى في الألفية الماضية، من المرجح أن يصبح أضعف بنسبة ثلث ما كان عليه قبل 70 عاما، عندما يتجاوز الاحترار العالمي 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
ويعني هذا الارتفاع في درجات الحرارة أن البشر قد يواجهون عدة تأثيرات لتغير المناخ في وقت واحد.
وإذا تم حساب ذوبان صفائح الجليد في غرينلاند في المحيط الشمالي، تقول الدراسة إن دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي قد يصبح أضعف بنسبة 30% بحلول عام 2040، أي قبل 20 عاما مما كان متوقعا.
وردا على هذه النتائج، قال الدكتور ستيفان رامستورف، الذي يدرس الدورة منذ سنوات، إن العالم يجب أن يتوقع انخفاضا أسرع مما تنبأت به تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في تقييماتها السنوية. وأشار رامستورف إلى أنه لا يمكننا تحديد بالضبط متى سيصل الكوكب إلى نقطة التحول هذه، لكنه قارن ذلك بالإبحار في مياه غير معروفة حيث يوجد صخور تحت السطح لا يمكن رؤيتها. إنه أمر خطير، لكنك لا تعرف بالضبط أين هي”.
وأوضح أن الدورة لن تنهار فجأة، بل ستتراجع تدريجيا خلال 50 إلى 100 عام بعد ذلك. وأكد أن الوصول إلى نقطة التحول في بضعة عقود فقط هو أمر محتمل تماما.
وأشار رامستورف إلى أن التأثيرات المحتملة لانهيار الدورة ستكون شديدة للغاية، رغم أنها تتطلب مزيدا من الدراسة.
وكان رامستورف من بين 44 عالما دوليا ممن وقعوا مؤخرا رسالة مفتوحة إلى مجلس وزراء الشمال الأوروبي، يحذرون فيها من مخاطر تجاوز نقطة التحول.
وقالت الدكتورة أنيستاسيا رومانوا من وكالة ناسا، التي وقع أيضا على الرسالة: “لقد قالت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على سبيل المثال إنه لا نتوقع حدوث ذلك قبل عام 2100، ولكن ما لا يدركه الناس هو أن الهيئة تعتمد على نماذج لا تحاكي انهيار صفائح الجليد أو الأحداث المتطرفة الكبيرة مثل تلك التي شهدناها في العامين الماضيين”.
وأضافت: “بينما لا يوجد يقين بشأن الإطار الزمني، فإن الانهيار سيحدث في غضون عقود قليلة، ولكنه لن يكون أطول من ذلك”. وحذرت من أن هذا الانهيار سيكون كارثيا.
وأشار البروفيسور وي ليو من جامعة كاليفورنيا ريفرسايد إلى أنه من الواضح أن الحل الوحيد هو تقليل انبعاثات غازات الدفيئة لتقليص الاحترار المستمر.
وأفادت: “بالنسبة لدوران انقلاب خط الزوال الأطلسي، لا أود تحديد إطار زمني معين مثل 2100 أو 2080. لكنني أود أن أضع شيئا مثل العتبة الحرارية.”
وأشارت رومانوا إلى دراسة نشرت في عام 2022 في مجلة “ساينس” التي حذرت من أن تجاوز 1.5 درجة مئوية قد يؤدي إلى حدوث عدة نقاط تحول مناخية، بما في ذلك انهيار دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي.
موضحة: “عندما نتجاوز هذا الحد، فإن ذلك سيؤدي إلى حدوث نقطة التحول في دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي في وقت أبكر من 2100”.
وأشار رامستورف أيضا إلى أن الاحترار العالمي حتى 3.1 درجة مئوية سيكون “كارثيا” وسيزيد من خطورة انهيار الدورة.
المصدر: شمسان بوست
كلمات دلالية: نقطة التحول إلى أن
إقرأ أيضاً:
مفارقة الشفافية.. هل تزيد ثقة الناس في العلم عبر الكذب؟
لطالما كانت الشفافية حجر الزاوية في بناء الثقة بين العلماء والجمهور، فقد اعتقد فريق من الفلاسفة والعلماء أن كلما كانت المؤسسات البحثية أكثر شفافية في تقاريرها، زادت ثقة الناس في العلوم.
لكن دراسة جديدة نشرتها جامعة بانغور في ويلز تكشف عن ظاهرة غير متوقعة، حيث تقول الدراسة إن الشفافية قد تؤدي إلى تقليص الثقة في العلوم بدلا من تعزيزها.
ووفقا للدراسة التي نشرها بايرون هايد، فيلسوف العلوم في الجامعة، في دورية "ساينس آند سوسايتي" تحت عنوان "الكذب يزيد الثقة في العلم"، لا يمكن النظر إلى الشفافية كعامل واحد يؤدي إلى زيادة الثقة بشكل دائم.
في الواقع، بينما تعتبر الشفافية أداة لتعزيز الثقة في العلوم حينما تنشر الجامعات أخبارا عن كشف أو ابتكار أو إنجاز علمي جديد، قد يؤدي الإفصاح عن الأخبار السيئة مثل الفشل في التجارب العلمية أو وجود تضارب في المصالح أو إعادة النظر في نموذج أو نظرية راسخة، إلى تقليص هذه الثقة.
يطلق هايد اصطلاح "مفارقة الشفافية" على هذا الأمر، وهو الظاهرة التي تشير إلى أن الشفافية تؤدي إلى زيادة الثقة وفقدانها كذلك، بحسب طبيعة نتائج العملية.
وبحسب الدراسة، تُظهر بعض الحالات الواقعية كيف يمكن أن يعمل التناقض الشفاف. فعلى سبيل المثال، في فضيحة "كلايمت جيت"، تم تسريب رسائل إلكترونية من علماء المناخ في جامعة "إيست أنغليا" في نورويتش في بريطانيا، مما أدى إلى اتهامات بالتلاعب بالبيانات.
ورغم أن التحقيقات أظهرت أنه لا يوجد خطأ في العمل العلمي، فإن الكثير من الجمهور فقدوا الثقة في علم المناخ، لأنهم كانوا يحملون صورة مثالية للعلم وعندما تبينت لهم "فوضى" العملية العلمية، تزعزعت ثقتهم.
أحد الأمثلة على ذلك أيضا، عندما يعيد العلماء النظر في نموذج بحثي قائم أو كان راسخا على مدى عقود، وليكن مثلا التصورات عن "المادة المظلمة" أو "الطاقة المظلمة" في الفيزياء ضمن نموذج علم الكونيات القياسي الحالي (لامبدا-سي دي إم)، هنا يتصور الناس أن العلماء يمشون خطى للأمام ثم يعودون فيها، وكأن تلك هي طبيعة العلوم.
إعلانويطرح ما سبق تساؤلا محوريا وهو: هل يجب أن تتجنب المؤسسات العلمية الإفصاح عن الأخبار السيئة لتحافظ على الثقة في المؤسسات العلمية؟ هذا ببساطة نوع من الكذب، مهما كان السياق.
ويشير هايد إلى أن الحل القائل بإخفاء النتائج السلبية غير مستدام وغير أخلاقي، ومن ثم يقترح أن الحل يكمن في معالجة سبب المشكلة من جذوره. فوفقا لهايد، تكمن المشكلة في أن الجمهور يبالغ في تقدير العملية العلمية، بسبب الإنجازات العظيمة للعلوم على مدى عقود.
ومن ثم يرجع فقدان الثقة في العلوم، وفقا للباحث، إلى أن الناس لديهم تصور مغلوط عن العلماء، فهم لا يرون العلماء كأشخاص معرضين للأخطاء أو التأثر بالتحيزات، بل يعتقدون أنهم أشخاص عظماء بطبيعة الحال، يملكون الإجابات الحاسمة دائما.
هذه الصورة المثالية التي يمكن أن يطلق عليها "صورة الكتب الخيالية"، تجعل الجمهور يفقد الثقة عندما لا تتماشى نتائج العلم مع توقعاتهم.
ويشرح هايد في دراسته أنه يجب على العلماء والمؤسسات التعليمية أن يعيدوا تعريف العلاقة بين الجمهور والعلم، فمن المهم أن يعي الناس أن العلم يعتمد على فرضيات وتحليلات دقيقة ولكنه لا يقدم إجابات مطلقة، كما أن العلماء هم بشر، وهم معرضون للأخطاء والتأثيرات الخارجية، مثل أي شخص آخر.
وبحسب الدراسة، فبدلا من إخفاء الحقيقة عن الأخطاء، يرى هايد أن الحل يكمن في تعليم الناس عن العلم، فالتعليم الصحيح حول كيفية عمل العلوم وكيفية وصول العلماء إلى استنتاجاتهم قد يساعد على تقليل هذا التوقع غير الواقعي، وفي هذا السياق يجب أن نفهم أن العلم ليس عملية مثالية، بل هو عملية مستمرة من الاستكشاف والتجربة، بما في ذلك الأخطاء.
على سبيل المثال، للوهلة الأولى تظن أن العلم هو كيان منتظم في خط سيره، لكن هنا يمكن أن نتأمل قليلا قول بيتر مدوّر، العالم الجائزة نوبل في الطب لعام 1960 مناصفة مع الأسترالي السير فرانك بورنت لاكتشافهما التحمل المناعي المكتسب، إن الأبحاث العلمية هي "نوع من الغش"!
بالطبع لا يقصد مدوّر الغش الذي تفهمه، وإنما يقصد أنها تظهر لنا في صورة نهائية أنيقة ومرتبة (مقدمة، وآليات، ونتائج، ومناقشة، واستنتاج، ومراجع) لكن الطريقة الحقيقية التي يعمل بها العلماء تتعلق أكثر بالخيال والارتباك والخطأ والتصحيح المستمر وهي عملية عاطفية في جانب منها، ومن ثم فالورقة العلمية تدفعنا للظن أن العملية العلمية باردة تماما، خالية من الخطأ.
في الواقع فإن ما يعطي العلم قوته لا علاقة له بورقة بحثية محددة أو خطأ محدد، بل بطبيعة العملية العلمية ككل، فهناك دائما قدرة على تصحيح الخطأ، وهنا يمكن أن نتأمل مفهوم ابتكره عالم الاجتماع الأميركي روبرت ميرتون وهو "التشكك المنظم".
حينما أقول لك إنني قد حللت مشكلة مفارقة المعلومات في الثقب الأسود فلن تصدقني حتى ترى تلك الأفكار مرفقة ببرهان أو دليل دامغ على صحة الادعاء. يحتاج العلماء دائما للتحقق من كل الحقائق، والاحتمالات المطروحة، والآليات المستخدمة، والأدوات التجريبية، كل شيء يجب أن يخضع للتحقق.
إعلانبناء على ما سبق، فإن العالم يمكن أن يخطئ أو يتحيز أو يكذب، لكن ليس العالم أو ورقته البحثية هما معيار تقدم العلم، بل الصورة الكلية التي يُمارس فيها التشكك المنظم بشكل مستمر، ومن ثم تنكسر "البارديغمات" العلمية، أو قل النماذج الإرشادية التي بنيت عليها العملية العلمية خلال فترة زمنية، مهما طال بها الزمن، وهنا يتقدم العلم للأمام.
ويقول هايد في تصريح رسمي حصلت الجزيرة نت على نسخة منه "يدرك العلماء وقادة الحكومات أهمية ثقة الجمهور بالعلم لأنه يمكن من اتخاذ قرارات مستنيرة، ويوجه السياسات العامة، ويدعم العمل الجماعي في قضايا حرجة مثل الصحة والمناخ والتكنولوجيا. إذا لم يمنح العلم الثقة، يصبح المجتمع أكثر عرضة للتضليل وأقل قدرة على الاستجابة بفعالية للتحديات المعقدة مثل الأوبئة"
ويضيف: "إذا أردنا أن يثق الجمهور بالعلم إلى الحد الذي يجعله جديرا بالثقة، فعلينا التأكد من فهمهم له أولا".
في هذا السياق، فإن هايد يشدد على ضرورة تغيير الطريقة التي يتم بها تدريس العلوم في المدارس والجامعات، وكذلك الطريقة التي يتم بها نقل المعلومات العلمية للجمهور، قائلا إن التعليم الذي يركز على القيم الأساسية للعلم مثل التجريب والاختبار المستمر والتفاعل مع الأخطاء قد يكون هو المفتاح لتعزيز الثقة.
ليست هذه المرة الأولى التي يشير فيها فلاسفة علم وعلماء إلى العلاقة المضطربة بين العلم والجمهور، على الرغم من كل الجهود الحثيثة لنقله. فمثلا في كتابه "طبيعة العلم غير الطبيعية"، يشير لويس ولبرت، الأستاذ الفخري بقسم علم الأحياء الخلوي والنمائي في كلية لندن الجامعية، إلى نقطتين أساسيتين لا يتمكن الجمهور من فهمهما، الأولى هي قدر اختلاف العلم عما نتصور أنه بديهي، والثانية هي أن العلم لا يحل كل المشكلات، ولا يمكنه توقع المستقبل بدقة.
التصورات الخاطئة عن هاتين النقطتين هي ما يدفع الناس إلى اتخاذ مواقف متناقضة من العلم، تتضمن مخاوفنا من هذا الشيء الغريب غير المفهوم والقوي جدا، والمرتبط بكوارث قد حدثت بالفعل مثل هيروشيما وناجازاكي، أو أخرى متوقعة كهواجس سيطرة الآلة والذكاء الاصطناعي وخلق وحوش بشرية عبر التكنولوجيا الحيوية وتقنيات كريسبر لتحرير الحمض النووي.
ويمتزج هذا الموقف مع شعور بالهيبة والثقة الشديدة تجاه العلم، فأنت مثلا تثق بأن ما يصفه لك الطبيب هو الدواء المناسب لك، رغم علمك أن ذلك القرص يحتوي على مادة كيميائية قد تكون قاتلة.
ويتفق وولبرت وهايد على أن المحاولات الحثيثة لتقريب العلوم للجمهور، على الرغم من نجاحات كبيرة حققتها، فإن الأمر يجب أن يكون أعمق من ذلك، ويدخل بجرأة لتعليم الجمهور عن طبيعة العملية العلمية، وتوضيح أنه على الرغم من دقتها الشديدة، فإن لها سقطات، التجارب تفشل، وقد يتحيز العلماء فهم بشر لا شك، يأتي ذلك في سياق عصر تنتشر فيه الأخبار الكاذبة ونظريات المؤامرة بشراسة، بشكل مضاد تماما للعلوم، يستغل "صورة الكتب الخيالية" لتمرير سرديته.
هذا النوع من التعليم ضروري، لأنه على الأقل يعلم الناس أن يفصلوا بين العلم والعلماء، وهي نقطة غاية في الأهمية، لأن الناس عادة ما يقعون في مغالطة شهيرة تسمى "التوسل بالمرجعية".
وتجري المغالطة كالتالي: شخص ما يقول إن الادعاء "س" صحيح، هذا الشخص يعد خبيرا في النطاق الذي يتخصص في دراسة "س"، بالتالي فإن الادعاء "س" صحيح لا شك!
لوهلة، تظن أن هذا الكلام خال من الخطأ، لكن في العلم فإن الحكم على ادعاء ما بالصدق يكون بناء على الحقائق وإجماع العلماء، وليس من خلال علم أو خبرة قائله.
إعلانالناس عادة ما يساوون بين "العالِم" و"العلم"، لكن العالِم هو إنسان مثلك، يمكن أن يخطئ، ويمكن أن يتحيز لعشرات الأسباب التي قد تكون سياسية أو دينية أو حتى شخصية بحثا عن الشهرة الإعلامية.
وستجد ذلك واضحا في حالات مثل أندرو ويكفيلد مثلا، وهو طبيب وباحث بريطاني سابق في أمراض الجهاز الهضمي والذي قاد حملة اعتمدت على العلوم الزائفة ضد اللقاحات، ولينوس باولنغ، العالم الحاصل على نوبل لكنه روج لأفكار خاطئة تماما عن دور فيتامين سي في حياتنا، وغيرهم من العلماء الذين آمنوا بالخرافات، بل بعضهم روج للأبراج، والعلاجات بالطاقة، ووصولا إلى القناعات -غير المدعمة بالأدلة- بوجود كائنات فضائية تعيش بيننا.
بل إن بول نيرس، الحاصل على نوبل في الطب لعام 2001، يحذر رفاقه الحاصلين على نوبل من "مرض نوبل"، وهو أن الحاصل على نوبل -بسبب الثقة التي تعطى إليه- يكون مستعدا للتعبير عن آراء حول معظم القضايا بثقة كبيرة، من علوم المناخ حتى قضايا الطاقة ومشكلات اللاجئين، محميا بالسلطة التي تمنحها له جائزة نوبل.
الواقع يقف تماما على النقيض من ذلك، أو كما قال ريتشارد فاينمان، الفيزيائي واسع الشهرة والحاصل على نوبل ذات مرة: "إذا تحدث فيزيائي ما في غير شأن الفيزياء، فهو أحمق بنفس قدر الشخص الجالس بجانبه".
العلم فعال.. لكنه قد يكون بطيئايجري ذلك في سياق فهم خاطئ لقوة العلم، فمثلا حينما نحاول صناعة دواء جديد، فإننا بحاجة إلى فترة تمتد من 3 إلى 6 سنوات من البحث العلمي وتطويره حول اختيار المادة الفعّالة من بين آلاف أخرى يمكن أن تخدم الهدف نفسه.
ثم بعد ذلك، يتطلَّب الأمر تحديد أيّ من تلك المواد سوف نبدأ باستخدامه في التجارب الأولية، بعد ذلك نحتاج إلى مدة تقترب من العام من أجل عمل الاختبارات الكيميائية الأولية والتجريب على الحيوانات.
ويحتاج التجريب الحذر على البشر إلى نحو 7 سنوات، ونحتاج بعد إطلاق الدواء إلى سنتين من أجل رصد تطور استجابة البشر لهذا الدواء، مما يعني أن مادة فعّالة واحدة، كالباراسيتامول الموجود في قرصَيْ بنادول، تحتاج إلى ما يقترب من 10 سنوات لكي تصل إلى يديك.
كما أن المرض معقد ولا يمكن فهمه بسهولة، خذ السرطان على سبيل المثال، يسأل الناس: لم لا يعالج العلماء السرطان بعد عقود من البحث ومليارات الدولارات؟
في الواقع، فإن السرطان ليس مرضا واحدا بل 200 مرض مختلف، حيث يبدأ من خلية واحدة وقد يصيب أنواعا متعددة من الخلايا في الجسم، مما يجعله معقدا للغاية ويختص كل نوع من السرطان بنوع محدد من الخلايا.
أضف لذلك أن الخلايا السرطانية قد تكون غير متشابهة حتى داخل الورم نفسه، كما أن الخلايا السرطانية تتطور مع مرور الوقت وتكتسب قدرة على مقاومة العلاجات. لذلك، علاج السرطان ليس أمرا بسيطا، بل يتطلب تقنيات متعددة ومتنوعة لمكافحة مقاومة الخلايا للأدوية.
حينما يتعلم الناس عن هذا الأمر، فإنهم يخففون في كثير من الأحيان من تحفزهم ضد العلم، وهو تحفز عادة ما يكون مدعوما بأفكار مؤامراتية تقول إن شركات الأدوية تتلاعب بالنتائج "للتحكم في مرضى السرطان" وأن "العلاج موجود لكنهم يخفونه".
لكن على الجانب الآخر، حينما يتعلم الناس عن مدى تعقيد وصعوبة العملية العلمية، وإمكانية حدوث أخطاء وتحيزات، فإنهم يخففون من نظرتهم المؤامرتية للعلم، وقد تزيد ثقتهم به.