لماذا يهرع الأوروبيون إلى تركيا، يا ترى؟
تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT
أمس، زارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أنقرة على رأس وفد رفيع المستوى، ومن المتوقع أن يقوم مسؤولون آخرون بزيارات مشابهة قريبًا.
لنبدأ بما قاله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب:
“تركيا دولة قوية جدًا، وأردوغان شخص لديّ علاقة جيدة معه. يمتلك جيشًا قويًا للغاية لم يُنهك بسبب الحروب. هذا الجيش لم يضعف بسبب الحروب أو أي عوامل
أخرى.
كنا نحن نملك فقط 5,000 جندي في المنطقة “سوريا”. سألت أحد الجنرالات: ‘ما رأيك في هذا الوضع؟’ فأجاب: ‘سيتم القضاء عليهم فورًا.’ لذلك قمت بسحب
قواتنا، وتعرضت لانتقادات كبيرة، لكن ماذا حدث؟ لم يحدث شيء. أنقذت العديد من الأرواح. الآن لدينا 900 جندي فقط هناك، وأعادوا بعضهم لاحقًا. الأمور الآن
مختلفة، فهناك طرف تم القضاء عليه تقريبًا بالكامل، والطرف الآخر هو تركيا. نعم، تركيا هي القوة الحقيقية وراء كل ذلك. أردوغان رجل ذكي جدًا. تركيا كانت تطمح
لهذا الأمر منذ آلاف السنين، وقد حققته الآن. لا أريد أن يُقتل جنودنا، وأعتقد أن ذلك لن يحدث بعد الآن لأن الطرف الآخر لم يعد موجودًا.”
وفقًا لترامب، فإن كل ما يحدث في سوريا هو نتيجة مباشرة لتحركات تركيا وذكاء أردوغان.
أما أورسولا فون دير لاين، فقد شددت على أهمية الدور التركي في تحقيق الاستقرار في سوريا والمنطقة، قائلة:
“علينا أن نكون حذرين للغاية في مواجهة الإرهاب، خاصة في شرق سوريا، حيث لا يمكننا السماح بعودة تهديد تنظيم داعش. لقد حافظنا دائمًا على وجودنا في سوريا وقدمنا الدعم للمحتاجين. علينا الآن تعزيز هذه الجهود ومواصلة تعاوننا مع هيئة تحرير الشام وأطراف أخرى.”
وأشارت فون دير لاين إلى رغبتها في تسريع عملية إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. ومع ذلك، فإن ألمانيا، على سبيل المثال، ليست متحمسة لهذه الفكرة بالكامل، لكنها على الأقل تريد وقف تدفق موجات جديدة من اللاجئين.
حتى الآن، لم تتحمل أوروبا المسؤولية الكاملة تجاه الأزمة، وهناك أزمة قيادة حقيقية تعاني منها القارة. مع تصاعد نفوذ التيارات اليمينية المتطرفة، تتزايد التعقيدات، خاصة وأن أوروبا لم تتخذ خطوات عملية حقيقية منذ اندلاع الأزمة السورية.
حاليًا، تعيش أوروبا على مواردها، لكنها وصلت إلى مرحلة حرجة في نظامها الاقتصادي والاجتماعي. ورغم قوتها الاقتصادية، إلا أنها لا تحقق تقدمًا كبيرًا، بل تشهد تراجعًا مستمرًا. وهنا تظهر أهمية دول مثل تركيا التي تلعب دورًا محوريًا في المنطقة.
اقرأ أيضاأخيرًا.. الإعلان عن موعد تساقط الثلوج في إسطنبول
الأربعاء 18 ديسمبر 2024إسقاط نظام الأسد في سوريا يُعد بارقة أمل جديدة. لكن فون دير لاين أشارت إلى وجود مخاطر كبيرة مصاحبة لهذا التغيير، وقالت:
“الوضع على الأرض هش للغاية ومتقلب. لذا، نحن نتابع التطورات عن كثب. يحتاج الشعب السوري إلى فترة انتقالية سلمية تضمن وحدة الأراضي السورية وسيادتها. وفي الوقت نفسه، يجب أن تحافظ هذه المرحلة على مؤسسات الدولة لضمان الاستقرار.”
من ناحية أخرى، أكد الأوروبيون الذين لا يرغبون في موجات جديدة من اللاجئين، على استعدادهم لدعم تركيا. وقالت فون دير لاين:
“منذ عام 2011، قدم الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 10 مليارات يورو لدعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة في تركيا. ويسعدني أن أعلن تخصيص مليار يورو إضافي لعام 2024. هذا التمويل سيُستخدم لدعم نظام الصحة والتعليم الخاص باللاجئين، والتركيز على قضايا الهجرة وأمن الحدود، ودعم العودة الطوعية للاجئين السوريين. ومع استمرار التطورات على الأرض، يمكن تخصيص هذا المبلغ أيضًا لتلبية احتياجات جديدة في سوريا.”
ولكن، القضية الآن تجاوزت الجانب المالي. الأوروبيون بحاجة إلى اتخاذ خطوات سياسية جادة. وإن لم يفعلوا ذلك، فسوف يواجهون مشاكل أكبر. وربما نرى المزيد من المسؤولين الأوروبيين يهرعون إلى تركيا في المستقبل.
المصدر: تركيا الآن
كلمات دلالية: فون دیر لاین فی سوریا
إقرأ أيضاً:
الحج ودلالات العبور
زكريا الحسني
الحج ليس مجرد رحلة زمنية أو طقس شعائري، بل هو عبور عميق من ضيق النفس إلى سعة الروح، ومن فوضى الحياة إلى نظام الكون، ومن غفلة الأرض إلى يقظة السماء.
إنها رحلة الإنسان نحو الله، وموسم للقاء الخالق بعيدًا عن زخارف الهوية والانتماء والوظيفة. رحلة تتجلى فيها أعماق فلسفة التوحيد في أبهى صورها، وتظهر حقيقة الإنسان كما أرادها الله عبدًا تائبًا متجردًا عن الزخرفة، وعائدًا إلى أصله الأول.
يبدأ الحاج بخلع ثياب الدنيا ولبس ثوبي الإحرام في صورة تعلن عن التحرر من كل انتماء سوى لله، حيث لا فرق بين غني وفقير، ولا بين ملك وعامل، فالجميع في الإحرام سواء.
إنها لحظة تجرد يعلن فيها الإنسان أنه لا شيء سوى عبد لله، وهنا تظهر أولى تجليات فلسفة الحج: إسقاط الهوية السطحية ورجوع الجميع إلى جوهر النفس بلا إضافات.
يجمع الحج بين قدسية الزمان وعظمة المكان، فهو في أيام معدودات اختارها الله بعنايته، تظللها الليالي العشر، وفي مكان مشى فيه الأنبياء ودعوا عنده، وبكوا وسجدوا على ترابه.
الوقوف بعرفة ليس وقوف جسد؛ بل وقوف روح بين يدي الله. هو يوم تتنزل فيه الرحمات وتغفر فيه الذنوب، فالأرض تلتزم الصمت لتسمع الدعاء وتقول "آمين"، والسماء تلتقط.
السعي بين الصفا والمروة ليس ركضًا عشوائيًا؛ بل استحضار لقصة الأم العظيمة هاجر التي علمت البشرية معنى التوكل، وكيف يفتح الله الأبواب لمن طرقها بصدق.
من أعمق ما في الحج أنه يربي النفس على الطاعة قبل الفهم.
لماذا نرمي الحجارة لحجرٍ صلد؟
لماذا نطوف 7 أشواط حول أحجار لا تضر ولا تنفع؟
لماذا نقبّل الحجر الأسود؟
ليس المطلوب أن ندرك بعقولنا معنى كل فعل، بل نغوص في حالة التسليم للخالق العظيم العليم الحكيم، فهو وحده مَن يستطيع أن يعلمنا أن العبودية لا تقبل أسئلة متكررة؛ بل تتطلب التلبية، وهذا كل شيء.
في الحج تذوب الفروق وتُمحى المسافات وتختفي الأنا، فملايين الناس يلبّون بصوت واحد: "لبيك اللهم لبيك"، كأن الكون كله قد تحوّل إلى كائن واحد يقول لله: "ها أنا ذا".
الحج هو إعلان عالمي أن لا معبود بحق إلا الله، وأن ما سواه زائل. في هذه المناسك يتذوق القلب معنى الفناء في الله والرجوع إليه تعالى.
بعد أيام من التعب، من التضرع، من الدموع، من الطواف والسعي والوقوف والرمي، يخرج الحاج بروح جديدة نقية كأنه خُلِق من نور. لم يكن مسموحًا الرفث ولا الفسوق، هذا لأجل أن تتولد الروح ولادة جديدة، كاليوم الذي أنجبته أمه.
الحج ليس طقسًا فقط؛ بل فلسفة حُبٍ وتوحيد وارتقاء وتزكية. إنها ساعات لقيا الإنسان بذاته الحقيقية، ساعات إعادة ترتيب علاقته مع خالقه، وساعات لفهم طبيعته الحقيقية، وأنه آخر المطاف سيتجرد من كل شيء، باستثناء عنوان "العبودية" لله وحده.