لجريدة عمان:
2025-06-07@08:10:03 GMT

في السجون وأدبها

تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT

اقترنت كلمة السجن بالخطيئة والذنب، وعلى مرّ التاريخ أصبحت السجون مرادفًا للعقاب والقمع والتعذيب فـي كثير من دول العالم لا سيما الدول التي تحوي أنظمتها السياسية القليل من الحريات والكثير من القمع والتعذيب والوحشية، وللفت انتباه القارئ هنا فإنني لن أتحدث عن السجون الطبيعية التي يحاكم فـيها المجرمون والخارجون عن القانون حتى وإن كانت قسوتها قد بلغت حدًّا بعيدًا، لكنني هنا سأسلّط بعض الضوء على السجون التي شهدت الكثير من الأحداث العسكرية والسياسية وعرفها الناس من خلال ما كُتب عن هذه السجون من كتابات وثّقت لشناعة وفظاعة تلك السجون، وأصبحت مثالًا للوحشية التي تنتهجها الحكومات الديكتاتورية فـي سبيل قمعها لخصومها من السياسيين والعسكريين وممن يشتبه بهم فـي الوقوف فـي وجه تلك الأنظمة الديكتاتورية.

سأبدأ بالحديث من نهاية السلسلة وتحديدا من السجون السورية التي باتت اليوم حديث العالم ومثالا على القسوة والشناعة وارتبطت بسمعتها السيئة فـي الوحشية وانتهاك حقوق الإنسان من خلال شهادات قدمها بعض المعتقلين السياسيين ممن كُتبت لهم النجاة والخروج من تلك السجون فأصبحت شهاداتهم شاهدًا على المجازر الوحشية التي ارتكبها النظام الراحل من قتل وتعذيب لا إنساني للمعتقلين وعائلاتهم وارتكاب لجرائم قتل متعمد وإعدامات للمعتقلين بسبب كثرة التعذيب أو لأسباب كما ذكرها بعض الناجين إنما هي لمجرد إقامة حفلات للإعدام يتسلى بها السجان نفسه.

«القوقعة، يوميات متلصص» تعَد من أشهر الروايات التي كُتبت عن السجون السورية وتحديدا سجنَي تدمر وصيدنايا، ويتحدث فـيها كاتبها مصطفى خليفة وهو الناجي من الموت المحقق قصته مع تلك السجون بعد أن قضى ما يربو على الـ13 عامًا سجينًا فـي تلك السجون بتهمة انتمائه لتنظيم إسلامي محظور رغم أنه مسيحي ولا يمتُّ للإسلام بصلة.

الرواية تدور حول شاب درس السينما فـي فرنسا، وحين قرَّر العودة إلى وطنه اعتُقل فـي المطار ليقضي ثلاثة عشر عاما من عمره فـي سجن تدمر الصحراوي وتعرض الرواية تفاصيل التعذيب فـي سجون النظام السوري فـي ذلك الوقت ما بين الضرب والكهرباء إلى إجبار السجناء على ابتلاع الفئران والحشرات والسحالي، والشرب من مياه الصرف الصحي، وغيرها من الوسائل المهينة التي تكسر الأرواح.

لست بصدد سرد كثير من تفاصيل الرواية وأحداثها المؤلمة ويمكن الرجوع إليها وقراءتها كبرهان على دموية ووحشية التعذيب الذي تعرّض له الكاتب وباقي المعتقلين، وهذا أيضا ما يتقاسمه معه زميله الكاتب والروائي محمد برو فـي كتابه الرائع «ناجٍ من المقصلة: ثمانية أعوام فـي سجن تدمر» والذي سطر فـيه تجربته فـي ذلك السجن حين دخله وعمره لا يتجاوز السابعة عشرة بتهمة اطّلاعه على منشور إسلامي كما يقول فـي كتابه. ويوثق برو فـي كتابه بعضًا من الحكايات المخفـية أو المسكوت عنها عن أهوال التعذيب فـي السجون السورية وتجربته الشخصية فـي الاعتقال والظروف السيئة التي عاشها فـي سجن تدمر وأساليب التعذيب الوحشي التي كانت تمارَس ضدهم وحتى مع كونهم أطفالا صغارًا لم يشفع لهم ذلك فـي تخفـيف بعضٍ من العذاب عليهم. ومن الكتب التي وثّقت أدب السجون رواية «قضبان الربيع» لعبدالله اليبرودي والصادرة مؤخرا عن الدار العربية للعلوم يستعرض فـيها رحلته فـي المعتقلات السورية، حيث تنقّل خلالها بين فروع سجون المخابرات والأمن إلى سجن صيدنايا بعد أن ألقي القبض عليه عائدًا إلى بلاده من الخارج وتوجيه تهم المشاركة فـي التظاهر ضد النظام القائم وهو ما أودى به إلى السجن بتهم الخيانة وتعرّضه للكثير من أنواع التعذيب تتشابه مع ما ذكره الكاتبان السابقان فـي روايتيهما من حيث الفظاعة والقسوة وعدم احترام للإنسانية.

الحديث عن السجون وآدابها يحتاج إلى مؤلفات كثيرة وقد كتب عنها الكثير خصوصًا فـي عالمنا العربي فهنالك الكثير من الأدباء والشعراء والروائيين ممن كتبوا فـي أدب السجون نذكر منهم رواية شرق المتوسط لعبدالرحمن منيف تناول فـيها الكاتب السعودي الأثر النفسي لتجربة السجن السياسي من خلال حكاية رجب إسماعيل المحبوس الذي تعرّض للسجن والتعذيب على مدار خمس سنوات تحطَّمت فـيها روحه. كذلك أيضا هنالك كتاب «مذكراتي فـي سجن النساء» للدكتورة نوال السعداوي حيث تروي تجربتها فـي سجن القناطر المصري بعد إلقاء القبض عليها فـي موجة اعتقالات واسعة فـيما عُرف بقرار التحفُّظ الذي أصدره الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات فـي الشهور الأخيرة من حكمه.

فـي الأدب العالمي يبرز سجن الباستيل كرمز على القمع الوحشي الملكي فـي فرنسا قبل أن يتحول إلى أيقونة للثورة الفرنسية وسجّل الفـيلسوف الفرنسي فولتير تجربته فـي ذلك السجن حين كان أحد نزلائه ووصفه بأنه رمز لطغيان النظام الملكي الفرنسي.

هنالك سجون اكتسبت شهرة سيئة بفعل ممارساتها الوحشية ضد السجناء أبرزها فـي العصر الحديث «سجن أبو غريب» فـي العراق حيث أصبح رمزًا عالميًّا للوحشية والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، خاصة خلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق بعد عام 2003. وأيضا سجن جوانتنامو الواقع فـي خليج جوانتنامو بكوبا، هو واحد من أكثر السجون إثارة للجدل فـي العصر الحديث. أُنشئ السجن عام 2002 فـي أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، كجزء من «الحرب على الإرهاب» التي أطلقتها الولايات المتحدة. أصبح السجن رمزًا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي.

تعداد السجون سيئة السمعة يحتاج إلى مجلدات وما يرويه من خرجوا منها أحياء ما هي إلا غيض من فيض من الممارسات الوحشية التي يمارسها الإنسان ضد أخيه الإنسان، وتبقى التدوينات الإنسانية فـي أدب السجون شاهدًا على فظاعة ما تقوم به الدول من انتهاكات لحرم الإنسان الذي كرمه الله.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تلک السجون فـی سجن

إقرأ أيضاً:

نادي الأسير صوت المعتقلين الفلسطينيين

مؤسسة أهلية فلسطينية تعنى بالأسرى تبلورت نواتها الأولى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، إذ أطلقها مجموعة من الأسرى عام 1992 ثم تطورت ورأت النور عام 1993، وسُجلت رسميا عام 1996 مع تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية.

الفكرة والتأسيس

بدأت فكرة تأسيس نادي الأسير الفلسطيني مجموعة من أسرى حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في سجن جنيد الإسرائيلي بمدينة نابلس شمالي الضفة الغربية عام 1992، وذلك بالتزامن مع التحضير لإضراب بهدف تحقيق مطالب تتعلق بتحسين ظروف الاعتقال.

في مقال له على الموقع الإلكتروني للنادي، يقول الأسير السابق أمجد النجار إنه كان شاهدا على تأسيس النادي عندما كان أسيرا بسجن جنيد المركزي، مشيرا إلى أن البداية كانت بتبادل رسائل داخل الصف القيادي لحركة فتح داخل وخارج السجن حول فكرة إنشاء مؤسسة تعنى بشؤون الأسرى.

ويضيف أن الحركة الأسيرة بدأت عام 1992 التعبئة لخوض إضراب مفتوح عن الطعام انطلق يوم 27 سبتمبر/أيلول 1993 بمشاركة معظم السجون، وبعد أسابيع نجح في تحقيق معظم أهدافه، وبينها إغلاق قسم العزل في سجن الرملة ووقف التفتيش العاري وإتاحة إمكانية شراء المعلبات والمشروبات من متجر السجن.

وبعد نجاح الإضراب -حسب مقال النجار- بدأ الإعداد الفعلي لإنشاء مؤسسة جماهيرية حاضنة لقضية الأسرى، فكانت "جمعية نادي الأسير أول مؤسسة ينشئها الأسرى أنفسهم داخل السجون، مما أكسبها تميزا ومصداقية وأبعادا عميقة في الوعي الفلسطيني والعمل المؤسسي".

إعلان

ويقول إن النادي بدأ بإمكانيات بسيطة وجهود ذاتية لمتطوعين دفاعا عن قضية الأسرى ولتحريكها أمام الرأي العام الدولي وفضح انتهاكات الاحتلال وجرائمه بحق الأسرى.

ولاحقا، وبعد تأسيس السلطة الفلسطينية، حصل النادي عام 1996 على ترخيص من وزارة الداخلية الفلسطينية بصفته جمعية أهلية، وأعلن أنه سيواصل عمله حتى رحيل الاحتلال.

الهيكل الإداري

يتم اختيار مجلس إدارة النادي عن طريق الانتخاب. وقد جرت انتخاباته 8 مرات بين عام 1996 و2024.

وينص النظام الأساسي للنادي على اجتماع مجلس الإدارة مرة كل شهر لمتابعة خطط العمل، ومن أبرز رؤساء النادي: عيسى قراقع وقدورة فارس وعبد الله الزغاري.

للنادي مكاتب عدة ومتطوعون في المحافظات الفلسطينية، لكنه ممنوع من فتح مكتب بمدينة القدس، وإن كان بجهود فردية يتابع حالة أسرى المدينة.

أما الأعضاء فهم من الأسرى المعتقلين في السجون الإسرائيلية ومن الأسرى المحررين، وباب العضوية مفتوح لكل أسير أو أسيرة فلسطينية أو عربية داخل وخارج السجون تتوفر فيه شروط العضوية المنصوص عليها في النظام الداخلي للنادي.

تتبع للنادي مؤسسات أخرى أبرزها كلية الشهيد أبو جهاد للتدريب المهني ومحطة راديو وتلفزيون أمواج.

الأهداف والنشاطات

أصبح نادي الأسير من أكبر وأبرز المؤسسات التي تناضل دفاعا عن حقوق الأسرى الفلسطينيين والعرب القابعين في المعتقلات ومراكز التحقيق الإسرائيلية، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم التنظيمية.

كما ينظر النادي إلى الأسرى والمعتقلين على أنهم "مناضلون من أجل الحرية، ومقاتلون شرعيون تنطبق عليهم المواثيق الدولية الخاصة بأسرى الحرية"، فضلا عن متابعته الحثيثة وبياناته الموثقة لملفاتهم من لحظة الاعتقال حتى الإفراج.

ويرتكز جهد النادي على ضرورة توفير الحماية الإنسانية والقانونية للأسرى، وكشف ومواجهة الانتهاكات الإسرائيلية بحقهم، مع الدعوة الدائمة لتطبيق القوانين والشرائع الدولية والإنسانية، واتفاقيات جنيف على الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية.

إعلان

وتربط نادي الأسير علاقات تنسيق وتشاور مع المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية ذات العلاقة. ومن أهدافه وفق نظامه الداخلي:

متابعة شؤون الأسرى داخل السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف والتحقيق الإسرائيلي. مساندة الأسرى المحررين ومساعدتهم على إعادة التأهيل والاندماج في المجتمع. مساندة ذوي الأسرى وأطفالهم من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية. المتابعة القانونية والقضائية لملفات الأسرى والأسيرات في المحاكم الإسرائيلية. إثارة الرأي العام حول الانتهاكات الإسرائيلية التي ترتكب بحق الأسرى على المستويين المحلي والدولي. نشر وتوثيق التراث الفكري والثقافي والإبداعي للأسرى داخل السجون بصفته جزءا من التراث النضالي الفلسطيني. إصدار التقارير والنشرات الدورية حول ظروف المعتقلين داخل السجون الإسرائيلية. تنظيم النشاطات والمشاركة في المؤتمرات المساندة لحقوق الأسرى وتجنيد الرأي العام لحماية الأسير وصون حقوقه الإنسانية. التعاون والتنسيق مع المؤسسات الحقوقية والإنسانية التي ترعى شؤون الأسرى محليا ودوليا. عقد المؤتمرات والمهرجانات الجماهيرية المحلية والدولية لتسليط الضوء على الجرائم التي ترتكب بحق الأسرى والأسيرات داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. عقد المؤتمرات الحقوقية المختصة بحقوق الأسرى على المستوى المحلي والدولي. تنظيم الأنشطة الفكرية والثقافية والرياضية والفنية المساندة لقضية الأسرى مثل: المسابقات والندوات والمعارض والعروض المسرحية وغيرها. إقامة مراكز تدريبٍ مهنيّ للأسرى والأسيرات المحررين من أجل دمجهم في المجتمع وتأهيلهم لممارسة حياتهم المهنية والانخراط في عملية البناء والتنمية المجتمعية.

كما أنشأ النادي في سنة 2001 وحدة قانونية لتقديم الدعم القانوني للأسرى، أسهمت في إعداد قانون الأسرى والمحررين، الذي يلزم السلطة الفلسطينية بكفالة كثير من حقوقهم.

إعلان تحديات وصعوبات

في 25 يوليو/تموز 2020، قرر مجلس إدارة النادي إغلاق فروعه كافة في محافظات الضفة الغربية باستثناء فرعي رام الله وقلقيلية بحكم امتلاكه مباني فيهما.

وجاء القرار نتيجة أزمة مالية يعاني منها منذ 2018 بعد توقف السلطة الفلسطينية عن صرف الموازنة المخصصة له.

وفي مقال على موقع النادي قال رئيسه السابق عيسى قراقع "لقد تحملنا نحن في نادي الأسير وهيئة الأسرى (كان رئيسها) ما لم يتحمله أحد (…) خدمات النادي تطورت وأصبحت ضمن أنظمة وقوانين (…) دون تمييز، ورفضنا وما زلنا تسييس قضية الأسرى أو تحزيبها لصالح فئة معينة باعتبار قضية الأسرى قضية وطنية وقومية جامعة".

ويختلف نادي الأسير عن هيئة شؤون الأسرى التي بدأت بوزارة في السلطة الفلسطينية، ثم تحولت إلى مؤسسة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وتأسست عام 1998، ومن أبرز أهدافها العناية بشؤون الأسرى والمحررين وعائلاتهم.

مقالات مشابهة

  • السجن 600 عام لمنفذ هجوم كولورادو بأميركا
  • قبل خروجة العيد.. احذر هذه الأفعال عقوبتها تصل إلى السجن
  • نادي الأسير صوت المعتقلين الفلسطينيين
  • حلفا الجديدة : السجن لمدة عشرين عاما لمتعاون مع قوات التمرد
  • الإخوان والابتلاء بالسجون.. دليل صوابية منهجهم أم فساده!!
  • جلالةُ السُّلطان يُصدر عفوًا ساميًا عن 645 من نزلاء السجون
  • تشكيل لجنة حقوقية لمتابعة أوضاع السجون وضمان حقوق الإنسان في ليبيا
  • حماس تدعو إلى التحرك لإنقاذ الأسرى الفلسطينيين من التعذيب في سجون الاحتلال
  • حماس تحذر من استمرار عمليات التعذيب والتنكيل بحق الأسرى على يد الاحتلال
  • السجون تلغي الأضحية و تمنع “قفة العيد”