لماذا يمكن أن تتقدم الولايات المتحدة في حرب التعريفات الجمركية؟
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
يستعد العالم الآن لتعريفات دونالد ترامب مستبعدًا أن تكون محض خداع.
في رحلاتي إلى بكين خلال السنوات الأخيرة، كان المسؤولون الصينيون يبدون في كثير من الأحيان واثقين من قدرتهم على العمل مع شخص هو في جوهره رجل أعمال، ويبدو أن هذه الثقة باتت الآن ماضيًا لا أثر له في الحاضر، فقد تحول كلا الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة إلى العداوة، ويبدو أن مزاج الرئيس ترامب أبعد ما يكون عن المصالحة.
ربما لأن لديه اليد العليا؛ إذ يترك له الرئيس بايدن اقتصادا قويا في الوقت الذي يعاني فيه أغلب العالم من حالة فوضى اقتصادية عميقة، بما يجعل الولايات المتحدة في وضع أفضل لإدارة تداعيات حرب تعريفات جمركية، ومهما يكن لهذه السياسات من فضائل، فمن الممكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى إلحاق ضرر بدول أخرى يفوق كثيرا ما تلحقه من ضرر بالمستهلكين الأمريكيين، بما يجعل الولايات المتحدة تبدو وكأنها المنتصرة.
يمثل أداء سوق الأوراق المالية الأمريكية المقياس الذي يبدو أن الرئيس ترامب يعتمد عليه في المقام الأكبر لقياس مدى نجاح سياساته، وقد كان ممتازا، وتجاوز بكثير أداء معظم البلاد الأخرى. ومن المرجح أن تؤدي التعريفات الجمركية، بجانب تشديد سياسات الهجرة، إلى عودة التضخم في الولايات المتحدة. ولكن الولايات المتحدة تنعم بنمو قوي في الإنتاجية، برغم هزال الإنتاجية في بلاد أخرى، وإذا استمر الوضع على هذا الحال، بما قد يؤدي إلى انخفاض التضخم على نطاق أوسع، فسوف يتم تقليل الألم الناجم عن التعريفات الجمركية بالنسبة للمستهلكين والشركات الأمريكية.ومن المرجح أن يعني فرض الرسوم الجمركية ازدياد قوة الدولار الأمريكي، بما سيزيد من تكلفة الصادرات الأمريكية. فيقوض هذا هدف ترامب المتمثل في خفض العجز التجاري، ولكنه سيجذب أيضًا المزيد من الاستثمارات من بقية العالم.
وقد طرأت على ميدان المعركة تغيرات أخرى أيضا، ففي بداية رئاسة ترامب الأولى، كان الاقتصاد الصيني يتقدم بقوة، بمعدل نمو سنوي بلغ نحو 7%. وفي هذا العام والعام المقبل، سيكون من الصعب على الصين تحقيق معدل نمو بنسبة 5%. وتزداد الأمور سوءًا في ظل تصاعد سوق العقارات والمخاطر المحدقة بشؤون الحكومة المحلية المالية وتقلص القوة العاملة وهشاشة ثقة المستهلك. وفي ظل ضعف إنفاق الأسر الصينية مقارنة بإنفاق الأسر في بلاد أخرى، أصبحت الصين أكثر اعتمادا على الصادرات.
أما أوروبا، وهي الشريك التجاري الرئيس لكل من الولايات المتحدة والصين، فتعاني من ضائقة شديدة؛ إذ أن الدولتين الأكبر سكانا في منطقة اليورو، أي ألمانيا وفرنسا، محاصرتان بعدم الاستقرار السياسي والاقتصاد المتعثر، وفي أماكن أخرى، تعاني اليابان وبريطانيا من معدلات نمو منخفضة، بل إن الاقتصاد الهندي المزدهر بدأ يفقد قوته.
عندما ضربت تعريفات ترامب الجمركية العالم في ولايته الأولى، سعت الصين إلى اتفاقيات تجارية مع العديد من البلاد التي تأثرت، ولم يكن ببعيد عن التصور أن تحاول الصين وأوروبا مجتمعتين مواجهة تعريفات ترامب، والآن، في ظل ضعف الاقتصاد لديهما، فإن أوروبا واليابان، وهما الاثنتان من أسواق الصين الخارجية الرئيسية، حريصتان بكل تأكيد على تجنب التحول إلى مصرف للصادرات الصينية، ومن ثم فقد تفضي قيود سياسات ترامب التجارية إلى حلول عصر جديد من الحمائية العالمية، ودفع بقية العالم إلى تشكيل جبهة مشتركة ضد الولايات المتحدة.
وفي ولايته الثانية، هناك طرق أكثر يحصل بها ترامب على التعريفات التي يريدها. فقد أبقت إدارة بايدن التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الواردات الصينية. كما أن الرئيس بايدن قد سدد ضربات للصين في مواضع أشد إيلاما، مقللًا من عمليات نقل التكنولوجيا، والوصول إلى رقائق أشباه الموصلات وبعض الاستثمارات الأمريكية في الصين.
ومن المرجح أن يستمر الرئيس ترامب في هذه الإجراءات ويضيف إليها إجراءات جديدة. ومن المرجح أن يسد الثغرات التي ساعدت الصين على التهرب من التعريفات الجمركية، من قبيل تغيير مسارات التجارة لتمر عبر دول من قبيل المكسيك وفيتنام. يكاد يكون من المؤكد أن الأيام باتت معدودة للغاية بالنسبة لقيام شركات صينية من قبيل شين وتيمو بإرسال طرود إلى الولايات المتحدة بمشتريات فردية زهيدة الأسعار بما يكفي لتجنب التعرض للتعريفات الجمركية.
وفي يد الصين بطبيعة الحال الكثير من الأدوات الانتقامية. فهي تظل حلقة وصل مهمة في سلاسل التوريد العالمية وسوقًا مهمًا للشركات الأمريكية، وما أسهل تعطيل هذه وتلك!. ولقد قللت الصين بالفعل صادرات المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة، وهي تسيطر على ما يقرب من 90% من الإنتاج العالمي من هذه المعادن (اللازمة لإنتاج رقائق أشباه الموصلات، والسيارات الكهربائية، والهواتف، وأجهزة الحاسوب المحمولة، وأشياء أخرى كثيرة).
وهناك، من بعد، بطاقة إيلون ماسك القوية. فقد جاء أكثر من نصف عائدات تسلا في العام الماضي من الأسواق الخارجية، والصين أكبر أسواق تسلا الخارجية. فقد يقوم ماسك بدور الوسيط في إبرام صفقة مع الصين وغيرها من الشركاء التجاريين المهمين للولايات المتحدة.
وثمة بعض العوامل التي يمكن أن تحد من نطاق حرب التعريفات الجمركية الجديدة. فمن المرجح أن تضم إدارة ترامب المقبلة العديد من أصحاب مواقف الصقور السافرة تجاه الصين فيما يتصل بقضايا الدفاع والسياسة الخارجية، ولكن فريق ترامب الاقتصادي يضم عددًا قليلًا من الصقور المؤيدين للتعريفات الجمركية. والأرجح أن تكون المناصب الاقتصادية الرئيسية من نصيب رجال الأعمال، وخبراء في وول ستريت، واقتصاديين محافظين، وجميعهم يدركون فوائد التجارة وتكاليف التعريفات الجمركية. كما أن الصين في ظل تعثر اقتصادها لا تستطيع أيضًا أن تحتمل حربا تجارية شاملة.
ما الذي سوف يتطلبه الأمر حتى يعلن ترامب النصر ويتراجع عن الرسوم الجمركية؟ قد يكون كافيًا أن توافق الدول الأخرى على احتواء تدفق المخدرات غير المشروعة إلى الولايات المتحدة والهجرة غير الشرعية. ويبقى السؤال مفتوحا عن جدوى صفقة كهذه أو عدم جدواها، وأهم من ذلك، عن قدرتها على إرضاء الرئيس ترامب من عجزها عن ذلك. من المؤكد أن تعريفات ترامب سوف ترغم دولا أخرى على الإبداع في التعامل مع ترامب. ونظرًا للواقع الاقتصادي لهذه البلاد، فقد لا يكون أمامها سوى القليل من الخيارات الأخرى.
إسوار براساد أستاذ في كلية دايسون بجامعة كورنيل وزميل كبير في معهد بروكينجز.
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التعریفات الجمرکیة الولایات المتحدة ومن المرجح أن الرئیس ترامب
إقرأ أيضاً:
بروكسل: الاتفاق الحالي مع الولايات المتحدة أفضل من الحرب التجارية
دافع الاتحاد الأوروبي عن الاتفاق التجاري الجديد الذي أبرمه مع الولايات المتحدة، رغم الانتقادات من بعض العواصم الأوروبية والقطاعات الصناعية. وينص الاتفاق على فرض رسوم جمركية بنسبة 15 بالمئة على المنتجات الأوروبية المصدّرة إلى السوق الأمريكية، وهي أقل من تلك التي هدد بها ترامب لكنها أعلى من الرسوم السابقة.
لكن الاتفاق أثار ردود فعل غاضبة، إذ وصفه رئيس الوزراء الفرنسي بأنه خضوع لأمريكا، واعتبر رئيس وزراء المجر أنه انتصار ساحق لترامب. كما انتقدته موسكو بوصفه مدمرا للصناعة الأوروبية، ووصفه محللون بأنه غير متوازن.
من جانبه، قال كبير المفاوضين التجاريين في الاتحاد الأوروبي ماروش شيفتشوفيتش الذي تفاوض على هذا الاتفاق على مدى أشهر مع إدارة دونالد ترامب "أنا متأكد بنسبة 100% أن هذا الاتفاق أفضل من حرب تجارية مع الولايات المتحدة".
ويقضي الاتفاق الذي توصلت إليه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين ودونالد ترامب الأحد بفرض تعرفة جمركية بنسبة 15% على المنتجات الأوروبية المصدّرة إلى الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن المعدل يفوق نسبة الرسوم الجمركية التي كانت مطبقة قبل عودة ترامب إلى الحكم لكنها أقلّ من تلك التي هدد ترامب بفرضها على أوروبا في حال عدم التوصل لاتفاق.
وقال شيفتشوفيتش "لا شك أنه أفضل اتفاق ممكن في ظل ظروف صعبة للغاية"، مشيرا إلى أنه سافر مع فريقه إلى واشنطن عشر مرات في إطار سعيه لإيجاد حل لهذا النزاع التجاري، مضيفا أن فرض رسوم جمركية أعلى كان سيهدد نحو خمسة ملايين وظيفة في أوروبا.
وعلاوة على الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الأوروبية، التزم الاتحاد الأوروبي شراء منتجات أميركية في مجال الطاقة بقيمة 750 مليار دولار واستثمار 600 مليار دولار إضافية في الولايات المتحدة.
ولم تُكشف تفاصيل أخرى عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في إسكتلندا، والذي يُتوقع أن يصدر بيان مشترك بشأنه عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة خلال الأيام المقبلة.
وأثار الاتفاق غضب عواصم أوروبية عديدة، فقد اتهم رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو أوروبا بأنها "تخضع" للولايات المتحدة واصفا الاتفاق بـ "يوم قاتم".
أما رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان المعروف بانتقاداته الشديدة لبروكسل، فقال إن دونالد ترامب "سحق" المفوضية الأوروبية، التي قادت المفاوضات التجارية باسم التكتل المكوّن من 27 بلدا.
وقال المحلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ألبرتو ريزي "الأمر أشبه بالاستسلام"، معتبرا أن الاتفاق الذي قبل به الاتحاد الأوروبي "غير متوازن إلى حد كبير"، ويمثل "انتصارا سياسيا لترامب".
ولم تتأخر موسكو في التعليق، مستهجنة الاتفاق واصفة إياه بأنه يؤدي الى "عواقب وخيمة للغاية على الصناعة الأوروبية".
"أفضل ما يمكن تحقيقه"
من جانبها، دافعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين عن الاتفاق واصفة إياه بـ" الاتفاق الجيد" الذي من شأنه أن يحقق "الاستقرار" للمستهلكين والمستثمرين والصناعيين على جانبي الأطلسي.
كذلك، رحب المستشار الألماني فريدريش ميرتس بالاتفاق، معتبرا أنه "يجنب تصعيدا غير ضروري في العلاقات التجارية عبر الأطلسي"، بينما رأت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أنه يجنب أوروبا سيناريو "مدمرا".
وتتبادل القوتان التجاريتان الأكبر في العالم ما يقارب 4,4 مليارات يورو من السلع والخدمات يوميا.
وسجّلت البورصات الأوروبية ارتفاعا ملحوظا عند افتتاح تعاملات الاثنين، في انعكاس لتفاؤل الأسواق بالاتفاق.
أما لوبي صناعة السيارات الأوروبي، أحد أكثر القطاعات تضررا من الرسوم الجمركية، فاعتبر أن الاتفاق يمثّل "تهدئة مرحّبا بها" في سياق يتّسم بـ"غموض خطير".
في المقابل، أعرب اتحاد الصناعات الكيميائية الألماني الذي يضم شركات كبرى مثل "باير" و"باسف" عن احتجاجه، معتبرا أن الرسوم الجمركية المتفق عليها لا تزال "مرتفعة للغاية".
من جهتها، رأت جمعية أصحاب العمل الفرنسية ميديف أن الاتفاق "يعكس ما تواجهه أوروبا من صعوبة في فرض قوة اقتصادها وأهمية سوقها الداخلية".