بثينة تروس

طالما أكدنا أن انحيازنا لشعار “لا للحرب” ليس من باب الحياد، وإنما هو أمر متسق مع ما نؤمن به من قيم أخلاقية، بأن السلام هو السبيل الوحيد للمواطنة المتساوية وتحقيق التنمية والاستقرار الدائم في البلاد. ولذلك، لم نتأخر في تقدير أفراح الناس باسترداد جزء عزيز من الوطن من عبث المليشيات. وهذا لا يتعارض مع إدانة طرفي الصراع بوصفهم مجرمي حرب.

ولا نرى أن الرأي العام، الذي يسترزق من الأحداث رزقً اليوم باليوم، يمكن أن يخيفنا بإجبارنا على مساندة طرف دون الآخر بحجة أنه أقل ضررًا وأخف إجرامًا، أو أن للجيش عصمة لتمثيله مؤسسة الدولة! ونحن نشهد احتضان الجيش للمليشيات الجهادية الإرهابية التابعة للحركة الإسلامية العابرة للحدود. وطوال هذه الحرب، شهدنا عقب انتصارات الجيش على مليشيات الدعم السريع، كيف دعمت كتائب البراء بن مالك انتصاراتها لصالح كتائبها الجهادية، مما جعل الجيش في آخر أولوياتها. وقد سبق للجنرال البرهان ونائبه ياسر العطا أن اختارا الكتيبة وقائدها المصباح طلحة، الذي أصبح من المقربين للجيش، ومنحاه صلاحيات واسعة بعد أن زودوه بالأسلحة والذخيرة، وأتاحوا له التحدث باسم القوات المسلحة.

حين تمردت قوات الدعم السريع على الحركة الإسلامية وتخلت عن حمايتها طمعًا في قسمة السلطة مع الجيش، راهنت الحركة على قيادات الجيش لتكون في خدمة مليشيات الجهاديين. وبعد تحرير مدينة مدني وانتعاش أمل السودانيين في أن جيشهم قد حررهم، تعالت خطابات الكراهية والعنصرية المقيتة التي أدت إلى الإعدامات الميدانية والذبح واختطاف النساء وحرق الأطفال. وظهرت نفس اللغة السابقة التي استخدمها أحمد هارون، الأمين العام الحالي للمؤتمر الوطني، حين قال: “امسح، اكسح، ما تجيبوا حي، ما عندنا ليه مكان، ما عايزين عبءًا إداريًا”، فهم أبناء أم واحدة في الإجرام، فقد أحيَتها اليوم كتائب الجهاد بعد مذبحة سكان الكنابي. كما طالب الفلول بتصفية المتعاونين مع الدعم السريع وعدم الاحتفاظ بالأسرى، في دعوة لضرب النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي الذي جعل من الجزيرة نموذجًا مجتمعيًا فريدًا متماسكًا ومتعاونًا، دون التحقق من صحة الاتهامات. حتى إن تلك الانتهاكات طالت الأبرياء من أبناء جنوب السودان، بالصورة التي تنذر بتفجير أزمة دبلوماسية بين البلدين، والتعامل بالمبدأ الانتقامي الذي يعيد إلى الأذهان سيرة تقتيل الشماليين للجنوبيين.

ومن جهالات مليشيات الحركة الإسلامية أنها لا تدرك أن الكنابي هو شريان يربط بين إنسان الهوامش البعيدة وبقية أهل السودان المصغر في الجزيرة. فهم العمال الزراعيون للمشروع، ويعيشون في أفقر البيئات ويعانون من ظلم الحكومات المتعاقبة. ومن سخرية الأقدار الموجعة، فقد ظهر في أحد الفيديوهات أحد قيادات التحالف المشترك في حالة من التأثر، قيل إنه مستشار مناوي لشؤون الشباب والطلاب، حيث تم ذبح 8 أفراد من أسرته في جريمة الكنابي. ضحايا الحرب ولعنة الفتنة القبلية، وكان يعتذر لأسرته بأنهم قد تأخروا عن نجدتهم!

إذن، كيف يحمل الجيش المواطنين في الجزيرة وزر التعاون مع الدعم السريع، وهم الذين تقاعسوا وتأخروا عن تحريرها؟ مع العلم أن عدم تعاونهم يسوقهم إلى نفس المصير، بتهم العمالة مع الجيش، ومصيرهم المحتوم القتل والسحل والتعذيب. وهل تناسى الجيش أن وجود المتعاونين هو نتيجة تقصيره في حماية مدني، وانسحابه منها وترك سكانها عرضة للقتل، والانتهاكات، والاغتصاب، والنزوح؟ بل أغرب من ذلك، عفى الجيش عن القائد أبو عاقلة كيكل الذي كان يدير جرائم الانتهاكات الإنسانية في الجزيرة، ثم يعجز عن العفو عن المواطنين والأهالي المغلوبين على أمرهم.

وعندما استشري القتل خارج القانون في الجزيرة، وتعالت أصوات الإدانة والاستنكار للفظائع التي ارتكبت، اضطر البرهان إلى تشكيل لجنة بقيادة مساعد النائب العام للتحقيق وتقصي الحقائق حول ما حدث في (كمبو طيبة)، على ان تقوم بجمع الأدلة والتحقيق مع الشهود، كأن البلاد لها نظام عدلي وقضائي مستقل عن تنظيم الحركة الإسلامية! متناسياً انه أعاد محاكمها وقضاتها بعد انقلابه في 25 أكتوبر على ثورة ديسمبر المطالبة بالعدالة والحرية والسلام! هل ينجح الجنرال البرهان في محاسبة تلك المليشيات الجهادية التي أسسها وتولى رعاية عنفها، بل ويخشى غضبها؟ هل يجرؤ على معاقبتها؟ هل سوف يفيق قادة الجيش من ربقة العبودية للحركة الإسلامية ومخططاتها قبل فوات الأوان؟

إن ما حدث لأهالي الكنابي وما حدث في السابق من مذابح ود النورة وضحايا الهلالية وتمبول هو الاختبار الحقيقي لصدق الرأي العام والمدنيين المطالبين بالمواطنة العادلة لشعوب السودان كاَفة، والحلم بوطن يحترم المواثيق والعهود، ويحترم الإنسان وحقه في الحياة الكريمة دون تمييز، إذ قضايا حقوق الإنسان لا تتجزأ.

الوسومبثينة تروس

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الدعم السریع فی الجزیرة

إقرأ أيضاً:

ألمانيا: نحتاج ثلاث سنوات لتجهيز الجيش لمواجهة هجوم روسي محتمل على الناتو

حذرت مسؤولة المشتريات العسكرية في ألمانيا، أنيت لينيغك-إمدن، من أن الجيش الألماني يحتاج إلى ثلاث سنوات من التسلّح المكثف، استعداداً لاحتمال شن روسيا هجوماً على دول حلف شمال الأطلسي (الناتو).

أمين عام الناتو يقترح رفع الإنفاق الدفاعي لـ 5% ويكشف عن أهداف جديدة للحلفالناتو: يجب ضمان أن تكون القدرات النووية للحلف محل التفعيلمستشارة الاتحاد الأوروبي والناتو: لا يكفي أن ننفق أكثر دفاعيًاالأمين العام للناتو: دعم أمريكا لأوكرانيا يعزز الالتزام الغربي ويزيد الإنفاق العسكري

وفي حديث لصحيفة "تاغشبيغل" الألمانية، أوضحت لينيغك أن على الجيش أن يكون "جاهزاً تماماً للدفاع عن البلاد بحلول عام 2028"، مؤكدة أن المعدات يجب أن تكون متوفرة قبل هذا الموعد بعام واحد على الأقل، لإتاحة الوقت الكافي لتدريب الجنود على استخدامها.

وأكدت لينيغك-إمدن أن تسريع عمليات الشراء وتخصيص الحكومة الجديدة، بقيادة المستشار فريدريش ميرتس، ميزانية بمئات المليارات من اليوروهات للإنفاق الدفاعي، سيسهم في تحقيق هذا الهدف. 

وأشارت إلى أن مكتبها سيقدم مشاريع تسليح جديدة للبرلمان قبل نهاية العام، مع إعطاء أولوية لشراء أنظمة ثقيلة مثل دبابات "سكاي رينجر" المضادة للطائرات، والمركبة التي ستخلف ناقلة الجنود المدرعة "فوكس".

وكان المفتش العام للجيش الألماني، كارستن بروير، قد صرّح مؤخراً بأن روسيا قد تصبح قادرة على شن هجوم واسع على أراضي الناتو بدءاً من عام 2029.

وتعد إعادة تسليح الجيش الألماني، الذي عانى سنوات من نقص التمويل، من أولويات حكومة ميرتس الائتلافية مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي، حيث يطمح إلى جعل الجيش الألماني "أقوى جيش تقليدي في أوروبا".

ورغم أن خطوات إعادة التسلح بدأت خلال حكومة أولاف شولتس، عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، إلا أن التطورات الجيوسياسية المتسارعة تدفع برلين إلى تسريع هذه الجهود، وسط نقص كبير في عدد الجنود.

من جانبه، أعلن وزير الدفاع بوريس بيستوريوس أن الجيش بحاجة إلى ما بين 50 و60 ألف جندي إضافي خلال السنوات المقبلة، استجابة لمتطلبات الناتو المتزايدة. 

ويبلغ عدد أفراد الجيش حالياً نحو 180 ألفاً، مع هدف بلوغ أكثر من 203 آلاف بحلول عام 2031.

وفي سياق متصل، تعمل السلطات الألمانية على تسريع خطة لإنشاء ملاجئ مدنية استعداداً لأي طارئ. 

وقال رئيس المكتب الفيدرالي للحماية المدنية، رالف تيسلر، إن بلاده تهدف إلى تجهيز مليون ملجأ في أسرع وقت، كاشفاً أن خطة بهذا الشأن ستُعرض في صيف 2025، بعد عملية جرد بدأت نهاية عام 2024 للأنفاق، ومحطات المترو، والمرائب، وأقبية المباني التي يمكن تحويلها إلى ملاجئ.

طباعة شارك ألمانيا روسيا الجيش الألماني تسليح الجيش الألماني الناتو

مقالات مشابهة

  • وزير الشؤون الإسلامية يرفع التهنئة للقيادة الرشيدة بمناسبة نجاح موسم حج 1446هـ
  • تصاعد المعارك بين الجيش و الدعم السريع في دارفور وكردفان
  • ناطق كتائب المجاهدين “أبو بلال” ينعى أمين عام الحركة.. فيديو
  • بنغازي.. حبس 4 متهمين في قضية “مراد الورفلي” الذي قُتل دفاعا عن أرضه
  • السودان بين سيطرة الجيش وتصعيد الدعم السريع.. قصف إغاثي وحصار مستمر
  • ألمانيا: نحتاج ثلاث سنوات لتجهيز الجيش لمواجهة هجوم روسي محتمل على الناتو
  • إسحق بريك: حماس هزمت الجيش الإسرائيلي الذي يقدم نفسه على أنه الأقوى
  • بحضور وزير الأوقاف السوري.. حفل استقبال في مكة المكرمة لكبار الشخصيات الإسلامية وضيوف خادم الحرمين الشريفين ورؤساء مكاتب شؤون الحجاج
  • انسحاب مفاجئ لفاغنر وتعرض الجيش لهجمات قوية.. ما الذي يجري في مالي؟
  • وزير الشؤون الإسلامية يستقبل شخصيات مغربية ضمن برنامج خادم الحرمين للحج