في عصرية طربية جمعت محبي الشاعر الراحل ماجد بن سالم الحجري من شعراء ومؤدين لفن الرزحة وأبناء مجتمع بدية والمناطق المجاورة الذين استمتعوا بشعر الشاعر الراحل الذي صاحب فن الرزحة بأيقاعه المتناغم والذي صاحب ندوة "رحلوا وبقي الشعر" والتي جاءت لتقرأ سيرة الشاعر وتستذكر أشعاره التي لا زالت تغنى في ساحات الفنون الشعبية.

حيث احتضن حصن الواصل بولاية بدية ندوة شعرية بعنوان “رحلوا وبقي الشعر” لتكريم ذكرى الشاعر الراحل ماجد بن سالم الحجري، وذلك بحضور نخبة من الأدباء والمثقفين والمحبين للشعر في ولاية بدية أدار الندوة مقدم البرنامج الشاب ناصر بن عامر الحجري الذي أبدع في تقديم جزئيات من أشعار الراحل بطرق مختلفة شعراً وشلة ونشيد.

وألقى الدكتورناصر بن حمود الحسني، ممثلاً عن لجنة الندوات والمؤتمرات، كلمة استعرض فيها دور الجمعية في دعم الأدب والشعر والحفاظ على التراث الثقافي العُماني.

وتضمنت الندوة عدداً من المحاور، أبرزها ورقة بحثية قدّمها الدكتور هلال بن سعيد الحجري حول “أهمية التراث الشعبي في بدية وتدوينه، مع التركيز على الشعر الشعبي والقصص المحكية”، كما تم عرض ملالى مربوعة مسجلة للشاعر الراحل ماجد الحجري، واستعرض الشاعر مبارك بن مسلم السلطي في الورقة الأولى أهمية الشعر الشعبي ودوره في المحافظة على الموروث الثقافي ممثلاً للمجلس الأدبي للشعر والموروث الشعبي.

في حين تناول الباحث عبد الله بن سعيد الحجري الورقة الثانية والتي جاءت بعنوان “بيرق الشاعر ماجد المنشول” عرف فيها بالشاعر الراحل ماجد بن سالم بن علي بن عامر الحجري، والذي عرف آباؤه بالثراء والدين، ووالده الشاعر سالم بن علي بن عامر هو الذي شق فلج ود علي الذي لم يكتمل إنشاؤه، والذي كان مؤثرا في شخصية ماجد الشعرية، بالإضافة إلى نسب أمه.

وأشار الباحث الى ان بعض المهتمين قدر حياة الشاعر ولادته قرابة عام ١٢٥٠هـ / ١٨٣٥م وكانت وفاته في عام١٣٣٣هـ / ١٩١٥م تقريبا، إذ رجح الباحث أن ولادته كانت لاحقة بهذا التقدير بكثير؛ إذ أرى أن ولادته كانت ما بين عام ۱۲۷۰هـ إلى ۱۲۹٠هـ، وما يؤيد هذا التقدير هو أنه أدرك الشاعر عامر بن سليمان الشعيبي مطوع وكان ماجد حينها شابا صغيرا، والمطوع شاعر كبير في السن وقد اشتهر اسمه، ومن المعلوم أن ولادة مطوع كانت في عام ١٢٦٥هـ / ١٨٤٤م، ووفاته كانت في عام ١٣٢٦هـ / ١٩٠٨م؛ فلا يعقل أن يكون الشاعر ماجد أكبر من مطوع بتقدير ولادته الأول المؤرخ بتاريخ ب ١٢٥٠هـ، ويعضد هذا الرأي تلك الرواية المتواترة عن حضور عامر بن سليمان الشعيبي لرزحة أقيمت في الواصل، وكان يحاوره حينها شاب صغير حديث في ميادين شعر الرزحة، ويروى أن مطوع حينها أظهر شعريته الفائقة فظهر فارق التمكن من ناصية الشعر بين الشاعر الكبير المطوع والشاعر الصغير ماجد؛ مما استدعى تدخل والده سالم بن علي بن عامر الحجري وكان رجلا كبيرا ورعا ذا دين، وكان مختبئا في مكان مرتفع وقد منعه من دخول ميدان هذا الفن ورعه ومقامه الديني، غير أنه لم يجد بدا من التصدي لشاعر كبير كمثل مطوع.

وأوضح الباحث قائلاً : وبحسب حضور أحداث وشخصيات في شعره تعود لما بعد عام ١٣٣٦هـ فإنني أضع تقريبا لوفاته ما بين عامي ١٣٤١هـ إلى عام ١٣٥٠هـ ؛ إذ لو قلنا بولادته في عام ١٢٧٠هـ فتكون وفاته في النصف من القرن الرابع عشر؛ ومما يروى أنه عاش ٨٠ عاما وفي آخر حياته كف بصره كما يصرح هو في إحدى قصائده.

وبالنظر إلى نشأة الشاعر الشعرية أضاف الباحث الحجري قائلاً : فقد ذكرنا أنه والده شاعر كان شاعرا يجاري كبار الشعراء المعاصرين له، وبالإضافة إلى ذلك فإن والدته هي الوالدة الكريمة نجية بنت جمعة بن عامر بن حميد بن ضاوي بن عامر بن سمرة بن عامر الحجري، التي هي أيضا من أسرة أدبية عرفت بالشعر فهي ابنة جمعة بن عامر وكان شاعرا وأخوها حمد بن جمعه والد الشيخ راشد بن حمد بن جمعة قاضي الإمام الخليلي على بدية، وأخوها الآخر خميس بن جمعة وهو شاعر وأبناء هذه العائلة معروفون بشعريتهم في الذاكرة الجمعية للولاية.

نضيف إلى ذلك أن عمة الشاعر هي الكريمة سالمة بنت علي بن عامر الحجرية زوجة السلطان سالم بن ثويني (ت: ۱۲۸۲هـ / ١٨٦٦م)، ومن شعرها بعد أن زارها أهلها في الوطية وضعنوا عنها وكان بينها وبين السطان في ذلك الوقت جفوة:

مابا الوطية والمشام حذاية إن راح أبو سالم حسين الهاية

ومابا الوطية ومسكناً في الساحل وبنزور من خصره جبيب وناحل

ومابا الوطية ومسكنن في مهجر إن كان أبو سالم علي محير

وكانت تقصد بأبي سالم أبوها علي بن عامر الحجري جد الشاعر ماجد، وبحسب الرواية فإن السلطان كان يتنصت عليها وهي تنشد الأبيات؛ فقال لها ماذا تقولين:

فأجابت بحضور بديهة أقول:

مابا الوطية ومسكناً في مهجر

إن كان أبو سالم علي مخير

فغيرت الكلمة الأخيرة لتعاتبه على ما كان بينهما ويبدوا أن سبب الزعل زواجه بأخرى والله أعلم.

كما أشار الباحث إلى جيل ماجد الشعري قائلاً: يمكننا القول إن فترة حياة الشاعر ماجد الشعرية هي الفترة الذهبية للشعر الشعبي في ولاية بدية، فقد كانت هذه الفترة فترة ثقافية خصبة جدا تنوعت فيها مشارب الثقافات التي عاشت في الولاية التي كانت مقصد الناس من بقاع عمان بحكم حاضرتها العلمية والاقتصادية المنترب، فمع حركة علمية دينية مزدهرة ظهرت حركة أدبية شعرية فنية ألقت بأطنابها في الولاية فكانت الولاية تأم العلماء وفي ذات الوقت مقصد الشعراء بكل مجالاته سواء الشعر الفصيح أو الشعر الشعبي، بل وكانت تعقد فيها أماس وجلسات إنشادية، يستقبل فيها أدباء وشعراء من خارج الولاية ففي مستوى الشعر الفصيح كانت تستقبل الواصل والمنترب والجاحس في مجالس معينة شعراء وأدباء ينشدون الشعر، كمثل لقائهم الدوري الذي يستقبلون فيه الشاعر حمد بن سيف اليعربي الذي كان يزورهم وينشدهم أشهر القصائد الشعرية وعرفت سبلة العجم في المنترب بهذا المجمع، كما أن لقاءات شعرية شعبية كانت تعقد في بلدان بدية وخاصة الواصل تستقبل شعراء ورواة للشعر الشعبي؛ كل هذا ولد مجتمعا محبا للشعر وخاصة الشعبي منه لقربه من أفهام العامة ومداركهم.

ومن الشعراء المعاصرين للشاعر أيضا خويدم الذي ملأ شعره الأفواه ومثل ثلاث أثافي الشعر الشعبي في بدية بالإضافة إلى الشاعر ماجد والشاعر عامر بن سعيد، يضاف إليهم الشاعر مسعود بن راشد بن مسعود بن مصبح بن سهيل بن عامر بن سهيل الحجري الذي كان شاعرا حاضر البديهة يتميز شعره بالحكمة، وكذلك من المجايلين له الشيخ الفيلسوف الشاعر حمد بن مسلم بن عبيد الحجري، وغيرهم كثر.

وأكد الباحث ان ماجد بن سالم كان شاعر القرية والولاية بامتياز، فقصائده كانت تمثل بيئته ومجتمعه بكل تفاصيله: آدابه، لغته، معاناته، مناسباته، وكان في الوقت ذاته الممثل لولايته في الاحتفاء برجال الولاية وفي استقبال ضيوفها. وأضاف قائلاً : نلمس ذلك من خلال المساحة التي تعطى للشاعر ماجد ليعبر عن الاحتفاء والترحيب والإكرام بكل من يزور الولاية، وفي إحدى زيارات نادرة جدا لمشايخ جعلان بني بوعلي لولاية بدية وهم في طريقهم للقابل بدعوة من الشيخ صالح بن علي الحارثي، كان ماجد الشاعر مستعدا لاستقبالهم بقصيدته أو عزوته (يا بن معلى)، يقول في فيها:

یا بن معلى يا التمام ... ويا هالمشايخ ياكرام ... يا اهل المطالة والزحام

والمجد حاشوا من سنين

والمجد حاشوه من دهور... وأخبارهم بر وبحور... يا بن معلى يا الصقور

وعلى المعزة قايمين

وأشار الباحث إلى أن شخصية ماجد بن سالم الشعرية التي نتناولها لا أعتقد بأن فكرة إعادة بعثها وجمع شعرها جاءت بتلقائية أو من باب المصادفة، أو لأسباب تتعلق بالعلائق الاجتماعية والمكانية كونه من أهل الواصل؛ بل إن تناولها فرض نفسه في مرحلة زاد فيها وعي الشباب المهتم بالتراث الشعبي في الولاية، ولو قدر لندوة قبل هذه الندوة تتناول حياة شاعر شعبي في أي قرية من قرى بدية، فسيكون ماجد بن سالم هو محط الاهتمام ونقطة الارتكاز، وذلك لأسباب، من أهمها حضور شعرية ماجد بن سالم في الذاكرة الجمعية الشعبية بصورة لافتة أكثر من سواه، وهذا الحضور زاده ألقا ارتباط الشاعر بموطنه الواصل، فهو شاعرها الأول.

كما أنشد في هذه الندوة المنشد محمد بن ناصر الحجري نشيد بأحد أشعار الشاعر الراحل ماجد الحجري، إضافة إلى تقديم فرقة الشواهر للفنون بولاية الواصل شلة رزحة مباشرة بكلماته.

وفي الورقة الثالثة، قدّم الشاعران حميد بن سعيد الحجري وعبيد بن ناصر الحجري قراءة نقدية وتحليلية للأوزان والتفعيلات متطريقين الى الاغراض الشعرية لمختارات من أشعار الشاعر الراحل، أعقبها عرض مقاطع مصورة ومقصبات لشعره مع عرض مجموعة من الصور التذكارية.

واختُتمت الندوة بتكريم المشاركين وتوزيع الهدايا التقديرية، في مشهد عكس عمق المحبة والتقدير لشاعر أثرى الساحة الأدبية بنتاجه الشعري، مؤكدين بذلك أن الشعر يبقى خالداً رغم رحيل أصحابه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشعر الشعبی الشاعر ماجد الشعبی فی کان شاعر عامر بن بن سعید سالم بن فی عام حمد بن بن علی

إقرأ أيضاً:

لغة الانزياح وتعدد الأشكال الشعرية في مجموعة “الغسق المسافر”

يونيو 11, 2025آخر تحديث: يونيو 11, 2025

عبدالكريم إبراهيم

تُعد اللغة الشعرية أداة فاعلة في التعبير عن أفكار الإنسان وتجربته الوجدانية، إذ تُحوّل التجربة الذاتية إلى صور فنية مشبعة بالحياة والدلالة. فهي المرآة التي تعكس ذاتية الشاعر وقدرته على إعادة تشكيل الواقع ضمن فضاء تخييلي يحكمه الإحساس والعاطفة، ويُصبّ في قوالب أدبية خاصة.

في هذا السياق، تُقدّم مجموعة الشاعر العراقي جلال الشرع الموسومة بـ”الغسق المسافر”، والصادرة عن دار الورشة الثقافية للطباعة والنشر ببغداد عام 2025، نموذجًا حيًّا لتمكن الشاعر من توظيف اللغة الشعرية بما يعكس عمق التجربة وصدق التعبير، بغض النظر عن الشكل الفني الذي يتخذه النص

.لقد عُرف جلال الشرع بتعلّقه الشديد بـ”قصيدة البيت” (القصيدة العمودية)، التي يراها امتدادًا لتراث شعري عريق ينبغي الحفاظ عليه. وقد سخر في سبيل ذلك كل إمكاناته اللغوية، مؤمنًا بأن التجديد لا يكمن في كسر البناء التقليدي، بل في تطوير مضمونه وجمالياته من الداخل.غير أننا نلاحظ في “الغسق المسافر” تراجعًا نسبيًا عن هذا الالتزام الصارم، إذ ينفتح الشاعر على أشكال شعرية متعددة: القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر، في محاولة لتقديم صورة فسيفسائية للشعر، تعكس تعدد الرؤى وتنوع الأساليب.

وربما كان هذا التنوع “مجازفة” فنية محسوبة من شاعر لطالما عُرف بانحيازه لشكل شعري محدد، إلا أنه عوّض هذا التشتت النسبي بقدرة لغوية عالية وهيمنة بيانية على النص.ورغم هذا الانفتاح، ما زال تأثير مدرسة الجواهري واضحًا في قصائد جلال الشرع، خاصة في نصوصه العمودية، حيث تميل اللغة إلى المباشرة والتصريح، كما في قصيدة “الغسق المسافر” (ص21):

أكبرتُ مجدكَ فجرًا ساطعًا لهبًا

يعانقُ الشمسَ، الأفلاكَ والسُّحُبا

أو في قصيدة “الصمت المقدّس” (ص26):

الفجرُ يبزغُ، والضحى يترقرقُ

والليلُ ولّى، والصباحُ يُحلّقُ

وكذلك في “الفرح الآتي” (ص33):

جرحانِ في خَلَدي، والقلبُ يرتجفُ

جرحٌ عتيقٌ، تندى نبضَه نَزفُ

إن هذه النماذج تُبيّن أن الشاعر لم يغادر تمامًا بنية القصيدة التقليدية، بل ظلّ يرى فيها وسيلة للتجديد من داخل اللغة والصورة، لا من خلال الشكل فحسب.

أما عنوان المجموعة “الغسق المسافر”، فله دلالة رمزية تُحيل إلى تأملات وجودية حول مسار الحياة. فـ”الغسق” يشير إلى بداية حلول الظلام، بينما يوحي “المسافر” بحركة لا تتوقف، أو رحلة إلى مصير مجهول. من هنا يتشكل بعد سوداوي أو فلسفي يتأمل فيه الشاعر النهاية المحتومة للأشياء، دون أن يغفل عن التمسك بالأمل.ولعل أبرز ما يميز هذه المجموعة هو حضور الوطن في وجدان الشاعر، كقضية مركزية تتخلل النصوص وتمنحها عمقًا وجدانيًا، كما في قصائد: “نخلة الصبر” (ص94)، “هواجر الرمل” (ص98)، و”يا سيد المجد” (ص102):

آليتُ أن أرسمَ فوقَ الماءِ من صغري

حبَّ العراقِ، وعشقي لي كنفُ

أنت العراقُ بأنفاسي، وفي لغتي

وبينَ عينيَّ طيفٌ عانقَ الورقا

عراقُ يا رئةَ التاريخِ، يا قلقي

يا برءَ جرحي الذي أغوارُه السّقمُ

إنّ الشاعر في هذه النصوص لا يكتفي بوصف الوطن، بل يتماهى معه، ويجعل منه معادلًا موضوعيًا لحالاته النفسية من يأسٍ، وألم، وأملٍ دائم بالتجدد. ويتجلّى هذا في قوله:

أنا احتراقُ صراعٍ فيك يا وطني

أنت التحدي، وفي أثوابك السبعُ

أمطرْ سماءكَ صبحًا خيرُهُ بَلَلٌ

من كبرياءِ على هاماتهِ شُرعُ

يمثل جلال الشرع في “الغسق المسافر” صوتًا شعريًا يتحرك بين الأصالة والتجريب، متسلحًا بلغة شعرية متينة، وصور غنية، وانحياز وجداني حادّ نحو الوطن والإنسان. هو شاعر لا ينسى جذوره، لكنه لا يمانع في مغامرة تحليق حرّ في فضاء الشعر، بكل أشكاله وألوانه.

مقالات مشابهة

  • الشعر القصير خيار النجمات العربيات هذا الصيف
  • أول تعليق لـ الشاعر محمد رفاعي بعد حصوله على العضوية الدائمة من جمعية «ساسيم»
  • راشد عيسى: الشعر رسالة جمالية تنتصر للفكر الإبداعي وتتساءل عن هوية الإنسان
  • عادة بسيطة عند النوم قد تؤدي إلى الصلع
  • كيفية استخدام زيت إكليل الجبل لتقوية وإطالة الشعر .. 7 وصفات مختلفة
  • نقل ماجد المهندس إلى المستشفى بعد أزمة صحية مُفاجئة
  • لغة الانزياح وتعدد الأشكال الشعرية في مجموعة “الغسق المسافر”
  • «خير أم شر»؟.. تفسير رؤيا سقوط الشعر في المنام لابن سيرين
  • الإماراتية أريام تغني باللهجة الأردنية
  • الحوثيون: التصعيد قادم في العمق الإسرائيلي