مشاهد لا توجد إلا في غزة الصامدة
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
ما حصل خلال اليوم الأول من دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة يعتبر بكل المقاييس "حدثا تاريخيا"، رغم حجم الدمار واتساع رقعة القتل. وفي هذا السياق لا يمكن إنكار حالة اليأس التي خيمت على الغزاويين، خاصة خلال الأسابيع الأخيرة، نظرا لحجم المتاعب والمخاطر التي تعرضوا لها. لكن رغم ذلك، بقي في وجدانهم أمل يداعبهم بأن الله لن يتخلى عنهم.
يتمثل العامل الأول في الذخيرة الإيمانية التي يتمتع بها عموم أهل غزة. هذا عامل قد يقلل البعض من أهميته في التحليل السياسي والاستراتيجي، تجنبا للدخول في خطاب غيبي. لكن عندما تجد شعبا أعزل يواجه حملة تدمير رهيبة من قبل جيش بلا قلب ولا عقل، فماذا يمكن أن تقدم للمدنيين في قلب المعركة سوى الصبر والاعتماد على الذات وتذكيرهم بأن الله معهم ولن يخذلهم؟
الجانب السيكولوجي يلعب دورا كبيرا، خاصة خلال الأزمات الكبرى والقاسية، هو الذي يميز شخصا عن آخر وشعبا عن شعب
وقد كشفت أيام الحرب ولياليها لجوء هؤلاء رجالا ونساء وشيوخا إلى الله طالبين اللطف والحماية؛ سلاحهم الوحيد كان ولا يزال هو مزيد التمسك بخالقهم القادر على إنقاذهم، وهو ما جعلهم مضرب الأمثال في العالم، حتى أن بعض حاخامات اليهود يفسرون صمود الفلسطينيين بشدة إيمانهم بمصيرهم الذي لن يخرج عن احتمالين، إما الموت والشهادة، فيكون نصيبهم الجنة أو النصر. هذا الإيمان العميق والعجيب يفسر الأخبار التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، مما دفع بالعديد من الغربيين ليعلنوا إسلامهم -خاصة في أوساط النساء- بعد اطلاعهم على الكيفية التي تقبّل بها الغزاويون والغزاويات استشهاد أبنائهم وأزواجهم بطريقة فيها ألم كبير وحزن، ولكن فيه أيضا بعد غيبي عميق إلا من له استعداد لإدراك ذلك. فالجانب السيكولوجي يلعب دورا كبيرا، خاصة خلال الأزمات الكبرى والقاسية، هو الذي يميز شخصا عن آخر وشعبا عن شعب.
أما العامل الثاني فيتعلق بالبناء الأسري للعائلة الفلسطينية. هناك حالة من ارتباط الأبناء بآبائهم وأمهاتهم، وهو من ثمرات التربية المعتمدة بين الأجيال؛ قدرة على الكلام المشحون بالقيم والشجاعة والوفاء والتعلم. لهذا تجد الطفل يخاطب العالم بلغة تتجاوز سنه وتجربته في الحياة؛ طحنته المآسي والحروب، فسرّعت في عمره، وحملته مسؤوليات أحيانا فوق طاقته، وجعلته يواجه الحياة في قسوتها الشديدة قبل أن يصلب عوده؛ بعضهم يصاب بالارتجاج، ويصبح عرضة للأمراض النفسية الخطيرة، لكن الكثير منهم يتمتعون بقدرة عالية على التحمل والتجاوز.
لا شك في أن الرعب اليومي الذي عاشه سكان غزة قد خلّف آلاف الإصابات الجسدية والنفسية، خاصة في صفوف الأطفال، لكن ذلك زاد في تعزيز العلاقات الأسرية وعمق حالة التضامن بين الفلسطينيين.
صراع عسكري يعتمد على استعراض المادية، يقابله صراع مشاعر ورغبة في الحياة والبقاء والانتصار. والبقاء في مثل هذه المعركة ليست لمن هو أكثر سلاحا وفتكا، بل لمن يؤمن بأنه الأحق والأجدر بالبقاء على أرضه والتمتع بكرامته
العامل الثالث له علاقة بالعاملين السابقين، ويتمثل في ارتفاع نسبة التطوع والتضحية في صفوف الفلسطينيين، خاصة بين الشباب. هناك وعي مرتفع جدا بأهمية مساعدة الآخرين، والتضحية بالنفس إن لزم الأمر. والمجتمع الذي له هذا الفائض من الأفراد المستعدين لتسخير أنفسهم من أجل إسعاد الآخرين والتخفيف من آلامهم وأحزانهم، هو مجتمع يملك سلاحا استراتيجيا لا يملكه الآخرون، بمن في ذلك أعداؤهم.
ولعل العامل الرابع في هذا السياق، يتعلق بإرادة التحدي. فخطة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كسرت الحاجز النفسي الذي كان يفصل الفلسطينيين عن سجانيهم. وعندما أعلن نتنياهو عن أهداف الحرب التي ستشنها حكومته، تولدت في تلك اللحظة الإرادة المضادة. وانطلق منذ تلك اللحظتين صراع عسكري يعتمد على استعراض المادية، يقابله صراع مشاعر ورغبة في الحياة والبقاء والانتصار. والبقاء في مثل هذه المعركة ليست لمن هو أكثر سلاحا وفتكا، بل لمن يؤمن بأنه الأحق والأجدر بالبقاء على أرضه والتمتع بكرامته.
هذه بعض عناصر البنية النفسية لسكان غزة التي جعلتهم يرفضون التخلي عن أرضهم ومنازلهم بعد هدمها، ويترفعون عن الوعود التي قدمت لهم كتعويضات لهم في حال مغادرتهم الحدود التي تفصلهم عن بقية العالم. لهذا لم يكن مفاجئا أن يواصلوا التحدي، من خلال الالتفاف حول المقاومة، والانخراط فيها بقوة، والانضباط لتعليمات مؤسساتها المختلفة بما في ذلك المؤسسة الشرطية والمدنية. فكانت تلك الجموع التي ظهرت فجأة في قلب غزة المدمرة، وتلك المشاركة الشعبية الواسعة في عملية تسليم الأسيرات الثلاث.. مشهد لا يوجد إلا في غزة الصامدة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطينيين صراع المقاومة احتلال فلسطين مقاومة غزة صراع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
مطارات دبي تطلق خطة شاملة لتسهيل سفر 3100 حاج
أكدت مطارات دبي اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتسهيل رحلة الحجاج، من خلال إطلاق خطة شاملة في مطار دبي الدولي لتيسير مغادرتهم وعودتهم من المطار، وذلك في إطار التزامها بتوفير تجربة سفر سلسة خلال واحدة من أكثر فترات الذروة في العام.
ووفق بيان صحفي صادر أمس، فمن المقرر أن يغادر نحو 3100 حاج هذا العام من مطار دبي الدولي على متن 28 رحلة تشغلها كل من طيران الإمارات، وفلاي دبي، والخطوط الجوية السعودية وفلاي ناس، ومن المقرر أن يغادر الوفد الرسمي لحكومة دبي على متن أول رحلة حج رسمية من المبنى 3 في الأول من يونيو الجاري.
ولضمان تجربة سلسة ومنظمة، قامت مطارات دبي، بالتعاون مع شركائها الاستراتيجيين ضمن مجتمع المطار «oneDXB»، بما في ذلك القيادة العامة لشرطة دبي، والإدارة العامة للهوية وشؤون الأجانب في دبي، وجمارك دبي، ومؤسسة دبي لخدمات الإسعاف، ودناتا، وشركات الطيران، باتخاذ عدد من الإجراءات، منها: تخصيص كاونترات لإتمام إجراءات السفر في المباني 1 و2 و3، وتوفير غرف للصلاة ومرافق لتغيير الملابس في جميع المباني استعداداً للإحرام، مع الحرص على توفير الدعم اللازم للحجاج من قبل سفراء تجربة الضيوف الناطقين بعدة لغات، إضافة إلى مكاتب خاصة بلجنة الحج، وتخصيص أحزمة أمتعة لضمان التعامل الآمن مع عبوات مياه زمزم.
وأكد عيسى الشامسي، نائب رئيس أول لعمليات مباني المسافرين في مطارات دبي، الالتزام بضمان مغادرة كل حاج وهو يشعر بالثقة والاطمئنان، وعودته إلى أرض الوطن بيسر وسهولة، من خلال الجهود الدؤوبة للفرق وتكاتف مجتمع مطار دبي الدولي.
ومن المتوقع أن يعود الحجاج بين 9 و12 يونيو المقبل، حيث تم إعداد ترتيبات خاصة لاستقبالهم تتضمن دعماً منسقاً للأمتعة، وتقديم هدية رمزية تعبيراً عن التقدير. ويتزامن موسم الحج هذا العام مع ذروة موسم السفر الصيفي وعطلة عيد الأضحى المبارك، ما يُتوقع معه زيادة ملحوظة في حركة المسافرين عبر مطار دبي الدولي. (وام)