الكاتب الصحفي محمد شعبان، صاحب القلم الرصين والباحث الدؤوب، يواصل رحلته المتعمقة في استكشاف خبايا التاريخ عبر أحدث إبداعاته «أروقة دولة بني العباس.. حكايات الناس والشوارع».

بأسلوبه المميز، الذي يجمع بين الدقة الأكاديمية والسرد المشوّق، ينجح «شعبان» في إماطة اللثام عن زوايا خفية لم يطرقها أحد في العصر الحالي، كاشفا النقاب عن تفاصيل الحياة اليومية في شوارع وأسواق الدولة العباسية، وكأنما يعيد رسم المشهد بكل نبضه وحيويته.

كعادته دائما، ينقب ويفتش وينهل من بطون الكتب، ليستخرج درر المعرفة وكنوز الحكمة، يغوص في أعماق الحروف، يجوب أروقة الفكر، يطارد خيوط المعاني المتناثرة، يجمعها كما يجمع النحل رحيق الأزهار، فلا يترك سطرًا إلا وتأمله، ولا معنى إلا واستوعبه، ولا حكمة إلا وأمعن فيها النظر.

يطوي الليالي بين دفتي كتاب، يستنطق الصفحات الصامتة، يعيد تشكيل الكلمات في ذهنه، حتى تصير صورة متكاملة، ثم ينثرها في حديثه مدادا من نور، فتفيض كلماته علما، وتتوهج أفكاره معرفة، كأنما استعارت بريقها من مشكاة العقول النابغة عبر العصور.

يمتلك «شعبان» مهارة استثنائية في التنقيب بين صفحات التاريخ، مستخرجا من المصادر القديمة والمخطوطات المهترئة ما يُعيد تشكيل الماضي برؤية جديدة، تجمع بين التحليل العميق والطرح السلس، الذي يصل إلى القارئ بسهولة وعمق في آنٍ، إذ يأتي كتابه الجديد كجزء من مشروع متماسك طموح في إعادة قراءة التاريخ الإسلامي برؤية معاصرة، حيث يغرق في تفاصيل لم تحظَ بالاهتمام الكافي من قبل، ويقدّمها بأسلوب يجمع بين الأصالة والجدة.

ويشارك محمد شعبان بهذا العمل الفريد في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، ليضيف إلى المشهد الثقافي إسهاما جديدا يثري الوعي بالتاريخ، ويمنح القارئ فرصة فريدة لاكتشاف الجوانب الإنسانية للحضارة العباسية، بعيدا عن السرد التقليدي للأحداث السياسية والعسكرية.

يقدم الكتاب استعراضا شيقا ومتعمقا للحياة في الدولة العباسية، من زوايا لم تحظَ بالاهتمام الكافي في 18 فصلا، إذ يأخذ القارئ في رحلة عبر أروقة المدن ليكشف عن التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها تلك الحقبة.

يبذل الكاتب في هذا الكتاب جهدا مميزا لاستعراض تفاصيل دقيقة وشاملة عن العصر العباسي، مسلطا الضوء على محطات مهمة في تاريخ الدولة، من بداياتها وحتى سقوطها، دون إغفال أي جانب من الجوانب السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، فمنذ سقوط الدولة الأموية عام 750م، بدأ العباسيون في إرساء أسس حكمهم، ما أدى إلى تغيرات واسعة شملت مختلف المجالات.

ويبرز الكاتب كيف تأثرت الحياة اليومية بهذا التحول، موضحا كيف امتزجت الثقافات المتنوعة بالثقافة الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى ظهور اتجاهات فكرية وسياسية جديدة، أحدثت حالة من الجدل داخل المجتمع العباسي، وتسببت في تداعيات مستمرة عبر العقود التالية.

باحترافية محكمة يُفرد مساحة لمناقشة اهتمام الخلفاء بالعلوم والمعرفة، مسلطا الضوء على البعثات العلمية التي أوفدوها إلى خارج حدود الدولة لجلب الكتب النادرة واستكشاف الممالك المجهولة، في إطار سعيهم لتطوير الدولة وتعزيز مكانتها العلمية والثقافية.

لا يغفل «شعبان» الأوضاع الاجتماعية، إذ يتناول تفاصيل الحياة اليومية للعباسيين، حيث ازدهرت مظاهر الترف واللهو، فانتشرت الحانات ومجالس الغناء التي جذبت فئات واسعة من المجتمع، من المغنين والراقصين وحتى عامة الناس الذين وجدوا فيها ملاذا يهربون إليه من ضغوط الحياة.

وفي المقابل، يستعرض معاناة الطبقات الفقيرة التي واجهت ظروفا معيشية قاسية، ما أدى إلى اضطرابات أمنية واجتماعية كبرى، انعكست في شكل حركات تمرد، ومحاولات استقلال عن الدولة في مناطق متعددة.

ومن هنا، يوضح الكتاب كيف تعاملت الخلافة مع هذه التحديات، حيث واجهتها بالقوة في بعض الأحيان، بينما لجأت في أوقات أخرى إلى أسلوب العفو السياسي لتوطيد الحكم واستيعاب المعارضين.

ببراعة، يرصد تفاصيل أحوال مدينة دمشق تحت الحكم العباسي، موضحا كيف تفاعل سكانها مع التغيرات التي طرأت عليها بعد أن فقدت مكانتها كعاصمة للدولة الإسلامية، وهو الأمر الذي دفع بعضهم إلى الانخراط في حركة مقاومة سلبية تُعرف باسم «النابتة»، التي ظهرت كرد فعل على سياسات العباسيين.

ويُبرز أيضا كيف استطاع العديد من الشعراء أن يحولوا قصائدهم إلى أدوات لمعارضة السلطة، حيث نظموا أبياتا عبرت عن مشاعر الغضب والرفض، بل ونجحوا في أحيان كثيرة في تأجيج الثورات التي أربكت جيوش الدولة واحتلت بعض المدن.

وفي إطار تحليل أعمق، يتطرق الكتاب إلى كيفية تعامل الخلفاء العباسيين مع هذه التهديدات، متبعين سياسة الجمع بين الحزم والعفو، حيث أطلقوا سراح الكثير من المعارضين بهدف كسب ولائهم وتجنب المزيد من الاضطرابات.

وفي الجانب الثقافي، يُسلط الباحث الضوء على «القُصّاص» الذين انتشروا في شوارع المدن، حيث كانوا يروون القصص والأساطير للناس، لكن دورهم لم يقتصر على الترفيه فقط، بل امتد ليشمل التأثير في الأحداث السياسية والاجتماعية، خاصة في أوقات الأزمات والفتن.

ويعرض الكتاب تأثير الثقافات الوافدة التي انعكست في انتشار الحانات ومجالس الطرب، والتي تحولت إلى أماكن يقصدها الناس للراحة من أعباء الحياة اليومية.

ويبحث «شعبان» في مظاهر الرفاهية المتزايدة التي شهدها العصر العباسي، لافتا إلى تنوع مظاهر اللهو والترف بين الخلفاء، وفقا للظروف السياسية والاقتصادية السائدة.

ويرصد كذلك نشأة ما يُعرف بـ«المُجّان»، وهم جماعات من الشعراء والشباب الذين اتخذوا من اللهو والمجون نهجا لحياتهم، وهو ما دفع بعض الفئات إلى مواجهتهم تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل وبلغت المواجهات حد العصيان على السلطان.

وفي إطار تحليله للأوضاع القانونية والاجتماعية، يتناول المؤلف ببراعة، دور «مجالس المظالم»، تلك التي كانت تعقد للنظر في الشكاوى التي لا يمكن للقضاء العادي التعامل معها، حيث كان الخلفاء يتدخلون شخصيا لإصدار الأحكام، ما منحها سلطة استثنائية لم تنلها أي هيئة أخرى.

الكتاب يُقدم رؤية واضحة حول سياسة الإقطاع التي انتهجها العباسيون، إذ عمدوا إلى منح الأراضي للقادة والجنود لضمان ولائهم وحماية حدود الدولة من الأخطار الخارجية، كما سعت هذه السياسة إلى تشجيع الناس على الاستقرار في الأراضي الجديدة.

وبجهد بحثي دقيق، يتناول الكاتب أحوال الأسرى المسلمين في بلاد الروم، متناولا عملية التفاوض لفك أسرهم وفقا للظروف السياسية، وكيف أثرت هذه القضية على العلاقات بين الدولتين الإسلامية والبيزنطية.

ويُسلط الضوء على الصراع المذهبي بين العباسيين والفاطميين، الذي اتخذ طابعا فكريا من خلال تأسيس «المدارس النظامية» لنشر المذهب السني ومواجهة الفكر الشيعي.

يستعرض أيضا حركة البعثات العلمية التي أرسلها الخلفاء بهدف تعزيز المعرفة واستكشاف عوالم جديدة، مسلطا الضوء على أهدافها المتنوعة التي لم تقتصر على المعرفة فحسب، بل امتدت لتشمل المصالح السياسية والاقتصادية.

يُبرز الكاتب دور «درب زبيدة»، الطريق الشهير الذي اهتم به العباسيون لنقل الحجاج إلى مكة والمدينة، مع التطرق إلى الطقوس الخاصة التي اعتاد أهل بغداد على ممارستها في العطلة الأسبوعية التي خصصتها الدولة لهم، ويناقش ظاهرة هجرة العراقيين إلى مصر خلال فترات مختلفة من العصر العباسي، حيث لعب العراقيون دورا مهما في تشكيل المشهد الثقافي والاجتماعي هناك.

وفي الختام، يضع الكاتب بين أيدينا وصفا دقيقا للأيام الأخيرة للخلافة العباسية، متتبعا الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى سقوط بغداد في يد المغول، مسلطا الضوء على المعطيات التي مهدت لهذه النهاية الحتمية بعد قرون من الحكم.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الدولة الإسلامية الحیاة الیومیة

إقرأ أيضاً:

الأردن والعراق وسوريا.. تحالف جيولوجي يكشف خبايا الصفيحة العربية

تخيل أن الأرض بحجم التفاحة، في هذه الحالة ستكون القشرة الأرضية بحجم قشرة التفاحة الرقيقة، لكنّ هناك اختلافا، فقشرة الأرض مقسمة إلى "صفائح تكتونية" متداخلة كما تتداخل قطع الأحجيات الورقية التي يطلب منك تجميعها للحصول على صورة جميلة.

الصفائح التكتونية هي قطع ضخمة من صخور القشرة الأرضية تطفو فوق طبقة منصهرة جزئيا تُسمى "الوشاح". تتحرك هذه الصفائح ببطء بسبب تيارات حرارية في باطن الأرض، وقد تصطدم أو تبتعد أو تنزلق بجانب بعضها، وتسبب حركتها الزلازل والبراكين وتُشكّل الجبال والمحيطات على مدى ملايين السنين.

ومن ضمن هذه الصفائح توجد "الصفيحة العربية"، ومن اسمها يتضح موضعها، فهي كتلة ضخمة من القشرة الأرضية تتحرك ببطء إلى الشمال الشرقي، وتشكل جزءا كبيرا من منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك شبه الجزيرة العربية والأردن وسوريا والعراق، ويؤدي تحركها وتفاعلها مع الصفائح المجاورة إلى نشوء ظواهر طبيعية مهمة مثل الزلازل، وتكون السلاسل الجبلية، كما تلعب دورا رئيسيا في تشكيل الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز في المنطقة.

وخلال دراسة نشرت بدورية "مارين آند بيتروليوم جييولوجي"، اقتحم فريق بحثي دولي الصمت الظاهري لمناطق مهمة بتلك الصفيحة، وبتعاون بين علماء علوم السطح وباطن الأرض من السعودية والأردن وبريطانيا، قرأ العلماء لغة الطبقات والصخور والصدوع في باطن الأرض، ليتمكنوا من بناء نموذج زمني دقيق لطبقات الصخور الممتدة من أواخر العصر الطباشيري (أي منذ حوالي 100 إلى 66 مليون سنة) إلى الإيوسين (الذي بدأ قبل نحو 56 مليون سنة واستمر حتى حوالي 34 مليون سنة مضت).

القشرة الأرضية تتكون من حوالي 20 قطعة تتداخل فيما بينها كما تتداخل قطع الأحجيات الورقية (ويكميديا)4 أدوات تحليلية

واستعان الباحثون في دراستهم بـ4 أدوات تحليلية، هي بيانات بيوستراتيغرافية "أعمار الأحافير"، ونسب الكربون والأكسجين والسترونشيوم، إلى جانب بيانات زلزالية وسجلات آبار النفط، لبناء هذا النموذج الذي أعاد كتابة تاريخ الصفيحة العربية.

إعلان

وتساعد البيانات البيوستراتيغرافية على دراسة توزع الأحافير وترتيبها داخل طبقات الصخور، حيث تستخدم أعمار الأحافير كدلائل زمنية تساعد العلماء على تحديد عمر الطبقات الصخرية ومقارنتها بين مناطق مختلفة، فالأحافير التي تعود إلى فترات زمنية معروفة تتيح معرفة متى تكونت كل طبقة صخرية، وهذا أمر مهم لبناء تسلسل زمني دقيق.

أما نظائر الكربون والأكسجين والسترونشيوم، فهي طريقة تعتمد على تحليل النسب المختلفة لهذه النظائر داخل المعادن والصخور، ويعكس ذلك ظروف المناخ والبيئة التي سادت في تلك الفترات، كما يساعد في تحديد الفترات الزمنية بدقة، لأنها تتغير وفقا لمراحل زمنية محددة في التاريخ الجيولوجي، وبالتالي فإن تحليل هذه النسب يمكن أن يوفر توقيتًا دقيقًا لتغيرات الصخور عبر الزمن.

وتتيح البيانات الزلزالية تسجيل الموجات الزلزالية التي تمر عبر الأرض بعد توليدها بواسطة مصادر اصطناعية أو طبيعية، ويساعد ذلك في تكوين صور ثلاثية الأبعاد لتركيب الأرض تحت السطح، وتحديد مواقع طبقات الصخور والصدوع والتجاويف، مما يساعد في فهم البنية الجيولوجية تحت سطح الأرض بشكل دقيق.

وأخيرا، فإن بيانات سجلات آبار النفط تُجمع من خلال أجهزة قياس توضع داخل آبار النفط والغاز، وتقيس خصائص الصخور مثل كثافتها وتركيبتها المعدنية وخصائصها الفيزيائية والكيميائية، وهذه المعلومات تساعد في تعميق فهم التكوينات الصخرية والطبقات الجيولوجية.

حدود الصفائح التكتونية (الجزيرة+وكالات)ماذا وجد الباحثون؟

وباستخدام هذه الأدوات التحليلية، توصل الباحثون إلى أن الأردن، قبل نحو 95 إلى 90 مليون سنة، وتحديدا خلال المرحلة الوسطى من العصر الطباشيري، شهد فترة من الهدوء التكتوني النسبي، وخلال تلك المرحلة بدأت طبقات الصخور الرسوبية تترسب بهدوء، وكانت سماكتها تزداد تدريجيا كلما اتجهنا شمالا وشمال غرب البلاد.

لكن هذا الاستقرار لم يدم طويلا، فمع نهاية تلك المرحلة الهادئة، وتحديدا في الفترة الواقعة بين نهاية المرحلة الوسطى وبداية المرحلة المتأخرة من العصر الطباشيري، أي قبل نحو 89 إلى 83 مليون سنة، تعير المشهد الجيولوجي بشكل جذري، حيث بدأت الأرض في التشقق والتمدد، وظهر ما يعرف اليوم بمنخفض "الأزرق-حمزة" في شرق الأردن، وهو صدع ضخم يمتد من شمال غربي البلاد حتى جنوب شرقها، ليصل إلى وادي السرحان داخل الأراضي السعودية.

وتقدر الإزاحة الرأسية للصخور داخل هذا المنخفض بحوالي 1800 متر، مما يعد رقما مذهلا يدل على قوة وشدة الحركات الأرضية التي شهدتها المنطقة في ذلك الزمن الجيولوجي العنيف.

ويوضح الباحثون في دراستهم أن "هذا المنخفض ليس فقط مفتاحا لفهم تاريخ الأردن التكتوني، بل هو جزء من منظومة متصلة تشمل منخفض الفرات في سوريا وسنجار في العراق، فهذه البُنى تمتد كأنها صدع طويل يروي قصة تشوه الصفيحة العربية من الأطراف إلى القلب".

سلسلة جبال زاغروس الممتدة بين إيران والعراق وجنوب شرق تركيا (غيتي)تشابك المصاير التكتونية

وما حدث في الأردن وسوريا والعراق ليس بمعزل عن أماكن أبعد، كعُمان وإيران، وهذا ما كشفت عنه هذه الدراسة أيضا.

إعلان

فبينما كانت منطقة الأزرق في شرق الأردن تشهد حركة تمدد للقشرة الأرضية، أي إن الصخور كانت تتباعد وتتشقق نتيجة لقوى داخلية، كانت المنطقة الواقعة إلى الشرق، وتحديدا إيران وعُمان، تمر بعكس ذلك تماما، وهو ضغط شديد أدى إلى تصادم صفائح قارية ضخمة.

ووفقا للدراسة، فإنه في تلك الفترة من العصر الطباشيري بدأت "الصفيحة العربية" تتحرك ببطء نحو الشمال الشرقي، حتى اصطدمت مع "الصفيحة الأوراسية" التي تحمل مناطق مثل إيران وأجزاء من آسيا.

وهذا التصادم العملاق أدى إلى ما يُعرف جيولوجيا بظاهرة "الطمر والانزلاق القاري"، وهي عملية تندفع فيها إحدى الصفائح تحت الأخرى، ونتيجة لهذا الاصطدام والانزلاق تشكلت سلاسل جبلية شاهقة مثل جبال زاغروس في إيران، كما تكونت أحواض رسوبية ضخمة، وهي مناطق انخفض فيها سطح الأرض وتجمعت فيها كميات هائلة من الطين والرواسب العضوية، فأدى ذلك لاحقا إلى تشكيل احتياطيات ضخمة من النفط والفوسفات.

من المعرفة إلى الوقاية

ويقول الدكتور شريف الهادي رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر -لم يشارك بالدراسة- للجزيرة نت: "نستطيع أن نقول باختصار إن ما حدث في الأردن من تمدد جيولوجي كان جزءا من لوحة تكتونية أوسع، فيها مناطق تتوسع وأخرى تنضغط في آن واحد، وكل ذلك نتيجة حركة الصفائح الأرضية الكبرى التي لا تزال تشكل ملامح كوكبنا حتى اليوم".

والدراسة بهذه النتيجة ليست مجرد بحث في الماضي، بل هي خريطة لفهم الحاضر واستشراف المستقبل، سواء من حيث استثمار الثروات، أو الحد من المخاطر الطبيعية، كما يوضح الدكتور الهادي.

ويضيف أن "فهم كيف وأين تشكلت أحواض الرسوبيات الغنية بالنفط والغاز والفوسفات، ومعرفة أن حركات الطمر والانزلاق أدت إلى تشكل هذه الأحواض، يمكّن فرق التنقيب من استخدام هذه المعرفة لتحديد المناطق الواعدة للاستخراج، ومن ثم يوفر الوقت والمال في أعمال الحفر والمسح الجيولوجي".

ويوضح "كما أن فهم كيف تكونت الصدوع مثل صدع (الأزرق-حمزة) يساعد العلماء والمهندسين على تحديد المناطق الأكثر عرضة للزلازل والهزات الأرضية، وهذا مهم لتخطيط المدن، وتصميم المباني والبنية التحتية لتكون أكثر أمانًا في المستقبل".

وتسجل تلك المنطقة زلازل ذات طاقة منخفضة نسبيا، إلا أن ازدياد وتيرتها في الفترة الأخيرة، حتى إن لم يشعر بها السكان، يعتبره العلماء "إنذارا صامتا" يشير إلى أن الصخور تُعيد ترتيب نفسها ببطء، وأن الطاقة التكتونية تتراكم، وقد تنفجر في زلزال ضخم مثل زلزال حلب عام 1138 أو زلزال البحر الميت عام 1927.

ولأن الهزات الكبرى قد تسبقها زلازل خفيفة، بدأت مراكز الرصد الجيولوجي في الدول الثلاث بالعمل على نماذج تنبئية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل أنماط الزلازل الصغيرة، واستشراف احتمالات وقوع زلازل أكبر في المستقبل، ومثل هذه الدراسات تساعد في بناء تلك النماذج، كما يؤكد الدكتور الهادي.

مقالات مشابهة

  • الدبيبة يلتقي الكاتب «محمود البوسيفي» ويبحث دعم الإعلام الوطني وترسيخ حرية التعبير
  • الفظائع التي لن ينساها التاريخ
  • محمد معيط: الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة من أكبر التحديات التي تواجه الدولة
  • الأردن والعراق وسوريا.. تحالف جيولوجي يكشف خبايا الصفيحة العربية
  • بأعلام مصر.. مظاهرة دعم وتأييد للقيادة السياسية بمؤتمر الجبهة الوطنية بالجيزة
  • كامل إدريس يصدر قراراً بتعيين خمسة وزراء جدد وثلاثة لـ”الدولة”
  • القصير من الإسكندرية: كلنا خلف القيادة السياسية.. ومصر أولًا وفوق كل اعتبار
  • محمد أبو العينين: الشعب لديه وعي بكل المخططات التي تدار ضد الدولة
  • معاون وزير السياحة والآثار يكشف محتوى منصة egytap للتدريب
  • لماذا تكره القبائل التي تشكل الحاضنة العسكرية والسياسية للجنجويد دولة 56؟