حسين خوجلي يكتب: أسدٌ وصقرٌ ورتبة
تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT
نحن من نفر يوقر كريم الحيوان، وهم من نفر يغتالون كريم الإنسان. وقد ورد في المستطرف السوداني أن شيخ العرب نزل يوماً بسوق القضارف فوجد غلبة من الناس من بينهم أجانب من وراء الحدود يحيطون بشبل أسد صغير، جاء به هؤلاء الأغراب من غابة قريبة، جوار مشروع زراعي كانوا يحصدونه، وقد أفلت الشبل من عرين أبويه الأسد واللبوة وهام بالغابة حائراً، فألتقطوه كما التقط السيارة يوسف، وعرضوه بثمن بخس في سوق المدينة.
أناخ شيخ العرب ناقته الورقاء حين سمع الضجة، وسأل عن الأمر فأجابوه، فقال للأغراب: سأمنحكم ضعف ما تطلبون ثمنا للشبل، ولكن عندي شرط، هو أن تردوه وتطلقونه حراً في غابته، وهذا مني نصف الثمن، وعندما تعودون تأخذون النصف المتبقي.
وقبل أن يحملوه بعد أن ارتضوا الصفقة، حمله شيخ العرب بين ذراعيه وأحتضنه في دفء وحنان، وهو ذات الدفء الذي يحتضن به شعبنا شهدائه وقادته من القوات المسلحة والمقاومة الشعبية والمستنفرين وقدامى المحاربين وأهل الثارات النبيلة. وخاطبه في وداد واحترام:
*في سُوق القضارف جابوك درادِر وضيعهْ*
*وأمك في الحريم ماها المرا السِمِيعهْ*
*ونترةْ ناس أبوك ال للقلوب لِوِيعهْ*
*وإت كان كِبِرْ جنباً تقِلب البيعهْ*
مرت بخاطري هذه الحكاية الشهيرة وانا اقرأ الإعلان الذي أصدرته الادارة الأمريكية بقيادة الديمقراطيين المغادرين -غير المأسوف عليهم- في الساعات الاخيرة من حياتها، بإنزال عقوبة على الرئيس والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان عبد الرحمن، ومن قبله رفيق دربه في الكفاح والسلاح الفريق أول ميرغني ادريس سليمان، وقد نالا العقوبة الإمبريالية قلادة شرف وهما يدافعان عن شعبهما بالفكرة والدم والساعد والسلاح.
وقد أغراني هذا الموقف أن أقترح لقيادة هيئة الأركان بكامل عضويتها والمجلس السيادي بكامل عضويته بأن يصدروا قراراً يقضي بإضافة علامة (أسد) بجوار كل علامة صقر تزين كتف رتبة فريق نال شرف العقوبات الجائرة وهو يقف تحت الشمس مدافعاً ومنافحاً عن بلاده في معركة الكرامة، التي سنستعيد بها بلادنا شبراً شبراً، وسنلقي بالعملاء والمرتزقة وسادتهم الى الأبد في مزبلة التاريخ.
حسين خوجلي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (نحن…)
ونرسم السودان الراحل وكأننا نحتفظ بصورة للمرحوم.
وشرق فندق وسط الخرطوم كان مبنى صغير له باب صغير هو صحيفة (الرأي العام).
وكل صباح وأمام الباب يضع (الولد) مائدة حديدية لها سطح مستدير، ومن حولها ست كراسي خيزران.
وكل صباح يأتي الشيوخ الستة ومنهم سكرتير الرياضة في أفريقيا، ويجلسون… وقليلاً ما يتحدثون.
(وأبطال عرس الزين ــ الطيب صالح ــ راقدين على ظهورهم في الليل أمام دكان الطاهر ود الرواسي، كانوا يظلون صامتين. وفجأة يقول واحد منهم بخفوت:
فلان… زول مطموس.
والآخرون يسمعون وقد عرفوا… والغريب وحده هو الذي لا يعرف من هو فلان ولا لماذا هو مطموس).
مثلهم كان الجلوس أمام باب الصحيفة هناك.
ونعبر من هناك والزمان يعبر.
ويوماً نرى أحد المقاعد فارغاً… (صاحبه مات).
وشهور قليلة ونرى مقعداً آخر فارغاً… وثالث.
لكن (الولد) يظل يضع المقاعد الست كل يوم في أماكنها حول التربيزة الحديدية…
ويوماً نرى من يجلس هناك وحيداً…
كان المشهد من أقسى ما شهدت…
وقفت أمام الرجل الصامت وبكيت. وبكيت… ولا الرجل قال لي شيئاً ولا أنا قلت له.
لكنا سودانيين.
(٢)
وفي أيام النميري… قمة أفريقية تُرتَّب. والقذافي يتصل برئيس الدولة التي تستضيف القمة ويقول:
أما أنا… وأما النميري…
ورئيس الدولة المضيفة يسمع القذافي حديثاً هو في عالم الدبلوماسية كومة من الشتائم…
والقذافي يرسل وزير خارجيته مكلفاً بمهمة واحدة… هي… الشوشرة على خطاب النميري.
والنميري يبدأ خطابه، ووزير القذافي يقاطعه ليصيح بأي حديث لا معنى له… وثانية… وفي الثالثة النميري يلتفت إلى حرسه ويطلب طبنجة… يتناولها ويضعها أمامه ثم يقول لوزير القذافي:
أقسم بالله… تفتح خشمك تاني إلا أديك طلقة في (……).
والوزير بعدها يقول:
حكيت للقذافي كل شيء وما قاله النميري، والقذافي قال لي:
ارجع… النميري دا بيعملها…
……
في الحديث قالوا:
النميري لم يكن اقتصادياً، ولا طبيباً، ولا سياسياً… لكنه ينجح في كل هذا بشيء واحد:
النميري كان شجاعاً…
آخر قال:
النميري أول من بعج مسألة تطبيق الشريعة، وأول من حطم أضخم حزب شيوعي في أفريقيا… ولولاه لكانت المحمودية الآن حزباً له نواب وأنياب.
إسحق أحمد فضل الله
إنضم لقناة النيلين على واتساب