السودان: ردود الأفعال حول أحداث الكنابي طبيعية أم خلفها أجندة خارجية؟
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
أثارت أحداث منطقة الكنابي في ولاية الجزيرة السودانية ردود فعل عنيفة بين السودان وجنوب السودان بعد مقتل عدد من المواطنين وتعرض آخرين للقتل وحرق المنازل..
التغيير: الخرطوم
“قتلوا (47) من أبناءنا في منطقة الكنابي بولاية الجزيرة بالسودان”، هكذا بدأت الدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي في دولة جنوب السودان، حيث شهدت العاصمة جوبا أعمال عنف أسفرت عن مقتل (2) سودانيين، فضلاً عن سرقات ونهب للمحال التجارية، بالإضافة إلى تهديدات ووعيد عبر المواقع الإلكترونية.
شرارة الأحداث التي تسببت في توتر العلاقات بين السودان ودولة جنوب السودان انطلقت بعد دخول الجيش السوداني إلى مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، واستعادتها من قوات الدعم السريع بعد عام كامل من النزاع.
وبعد دخول الجيش للجزيرة، أفادت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام عن وقوع مجزرة في منطقة الكنابي ضد مواطنين جنوبيين وسودانيين بتهمة دعم قوات الدعم السريع. وقد تم اتهام مليشيات “قوات درع السودان كيكل” و”كتائب البراء بن مالك الإسلامية” بالضلوع في ارتكاب المجزرة، بينما تباينت الأرقام المتعلقة بعدد الضحايا.
طريقة القتل البشعة، التي شملت الذبح ورمي المواطنين أحياءً في نهر النيل، بالإضافة إلى حرق بعضهم بالنيران، كانت الشرارة التي أشعلت فتيل الأزمة وأثارت ردود فعل عنيفة تجاه السودانيين في دولة جنوب السودان.
وفي بيان صدر عن مؤتمر الكنابي بتاريخ (9) يناير الحالي، أكد وقوع مجزرة في كمبو خمسة وكمبو طيبة شرق أم القرى، شملت حرق طفلين داخل المنازل، بالإضافة إلى اغتيال (6) أشخاص آخرين، واختطاف 13 امرأة برفقة رجل.
من جانب آخر، ذكرت مصادر في دولة جنوب السودان أن (16) مواطنًا جنوبيًا لقوا حتفهم في الأحداث المؤسفة.
أعمال عنفعلى خلفية أحداث الكنابي، اندلعت أعمال عنف ضد السودانيين في مدينة جوبا، أسفرت عن مقتل ثلاثة سودانيين، أحدهم كان يعمل طبيبًا، فيما أصيب عشرة آخرون بجروح مختلفة. كما تعرضت العديد من المتاجر للنهب والسرقة، بينما تعرض بعض السودانيين للضرب في الشوارع العامة.
تدخلت الشرطة في جنوب السودان، حيث قامت بنقل السودانيين إلى مقرات آمنة، ومنعت التجمعات الاحتجاجية التي كانت مقررة. وفي بيان صادر عن مكتب الرئيس سلفاكير ميارديت، شددت الحكومة على ضرورة عدم التعرض للسودانيين.
وفي وقت لاحق، تم إطلاق جسر جوي لنقل السودانيين الراغبين في العودة إلى مدينة بورتسودان، بينما دعا ناشطون في جنوب السودان إلى حملة تبرعات مالية لمساعدة مواطنيهم في العودة إلى بلادهم.
استمر الجيش السوداني في نشر صور وفيديوهات لأسرى جنوبيين كانوا يقاتلون إلى جانب قوات الدعم السريع، مؤكداً أن عددًا كبيرًا من المقاتلين في منطقتي بحري والجزيرة ينتمون إلى دولة الجنوب. وفي الوقت نفسه، اتهمت قيادات أهلية وناشطون في ولاية الجزيرة سكان منطقة الكنابي بارتكاب مجازر ضد أهلهم في السريحة والهلالية وغيرها، فضلاً عن سرقة المنازل والتعاون مع قوات الدعم السريع.
كان حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، أول من تحدث عن هذه التطورات، حيث أكد أن الضحايا كانوا من المواطنين العزل، واصفًا الدوافع بأنها انتقامية. وأضاف: “مهما كانت المبررات، فإننا لن نقبل بحدوث أي مجزرة جديدة في البلاد.”
أصدر مجلس السيادة السوداني بيانًا أعلن فيه عن تكوين مجلس تحقيق في أحداث منطقة الكنابي، حيث اتهمت جهات سودانية دولة جنوب السودان بالتواطؤ مع قوات الدعم السريع، متهمة إياها بتسهيل مرور السلاح والدعم، بالإضافة إلى غض الطرف عن تدفق آلاف المقاتلين الجنوبيين للقتال مع الدعم السريع.
من جانبها، استدعت حكومة جنوب السودان السفير السوداني في جوبا، الفريق عصام كرار، للاحتجاج على ما وصفتها بالانتهاكات التي ارتكبها الجيش السوداني بحق الجنوبيين. ووصفت حكومة الجنوب ما حدث في الكنابي بالمجزرة البشعة، متهمة الجيش السوداني بقتل مواطنيها، ودعت إلى تدخل دولي قانوني للتحقيق في الأحداث.
فرضية قائمةوفي تعليقه على الأحداث، قال عثمان عبد اللطيف، مدير مركز دراسات السلام، لـ “التغيير” إن فرضية وجود أيادي خارجية وداخلية في قضية الكنابي تظل قائمة، ويمكن فهم ذلك من خلال ردود الأفعال المبالغ فيها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في دولة الجنوب.
وأضاف: “هناك من يضخم الأحداث في قضية الكنابي بهدف زعزعة العلاقات بين البلدين، حتى يتمكن الدعم السريع من إقامة علاقات مع دولة الجنوب تسمح له بالانطلاق من أراضيها، بتأييد وسند شعبي بعد زرع الكراهية بين الشعبين.”
وأوضح عبد اللطيف أن تحريك دولة الجنوب لملف أبيي، المنطقة المتنازع عليها دوليًا، في الأيام الماضية قد يكون جزءًا من هذا الهدف.
كما لفت إلى أن الدعم السريع يبحث عن منفذ لإدخال السلاح والمرتزقة بعد أن أغلقت القوات المشتركة كافة الطرق الصحراوية مع تشاد وليبيا.
لا مؤامرةمن جانبه، استبعد الكاتب الجنوبي سوداني لادو آدم وجود مؤامرة للإيقاع بين الدولتين، قائلاً: “الإسلاميون دائمًا يحاولون الزج بأطراف خارجية في أي صراع. نظرية المؤامرة حاضرة عندهم كشماعة لأفعالهم وجرائمهم التي عايشناها في الدولة القديمة، ولازالت أفعالهم مستمرة، آخرها فض الاعتصام بالقيادة العامة والحرب المستمرة منذ ما يقارب العامين.”
وأضاف آدم: “هؤلاء يحاولون تجيير الحقائق لصالحهم، ولكن لا يمكننا الاعتماد على لجنة مالك عقار حول حقيقة مجزرة الكنابي، حتى وإن أدت القسم عشرات المرات.”
وفيما يتعلق بالحديث عن المرتزقة، أوضح آدم أن المسؤولية القانونية للمرتزقة تقع على المستخدم لهم، قائلاً: “إذا كان الجيش السوداني يقول إن مرتزقة جنوبيين يقاتلون مع الدعم السريع، فجيش السودان نفسه لديه مرتزقة جنوبيين، مثل قوات الجنرال توبي مادوت واللواء توماس طيل، حلال عليهم، لكن حرام على الآخرين.”
وأشار آدم إلى أن عملية الارتزاق تتم بشكل فردي، وليست لها علاقة بحكومة وشعب الجنوب. لكنه حذر من أن إذا تمادى الجيش السوداني في جرائمه، فإن حكومة جنوب السودان سترد له الصاع صاعين. ورغم أنه أكد أن حكومة الجنوب لن تتدخل عسكريًا في السودان، إلا أنه شدد على أن لديها الكثير من الأوراق التي يمكن أن تستخدمها.
وأضاف آدم: “ما حدث قد يكون سحابة صيف بين الشعبين، ولكن إذا تكرر، فقد يؤدي إلى قطيعة بين البلدين. طالما أن الكيزان وكتائبهم موجودون، نتوقع أي شيء. لكن في النهاية، نتمنى أن تحل القضية في الإطار القانوني.”
الوسومأحداث الكنابي بولاية الجزيرة حرب الجيش والدعم السريع دولة جنوب السودانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: حرب الجيش والدعم السريع دولة جنوب السودان قوات الدعم السریع دولة جنوب السودان الجیش السودانی بالإضافة إلى دولة الجنوب فی دولة
إقرأ أيضاً:
حكومة موازية في نيالا.. ماذا تعرف عن خريطة نفوذ الدعم السريع في دارفور؟
في خطوة تصعيدية تنذر بتحولات كبرى في مسار الحرب السودانية، أعلنت قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، عن تشكيل حكومة موازية تعرف باسم "حكومة السلام "، تضم قوى سياسية وتحالفات مدنية.
الإعلان تم من مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، وهي من أهم معاقل الدعم السريع.
وأعادت الخطوة رسم المشهد السياسي والعسكري في السودان، وأثارت مخاوف من انقسام الدولة فعليا إلى كيانين متوازيين.
أولًا: خريطة السيطرة الميدانية لقوات الدعم السريع
دارفور.. القاعدة المركزية
تظهر آخر الخرائط الميدانية أن قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، تفرض سيطرة شبه كاملة على إقليم دارفور، وتمدد نفوذها في ولايات كردفان.
تعد دارفور القلب النابض لقوات الدعم السريع منذ بدء الحرب في نسيان/ أبريل 2023، ومع تصاعد العمليات العسكرية ضد الجيش السوداني، عززت قوات الدعم السريع سيطرتها على أربع من ولايات الإقليم الخمس: غرب، وسط، جنوب، وشمال دارفور، بينما لا تزال شرق دارفور متنازعًا عليها.
دارفور تحت السيطرة
وبحسب معهد دراسات الحرب الأمريكي (ISW)، تسيطر قوات الدعم السريع على معظم أراضي ولايات دارفور الخمس، لا سيما غرب ووسط وجنوب دارفور، بما في ذلك مدن رئيسية مثل الجنينة، زالنجي، وكبكابية.
في ولاية شمال دارفور، فرضت القوات حصارا خانقا على مدينة الفاشر، حيث لا تزال القوات الحكومية متمركزة، وتظهر صور أقمار صناعية صادرة عن منظمات حقوقية أن الدعم السريع نفذ عمليات تهجير وقتل جماعي خاصة في الجنينة.
تمدد استراتيجي نحو كردفان
في كردفان، بسطت قوات الدعم السريع نفوذها على مدينة الفولة في غرب كردفان، كما سجلت تقارير ميدانية توغلها في جنوب كردفان بالتنسيق مع قوات الحركة الشعبية شمال، مما يشير إلى محاولة السيطرة على الممرات المؤدية للنيل الأبيض وولايات الوسط ومع أن الجيش استعاد بعض النقاط الحيوية في شمال كردفان، فإن الدعم السريع يحتفظ بممرات دعم لوجستي مهمة عبر الصحراء.
هجمات بالطائرات المسيّرة في الشمال
أفادت مصادر أمنية أن الدعم السريع شن عدة هجمات بطائرات بدون طيار استهدفت منشآت في ولايتي نهر النيل والشمالية، من بينها منشآت قريبة من سد مروي ومطار دنقلا. ورغم أن هذه المناطق لا تشهد وجودًا ميدانيًا دائمًا للدعم السريع، فإن هذه الضربات تمثل رسائل استراتيجية لتهديد عمق سيطرة الجيش السوداني.
شبكة تفتيش ونقاط نفوذ غير رسمية
على الأرض، أنشأت قوات الدعم السريع شبكة من نقاط التفتيش في دارفور وكردفان، تستخدمها لفرض رسوم على المارة والتحكم في حركة المساعدات والإمدادات، ما يضفي طابع "الدولة داخل الدولة".
وقد وثقت منظمات إنسانية أكثر من 70 نقطة تفتيش نشطة تديرها قوات الدعم السريع خارج سلطة الدولة المركزية.
ثانيًا: مناطق النفوذ المحتمل للحكومة الموازية
نيالا.. العاصمة المؤقتة
إعلان الحكومة الموازية انطلق من نيالا، لتكون بمثابة مركز إداري وسياسي جديد للتحالف المدني-العسكري بقيادة الدعم السريع. المدينة توفر قاعدة آمنة نسبيًا للحكومة الناشئة نظرًا لسيطرة شبه تامة للدعم السريع عليها.
دارفور الكبرى كمجال نفوذ أولي
مع سيطرة قوات الدعم السريع الكاملة على معظم دارفور، من المتوقع أن تكون هذه الولايات الأربع هي نواة "الدولة الثانية" التي تسعى الحكومة الموازية إلى شرعنتها، من خلال تعيين حكام إداريين وإطلاق خدمات مدنية محدودة.
تحالفات سياسية داعمة
تشمل الحكومة الجديدة تحالفًا باسم "تحالف القوى الوطنية والمدنية"، من ضمنها قيادات منشقة عن قوى الحرية والتغيير، وبعض وجوه العملية السياسية السابقة مثل محمد حسن التعايشي. هذه التوليفة تسعى لتوفير غطاء مدني للحكومة بديلة.
تطلعات لضم مناطق جديدة
الحكومة أعلنت عن تعيين حكام في ولايات لا تخضع لسيطرة الدعم السريع مثل سنار والجزيرة، في محاولة لتوسيع نفوذها الرمزي نحو وسط السودان، رغم محدودية التواجد العسكري فيها.
رئيس المجلس الإستشاري لقائد قوات الدعم السريع د. حذيفة أبو نوبة: مستعدون لحكومة السلامع المزمع تشكيلها خلال ساعات .#تحالف_تاسيس #اعلان_المجلس_الرئاسي pic.twitter.com/QYWkkwIkGj — مركز رؤى الإعلامي (رؤى نيوزRMC) (@rmcsudan1) July 26, 2025
ثالثا: التأثير الداخلي والخارجي للحكومة الموازية
داخليًا: إدارة ميدانية في مناطق السيطرة
في دارفور وغرب كردفان، تسعى قوات الدعم السريع إلى تنظيم إدارة محلية تشمل توزيع المساعدات، الإشراف على الأسواق، والتحكم في الأمن الداخلي عبر ميليشيات موالية، في بعض المناطق، بدأ تعيين لجان مدنية تحت إشراف مباشر من قادة ميدانيين في الدعم السريع.
أزمة إنسانية متفاقمة:
تسببت العمليات العسكرية وتوسع الدعم السريع في موجات نزوح هائلة، خصوصًا من نيالا والجنينة، حيث تم تسجيل أكثر من 2.5 مليون نازح داخليًا من دارفور وحدها منذ بداية الحرب، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
انقسام فعلي للدولة:
إعلان الحكومة الموازية يعمق الانقسام السياسي، ويجعل من احتمال تقسيم السودان واقعا فعليا وليس فقط سياسيا، مع وجود حكومتين تدّعي كل منهما الشرعية والتمثيل الوطني.
جمهورية السودان
وزارة الخارجية
مكتب الناطق الرسمي وإدارة الإعلام
بيان صحفي
تشجب وزارة الخارجية وتدين بأشد العبارات ما ذهبت إليه مليشيا الدعم السريع الإرهابية بإعلان حكومة وهمية تزعم فيها توزيع مناصب حكومية لإدارة السودان في تغافل تام واستهتار بمعاناة الشعب السوداني الذي أذاقته… — وزارة خارجية جمهورية السودان ???????? (@MofaSudan) July 27, 2025
خارجيًا:
ردود فعل دولية متحفظة
الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية أعربوا عن قلقهم إزاء إعلان الحكومة الموازية، مؤكدين أن الحل السياسي الشامل هو المسار الوحيد المقبول. الولايات المتحدة وصفت الخطوة بأنها تهديد لوحدة السودان.
استقطاب إقليمي محتمل
الخطوة قد تؤدي إلى تموضع إقليمي جديد فهناك اتهامات مسبقة بتلقي الدعم السريع مساعدات عسكرية من دول مثل الإمارات، بينما يعتمد الجيش على دعم سياسي وعسكري من مصر ودول شرق أفريقيا.
تهديد للعملية السلمية
الحكومة الموازية نسفت فعليًا أي جهود لتوحيد المسار التفاوضي، خصوصًا تلك التي كانت تجري عبر وساطات سعودية وإفريقية. قد تؤدي الخطوة إلى تصاعد القتال، خاصة في مناطق التماس مثل شمال كردفان ودارفور الشرقي.
أعلنت مليشــ.ـيات الدعم السريع عن تكوين حكومة موازية لحكم المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، في خطوة تعد قفزة في طريق تقسيم السودان.
فاللهم احفظ السودان وأهله من شروروهم.#السودان_المنسي pic.twitter.com/2Kkydkg6jx — الھیئة العالمیة لأنصار النبي ﷺ (@SupportProphetM) July 27, 2025