السياق الفكري لطرح محمود محمد طه
مثّل المفكر السوداني محمود محمد طه (1909-1985) أحد أهم الشخصيات الإصلاحية في الفكر الإسلامي الحديث، حيث قدّم رؤية تجديدية تعتمد على مفهوم "الرسالة الثانية من الإسلام"، التي دعا فيها إلى تجاوز الأحكام الفقهية التقليدية نحو فهم روحاني وأخلاقي أكثر تحرراً، متماشياً مع مبادئ الحرية والعدالة والمساواة.

هذا الطرح جعله في مواجهة مباشرة مع القوى الدينية والسياسية التقليدية في السودان، مما أدى إلى إعدامه عام 1985 على يد نظام الرئيس جعفر نميري.

قراءة تحليلية لكتاب د. عبد الله الفكي البشير
يتناول د. عبد الله الفكي البشير في كتابه فكر محمود محمد طه من زاوية تاريخية وفكرية معمّقة، حيث يسلّط الضوء على الجوانب التالية:

السياق السياسي والاجتماعي الذي نشأ فيه طه، بما في ذلك تأثير الاستعمار البريطاني والاستقطاب بين التيارات الدينية والحداثية.
التحليل النقدي لتجربة الجمهوريين في السودان ودورهم في معارضة الأنظمة العسكرية والدينية.
إعادة قراءة مفهوم "الرسالة الثانية" في ضوء التحولات الفكرية الحديثة، خاصة ما يتعلق بمسائل الديمقراطية، حقوق الإنسان، والعلمانية.
الطرح في السياق السياسي الحالي
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على إعدام محمود محمد طه، نجد أن السودان لا يزال يعاني من الاستقطاب بين التيارات الإسلامية والعلمانية، مع فشل متكرر في تحقيق انتقال ديمقراطي مستدام. في هذا السياق، يمكن ربط أفكاره بعدة محاور مهمة:

الإصلاح الديني ومواجهة التطرف

في ظل صعود تيارات الإسلام السياسي، سواء في السودان أو في المنطقة عموماً، يبقى طرح طه حول تطوير الفقه الإسلامي باتجاه حقوق الإنسان والمساواة بالغ الأهمية.
نقده للجمود الفقهي والتقليد الأعمى لا يزال موضوعاً راهناً، خاصة في ظل استمرار الصراعات بين التيارات السلفية والإصلاحية.
العلمانية والسياسة

فكرة "التطور التدريجي" التي طرحها طه حول الشريعة الإسلامية يمكن أن تشكل جسراً بين دعاة الدولة المدنية والتيارات المحافظة، بدلاً من المواجهة الصفرية بين الإسلاميين والعلمانيين.
تجربة الحكم العسكري في السودان (سواء عبر نظام البشير أو غيره) أثبتت فشل استغلال الدين في السياسة، وهو ما كان طه يحذّر منه.
المرأة والحقوق المدنية

كان محمود محمد طه من بين أوائل المفكرين السودانيين الذين نادوا بمساواة المرأة بالرجل في الحقوق، وهو ما لا يزال نقطة خلاف رئيسية بين القوى المحافظة والتقدمية.
اليوم، مع بروز الحركات النسوية في السودان والمطالبة بحقوق أوسع، يمكن الاستفادة من قراءته لحقوق المرأة من منظور ديني غير تقليدي.
هل يمكن إحياء مشروع محمود محمد طه؟
إن استعادة مشروع محمود محمد طه اليوم تتطلب إعادة قراءة نقدية، بحيث لا يكون مجرد استدعاء تاريخي، بل إعادة بناء لمقولاته الفكرية ضمن سياقات حديثة، مثل:

استخدامه في تفكيك الخطابات المتطرفة التي تبرر العنف السياسي باسم الدين.
توظيف رؤيته عن "الإسلام الروحي" كبديل للصراعات الأيديولوجية بين التيارات الإسلامية والعلمانية.
تجديد الفكر الديني السوداني بحيث يتماشى مع التحديات المعاصرة، خاصة في ظل التحولات السياسية العميقة بعد ثورة ديسمبر.
يقدم كتاب د. عبد الله الفكي البشير إطاراً تحليلياً مهماً لفكر محمود محمد طه، لكنه يظل بحاجة إلى تفعيل داخل الحراك السياسي والثقافي السوداني. ففي ظل الأزمات الحالية، قد يكون استلهام طه – ليس كشخصية تاريخية، بل كمفكر نقدي – مفتاحاً لفهم العلاقة بين الدين والسياسة في السودان، وتجنيب البلاد ويلات الاستقطاب المتكرر.

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: محمود محمد طه بین التیارات فی السودان

إقرأ أيضاً:

الجارح: البرهان يواصل نهج البشير في دعم متطرفي ليبيا واستهداف حدودها.. وتحية للمدافعين عن حدود الوطن

الجارح: البرهان يواصل نهج البشير في دعم المتطرفين.. والتحية للقوات المسلحة الليبية المدافعة عن حدود الوطن

ليبيا – اتهم الكاتب والباحث السياسي، محمد الجارح، رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، بمواصلة سياسة نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير في دعم الجماعات الإسلامية والمتطرفة داخل ليبيا، مشيدًا في الوقت ذاته بصمود القوات المسلحة الليبية على الحدود الجنوبية.

الجارح: البرهان يخلط الأوراق ويزوّر التاريخ
وفي تدوينة نشرها عبر صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك”، قال الجارح إن محاولات البرهان “لخلط الأوراق وتزييف التاريخ” لن تُخفي ما وصفه بسجل الدعم السوداني للجماعات الإسلامية والمتطرفة في ليبيا، ولا سيما خلال الفترة من 2013 إلى 2017.

دعم سوداني لتحالف فجر ليبيا وجماعات متطرفة في الشرق والجنوب
وأشار الجارح إلى أن النظام السوداني حينها قدّم دعمًا ماديًا وسياسيًا، وربما استخباراتيًا، لتشكيلات موجودة في طرابلس ومصراتة، ضمن تحالف “فجر ليبيا”، إلى جانب دعم مجموعات متطرفة في بنغازي ودرنة ومناطق الجنوب الشرقي.
وسرد الجارح واقعة اعتراض طائرة محملة بالأسلحة أُجبرت على الهبوط في مطار الكفرة في سبتمبر 2014، كدليل ملموس على هذا الدعم، بالإضافة إلى فضائح تورط فيها ملحقون عسكريون سودانيون وتعاون مع حكومة “الإنقاذ” غير المعترف بها دوليًا آنذاك.

اتهامات جديدة باستخدام مسيّرات بدعم غربي
وأفاد الجارح بأن هذا النهج ما يزال قائمًا في عهد البرهان، مشيرًا إلى ثبوت استخدام قواته مسيّرات أوكرانية مدعومة من دول غربية، في محاولات لاستهداف الأراضي الليبية ومواقع الجيش الليبي جنوب غرب البلاد.

تحية للمرابطين في الجنوب
واختتم الجارح تدوينته بتوجيه تحية إلى عناصر القوات المسلحة العربية الليبية المرابطين على الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية، مؤكدًا أنهم “الدرع الحامي لما تبقى من سيادة ليبيا وأمن شعبها”، ومشيدًا ببسالتهم وتضحياتهم في صد أي تهديد خارجي.

مقالات مشابهة

  • بعد الهجوم الصهيوني على ايران..بيان عاجل للمكتب السياسي لأنصار الله
  • محمد الشيخ: لجنة الاستقطابات هي سبب وضع الهلال الحالي
  • محمد يحصل على الإبتدائية الأزهرية
  • القاضي والفلاتة يحتفلان بزفاف أنس
  • لحظات مميزة.. خالد النبوي يشارك مجدي يعقوب حفل توقيع كتاب الأخير
  • أحاديث نبوية أهملها الفقه السياسي الإسلامي (1)
  • الجارح: البرهان يواصل نهج البشير في دعم متطرفي ليبيا واستهداف حدودها.. وتحية للمدافعين عن حدود الوطن
  • بسنت شوقي تنضم إلى طاقم عمل فيلم إذما
  • ???? اللواء متمرد مهدي الأمين كبة يمتلك بيتاً فخماً في حى الصفا ومتزوج من قبيلة المحس من شمال السودان
  • السياسي الحقيقي والسياسي الوهمي.. مشاتل التغيير (22)