لجريدة عمان:
2025-07-31@10:10:03 GMT

«عيني عين الموتر»

تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT

يحضرني عادة بيت شعر من قصيدة «يا صولي» للشاعر الراحل «جمعان ديوان»، والتي غناها الفنان الراحل سالم علي سعيد.. يقول البيت:

«عيني عين الموتر، رِجْلي رِجْل مطيّة»

هذا البيت البسيط في تركيبته، العميق في مدلوله، يثيرني كلما سمعت الأغنية، أو تهادت إليّ كلماتها..

«باعدتَ يا صولي..قرب «حمران» بشوية»

إنه بيت بقدر بساطته، هو في المقابل هو بيت معقد، وعميق، يحمل دلالاته القريبة والبعيدة، فهذا الوصف الدقيق لرحلة الشاعر إلى ديار محبوبته، وهذا الحرص الشديد، والحذر من عيون الآخرين، خوفا من فضح أمره، أو فضح من هو ذاهب لأجله، ولعله يشير بتلك اللمحة الذكية إلى الظلام الذي يحوّط المكان في ذلك الوقت، حيث لا كهرباء، ولا إضاءة سوى القمر، وروح السماء.

.

فهو هنا يفرش للمشهد العام، ويأتي بوقت رحلته إلى مبتغاه، حيث الليل وهدوؤه، وستره، وغطاؤه، فيستعير «عين» السيارة، وهي المتوافر أمامه في ذلك الوقت، ولكنها سيارة راجلة، لا محرك لها سوى الشوق، والعزيمة، والعناد في لقاء من يحب.

يصور الشاعر «جمعان» في شطر البيت عينه وكأنها مصابيح سيارة، ترى من بعيد، وتنبّه صاحبها إلى أماكن الحذر، ومكامن الخطر، وتراقب أولئك الوشاة الذين يتبعون خطواته، ويريدون الإيقاع به، فعيونه مفتوحة عليهم، يتابعهم في ظلام المكان، ويلاحظ حركاتهم، كي لا يفضحون أمره، فهو يجازف بحياته، ويركب الخطر كي يصل إلى مكان بعيد عن داره، ولا يعلم ما ينتظره.

بينما تشتد رِجله عزما، وقوة، وصلابة، وتساعده في رحلته الشاقة الليلية، فيستعير من الناقة رجلها القوية التي لا تغوص في الرمال، ولا يهمها بعد السفر، ولا ترهقها الرحلات والمسافات، فهي تطيعه كلما احتاج لها، ولا تخذله كلما استعان بها، ولذلك تبقى الناقة «المطيّة» هي الأقرب لتصوير قدرته على الصبر والجلَد، في رحلة محفوفة بالمخاطر، والمشاق، ولكن كل ذلك يهون في سبيل الوصول إلى مبتغاه، يسوقه الشوق، ويعينه العشق.

لقد أبدع «جمعان ديوان» في كامل هذه القصيدة، وهو يصور مشهدا ليليّا، ويستعين بما مكّنته منه البيئة التي حوله من مفردات وأدوات، متكئا على بساطته، وقدرته على التصوير الدقيق لحالة شعورية خاصة، ونشوة انتصار على ذاته، وعلى الوشاة من حوله، وهذه القدرة الفائقة على التصوير تحتاج إلى قريحة فذّة، وشاعرية غير عادية، وهو ما دأب الشاعر جمعان على فعله في معظم قصائده التي تنبع من القلب، وتصل إلى القلب.

رحم الله الشاعر جمعان ديوان ورحم الفنان سالم بن علي سعيد اللذين كانا روحا واحدة في قصيدة مبدعة واحدة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الهادي آدم.. الشاعر السوداني الذي كتب لفلسطين و غنت له أم كلثوم


ولد الهادي آدم في مدينة الهلالية شرقي ولاية الجزيرة وسط السودان، وبعد أن أكمل دراسته في المدرسة الأولية بالمدينة نفسها انتقل إلى المعهد العلمي في أم درمان، ثم تم اختياره في بعثة علمية ليلتحق بكلية دار العلوم في العاصمة المصرية القاهرة.

تحول الهادي -الذي سلطت عليه الضوء حلقة (2025/7/29) من برنامج "تأملات"- من شاعر غزير الإنتاج إلى شاعر ربطه الجمهور بقصيدة واحدة هي: "أغدا ألقاك"، التي غنتها أم كلثوم، لكنه كان يعتقد أنها ليست أفضل ما كتب.

عرف الشاعر السوداني في مسيرته لذة النجاح، وذاق أيضا مرارة الفشل، لكنه ما وجد لذة تعدل فرحته ببيت من الشعر يخرج من قريحته.

حضرت فلسطين في شعر الهادي، وكان يعجب كيف استولى عليها الدخلاء، ولكنه كان مؤمنا بأن لا بد للظلم أن يزول.

ومما كتب عن فلسطين ما يلي:
إذا جاءها عن وعد بلفور غاصب
فلله فيها قولة سيقولها

وللشاعر السوداني دواوين مطبوعة منها، "كوخ الأشواك"، مهّد له بمقدمة جاء فيها: "من أصعب الأشياء أن يقدم المرء نفسه بنفسه، أما هذه القصائد فما وجدت فيها قارئي العزيز من تجاوب مع حسك ووجدانك فهي منك، وما أخذت عليها من هناّت فعلي وزرها لا عليك".

وأضاف يقول في المقدمة: "ومما دفعني إلى نشر ما أقدمه خوفي على هذه القصائد أن تضيع في زحمة الحياة".

ويقول في إحدى قصائده يصف حال بلده:
هبي بلادي، هان الخطب أو صعبا
في ذمة الله والتاريخ ما ذهبا

إن الزمان ليعطي من يسابقه
فإن توانى ارتد ما وهبا

كان الفساد نظاما تستبد به
يد الفرنجة في أوطاننا حقبا

حتى إذا ذهبوا، طارت مفاسدنا

فوضى، ينافس فيها رأسنا الذنبا

قد بوؤوا الغرب من أوطاننا سكنا

كأن بينهم من أهله نسبا

حتى غدونا مع الأيام مهزلة

بين البرية لا عجما ولا عربا

ويذكر أن حلقة برنامج "تأملات" تناولت مواضيع أخرى من بينها، "قصة مثل"، و "وقفات" و"تأملات لغوية".

إعلان 30/7/2025-|آخر تحديث: 12:25 (توقيت مكة)

مقالات مشابهة

  • مسؤول بـ البيت الأبيض: ترامب يرى أن الاعتراف بدولة فلسطينية مكافأة لحماس
  • تحولات الروح الشاعرة في بيت الشعر بالشارقة
  • مشروع قانون حظر تداول الأسهم على المسؤولين يلاحق البيت الأبيض
  • أنهكه الجوع وقلة الحيلة.. أب من غزة ينهار أمام أسرته بعد عودته إلى البيت بكيس دقيق
  • الهادي آدم.. الشاعر السوداني الذي كتب لفلسطين و غنت له أم كلثوم
  • المقصورات... إلياذات الشعر العماني
  • البيت بقى كوم تراب.. انهيار منزل بطنطا والبحث عن شخصين تحت الأنقاض | قرار عاجل من المحافظ
  • ادفع فاتورة المياه من البيت.. الخطوات والرابط
  • الشاعر البيومي عوض رئيساً لنادي الأدب المركزي بالغربية
  • مظاهرة أمام البيت الأبيض تطالب بإنهاء تجويع غزة