لجريدة عمان:
2024-06-16@09:49:58 GMT

«عيني عين الموتر»

تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT

يحضرني عادة بيت شعر من قصيدة «يا صولي» للشاعر الراحل «جمعان ديوان»، والتي غناها الفنان الراحل سالم علي سعيد.. يقول البيت:

«عيني عين الموتر، رِجْلي رِجْل مطيّة»

هذا البيت البسيط في تركيبته، العميق في مدلوله، يثيرني كلما سمعت الأغنية، أو تهادت إليّ كلماتها..

«باعدتَ يا صولي..قرب «حمران» بشوية»

إنه بيت بقدر بساطته، هو في المقابل هو بيت معقد، وعميق، يحمل دلالاته القريبة والبعيدة، فهذا الوصف الدقيق لرحلة الشاعر إلى ديار محبوبته، وهذا الحرص الشديد، والحذر من عيون الآخرين، خوفا من فضح أمره، أو فضح من هو ذاهب لأجله، ولعله يشير بتلك اللمحة الذكية إلى الظلام الذي يحوّط المكان في ذلك الوقت، حيث لا كهرباء، ولا إضاءة سوى القمر، وروح السماء.

.

فهو هنا يفرش للمشهد العام، ويأتي بوقت رحلته إلى مبتغاه، حيث الليل وهدوؤه، وستره، وغطاؤه، فيستعير «عين» السيارة، وهي المتوافر أمامه في ذلك الوقت، ولكنها سيارة راجلة، لا محرك لها سوى الشوق، والعزيمة، والعناد في لقاء من يحب.

يصور الشاعر «جمعان» في شطر البيت عينه وكأنها مصابيح سيارة، ترى من بعيد، وتنبّه صاحبها إلى أماكن الحذر، ومكامن الخطر، وتراقب أولئك الوشاة الذين يتبعون خطواته، ويريدون الإيقاع به، فعيونه مفتوحة عليهم، يتابعهم في ظلام المكان، ويلاحظ حركاتهم، كي لا يفضحون أمره، فهو يجازف بحياته، ويركب الخطر كي يصل إلى مكان بعيد عن داره، ولا يعلم ما ينتظره.

بينما تشتد رِجله عزما، وقوة، وصلابة، وتساعده في رحلته الشاقة الليلية، فيستعير من الناقة رجلها القوية التي لا تغوص في الرمال، ولا يهمها بعد السفر، ولا ترهقها الرحلات والمسافات، فهي تطيعه كلما احتاج لها، ولا تخذله كلما استعان بها، ولذلك تبقى الناقة «المطيّة» هي الأقرب لتصوير قدرته على الصبر والجلَد، في رحلة محفوفة بالمخاطر، والمشاق، ولكن كل ذلك يهون في سبيل الوصول إلى مبتغاه، يسوقه الشوق، ويعينه العشق.

لقد أبدع «جمعان ديوان» في كامل هذه القصيدة، وهو يصور مشهدا ليليّا، ويستعين بما مكّنته منه البيئة التي حوله من مفردات وأدوات، متكئا على بساطته، وقدرته على التصوير الدقيق لحالة شعورية خاصة، ونشوة انتصار على ذاته، وعلى الوشاة من حوله، وهذه القدرة الفائقة على التصوير تحتاج إلى قريحة فذّة، وشاعرية غير عادية، وهو ما دأب الشاعر جمعان على فعله في معظم قصائده التي تنبع من القلب، وتصل إلى القلب.

رحم الله الشاعر جمعان ديوان ورحم الفنان سالم بن علي سعيد اللذين كانا روحا واحدة في قصيدة مبدعة واحدة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حكمة الطواف فى الحج

الحجُ رمزٌ عملى تطبيقى فعّال لوحدة القصد: ووحدة التوجُّه ووحدة الغاية، وإشعار الناس، وهم محرِمُون فى صعيد واحد، يمثلون حالة الفطرة كونهم إخواناً متحابين أمام معبود واحد، لا ينظر إلى صورهم ولا إلى مناصبهم ولا إلى أموالهم، ولكن ينظر إلى قلوبهم وأعمالهم ونواياهم. 
اللافت للنظر فى مناسك الحج كلها هو الطواف، أمرٌ لا يُعلل إلّا بحكمة تدعو إلى التأمل، فالكعبة رمز التوحيد، وهيكله البيت العتيق، أراد الله أن يجسّد فكرة التوحيد فى بيته العتيق فكانت الكعبة، فالطواف حولها استشعار العبد التوجّه إلى الله وحده بغير لوثة الشرك والوثنيّة، استشعاره باقياً فى عالم الحقيقة والرضى، تاركاً للزيف وللوهم وللختل وللخداع، متجهاً بكليّته إلى حقيقة التوحيد مجسّدة أمامه فى أول بيت مبارك وضع للناس.
ليس أسهل من أن تكون حركة الطواف حركة مستقيمة، ولكنها لحكمة إلهية بالغة كانت حركة دائرية، تجئ فيها ترقية من عَسَاهُ يطوف بالكعبة من حركة الأرض إلى حركة السماء. فالحركة المستقيمة حركة طبيعة فيزيقية، حركة الحار والبارد والثقيل والخفيف، أو إنْ شئت قلت: حركة النار والماء والتراب والهواء. هذه حركة مستقيمة ليست كاملة بسبب أن لها أضداداً، فحركة الجسم الخفيف إلى أعلى كحركة النار والهواء، وحركة الجسم الثقيل إلى أسفل كحركة التراب والماء، ولكل من الحركتين أضداد كما يقول الفلاسفة. أمّا الحركة الدائرية فلا ضدّ لها، هى أكمل الحركات الطبيعية ولذلك يختص بها العالم العلوى، عالم الأفلاك السماوية. تذكر هنا فطرة الله التى فطر الناس عليها، وأذكر معها تلك الحركة الدائرية الكاملة، حركة الكون بكل ما فيه ومن فيه، وأذكر إنها ليست مجرّد نقلة وكفى، ولكنها رمزٌ يجسّد معنى يبقى مع الزمن بل ويعلو على الزمن حتى يُفينه، ثم يظل المعنى باقياً حاضراً بعد فناء المحدثات. لك أن تلاحظ: الحركة الدائرية الكاملة هى حركة الفانى حول الباقى، كحركة النيترون حول النواة دائرية، وحركة الحيوان المنوى حول البويضة دائرية، وحركة الأجرام السماوية حول مركزها دائرية، لأن مادة الأثير المختلفة بحكم طبيعتها عن العناصر الأربعة تجعل الأفلاك السماوية تتحرك حركة دائرية وليس لها ضد، ثابتة بلا تغيير، ثم حركة المتغير حول الثابت حركة طبيعية دائرية، وهى طبيعية، لأنها حيّة وفطريّة من طبيعة الكون الحى المفطور على السنن والنواميس الثوابت. 
حركة الطواف تحقيق التوحيد، رمزٌ للحقيقة الإلهية العليا الخالدة، وجعل التوحيد حقيقة ملموسة مشهودة باقية، من خلالها يسبّح الكون كله لله. وسيبقى البيت العتيق عتيقاً، لأنه المركز الثابت الذى سيظل ثابتاً بتجسيد التوحيد تسبيحاً للخالق رغم فناء المتغيرات من حوله، وفناء الأضداد.
أما تعليل الطواف بسبع، فلا يسيغهُ فى العقل شئ قدر ما يسيغهُ التكفير عن الخطايا وملاقاة الله تعالى بالندم والاعتذار. وقد قيل إنّ الملائكة لمّا خلق الله آدم جعله بشراً من طين قالوا (أتجعل فيها من يُفسد فيها ويُسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك) غضب الله عليهم، وكان من علائم غضبه أن أعرض عنهم، ولمّا أعرض عنهم فزعوا، فتملكتهم الضراعة وأجهشوا بالبكاء إشفاقاً من غضب الله، فذهبوا يعتذرون إليه ويطوفون بالعرش سبعاً كما يطوف الناس بالبيت الحرام وهم يقولون:
(لبيك اللهمّ لبيك..
ربنا معذرةً إليك..
نستغفرك ونتوب إليك)
فنظر الله إليهم ونزلت عليهم الرحمة، ووضع الله سبحانه تحت العرش بيتاً هو البيت المعمور ثم قال: طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش، فكان طوافهم به أيسر من طوافهم بالعرش.
ثم أمر الله الملائكة من سكان الأرض أن يبنوا فى الأرض بيتاً على مثال البيت المعمور، وأمر من فى الأرض أن يطوفوا به سبعاً كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور.
هذا هو الجانب المقبول فى الرواية تعليلاً للطواف فيما لو صدقت، فالطواف، فضلاً عن كونه توجُّهاً للحق وحده، فهو تجسيد للتوحيد وتكفير للخطايا واعتذارٌ للّه ثم قُربة منه تعالى. وهو، من بعدُ، قدوة بطواف الملأ الأعلى حول العرش، ثم تحت العرش فى البيت المعمور، ثم فى الأرض، فى البيت العتيق.
ومن يتأمل الروايات التى وردت فى الحجر الأسود على اختلافها، يدرك من فوره إساغة الطواف بحركته الدائرية على النحو الذى ذكرناه.. 
وقيل: إن الله عز وجل كان قد استودعه جبل أبى قبيس زمن طوفان نوح، فجاء جبريل ووضعه فى مكانه، وبنى إبراهيم عليه، وهو حينئذ يتلألأ نوراً حتى أضاء بنوره شرقاً وغرباً وشمالاً ويميناً إلى منتهى أنصاب الحرم من كل ناحية، وإنمّا سودته أنجاس الشرك والجهالة وأرجاس الوثنية وزرايا الذنوب والخطايا.
وهنا تبرز حكمة الطواف سبعاً واستلام الحجر الأسود فى كل مرة، وهى حكمة إلهية بالغة ما بلغ مقصودها، مردّها إلى رحمة الله تعالى، فى شهود التوحيد، وفى تكفير الخطايا والذنوب، وفى الشعور بالتقصير تجاه الحق جلّ وعلا، والاعتذار إليه ما أمكن أن يكون الاعتذار أسفاً وندماً وإشفاقاً، وفى القُربة من الله الواحد الأحد، وليس، من بعد إلا التطهير.

مقالات مشابهة

  • تفقد سير العمل بمشروع ترميم وتأهيل شارع الثلاثين في معين بأمانة العاصمة
  • الشاعر خالد تاج الدين يشيد بأغنية "تتحبي" لـ عمرو دياب
  • «الأغنية رقم 69 مع عمرو دياب».. تعليق الشاعر تامر حسين بعد طرح «تتحبي»
  • عائشة الماجدي: كان يا ما كان
  • عوالم قصيدة النثر
  • “ثم قال الغريب”.. مجموعة شعرية جديدة للشاعر ياسين البكالي
  • يحضر مباراة سويسرا.. شولتس: «يورو تحتفل بالتضامن والألوان»
  • بيتنا احسن البيوت ..!!
  • حكمة الطواف فى الحج
  • “أعدموا طفلي أمام عيني”.. شهادات مروعة عن مجزرة النصيرات ترويها عائلة مطر