«الحوسبة السحابية» ضمان استدامة ومرونة أداء الحكومات
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
إعداد: بنيمين زرزور
أصبحت الحوسبة السحابية ركيزة أساسية في مشروعات التحول الرقمي الحديثة، حيث تزداد أهميتها مع تكثيف كم البيانات العامة التي ينبغي على المؤسسات والدوائر الحكومية والشركات الخاصة التعامل معها، وذلك بحكم الأمر الواقع وعلى أساس يومي.
وتشجّع الحكومات مؤسسات القطاع العام والشركات الخاصة والمواطنين، على تبني التقنيات والممارسات الرقمية، عبر مجموعة من الحوافز، وذلك لخلق ثقافة تمكينية للابتكار، فيما تجمع آراء خبراء الإدارة الرقمية المعاصرة، على أن هناك 10 استراتيجيات ينبغي على الحكومات تبنيها، كلاً أو جزءاً، لتسريع مبادرات تسخير الحوسبة السحابية في التحول الرقمي الذي بات ضرورة ملحة لضمان الاستدامة والمرونة في الأداء وهي:
1- المنح الحكومية والدعم
تقدم الحكومات إلى الهيئات المنضوية تحت مظلتها حصة من المدخرات المحققة من خلال التغيير، إضافة إلى المنح والإعانات والحوافز الضريبية أو القروض منخفضة الفائدة، وتساعد هذه الهياكل المالية الداعمة على تعويض الكلفة الأولية للتحول وتشجيع الاستثمار في مبادرات ومشاريع ترقية التكنولوجيا.
2- بناء القدرات والتدريب
ينبغي أن توفر الحكومات برامج تدريبية وموارد تعليمية وأدوات اختبار في مشاريع محو الأمية الرقمية والمهارات الفنية بين موظفي القطاع العام والشركات والمواطنين. ومن المبادرات الرائدة في هذا المجال برنامج «بيوند ماي كلاود» الذي يديره مجلس تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التابع للحكومة الكندية، ويكرس هذا البرنامج لتدريب العناصر البشرية ورفع مهارات الموظفين للقيام بأدوار أساسية، مثل مهندسي السحابة الإلكترونية. وصمم البرنامج بحيث يزود الموظفين بالمهارات اللازمة لدخول مكان العمل الحديث، ومنح الشركات والحكومة القدرة على التحول الرقمي في زمن قياسي.
3- الإصلاحات التنظيمية
تعمل الحكومات على تحديث اللوائح والسياسات لإزالة الحواجز أمام الابتكار الرقمي وريادة الأعمال، ويشمل ذلك تبسيط عمليات الترخيص، وتعزيز معايير التشغيل البيني، وإنشاء صناديق تنظيمية للسماح بالتجريب باستخدام التقنيات الجديدة، كما تعمل الحواجز المدمجة على زيادة الوعي بالإصلاحات والامتثال للقوانين واستخدام التقنيات بشكل ناجح. ويمكن اعتبار استراتيجية «السحابة أولاً» التي اعتمدتها الفلبين، مثالاً على الإصلاح التنظيمي لتحفيز التحول الرقمي من خلال إزالة العوائق أمام تبني السحابة التجارية واستخدامها. ونشرت وزارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات سياسة «السحابة أولاً» في البلاد
4- الشركات بين القطاعين
تتعاون الحكومات مع شركات القطاع الخاص لتطوير مبادرات ومشروعات مشتركة لتعزيز التحول الرقمي، وتعد هذه الشراكات إحدى الطرق الناجحة والفعالة للاستثمار في البنية التحتية الرقمية العامة.
وفي هذا الصدد، يعد موقع المشتريات الحكومية المفتوحة في أوكرانيا «بروزورو» (الذي يعني الشفافية باللغة الأوكرانية) مثالاً على الاستثمار الناجح للشراكة بين القطاعين العام والخاص في البنية التحتية العامة الرقمية.
واستثمرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في تطوير الموقع، والذي تشير التقديرات المتتالية إلى أنه وفر للحكومة الأوكرانية 6 مليارات دولار منذ عام 2017.
5- تقديم الخدمات الرقمية
تعمل الحكومات على رقمنة الخدمات العامة لتحسين إمكانية الاتصال والراحة والكفاءة لدى الأشخاص والشركات، فهي تطور بوابات عبر الإنترنت وتطبيقات هواتف متحركة ومنصات رقمية للوصول إلى الخدمات والمعلومات الحكومية. ويعمل الوصول البسيط على زيادة الإقبال الجماهيري على الخدمة وزيادة الطلب من قبل العملاء وتبنيهم لها.وتحفز خدمة الحكومة الرقمية في المملكة المتحدة تحول القطاع العام من خلال الأدوات التي توفرها، والتي تزيل الحواجز أمام التغيير. ومن الأمثلة على ذلك، نظام تصميم يحمل اسم «جي دي إس»، الذي يبسط مواقع الويب والمحتوى الرقمي بأنماط ومكونات وأدوات موحدة ويقدم دليلاً حول كيفية استخدامها، وكذلك نموذج «إف 18» الذي اعتمدته إدارة الخدمات العامة في الولايات المتحدة.
6- مبادرات البيانات المفتوحة
تطلق الحكومات مجموعات بيانات عامة وواجهات برمجة تطبيقات لتعزيز الشفافية والابتكار والتنمية الاقتصادية، وتوفر مبادرات البيانات المفتوحة الموارد للشركات والباحثين والمطورين لاستخدام بيانات الحكومة لتطوير المنتجات والخدمات.وأطلقت إسبانيا مبادرة «أبورتا» عام 2009 لفتح مصادر المعلومات العامة وتعزيز تطوير الخدمات الحديثة القائمة على البيانات، وتوفر المبادرة رؤى حول كيفية إدارة البيانات المفتوحة.
7- التقدير ومنح الجوائز
ينبغي أن تعترف الحكومات بالمؤسسات والأفراد الذين يظهرون التميز في التحول الرقمي والابتكار وتكافئهم، وتعمل هذه الجوائز على زيادة الوعي وتحفيز أفضل الممارسات وإلهام الآخرين للشروع في رحلة التحول الرقمي. في عام 2023، كان لدى الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، أكثر من 330 متسابقاً للحصول على جوائز المهارات الرقمية الأوروبية عبر خمس فئات، حيث تعمل جوائز الحكومة الرقمية على بناء الثقافة والمجتمع وتحفيز الناس على تجربة أشياء جديدة.
8- الاستراتيجيات الوطنية
تضع الحكومات استراتيجيات وطنية للتحول الرقمي لتنسيق الأهداف وتخصيص الموارد عبر القطاعات وأصحاب المصلحة، وتميل الاستراتيجيات الرقمية المرتبطة بأولويات الحكومة إلى النجاح.
على سبيل المثال، تتضمن الصفقة الرقمية الكورية الجديدة التي أطلقتها وزارة العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات 12 هدفاً عبر أربعة قطاعات، وعلى الرغم من أن النطاق واسع، فإن الأهداف الفردية تركز على أهداف حكومية محددة وقد أدت إلى أن تصبح كوريا الجنوبية من الدول الرائدة رقمياً.
9- المراقبة والتقييم
تحدد الحكومات أهدافاً واضحة وتنشئ آليات للتدقيق المستمر والتحسين والمساءلة، وهذا يساعد القادة على إجراء التعديلات اللازمة للحفاظ على النشاط في المسار الصحيح.
على سبيل المثال، أنشأت هيئة الحكومة الرقمية في المملكة العربية السعودية مؤشرات وموقعاً إلكترونياً عاماً لتوفير قياس مفتوح وشفاف نحو هدفها المتمثل في نقل 80% من أحمال العمل إلى السحابة. كما يدعم هدف وقياس هيئة الحكومة الرقمية رؤية المملكة 2030.
10- ضوابط الإنفاق
تعرف العمليات المالية بأنها ممارسة إدارة الإنفاق على تكنولوجيا السحابة، حيث تنشئ الحكومات فرق العمليات المالية، وتضع الإرشادات، وتوفر الأدوات للمساعدة على وضع خطط الإنفاق ومراقبته والتحكم فيه.
ويوفر مكتب البيانات والرقمية المركزي في المملكة المتحدة، إرشادات حول ضوابط الإنفاق السحابي لجميع هيئات الحكومة، ويضع المكتب الضوابط ويوحدها بحيث يخفض الجهود، ويلغي القرارات القائمة على الظن أو التخمين، ويخلق أفضل الممارسات على مستوى المؤسسة.وهكذا يمكن للحكومات من خلال تنفيذ هذه الحوافز والاستراتيجيات، أن تعمم ثقافة تمكين الابتكار من أجل التحول الرقمي بحيث تضمن دعم زيادة تبني المستخدمين، والمزيد من الشفافية والثقة، وإحداث تأثيرات أعم وأفضل. ولا أحد يشك في أن الحوافز هي آلية قوية للتحول. وعند بناء وتنفيذ استراتيجية رقمية، ينبغي دراسة كيفية استخدام هذه الحوافز وغيرها للتنقل بين أنواع مختلفة من العوائق ومعالجتها بما يضمن تحقيق أهداف التحول الرقمي على الوجه المطلوب.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: تسجيل الدخول تسجيل الدخول فيديوهات القمة العالمية للحكومات الحکومة الرقمیة على سبیل المثال التحول الرقمی من خلال
إقرأ أيضاً:
الحكومات وأسواق سنداتها السيادية
ترجمة: قاسم مكي
الساسة حول بلدان العالم المتقدم لديهم مشكلة وهي أن مديونياتهم كبيرة ويحتاجون إلى اقتراض المزيد من الأموال في كل عام. لكن الحصول على مشترين تلقائيين لسندات حكوماتهم يزداد صعوبة.
في أحدث تقرير لها عن الدين الحكومي، تقدِّر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن بلدانها الأعضاء ستُصدِر سندات سيادية بحوالي 17 تريليون دولار في عام 2025 ارتفاعا من 14 تريليون دولار في عام 2023. وسيتم استخدام بعض هذه الأموال بالطبع لإعادة تمويل الدين القائم. لكن من المتوقع أن ترتفع قيمة إجمالي الدين المُستحَق إلى 59 تريليون دولار أو حوالي 84% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان.
جزء كبير من هذا الدين أجَلُ استحقاقِه أقصر. ويقدر تقرير المنظمة أن 45% منه سيكون مستحق السداد بحلول عام 2027. وعندما يحين أوان استحقاقه سيعاد تمويله بتكلفة أكبر. فالكثير منه كان قد تم إصداره في فترة تدني أسعار الفائدة. وسيشكل ذلك المزيد من الضغوط على الأوضاع المالية للحكومات. فتكاليف فائدة الدين الحكومي في المتوسط لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يبلغ حاليا 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي ويزيد عن المبلغ الذي ينفق على الدفاع.
الحل الواضح لهذه المشكلة هو خفض العجز. لكن الساسة يواجهون مشاكل كبيرة عندما يحاولون أن يفعلوا ذلك. لقد وعد عديدون منهم بإنفاق المزيد على الدفاع. وخفض الإنفاق أو زيادة الضرائب يخاطران بإغضاب الناخبين الذين يتزايد استعدادهم كما يبدو للتصويت لصالح الأحزاب الشعبوية أو القومية الكارهة للأجانب. وإذا تولى هؤلاء الشعبويون الحكم من المرجح أن تفاقم سياساتُهم عجوزاتِ الموازنة.
لذلك إذا كانت السندات ستصدر في الغالب بكميات متزايدة من سيشتري هذا الدين؟ لم تكن تلك مشكلة خلال سنوات العشرية الثانية. فالحكومات كانت قادرة على تمويل عجوزاتها في يسر. وأحيانا كان يمكنها حتى إصدار سندات بعائدات سلبية. وهو ما يعني أن من يشترونها كانوا سيتعرضون حتما للخسارة (بالقيمة الاسمية على الأقل) إذا احتفظوا بها حتى أوان استحقاقها. لكن كان يمكن لهذه السندات تحقيق عائد إيجابي بالقيمة الحقيقية إذا حدث انكماش في الأسعار.
كانت البنوك المركزية إحدى مجموعات المشترين المنتظمة بموجب برامج التيسير الكمي التي دُشِّنت في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2007-2009. وفي حين تشتري البنوك المركزية السندات في السوق الثانوية فقط وليس مباشرة من الحكومات إلا أن برامج الشراء كانت مُطَمْئِنَة للمستثمرين لعلمهم بأنه سيكون هنالك دائما مشترون جاهزون لموجوداتهم من الديون (السندات).
لكن البنوك المركزية أوقفت التيسير الكمي وهي الآن تتخلص من موجوداتها في برامج يُطلق عليها «التشديد الكمي.» وكلما زادت البنوك المركزية مبيعاتها من السندات عبر التشديد الكمي كلما وجب أن يشتري المستثمرون الآخرون المزيد منها إلى جانب شراء العرض الجديد من سندات الحكومات.
موجودات البنوك المركزية من دين الحكومات في بلدان منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية انخفضت سلفا من 29% من إجمالي الدين في عام 2021 إلى 19% في عام 2024. ومن المستبعد أن يُستأنف التيسير الكمي في أي وقت قريب. فإذا أرادت البنوك المركزية تيسير السياسة النقدية ستخفِّض أسعار الفائدة أولا.
كثيرا ما كانت صناديق التقاعد مشترية مهمة للسندات الحكومية المحلية. لكن هذا المصدَر للطلب يتقلص أيضا. كانت صناديق التقاعد التقليدية تقدم رواتب تقاعد محددة الفوائد يرتبط فيها دخل التقاعد براتب الموظف. واشترت العديد من هذه الصناديق التي تعتمد نظام «الفوائد المحددة» السنداتِ الحكومية من باب التحوط لضمان قدرتها على الوفاء بالتزاماتها في المستقبل. لكن في السنوات الأخيرة كان هنالك توسع سريع لصناديق «المساهمة المحددة» والتي ببساطة تودع أموال العاملين في وعاء ادخاري لاستخدامها عند التقاعد. وهي أقل ميلا الى الاستثمار في السندات مقارنة بصناديق الفوائد المحددة.
عالميا، لدى صناديق المساهمة المحددة الآن 59% من كل أصول صناديق التقاعد مقارنة بحوالي 40% في عام 2004، حسب معهد «ثِنْكِنْج أَهيد انستيتيوت.»
لافتقارها إلى الطلب المنتظم على سنداتها من البنوك المركزية وصناديق التقاعد قد تحتاج الحكومات الى الاعتماد على المستثمرين الدوليين مثل صناديق التحوط والتي هي حساسة جدا تجاه الحاجة إلى تعظيم العائدات «على استثماراتها».
تظهِر أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن المستثمرين الأجانب حازوا على 34% من السندات في عام 2024 وذلك ارتفاعا من 29% في عام 2021. والأجانب الآن يشكلون أكبر مجموعة منفردة من المستثمرين.
في هذا السياق السؤال المثير للاهتمام الذي طرحه البيرت ادواردز، استراتيجي الأسواق ببنك سوسيتيه جنرال، هو: هل سيوجد الارتفاع الأخير في عائدات السندات الحكومية اليابانية مشكلة. ادواردز من المتشائمين المعروفين جيدا تجاه الاستثمار في الأسهم ولكن ليس في السندات. وهو يحاجج بأن مستثمرين عديدين انخرطوا في تجارة «الكاري» من خلال الاقتراض الرخيص بعملة الين واستثمار حصيلة المبالغ المقترضة في سندات بلدان أخرى ( عائداتها أعلى) . لكن الدين في اليابان لم يعد رخيصا مع ارتفاع عائد السند الحكومي لأجل 10 سنوات من صفر في المائة في نهاية عام 2021 إلى 1.6% اليوم (عائد السند الياباني لأجل 30 عاما يبلغ حوالي 3%).
قد تفسر هذه القفزات في العائدات اليابانية بعضَ نوباتِ التوتر الأخيرة في أسواق السندات الحكومية بما أن مستثمري الرافعة المالية سيتوجب عليهم بيع أصول (مثلا محافظ سنداتهم) لسداد ديونهم الأكثر تكلفة.
في الواقع، لقد اختل التوازن السياسي بين العرض والطلب في أسواق السندات في الأجل القصير. فهناك المزيد من السندات المعروضة وذلك في اقتران مع تراجع الطلب من كل من المشترين الموثوقين (البنوك المركزية مثلا) والمضاربين (مثلا صناديق التحوط).
ذلك يعني أن ارتفاع العائدات على السندات يبدو محتملا وهذا ما يجبر الحكومات على دفع المزيد لتمويل عجوزاتها المتزايدة أبدا. لذلك من المرجح أن تدبير الأمور المالية للبلدان المتقدمة سيزداد صعوبة كما يبدو.
فيليب كوجان صحفي مختص بالشؤون المالية ومؤلف كتاب بعنوان: النتائج الاقتصادية لسياسات دونالد ترامب
الترجمة عن «الفاينانشال تايمز»