السودان.. التحرك نحو تشكيل سلطة موازية
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
سكاي نيوز عربية - أبوظبي/ في خطوة غير مسبوقة، أعلنت مجموعة من القوى السياسية والحركات المسلحة، بقيادة قوات الدعم السريع، عن توقيع وثيقة الميثاق السياسي في العاصمة الكينية نيروبي، هذه الخطوة تأتي في وقت عصيب يمر به السودان، حيث تعاني البلاد من انقسام سياسي وحالة من الفوضى الأمنية.
يؤكد مستشار قائد قوات الدعم السريع، مصطفى محمد إبراهيم، خلال تصريحاته إلى سكاي نيوز عربية أن هذه الحكومة الجديدة تهدف إلى تحقيق السلام والوحدة، في وقت يُطرح فيه تساؤلات حول قدرة هذه الحكومة على تجاوز التحديات المعقدة التي تواجهها.
خلفية سياسية متوترة
منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021، دخل السودان في حالة من عدم الاستقرار السياسي، حيث فقدت الحكومة الشرعية المتمثلة في السلطة الانتقالية. ويشير مصطفى محمد إبراهيم إلى أن "الحكومة الحالية انتهت صلاحيتها" وأن ما يتم التعامل معه هو "حكومة حرب" غير شرعية.
تعكس هذه التصريحات حالة من الإحباط من الوضع الراهن، وتسلط الضوء على الحاجة الملحة لتشكيل حكومة جديدة قادرة على إعادة الأمل إلى الشعب السوداني.
الأهداف والطموحات
يؤكد إبراهيم أن الهدف من الحكومة الجديدة هو "توفير الأمن والخدمات الأساسية" للمواطنين الذين يعانون من التوترات اليومية بسبب النزاعات المسلحة.
في حديثه عن وضع المدنيين، شدد على أن "حماية المواطنين هي الأولوية"، مشيرًا إلى الأضرار الجسيمة التي تسببها العمليات العسكرية، سواء من قبل الجيش أو المليشيات. هذا التركيز على السلام والأمن يعكس وعيًا عميقًا بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه البلاد.
مؤتمر الميثاق: حوار وتوافق
من جهة أخرى، تناولت تسابيح مبارك، موفدة سكاي نيوز عربية، تفاصيل المؤتمر الذي عُقد لإعلان الميثاق التأسيسي، مشيرة إلى أن الحدث شهد مشاركة واسعة من مختلف القوى السياسية والحركات المسلحة.
وقد اعتبر المؤتمر بمثابة "بداية جديدة للسودان"، حيث تم التوافق على نقاط مهمة مثل "فصل الدين عن الدولة". يعكس هذا التوجه رغبة حقيقية في تشكيل حكومة تلبي تطلعات الشعب السوداني نحو دولة مدنية عادلة.
التحديات المحتملة
رغم الآمال المعقودة على الحكومة الجديدة، يبقى التحدي الأكبر هو الانقسام السياسي والاقتصادي الذي يضرب البلاد. التحذيرات من إمكانية تفشي النزاع الداخلي بين الحركات المسلحة والجيش تظل قائمة، مما يستدعي ضرورة بناء آليات للتعاون والتنسيق بين جميع الأطراف.
كما أن قدرة الحكومة على توفير الخدمات الأساسية، والتعامل مع الوضع الإنساني المتدهور، ستكون بمثابة اختبار حقيقي لقدرتها على الصمود.
ويمثل تشكيل حكومة انتقالية في السودان خطوة مهمة نحو إعادة بناء الدولة، ولكن النجاح في تحقيق السلام والاستقرار يتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف. مع وجود الكثير من التحديات، تظل آفاق هذه الحكومة المستقبلية مرتبطة بقدرتها على تنفيذ رؤيتها وتحقيق التوافق بين مختلف القوى السياسية. إن الشعب السوداني يتطلع إلى تحقيق تغييرات ملموسة في حياته اليومية، ويأمل أن تكون هذه الحكومة الجديدة هي الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا الهدف.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحکومة الجدیدة هذه الحکومة
إقرأ أيضاً:
زوبعة الحكومة الموازية في السودان
يمكن لأي جماعةٍ أن تعلن تشكيل حكومة على الورق أو في الفضاء الرقمي، لكن هذا لا يعطيها شرعيةً أو وجوداً حقيقياً. فأي حكومة لا تملك السيطرة على أرضٍ ذات سيادة، ولا تمثل إرادة شعبية واسعة، ولا تحظى باعتراف دولي، تعد حكومة وهمية، أو في حالات أخرى محاولة لكسب نقاط تفاوضية، أو لمنازعة السلطة القائمة والمعترف بها في المحافل الدولية.
الحكومة «الموازية» التي أعلنتها «قوات الدعم السريع» وحلفاؤها في منصة «تأسيس» هي مزيج من كل ذلك، وهي محاولة لفرض واقع جديد بعدما فشل مشروع السيطرة على الدولة السودانية بالكامل بعد اندلاع حرب 15 أبريل (نيسان) 2023، والهزائم التي أخرجت «الدعم السريع» من الأراضي التي تمددت فيها، وحصرت سيطرتها في أجزاء من إقليم كردفان ومساحات من دارفور. لكن هذه المحاولة ليست مرشحةً للفشل فحسب، بل قد تنقلب وبالاً على «الدعم السريع» وحلفائها.
الخطوة قُوبلت بإدانة واسعة من كثير من الدول، ومن المنظمات الإقليمية، ومن الأمم المتحدة، وكلها اتفقت على عدم مشروعية هذه «الحكومة»، محذرةً من أنها قد تمس بوحدة البلاد ولا تعبر عن إرادة الشعب السوداني. بل إن الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية وجّها دعوة للدول لعدم الاعتراف بها، مع التأكيد على دعم وحدة السودان وسيادته وأمنه، والتشديد على التعامل مع السلطة القائمة والمعترف بها.
داخلياً فجّرت الخطوة نقمة وخلافات في أوساط «قوات الدعم السريع» التي بدأت تشهد في الأشهر الأخيرة تصدعاً خرج إلى العلن بسبب صراعات النفوذ، والتوترات القبلية، والشكاوى من وجود تمييز وعنصرية من مكونات على حساب أخرى، مع انفلات أمني في مناطق سيطرتها أدى إلى مواجهات مسلحة مرات عدة.
ومع إعلان الحكومة أعلن عدد من مستشاري «الدعم السريع» انشقاقهم احتجاجاً، بينما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو لمقاتليها الساخطين على تشكيلة الحكومة والمجلس الرئاسي لـ«تأسيس». في هذه المقاطع هاجم المجندون قياداتهم وأعلنوا رفضهم لما وصفوه بالتهميش لهم ولقبائلهم، وطالبوا بحصتهم في قسمة السلطة على أساس أنهم من حمل السلاح وقاتل وفقد أعداداً كبيرةً من الشباب، ولكن لم يتم تمثيلهم في حين ذهبت المناصب لأصحاب «البدلات» من المدنيين الذين لم يشاركوا في القتال.
وبينما شن المحتجون في «الدعم السريع» هجوماً شديداً على عبد العزيز الحلو، رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، الذي حصل على منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي وحصة 30 في المائة من المناصب الأخرى، فإن الرجل قُوبل أيضاً بموجة من السخرية من ناشطين في مناطق سيطرته في جبال النوبة لقبوله أن يكون نائباً لمحمد حمدان دقلو (حميدتي)، متسائلين ما إذا كانت «الحركة الشعبية» قاتلت من أجل المناصب على حساب شعارات التهميش ورفع المظالم.
الواقع أن تحرك «قوات الدعم السريع» ومجموعة «تأسيس» لإعلان حكومة لا يعكس قوة، بقدر ما يظهر يأسها من قلب الموازين العسكرية مجدداً، ويزيد من تصدعاتها. فهذه الحكومة سيصعب عليها الوجود على الأرض في ظل الهجمات التي يشنها الجيش السوداني في دارفور وكردفان، بعدما انتقلت المعارك غرباً، وسط مؤشرات على أن الجيش يستعد لشن هجمات كبرى منسقة على غرار ما حدث في الجزيرة والخرطوم. وعلى الرغم من الصخب الإعلامي عن أن إعلان الحكومة كان من نيالا، فالحقيقة أن اجتماعات ترتيب خطواتها وتشكيل المجلس الرئاسي كانت في كينيا، وفقاً لبيان الخارجية السودانية.
لا أمل للحكومة الموازية في تغيير الموازين التي لم تعد تسير لصالح الدعم السريع
«قوات الدعم السريع» قد تكون مسيطرة حالياً على أجزاء كبيرة من دارفور وبعض المواقع في كردفان، لكنها لا تمثل بأي حال أغلبية السكان هناك، ولا تحظى بتأييد مكونات ومجموعات مقدرة، لا سيما بعد الانتهاكات الواسعة وجرائم الإبادة التي ارتكبتها. وحتى داخل مكونها القبلي فإنها تواجه عداء شخصيات نافذة مثل الشيخ موسى هلال رئيس «مجلس الصحوة الثوري» الذي انتقد تشكيل الحكومة الموازية، وشن هجوماً عنيفاً على حميدتي وشقيقه عبد الرحيم، وسخر من فكرة أن يحكما السودان.
المفارقة أنه مع إعلان هذه الحكومة أعلنوا أيضاً تعيين ولاة لأقاليم السودان في الوسط والشمال والشرق والنيل الأزرق والخرطوم، وهي المناطق التي كان أهلها يحتفلون بانتصارات الجيش والقوات التي تقاتل في صفوفه، وإخراجه «قوات الدعم السريع» منها. هذه التعيينات تضيف بلا شك إلى عبثية المشهد، لسببين؛ الأول أنه لا أمل لهؤلاء «الولاة» في تسلم سلطة فعلية على هذه المناطق، ولا معطيات حقيقية بإمكانية عودة «الدعم السريع» للسيطرة عليها، والثاني أنه حتى عندما كانت قواتها تسيطر عليها سابقاً فإن الإدارات المدنية التي شكلتها فيها لم تكن سوى مسميات وهمية لا وجود حقيقياً لها، ولا إنجازات.
الحقيقة أنه على الرغم من الفورة الإعلامية التي رافقت إعلانها، فإنه لا أمل للحكومة الموازية في تغيير الموازين التي لم تعد تسير لصالح الدعم السريع ناهيك عن أن تصبح حكومة بديلة تحكم السودان كله.
الشرق الأوسط