مؤيد الزعبي

هل تساءلت يومًا عن شكل الأديان في المستقبل؟ وهل ستتأثر بما نشهده من تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي بلا أدنى شك ستتغلغل أكثر في حياتنا خلال السنوات القادمة، متجاوزة حدود عقولنا لتصل حتى إلى روحانيتنا ومعتقداتنا؟

لا أتحدث هنا عن دين معين؛ بل عن جوهر الوجود الإنساني الذي حفظه تاريخنا البشري منذ بدء الخليقة.

فكيف سيتعامل الذكاء الاصطناعي مع روحانيتنا؟ وكيف سيؤثر في مستقبلها؟ هذا ما سأتناوله معك، عزيزي القارئ، من خلال هذا الطرح.

قد يعتقد البعض أن المسافة بين الأديان والذكاء الاصطناعي طويلة يصعب تقليصها، إلّا أن الواقع يُشير إلى أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات قد دخلت بالفعل بعض دور العبادة والكنائس، وأصبحت تؤدي أدوار الكهنة والرهبان في بعض الحالات؛ فهل سنجدها يومًا ما في مساجدنا وفي حلقات الذكر؟ هذا تساؤل آخر يستحق التأمل والإجابة دون تردد.

تُعد الأديان والمعتقدات من أكثر المفاهيم الإنسانية تعقيدًا، ليس فقط بسبب عمقها الفكري، ولكن أيضًا نتيجةً لارتباطها الوثيق بتجربة الإنسان الروحية والوجدانية، ولن أخوض هنا في تفسير الأديان بحد ذاتها؛ بل سأحاول الإجابة عن تساؤل محوري: كيف سيكون شكل الأديان في المستقبل؟ وكيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفهم شعورًا معقدًا كالإيمان، الذي يربط الإنسان بالكون من حوله ويمنحه توازنًا يساعده على الاستمرار في الحياة؟

حتى الآن، يلتزم الذكاء الاصطناعي بالتعريفات التي وضعها البشر للأديان، لكن هذا لا يعني أن الأمر سيبقى على حاله إلى الأبد. فماذا لو بدأت محاولات لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل المفاهيم الدينية؟ هنا تكمن الخطورة الحقيقية.

ببساطةٍ.. الأديان هي علاقة الإنسان بمن يعبُده، وعلى الرغم من قوة إيمان البشر بأديانهم، إلّا أن الشك كان وما زال دافعًا للتساؤل حول ماهية الأديان؛ بل سببًا في تخلي البعض عنها واتجاههم إلى الإلحاد. وفي ظل ذكاء اصطناعي يعتمد على الخوارزميات والأرقام والاحتمالات، يظل الشعور بالإيمان أمرًا بالغ التعقيد يصعب تفسيره من منظور رقمي بحت. لذلك، فإن العبث بالمفاهيم الدينية عبر الذكاء الاصطناعي ليس أمرًا مستبعدًا في المستقبل؛ بل قد يصبح واقعًا يفرض تحديات غير مسبوقة. فاستهداف المؤسسة الدينية من خلال هذه التقنيات قد يحمل عواقب يصعب تخيلها؛ فهل نحن مستعدون لمواجهة هذا المستقبل؟

على صعيد آخر، فإن دخول الذكاء الاصطناعي إلى عُقر دار الأديان ومساهمته في تفسير العديد من المفاهيم والنصوص أو إعادة إنتاجها بصياغة جديدة سيخلق لنا الكثير من التحديات والفوائد في الوقت نفسه، وقد قدمت التحديات على الفوائد لأننا سنواجهها أولًا قبل أن نتمكن من تطويع الذكاء الاصطناعي لتحقيق الفوائد المرجوة. فكما ذكرت سابقًا؛ لقد طرق الذكاء الاصطناعي أبواب الكنائس والمعابد، وقريبًا سيطرق أبواب المساجد، لنجد أنفسنا أمام روبوت ذكاء اصطناعي توليدي قادر على تفسير النصوص الدينية، والإجابة عن تساؤلاتنا بشأن الحلال والحرام، ولا أستبعدُ أن يُستخدم في إصدار الفتاوى والتشريعات الدينية، أو في كتابة خطب الجمعة والدروس الدينية؛ بل وحتى في اختيار مناهجنا الدينية، فهل لا تزال تعتقد أن المسافة بين الذكاء الاصطناعي والأديان طويلة؟!

لا يمكننا إنكار أن الذكاء الاصطناعي سيسهل على الكثيرين معرفة أمور دينهم ودنياهم، كما سيُسرِّع عملية إصدار الفتاوى بالاعتماد على كمّ هائل من البيانات والمعطيات. ولكن، ما الذي يضمن لنا أن الذكاء الاصطناعي سيتعامل مع أصول أدياننا كما هي، دون أن يُحرِّفها أو يخلطها ببعضها البعض؟ أو دون أن يُفضِّل مذهبًا على آخر؟ أو أن يُستخدم كأداة للتبشير بدينٍ معين؟ أو أن يُوظِّفه البعض لنشر أفكار دينية تخدم مصالحهم؟ بل ماذا لو قام أحدهم باختراع دين جديد مُصمم خصيصًا لعصر الذكاء الاصطناعي، وبدأ في الترويج لأفكاره بطرق ذكية يصعب كشفها أو التنبؤ بها؟ حينها، ما الذي يُمكننا فعله؟

في الحقيقة، إذا وصلنا إلى تلك النقطة، فلن يكون هناك مجال للتراجع أمام قوة كاسحة قادرة على الانتشار بفضل ذكائها المتطور، ولكن ما يجب أن نضمنه هو عدم حدوث ذلك أساسًا، وهنا يبرُز التساؤل: من الذي سيضمن لنا ذلك؟ في الواقع، لا أحد! وهذا ما يثير الرعب، فنحن أمام خيارين: إما أن نحجب الذكاء الاصطناعي عن أدياننا ونحصرها في بيوت العبادة ودورها، أو أن نسمح له بالوصول إليها ونواجه مستقبلًا مجهولًا لا يمكننا التنبؤ بعواقبه.

ولو سألتني عن خياري، فسأقول لك بكل بساطة: لن نتمكن من مواجهة الذكاء الاصطناعي إلّا بالذكاء الاصطناعي نفسه، ولهذا علينا تبنِّي منهجيات الذكاء الاصطناعي لدعم جهودنا في الحفاظ على مفاهيم ونصوص أدياننا مستقبلًا، ولكن ما أخشاه حقًا هو أن تَرفُض مؤسساتنا الدينية الاعتراف بما هو قادم، أو أن تتأخر في خوض هذه المعركة المصيرية. وحينها، سيستمر تطور الذكاء الاصطناعي بمعزل عن الأديان وأخلاقياتها، وعندئذٍ قد يصبح الحلم بالعودة إلى نقطة اليوم ضربًا من المستحيل.

في النهاية، عزيزي القارئ، ما أود اختصاره هنا هو أننا مقبلون على مستقبل مليء بالتساؤلات والسيناريوهات غير المتوقعة، وما أود التأكيد عليه للمرة المليون بأننا اليوم لا تزال الفرصة سانحة أمامنا لنؤثر، ولو قليلًا، في ملامح هذا المستقبل، لذا من الضروري أن تبدأ المؤسسات الدينية بوضع شروطها في برمجة الذكاء الاصطناعي المستقبلي، أو أن تدعم تطوير ذكاء اصطناعي ديني قادر على قيادة مُستقبل الأديان في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

خبراء يكشفون خطر الذكاء الاصطناعي على الدماغ

#سواليف

كشفت دراسة حديثة عن #مخاطر محتملة لبرامج الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، حيث قد تشكل تهديدا غير متوقع للصحة العقلية لبعض المستخدمين.

ورصدت الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة كينغز كوليدج لندن، ظاهرة جديدة أطلقوا عليها اسم ” #ذهان_الشات_بوت”، حيث قد تساهم هذه التقنية في “طمس حدود الواقع” لدى المستخدمين المعرضين للخطر وتؤدي إلى “ظهور أو تفاقم أعراض ذهانية.

وببساطة، قد يبدأ البعض، خاصة المعرضين نفسيا، في فقدان القدرة على التمييز بين الواقع والمحادثات مع #الذكاء_الاصطناعي بعد استخدام مكثف لهذه البرامج.

مقالات ذات صلة حرارة الصيف تهاجم إطارات السيارات.. كيف تحمي نفسك من أضرار لا تُرى؟ 2025/07/30

ويوضح الدكتور هاميلتون مورين، أحد المشاركين في الدراسة: “نحن لا نتحدث عن خيال علمي هنا. هذه حالات حقيقية يبدأ فيها المستخدمون بتطوير معتقدات وأفكار غير منطقية متأثرة بتفاعلاتهم مع #الذكاء_الاصطناعي”.

وتكمن المشكلة في أن هذه البرامج مصممة لتكون ودودة، متعاطفة، وتجيب على كل الأسئلة بثقة عالية. وهذه الميزات التي تبدو إيجابية، قد تكون خادعة للأشخاص الذين يعانون أساسا من هشاشة نفسية أو استعداد للاضطرابات الذهانية.

ويشير البروفيسور توم بولاك، أحد معدي الدراسة، إلى أن “الذهان لا يظهر فجأة، لكن الذكاء الاصطناعي قد يكون العامل الذي يدفع الشخص الهش نفسيا نحو الحافة”.

في تعليق سابق خلال بودكاست في مايو الماضي، اعترف سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، بأن الشركة تواجه صعوبات في وضع ضوابط أمان فعالة لحماية المستخدمين المعرضين للخطر، قائلا: “لم نكتشف بعد كيفية إيصال التحذيرات للمستخدمين الذين يكونون في حالة عقلية هشة وعلى وشك الانهيار الذهاني”.

وفي الوقت الحالي، ينصح الخبراء باستخدام هذه الأدوات بحذر، خاصة من لديهم تاريخ مع الاضطرابات النفسية، مع التأكيد على أن الغالبية العظمى من المستخدمين لا يواجهون مثل هذه المخاطر. لكن الرسالة واضحة: الذكاء الاصطناعي، مثل أي تقنية قوية، يحتاج إلى فهم دقيق لآثاره الجانبية قبل أن يصبح أكثر تعمقا في حياتنا.

مقالات مشابهة

  • ابتكار جهاز جديد يفرز النفايات باستخدام الذكاء الاصطناعي
  • 89% من الإماراتيين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في التخطيط لعطلاتهم
  • احتيال شركات الذكاء الاصطناعي يجب أن يتوقف
  • السباق الاستخباراتي على الذكاء الاصطناعي
  • معضلة الذكاء الاصطناعي والمؤلف العلمي
  • خبراء يكشفون خطر الذكاء الاصطناعي على الدماغ
  • «إي آند» تطلق برنامج خريجي الذكاء الاصطناعي لعام 2025
  • ربنا يستر.. خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي بيجاوب بفهلوة في المسائل الدينية
  • حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
  • هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟