بعد نحو 16 شهرًا من الإبادة الجماعية التي شهدتها غزة، توقفت المدافع، وبدأت مصر وعديد من بلدان العالم المعنية بالتجارة الدولية تنتظر عودة الملاحة بقناة السويس لطبيعتها.

فبعد 3 أسابيع من بدء العمليات الصهيونية على القطاع في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدأت جماعة أنصار الله الحوثية تعيق الملاحة بباب المندب، لمنع السفن الذاهبة إلى الموانئ الصهيونية عبر خليج العقبة والبحر المتوسط من الوصول.

وتحول الأمر مع الوقت إلى ما يشبه إغلاقًا للحركة بالممر الملاحي الاصطناعي الأشهر في العالم.

عقب وقف إطلاق النار، ستعود الحركة بالقناة تدريجيًا، بعد أن تأثرت مصر بشكل بالغ، لا سيما أنها تعتمد في توفير العملات الأجنبية، العضد الرئيسة للاستيراد من الخارج، على المصادر الريعية التقليدية لتلك العملات، ومنها الصادرات السلعية، والسياحة، وتحويلات المصريين بالخارج، وقناة السويس.

وقد تبين التأثر البالغ لبعض هذه المصادر بالأوضاع الداخلية والخارجية على النحو الذي حدث إبان أزمة كوفيد- 19 العالمية، وقبلها أحداث 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وأحداث 30 يونيو/حزيران 2013 في مصر.

خلال تأثر قناة السويس بأحداث غزة، خسرت مصر والعالم 11.5 مليار دولار، وذلك على النحو التالي:

إعلان وفقًا للمصادر المصرية، خسرت مصر 7 مليارات دولار، وهو ما يعادل، حسب تصريحات للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، 60% من عائد القناة. خسرت الملاحة العالمية، التي تضررت من مرور السفن عبر رأس الرجاء الصالح، 4.5 مليارات دولار.

في تفاصيل ذلك، ووفقًا لصحيفة "لويدز ليست" المتخصصة في بيانات الشحن البحري العالمية، فإن قناة السويس خسرت خلال حرب غزة عائد مرور 12,305 سفن اختارت القيام برحلة أطول عبر رأس الرجاء الصالح، وقدرت بورصة لندن أن تكلفة الرحلة، والتي تُعزى في الغالب إلى تكاليف الوقود، كانت حوالي 932.905 دولارات لكل رحلة، وهو ما يجعل إجمالي الخسائر يصل إلى 11.5 مليار دولار.

جدير بالذكر أن القناة مر بها عشية بدء الحرب 1.591 سفينة، وذلك خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وأن خسارة القناة خلال وقت الحرب كانت أشدها وطأة خلال شهر سبتمبر/ أيلول 2024، حيث مر بها 614 سفينة فقط، وذلك وفقًا لبيانات الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء.

أما أكبر عائد بلغته القناة في تاريخها، فكان قبل حرب غزة مباشرة، فوفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، كان أعلى عائد لها في العام المالي 2023/2022، إذ بلغ 9.4 مليارات دولار.

في ذلك العام، ووفقًا لذات المصدر، كان عائد السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، على الترتيب، 13.6 و22.1 مليار دولار. وبذلك بلغت نسبة عائد القناة من العملات الأجنبية تلك حوالي 21%. وإذا أضفنا لذلك عائد الصادرات، والبالغ 39.62 مليار دولار خلال نفس العام المالي، رغم أن العائد منها تحول إلى عجز بسبب قيمة الواردات المرتفعة، والتي ناهزت وقتئذ الـ71 مليار دولار، ليتبين أن نسبة عائد القناة من مجمل مصادر العملات الأجنبية آنفة الذكر هو 11%.

زعيم جماعة أنصار الله الحوثية، عبدالملك الحوثي، قال تعليقًا على وقف إطلاق النار في غزة: "سنبقى في مواكبة مراحل تنفيذ الاتفاق، وأي تراجع إسرائيلي أو مجازر وحصار سنكون جاهزين مباشرة للإسناد العسكري للشعب الفلسطيني".

إعلان

وهذا الأمر يعني أن كل الاحتمالات لا تزال قائمة، وهو ما يبرر مستقبلًا العودة التدريجية لعمل القناة، نتيجة العودة البطيئة لاستئناف شركات الملاحة نشاطها.

وبناءً عليه، فإنه على الأرجح لن تتوقف الخسائر المصرية والعالمية بمجرد وقف الحرب، لأن شركات الملاحة دولية النشاط ستعود لاستخدام القناة بالتدريج، وبعد أن تطمئن بأن جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن لن تعود للرد على العدوان الصهيوني على غزة.

عودة القناة إلى العمل بكامل طاقتها ستكون على الأرجح في النصف الثاني من العام 2025، وذلك بعد أن يتم التأكد من الوقف الكامل والجاد لإطلاق النار، وبعد أن تتوقف إسرائيل عن الرد على اليمن بضرب منشآته المدنية على النحو الذي حدث في المرات الأربع الماضية.

ومما لا شك فيه أن شركات الملاحة لن تدرس العودة لمجرد وقف إطلاق النار فحسب، إذ إنها ستقيس العودة أيضًا من المنظور الاقتصادي غير البعيد عن المنظورين الأمني والسياسي. ويُقصد هنا العودة قياسًا لتكلفة التأمين المرتفعة، وليس فقط اختصار الوقت المقدر، حسب أسامة ربيع، رئيس شركة قناة السويس، ما بين 9-14 يومًا إضافية.

هنا قد يكون من الملائم رصد تصريحات شركات الخطوط الملاحية، ومنها، على سبيل المثال، ما ذكره مصدر بالخط الملاحي السويسري "إم إس سي"، حيث أشار إلى أنه تتم هذه الأيام مناقشة آليات العودة للعبور في منطقة البحر الأحمر من عدمه، وأن هناك مقترحات بعبور عدد محدد من السفن التابعة للشركة، لإثبات جدية بيان جماعة الحوثي، مشيرًا إلى أن هناك تخوفًا من عودة العمليات الحربية في منطقة البحر الأحمر مرة أخرى.

ما من شك أن قرار العودة بتُؤَدة هو أمر سيؤثر على كافة المعنيين بشكل إيجابي، فشركات الملاحة والشحن والتفريغ والوكالات التجارية وزبائنهم من المصدرين والموردين، كل هؤلاء يتأثر عملهم إيجابًا بانخفاض زمن الرحلة البحرية بالمرور في قناة السويس، ومن ثم وصول بضائعهم في وقت ملائم، وفق شروط الزبائن، وقبل أن يصيب التلف بعضها.

إعلان

المؤكد أن قيمة قناة السويس سترتفع بشكل أكبر بسبب تقليل وقت الرحلة بشكل إضافي، بعد التوسعة الأخيرة التي جرت في القناة إبان الحرب على غزة، والتي ساهمت في ازدواج الخط الملاحي في منطقة البحيرات المرة الصغرى.

بالتوازي مع ذلك، ستكون مصر في حالة من الراحة الكبيرة، خاصة في ظل توقع عودة دخل القناة للارتفاع. وهنا من المهم الإشارة إلى أنه كان يتوقع، لولا الحرب، أن يصل معدل الدخل السنوي خلال عام 2024 إلى 12 مليار دولار.

كما أنه من المتوقع انخفاض أكبر في معدلات التضخم، والذي بدأ بالفعل في الانخفاض قبل أسابيع قليلة من انتهاء الحرب، وتحسن وضع الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وزيادة معدل الاستثمار حول القناة شرقًا وغربًا عقب زيادة معدلات الحركة الملاحية، وانخفاض تدريجي لمعدلات الفائدة المرتفعة في البنوك، ما يجعل الناس تتجه للبحث عن فرص استثمار أفضل، وتحسن فرص الاقتصاد المصري في مؤشرات الاقتصاد الدولي، خاصة بعد التمكن من سداد الديون وخدمة الديون، وارتفاع متوقع لاحتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي.

هكذا بينت الأحداث أهمية القناة، وعدم وجود أي بديل جيد يمكن أن يحل محلها، وتلك البدائل هي مشروع خط الحزام والطريق الذي تتبناه الصين، والخط المقترح المقابل للرابط بين الهند والكيان الصهيوني مرورًا بالإمارات، والسعودية، والأردن، والمشروع الرابط بين الهند وروسيا مرورًا بإيران، والخط الروسي البحري الرابط بين مضيق بيرنغ وبحر البلطيق عبر القطب الشمالي.

الخطوط الثلاثة الأولى تعتمد على السكك الحديدية في جزء أو أغلب مراحلها، وهي غير مجدية، لأن القطار الواحد قادر على حمل ما لا يزيد عن 120 حاوية، في حين أن سفينة ضخمة واحدة قادرة على حمل أكثر من 20 ألف حاوية.

أما الخط البحري الروسي عبر المحيط المتجمد الشمالي، فيعيقه الجليد معظم فترات العام، وقد تبين قبل حرب غزة أن أقصى ما نُقل عبر هذا الخط 34 مليون طن من البضائع، مقابل مرور 1.5 تريليون طن في قناة السويس في ذات الفترة بعدد 25.887 سفينة.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان شرکات الملاحة ملیار دولار قناة السویس بعد أن

إقرأ أيضاً:

إعلام إسرائيلي: 80% من الشعب يريد إنهاء الحرب وإعادة الأسرى

تناولت وسائل إعلام إسرائيلية تعثر المفاوضات بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وسط تصاعد الضغوط الداخلية والدولية لدفع حكومة بنيامين نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية) نحو إبرام صفقة لوقف إطلاق النار، وإعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، في ظل اتساع الفجوة بين الطروحات المقدمة من الطرفين.

وحذّر محللون من أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يواجه خيارين لا ثالث لهما، إما المضي في الحرب من دون أفق زمني واضح، أو الدخول في اتفاق يعيد الأسرى المحتجزين، مؤكدين أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون إنهاء الحرب من أجل هذه الغاية.

وقال خبير السياسات والإستراتيجية في جامعة رايخمان الدكتور شاي هار تسفي للقناة 13 الإسرائيلية إن عدد الاسرى الإسرائيليين في غزة يبلغ 58 شخصا، محذّرا من أن إسرائيل لا تملك ترف الانتظار لشهور إضافية، لأن ذلك لن يغير موقف حماس.

وأضاف هار تسفي أن "استعادة الأسرى يجب أن تكون أولوية قصوى"، واصفا ذلك بأنه "واجب إنساني وقومي وأخلاقي"، مشددا على ضرورة التوصل إلى صفقة شاملة عاجلة من دون تأخير.

من جانبه، اعتبر المدرب السابق في جهاز الشاباك دفير كاريف، في مقابلة مع القناة ذاتها، أن الحكومة الإسرائيلية تقف أمام مفترق طرق، قائلا: "إما أن نستعيد المخطوفين أو نحافظ على الحكومة، وعلى نتنياهو أن يقرر".

إعلان معركة بلا نهاية

وتابع كاريف متسائلا "هل تريد يا نتنياهو انتصارا مطلقا وجميلا أم أنك تفضل البقاء في هذه المعركة إلى ما لا نهاية؟"، واستحضر المناسبة الدينية وقال: "نحن في عيد الأسابيع، عيد الوحدة، والشعب موحد بنسبة 80% على ضرورة إنهاء الحرب واستعادة المخطوفين".

وفي السياق ذاته، كشفت القناة 11 الإسرائيلية عن تطورات في الاتصالات السياسية، حيث نقل رئيس قسم الشؤون العربية في القناة روعي كايس أن رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني التقى قيادة حماس في الدوحة خلال الساعات الـ24 الماضية.

وأشار كايس إلى أن اللقاء جرى في إطار "محاولة لجسر الفجوة" بين المقترح الإسرائيلي الذي قدمه الوسيط ستيف ويتكوف، ورد حماس الذي وصفه بـ"المليء بالملاحظات"، مؤكدا أن الحركة الفلسطينية أبدت استعدادا للدخول في مفاوضات غير مباشرة فورية لتقريب وجهات النظر.

ورغم هذا، تساءل كايس عما إذا كان هذا التقدم كافيا لحدوث اختراق حقيقي في المفاوضات، مشيرا إلى استمرار التباعد بين مواقف الطرفين رغم الضغوط المتزايدة على حماس وإسرائيل معا.

وأعاد كاريف، في تصريح لاحق للقناة 13، تسليط الضوء على أهمية التوقيت في اتخاذ القرار، موضحا أن تاريخ 16 يونيو/حزيران يحمل رمزية خاصة، إذ يُعقد في ذلك اليوم حفل زفاف نجل نتنياهو، أفنير، وهو حدث لا يرغب رئيس الحكومة في تشويهه بأي تطور أمني سلبي.

زفاف نجل نتنياهو

وأوضح أن إمكانية استهداف الحوثيين للحدث لا تزال قائمة، قائلا إن "إسرائيل لا تحتمل صور سقوط صاروخ في أثناء الحفل، حيث ينبطح مئات الحضور على الأرض، بينما نتنياهو يستقبل التهاني".

وأشار كاريف إلى عامل آخر يتمثل في الحسابات السياسية الأميركية، إذ قال إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى بشدة للحصول على جائزة نوبل للسلام، التي تُمنح مطلع أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما يدفعه إلى تشجيع التوصل إلى صفقة تمتد لـ60 يوما.

إعلان

وذكر أن "صفقة من هذا النوع تنتهي منتصف أغسطس/آب، وهو ما يمنح ترامب فرصة طرحها كإنجاز سياسي يعزز ترشيحه للجائزة"، مضيفا أن "الدفع باتجاه التهدئة في غزة قد يرتبط أيضا بمساعيه للتوصل لاتفاق مع إيران في الإطار ذاته".

وفي تفاعل ضمني مع هذه القراءة، قال مذيع القناة 13 لكاريف بعد عرض تسلسله الزمني والتقديرات المرتبطة به: "لقد أقنعتني.. أنا أتقبل ذلك"، في إشارة إلى ترابط المعطيات وتلاقي المصالح السياسية والشخصية التي قد تحرّك عجلة المفاوضات.

وختم كاريف بالقول إن الأسبوعين أو الثلاثة المقبلة -وتحديدا حتى 16 يونيو/حزيران- تمثل نافذة زمنية حرجة لكلا الطرفين، مشيرا إلى أن لدى ترامب ونتنياهو دوافع واضحة لتسريع إنجاز الصفقة، كلٌّ لأسبابه الخاصة.

مقالات مشابهة

  • باستثمارات مليار جنيه: اقتصادية قناة السويس توقع عقدًا مع «كومفلي هونج كونج» الصينية لتوطين صناعة حقائب السفر
  • إعلام إسرائيلي: 80% من الشعب يريد إنهاء الحرب وإعادة الأسرى
  • تميم خلاف: الرئيس السيسي يؤكد أهمية عودة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب
  • قناة “قوت” البرازيلية تمدد بث دوري روشن حتى 2029
  • إقتصادية قناة السويس تفتتح فرع بلتون للتأجير التمويلي والتخصيم
  • رئيس اقتصادية قناة السويس: نسعى لجذب الكيانات المالية الكبرى لدعم الاستثمار بالمنطقة
  • لتحسين الواقع المائي… البدء بمشروع تأهيل قناة الري “ج 2” بمنطقة الغاب
  • رئيس جامعة قناة السويس يهنئ فريق جراحة الأورام على نجاح عملية جراحية معقدة لاستئصال ورم ضخم بالمثانة
  • جامعة قناة السويس تنظم ورشة عمل موسعة لتفعيل دور القطاع الطبي في مناهضة العنف ضد المرأة
  • جامعة قناة السويس تطلق حملة توعوية شاملة بمركز مدينة التل الكبير