محتجون بالسويداء ينتقدون الإدارة الجديدة
تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT
السويداء- انتقل التباين السياسي، بين موقف الشيخ حكمت الهجري الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في السويداء، والشيخ يحيى الحجار قائد حركة رجال الكرامة، إلى الشارع صباح اليوم الخميس، وعبر عنه بوقفة احتجاجية انتقلت من ساحة الكرامة وسط السويداء إلى مبنى المحافظة المجاور للساحة.
ولم يكن الشيخ الهجري بحسب أوساط مقربة منه راضيا عن دخول سيارات تابعة للأمن العام إلى السويداء الأربعاء، في حين قامت حركة رجال الكرامة، الفصيل المسلح الأكبر عددا، والموالي لحكومة دمشق بإدخال السيارات، بالرغم من رفض الشيخ الهجري لذلك.
وصباح الخميس توافد العشرات إلى ساحة الكرامة رافعين أعلام الطائفة الدرزية، وصور الشيخ الهجري، مرددين هتافات تدعو لإسقاط الرئيس أحمد الشرع وحكومته.
وعلمت الجزيرة نت أن معظم من شارك بالوقفة الاحتجاجية كانوا من حزب اللواء السوري، والمجلس العسكري بالسويداء، وتيار سوريا الفدرالي، والتيار السوري العلماني، وجميعها تشكيلات سياسية تريد الانفصال أو الإدارة الذاتية، في حين امتنعت باقي القوى السياسية الوطنية في السويداء من المشاركة بالوقفة الاحتجاجية.
إعلانوهتف المتظاهرون حال وصولهم إلى مبنى المحافظة بضرورة إقصاء المحافظ مصطفى بكّور، وإعادته إلى دمشق، وقام بعضهم بإنزال العلم الرسمي للبلاد من فوق المبنى، ورفع علم الطائفة الدرزية عوضا عنه، ومع ساعات الظهيرة جرى رفع العلم الرسمي إلى جانب علم الطائفة الدرزية.
ورجّح محمد الأسمر مدير العلاقات الحكومية في وزارة الإعلام بدمشق، للجزيرة نت عبر الهاتف، بأن لا يصدر أي تصريح رسمي من الحكومة حول ما جرى بالسويداء.
وعلمت الجزيرة نت أن توجيها عاما حكوميا دعا لتجنّب التعليق أو التصريح بما يخصّ السويداء.
وقال الأمين العام للتحالف الوطني السوري، خالد جمول، للجزيرة نت إن ما يحدث الآن في محافظة السويداء هو نتاج التخبط سواء كان على المستوى السياسي أو الفصائلي أو على مستوى المجموعات المسلحة.
وأضاف "نحن حاليا ندعو الجميع من فصائل وقادة دينيين وعشائريين إلى عقد لقاء فوري لتدارك التصعيد الذي يحدث في السويداء، والذي أججه اختلاف الآراء والمواقف المحلية".
واعتبر المتحدث ذاته أن هناك تأثيرا من قبل الدول المحيطة على القرار في السويداء، وفي الجنوب بشكل عام. وقال "نحن نطلب أن يكون قرارنا سوريا وصادرا عن السوريين فقط، والسويداء هي جزء لا يتجزأ من الوطن سوريا ويؤسفنا كثيرا ما حدث اليوم، لأن السويداء لا تقبل التقسيم ولا تقبل الانفصال".
خصوصية السويداء
من جهته، يرى جمال درويش عضو مؤتمر الحوار الوطني، في حديث للجزيرة نت، أن ما حدث اليوم هو موقف غير مسبوق، وموقف استفزازي لمعظم سكان المحافظة، لكنه لم يأتِ من فراغ.
ونوّه إلى كون الضائقة المادية والمعيشية التي يعاني منها المواطنون قد تكون أحد أسباب مظاهرة اليوم، بالإضافة إلى رد الفعل على فصل كثير من العاملين في القطاع العام، والذين لم يتم تسوية أوضاعهم.
إعلانوأوضح درويش، في السياق ذاته، أن التردّي المعيشي هو شأن عام لا يقتصر فقط على السويداء، وقال "حدث تضخيم وتجييش إعلامي في مثل هذا الموقف الذي شهدناه اليوم، وغيره من مواقف والتي لا تمثل الموقف الوطني في السويداء". واستطرد أنه يتم استغلال حساسية المواقف وخصوصية السويداء كون الطائفة الدرزية هي التي تمثل المكوّن الأكبر في المحافظة.
وأضاف أن السوريين عموما ينتظرون أي تطورات قد تحدث بعد انتهاء أعمال مؤتمر الحوار الوطني، أو على صعيد تشكيل حكومة انتقالية تستند إلى إعلان دستوري تطمئن من خلاله الناس، وأن الجميع في السويداء يريدون أن يبقوا ضمن القانون وضمن الدولة الوطنية التي ستتشكل في دمشق.
وأشار درويش إلى أن ما حصل اليوم هو أمر مؤسف ومحزن ومدان من قبل كل قوى المجتمع والقوى الوطنية والديمقراطية والاجتماعية، لأنه يُعتبر محاولة تشويه وسرقة المحتوى الوطني من المحافظة وتقديم السويداء على أنها تريد الانفصال.
وقال أيضا "في محافظة السويداء هناك ممثل للإدارة المركزية، والسويداء لا تقبل بإسقاط المرحلة الانتقالية لأنها تتيح فرصة حقيقية في بناء الدولة السورية الحديثة بالرغم من وجود مخاوف عند الجميع".
في حين انتقد حافظ الخطيب، أحد مؤسسي تيار سوريا الفدرالي، الأداء الحكومي. وقال للجزيرة نت "بعد أن ضاق أهالي السويداء ذرعا من التسويف والمماطلة والوعود الرنانة للحكومة الجديدة في دمشق، تداعت المجموعات والشخصيات والمهتمون بالشأن السياسي في المحافظة (عبر مجموعات الواتساب) إلى تنظيم مظاهرة حاشدة اليوم السادس من مارس/آذار رفضا لسياسات الجولاني وحكومته ذات اللون الواحد".
وتابع "وللمطالبة تاليا بإسقاطه هو وحكومته الغاصبة للسلطة، فالجميع يعلم أن توافقا دوليا هو الذي جاء بهذه السلطة، ومن دون استشارة أحد".
إعلانواعتبر أن وجود سلطة بما أسماه "عقلية سلفية جهادية" سيكون عاملا هدّاما ومانعا لأي بناء أو تطور أو مساعدة أممية في الإعمار.
استجابةً لدعوات انتشرت على مواقع التواصل.. العشرات يخرجون بمظاهرة في مدينة #السويداء رفضًا لما وصفوه بسياسات الإدارة الجديدة في #سوريا#فيديو pic.twitter.com/BIbr2J4wvl
— الجزيرة سوريا (@AJA_Syria) March 6, 2025
وقال "نحن نحترم التنوع وخصوصية الإثنيات والطوائف السورية مجتمعة. ونرى أن دولة فدرالية تتمثل فيها جميع المكونات ويُعترف بشرائعها وخصوصيتها ولغتها ستكون دولة غنية ورائدة وسباقة، تجتمع تحت علم واحد بخارجية واحدة ووزارة دفاع واحدة، أما شؤونها الداخلية فتتولى كل مقاطعة أو إقليم تنظيم أمورها بنفسها".
وأكد الخطيب أنه إذا احترمت حكومة دمشق خصوصيتهم، وكذلك خصوصية باقي مكونات الشعب السوري، فهم يرحبون ويحترمون، ويريدون دولة سوريّة موحدة وقوية. وأردف، أما إذا كانت ستمضي بنهج تدميري وشعبوي فهم لا يريدونها، ويريدون إسقاطها. ووضح "وإذا تعذر ذلك بسبب توافقات دولية عندها سيكون خيارنا الحتمي هو الابتعاد عن المركز بأي صيغة".
وتنمو في السويداء مظاهر عديدة مناوئة لحكومة المركز، وفي بعضها رغبة في الانفصال، وقد رفع العلم الإسرائيلي لبعض الوقت قبل يومين، وفي وقت متأخر من الليل، قبل أن تسارع حركة رجال الكرامة إلى إنزال العلم الإسرائيلي وإحراقه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الطائفة الدرزیة فی السویداء للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
سوريا الجديدة: بين عدالة الاقتصاد ووعي السيادة
في منعطفٍ تاريخي حاسم، تقف سوريا الجديدة أمام تحدٍّ يتجاوز إعادة الإعمار إلى إعادة ابتكار الدولة ذاتها. هذه ليست مجرد مرحلة ما بعد الثورة، بل لحظة تأسيس لمشروع وطني مختلف، يستمد شرعيته من جراحه، ويصوغ مستقبله على ضوء نقد جذري لما كان.
وفي قلب هذا التأسيس، تبرز قضيتان محوريتان تشكّلان نواته الصلبة:
أولاهما، الحاجة إلى اقتصاد عادل، ليس بوصفه مطلبا تنمويا فحسب، بل كآلية لإعادة لُحمة المجتمع وصياغة هوية وطنية جامعة.
وثانيهما، ضرورة إعادة تعريف الأمن القومي في مواجهة التهديد الإسرائيلي، لا كخطر عسكري آني، بل كعامل تفكيك استراتيجي متواصل لكيان الدولة ووعيها.
الاقتصاد المطلوب هو اقتصاد يحرّر المجتمع من الزبائنية، لا فقط بوصفها علاقة مصلحية مشوهة بين الحاكم والمحكوم، بل كآلية تهدر الكفاءات، وتُضعف قيم المواطنة، وتكرّس الانقسام الطبقي والطائفي، عبر تحويل الدولة إلى شبكة من الولاءات الشخصية، بدلا من أن تكون حاضنة للعدالة والفرص المتكافئة
الاقتصاد العادل.. لغة الانتماء الجديدة
في السياقات ما بعد النزاعات، يُختزل الاقتصاد غالبا كأداة إسعاف اجتماعي. أما في سوريا الجديدة، فلا بد أن يُعاد التفكير فيه كبنية تأسيسية تعيد إنتاج الانتماء الوطني على قاعدة الكرامة، والمشاركة، والعدالة.
لم يكن الفقر في سوريا نتيجة الحرب فقط، بل أصبح سببا لإعادة إنتاج الطائفية والانغلاق، حين عجز النظام البائد عن خلق نموذج توزيعي عادل.
لذلك، فالاقتصاد المطلوب هو اقتصاد يحرّر المجتمع من الزبائنية، لا فقط بوصفها علاقة مصلحية مشوهة بين الحاكم والمحكوم، بل كآلية تهدر الكفاءات، وتُضعف قيم المواطنة، وتكرّس الانقسام الطبقي والطائفي، عبر تحويل الدولة إلى شبكة من الولاءات الشخصية، بدلا من أن تكون حاضنة للعدالة والفرص المتكافئة. إنه اقتصاد يُعيد تعريف الدولة كمشروع وطني جامع، لا كغنيمة تُوزَّع على مراكز النفوذ.
الأمن القومي.. تحصين الوعي قبل الحدود
لا يمكن لسوريا الجديدة أن تنهض دون رؤية أمنية تتجاوز الخطاب التقليدي. فإسرائيل لم تكن يوما خصما حدوديا، بل مشروعا تفكيكيا يشتغل على وعي الشعوب، لا فقط على جغرافيا الدول.
الأمن القومي لا يتجسّد فقط في السلاح، بل في الذاكرة، والتعليم، والإعلام، وفي قدرة المجتمع على مقاومة التطبيع الناعم. والمطلوب ليس فقط إعادة هيكلة العقيدة العسكرية، بل إنتاج خطاب سياسي وثقافي يتعامل مع إسرائيل بوصفها تهديدا لبنية الدولة الوطنية ولسيادتها الرمزية والمادية.
سوريا الجديدة لا تُبنى بالقوانين والموازنات فقط، بل برؤية تعيد تعريف العلاقة بين الدولة ومواطنيها، على قاعدة المشاركة لا التبعية، والانتماء لا الولاء
نحو ميثاق وطني يُعيد هندسة العلاقة بين الدولة والمجتمع
سوريا الجديدة لا تُبنى بالقوانين والموازنات فقط، بل برؤية تعيد تعريف العلاقة بين الدولة ومواطنيها، على قاعدة المشاركة لا التبعية، والانتماء لا الولاء.
ولذلك، تبدأ خطوات التأسيس من:
1- نموذج اقتصادي تنموي قائم على الإنتاج والتوزيع العادل للفرص والثروات.
2. إصلاح سيادي للمؤسسات الأمنية والعسكرية يجعلها حامية للوطن، لا حارسة للتوازنات الداخلية.
3- إطلاق حوار وطني شامل يعيد رسم ملامح العقد الاجتماعي على قاعدة تجاوز الطائفية وبناء دولة المواطنة.
سوريا الجديدة ليست عودة إلى ما قبل الحرب، بل قفزة نحو ما تستحقه، وما يجب أن تكون عليه:
- دولة تستلهم من الألم وعيا جديدا، ومن الفوضى حكمة، ومن العدو دافعا لإعادة ترتيب أولوياتها.
- إنها الدولة التي لا تُبنى على أنقاض الماضي فقط، بل على إرادة شعب قرّر أن لا ينسى مَن كان خلف الأسلاك، يترقّب لحظة سقوط جديدة، ولن يمنحها له.