دعاة الحرب والقتلة- سخرية الأقدار في زمن الخراب السوداني
تاريخ النشر: 13th, March 2025 GMT
في خضم الحرب الأهلية التي تعصف بالسودان، تطفو على السطح مفارقة مأساوية لا يمكن تجاهلها: أولئك الذين يتشدقون بالوطنية ويلوكون كلمة "العمالة" بأفواههم هم أنفسهم من أشعلوا نيران الفتنة، وسكبوا دماء الأبرياء، وحوّلوا البلاد إلى ساحة مفتوحة للقتل والدمار. إنها سخرية الأقدار أن يتحول القتلة إلى دعاة للوطنية، وأن يرفعوا أصواتهم بالحديث عن الخيانة بينما هم من جلبوا الخراب إلى أرض السودان.
في ظل هذه الحرب الضروس، تحولت منصات البث المباشر ووسائل التواصل الاجتماعي من أدوات لنشر الوعي إلى منابر للتحريض على العنف. ما كان يُفترض أن يكون وسيلة لإظهار الحقائق وتحقيق العدالة، أصبح أداة لتأجيج الكراهية وتمزيق النسيج الاجتماعي. يتنافس المتحدثون على هذه المنصات في إطلاق الاتهامات والتخوين، بل إن بعضهم لا يتورع عن الدعوة الصريحة للعنف، وكأن الدم السوداني قد أصبح رخيصًا في عيونهم.
الأمر الأكثر إيلامًا هو أن العديد من هؤلاء المحرضين لا يمتلكون أي مشروع سياسي أو فكري حقيقي. هم مجرد أدوات تُستخدم لخدمة أجندات خارجية أو مصالح شخصية ضيقة. لا فرق بين من يدعمون المليشيات أو الجيش النظامي؛ فكلاهما يساهم في إطالة أمد الحرب من خلال خطاب الكراهية والتحريض. هم وقود الصراع، وليسوا حلًا له.
القتلة يرفعون شعار الوطنية!
المفارقة الأكثر إثارة للاشمئزاز هي أن أولئك الذين سفكوا دماء السودانيين باتوا اليوم يتحدثون عن "الوطنية" و"الشرف". كيف لمن قتل الأبرياء ودمر المدن أن يدعي الدفاع عن الوطن؟ كيف لمن يتلقى الدعم من جهات خارجية أن يتحدث عن السيادة الوطنية؟ إن خطاب "العمالة" الذي يروجون له ليس سوى محاولة يائسة لتبرئة أنفسهم من الجرائم التي ارتكبوها، ولإقناع الشعب السوداني بأنهم الضحايا وليسوا الجلادين.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن هؤلاء المحرضين هم جزء لا يتجزأ من المشكلة. هم من ساهموا في تحويل السودان إلى ساحة حرب بالوكالة، حيث تُستخدم البلاد كمسرح لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. لا يمكن لمن يقف وراءه دعم خارجي، ويمارس القتل والنهب، أن يدعي أنه يحمي سيادة الوطن.
ما الحل في زمن الحرب؟
في ظل هذه الأوضاع المأساوية، يبقى الحل الوحيد هو فضح زيف هذه الخطابات وكشف تناقضات أصحابها. يجب على الشعب السوداني أن يرفض الانجرار وراء خطابات الكراهية والاستقطاب، وأن يعمل على إيقاف نزيف الدم الذي يستنزف البلاد. السودان بحاجة إلى أصوات العقل والحكمة، لا إلى أمراء الحرب ودعاة الفتنة.
لن يتحقق السلام إلا بمحاسبة كل من تورط في سفك الدماء، ورفض كل الأصوات التي تحرض على العنف. يجب أن يُحاكم كل من استخدم السلاح ضد شعبه، وأن تُحاسب كل جهة ساهمت في تأجيج الصراع. فقط عندها يمكن أن يعود السودان وطنًا آمنًا لكل أبنائه، بعيدًا عن لغة التخوين والتحريض التي أوصلته إلى حافة الهاوية.
السودان يستحق أن يعيش بسلام، وأن يبنى من جديد على أسس العدل والمساواة. أما دعاة الحرب والقتلة، فليعلموا أن التاريخ لن يرحمهم، وسيحكم عليهم بما يستحقون.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
خطوات تهئية الحوار والاتفاق السُوداني لوقف الحرب لصالِح السُودان والسُودانيين «2»
خطوات تهئية الحوار والاتفاق السُوداني لوقف الحرب لصالِح السُودان والسُودانيين «2»
نضال عبد الوهاب
في الجزء السابق والمقال الأول أوضحت أن الظرف الذي تمر به البلاد والشعب السُوداني من خطر يحتاج نوع أكثر جُرأة مُباشرة في الحلول، ويحتاج ما أسميته “بالفوقان” والاستيقاظ من حالة الجمود والتطرف والتعنت في المواقف، والتخلي عن الإنتظار والنظرات “العاطفية” والخيالية والتركيز في الواقع العملي الذي يحدث الآن أو المتوقع حدوثه في حال استمرار هذه الحرب من الأسؤا لبلادنا وشعبنا لا قدر الله، وفي ذات الوقت عدم جعل الحلول تُفرض علينا من الخارج الدولي أو إنتظارها والوصول لحالة الاستسلام أو اليأس، لن نكرر الفظائع التي خلفتها هذه الحرب أو تُمارس فيها فالجميّع يراها يومياً ويعيشها ويعيش مآسيها داخلياً وخارجياً ، ولن نُسهب في تقريب صورة الخطر الذي يواجه السُودان في وجوده وبقاؤه متوحداً أو مُستقراً أو صالحاً للعيش ، فكل هذا كتبنا عنه وأوضحناه ، مايهمني واحاول توصيله في هذه المقالات هو كيفية الخروج من هذا الواقع وتلافي كافة السناريوهات السئية ، والمُضي في خطوات “عملية” للحل توقف هذه الحرب وتمنع إستمرارها أو تمددها ونوقف بذلك إبادة الشعب السُوداني وفناؤه و”الموت” في كل لحظة ونعيد به إستقرار البلاد وعودة اهلها من النازحين والمُشردين وتتوقف معاناة السُودانين وعودة مظاهر الحياة فيه بكافة ضروبها والأمان لهم والحياة، والمحافظة علي البلاد ووحدتها والإتجاه لمستقبل أفضل في كل شئ، بوحدة الإرادة لجميع السُودانين، والبناء للبلد بدلاً عن تدميرها وخرابها.
كتبت في المقال الأول عن الخطوات التمهيدية الأولية والإستباقية التي تتحقق بها الأهداف الرئيسية في وحدة البلاد ووقف الحرب ومن ثم التحول الديمُقراطي، وفق أولوياتها، والدعوة للحوار الشامل الداخلي لكل القوي السياسِية وأطراف الحرب، بما فيها الحوار المُباشر مع الإسلامين أصحاب قرار الحرب وداعميه مع ممثلين للقوي السياسِية والمدنية ، أساس كل هذا الحوار أن الجميّع شُركاء في الوطن ، ومبدأ القبول بالآخرين فيه والإعتراف المتبادل بالجميّع ، وأن محاولات الإقصاء من مبدأ هذه الشراكة الوطنية فيه ضرر عظيّم ، وأن والتفاهمات للوصول لمشتركات يُبني عليها لصالح البلاد وشعبها وتعظيّم مصالح السُودان والسُودانين في وقف الحرب وكُل هذا الخراب والدمار وخطر التقسيّم والإحتلال والتدخلات الخارجية وسرقة مقدرات وموارد البلد هو الأهم وتتطلب قدراً عالٍ من التفهُم وتقديم التنازلات لبعضنا البعض إذا ما أردنا الوصول لحلول “سلمية” تتوقف بها الحراب والصرّاع ، وأن الحلول العسكرية والحربية التي ظلّ طرفا الحرب وحلفاؤهم وداعميهم يتمسكون بها لم ولن توردنا إلا إلي موارد الهلاك وستتواصل بها الإبادة والموت والإنتهاكات والتدميّر وتطول المُعاناة ، وأيضاً كتبنا عن التمهيّد بوحدة كافة القوي السياسِية والمدنية والفصائل للوصول لرؤية مُشتركة قدر الإمكان في هذا الجانب طالما أن هنالك إتفاق علي الأهداف الرئيسية في المُحافظة علي وحدة البلاد وفي وقف الحرب وفي التحول الديمُقراطي، وأن التشدد ووضع العقبات والمتاريس بناء على “الماضي” لن يفيد خاصة في حال تم السيّر عكس الواقع الحالي والظرف شديد الخطورة وإدراكه إدراكاً صحيحاً لذلك واصلت في كتابة الخطوات الإستباقية ووقف العدائيات التي تُقدّم للحوار من أصحاب القرار داخل الجيش والمُمسكين بزمام الأمور حالياً في البلد بقوة السلاح مع الآخرين من المُختلفين معهم ومن داخل القوي السياسِية والمدنية والثورية، وفي التهئية لجعل أي تفاهمات أو حوار مُثمر وإيجابي لوقف الحرب والوصول لمصالح السُودانين في ذلك.
في هذا المقال ومواصلة للخطوات المرتبطة بالفاوض بين الأطراف العسكرية، أوضحت أن دور وساطة منبر جدة لم تعد واقعية بحسب المُستجدات ، وأن الإصرار علي وجود أطراف لها علاقة بالأزمة أو بدعم الحرب أو منحازة لطرفيها لن تكون إيجابية أو في صالح السُودان أو السُودانيين ، وفي ذات الوقت أن التعامل مع الفاعلين أو اللاعبين الرئيسين في هذه الحرب مطلوب بشدة لوقف الحرب، وهذا يتطلب الذهاب لجهات لها المقدرة علي لعب الدور الدبلوماسي والوساطة والتفاهم المُباشر مع أمريكا والتي تعتبر مُفتاح رئيسي لأنها تدعم الحرب بالسلاح والعتاد الآتي عن طريق الإمارات كمثال ولها تفاهماتها مع إسرائيل ولغة المصالح مع أوروبا وحتي روسيا والصين وإيران وغيرها ، وهذا لوجودنا في منطقة البحر الأحمر وكل مايجري في منطقتي البحر الأحمر والشرق الاوسط والإرتباط بينها، وهنا نقترح الوساطة الثلاثية “التركية، السعودية، القطرية” إلي لعب دور التفاهم مع أمريكا والأطراف الإقليمية الأخري الداعمة لطرفي الحرب خاصة الإمارات ومصر وإيران وأنه يمكن وفق الوساطة المُباشرة وفق لغة المصالح وتضادها الوصول لمصلحة السُودان في وقف الحرب، فالعلاقة الجيّدة والثقة والمصالح المشتركة ما بين أمريكا ورئيسها “ترامب” وإدارته ومابين تركيا والسعودية وقطر يمكن أن تلعب هذا الدور بشكل إيجابي جداً وكذلك العلاقات الجيّدة والمصالح لدول الوساطة بالسُودان ، وبالتالي فإن الداعمين للحرب يمكن لهم السيّر في طريق دعم وقفها وفق كُل لغة المصالح هذه ، بدلاً عن التصعيّد سواء بالعقوبات أو النواحي العسكرية والتحديّات ولغة المحاور وهذه الطرق المُجربة في خلق المُعاناة للسُودان والسُودانين ، لذا فإن تكرارها ليس في صالحنا ولا صالح الآخرين في منطقة ذات موقع حساس كموقع بلادنا ، وهذا الأمر إذا تم بشكل جيّد أي أمر الوساطة الثلاثية والتفاهم والتنسيق مع أمريكا وداعمي الحرب الإقليمين فإن درجات نجاحه وتأثيره تظل هي الأكبر ، خاصة في ظل الرؤية الأستراتيجية للرئيس الأمريكي في تحقيق السلام ووقف الحروب وفق مادعي له منذ إنتخابه.
لذلك علينا التركيز في الجانب الخارجي والدبلوماسي علي خلق هذا المنبر الثلاثي الجديد “تركيا والسعودية وقطر” وتفعيله.
ونواصل في الجزء الثالث والأخير كيفية التوصل لوقف إطلاق النار والحرب بين أطرافها العسكرية ، والتحضيّر لعملية سياسية إيجابية تفيد أهداف وقف الحرب وتتجه للمُستقبل في ظل كُل هذا المشهد المُعقد وللخروج منه.
[email protected]
خطوات تهيئة الحوار والاتفاق السُوداني لوقف الحرب لصالِح السُودان والسُودانيين «1»
الوسومالتحول الديمقراطي الحرب السعودية السودان تركيا قطر منبر جدة نضال عبد الوهاب