أعلنت ثلاث من دول الساحل الإفريقي انسحابها جماعيا من المنظمة الدولية "الفرانكفونية"، في خطوة نٌظر إليها على أنها مؤشر للانهيار المتسارع للهيمنة الفرنسية في أفريقيا.

وتأسست المنظمة الدولية الفرانكفونية 1970 ومقرها باريس، وتضم في عضويتها 94 دولة، ويتمثل هدفها الإستراتيجي في تفعيل وتطوير اللغة الفرنسية والترويج لها.



لدى المنظمة ممثلون دائمون بالاتحاد الأفريقي واللجنة الاقتصادية الأفريقية، والاتحاد الأوروبي، وداخل الأمم المتحدة، ولها مكاتب جهوية بعدد من الدول الأفريقية.

ويدير شؤون المنظمة أكثر من 300 موظف موزعين ما بين المكتب الرئيسي في باريس وباقي المكاتب الجهوية.

ووفق تقديرات غير رسمية، فإن أكثر من عشر سكان القارة الإفريقية يتحدثون اللغة الفرنسية، فيما تعمل باريس على اصطفاف النخب السياسية الفرنكوفونية الأفريقية وراء السياسة الفرنسية.

"تطبيق انتقائي للعقوبات"
وأعلنت مالي والنيجر وبوركينا فاسو، في بيان مشترك اطلعت عليه "عربي21" انسحابها جماعيا من المنظمة الدولية للفرانكفونية، معتبرة أن هذه المنظمة "بدلا من دعم الدول الثلاثة في تحقيق الأهداف المشروعة لشعوبها فإنها عملت على التطبيق الانتقائي للعقوبات على أساس اعتبارات جيوسياسية واستهتار بسيادة هذه البلدان".

وأوضح البيان أن رؤساء الدول الثلاث "المخلصين لتطلعات شعوبهم والحريصين على الدفاع عن مصالحهم المشروعة، قرروا مغادرة المنظمة الدولية للفرانكفونية".


وقبل إعلان الانسحاب في بيان مشترك، أعلنت الدول الثلاثة في بيانات منفصلة انسحابها من المنظمة، حيث اعتبرت مالي أنها لا يمكن أن تظل عضوا في منظمة "تتعارض أفعالها مع المبادئ الدستورية على أساس سيادة الدولة" فيما أعلنت النيجر في بيان مقتضب موجه إلى البعثات الدبلوماسية، وقعه الأمين العام لوزارة الخارجية لاوالي لابو، قرارها الانسحاب "بشكل سيادي من المنظمة الدولية للفرانكفونية".

وكانت المنظمة، قد علقت عضوية النيجر بعد انقلاب 26  حزيران /يوليو 2023، وطالبت العسكريين بإطلاق سراح محمد بازوم وترك السلطة للمدنيين.

وفي كانون الأول /ديسمبر الماضي، علق المجلس العسكري في نيامي جميع أشكال التعاون مع المنظمة، وقال، إنها أداة لخدمة مصالح فرنسا ولم تعد إطارا ثقافيا يؤسس للتعاون بين الحكومات الناطقة بلغة مشتركة.

وقبل انسحابها رسميا من المنظمة، غيرت السلطات في العاصمة النيجرية نيامي اسم شارع ديغول الذي يقع وسط المدنية إلى شارع "جيبو باكاري" أحد زعماء جيل الاستقلال.

كما قامت السلطات في النيجر، باستبدال اسم "ساحة لفرانكفونية" بساحة "تحالف دول الساحل" الذي يجمع ثلاثة من دول الساحل هي: النيجر ومالي وبوركينافاسو، وأطلقت أيضا على المركز الثقافي الفرنسي في نيامي، اسم مصطفى آلاسان، أحد المثقفين الوطنيين العاملين في المجال السينمائي.

"انهيار متسارع"
ويرى عدد من المتابعين أن القرارات التي اتخذتها عدة دول أفريقية خلال الفترة الأخيرة "تعكس حجم الانهيار المتسارع للهيمنة الفرنسية في القارة السمراء".

فبالإضافة إلى الانسحابات الحالية المنظمة الدولية الفرانكفونية، اتخذت العديد من الدول الأفريقية قرارات نظر إليها على أنها "تعكس خيارات استراتيجية لأفريقيا للتحرر الكامل من الهيمنة الفرنسية".

وفي هذا السياق، يرى الباحث "بالمركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية" المختار ولد نافع، أن الانسحابات الحالية من المنظمة الدولية الفرانكفونية، "تعني أن نفوذ باريس سقط معنويا قبل سقوطه سياسيا واستراتيجيا".

ويضيف في تصريح لـ"عربي21"، أن "الشعوب والدول الأفريقية التي أخرجت القوات الفرنسية من بلادها أخرجت قبل ذلك من قلوبها الثقافة الاستعمارية الفرنسية".


وتوقع ولد نافع أن تتزايد انسحابات الدول الأفريقية خلال الفترة القادمة، من هذه المنظمة، مضيفا أن ما حصل "يعكس رفضا لكل ما يتعلق بالهيمنة الفرنسية لأن فرنسا أصرت أن تكون ثقافتها والأطر والهياكل التي تنشرها وسيلة من وسائل استدامة النفوذ ذي الطابع الاستعماري".

واعتبر أنه: "لم يبق أمام الأفارقة إلا رفض هذه الثقافة الاستعمارية تماما مثل ما يرفضون الوجود العسكري الاستعماري، والتغلغل الاقتصادي الاستعماري".

"انتكاسة باريس"
وشكل العام 2024 ما يشبه انتكاسة لنفوذ باريس في أفريقيا التي شكّلت لأكثر من قرنين محور السياسة الخارجية والحضور العسكري الفرنسي خارج الحدود.

وأعلنت العديد من الدول الأفريقية ومن بينها، تشاد، ومالي، والنيجر، وبوركينافاسو وساحل العاج، طرد القوات الفرنسية من أراضيها، فيما دعت دول أخرى ومن بينها السنغال، القوات الفرنسية لمغادرة أراضيها.

في المقابل استغلّت روسيا انتكاسة فرنسا في أفريقيا لشغل الفراغ الذي خلفه الانسحاب العسكري الفرنسي، حيث تصاعد الحضور الروسي في منطقة الساحل الأفريقي، بشكل متسارع، خلال العام 2024، مدفوعا بمزاج شعبي يميل لصالح موسكو بدل باريس التي هيمنت على المنطقة لسنوات، خصوصا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وظلّت أفريقيا، لعقود، المزوِّد الرئيسي لفرنسا بالطاقة واليورانيوم والمعادن، إذ تضخّ دول أفريقيّة مثل النيجر ومالي وتشاد 25 في المئة من احتياجات المفاعلات النووية التي تعتمدها فرنسا للتزود بالكهرباء.


كما تضع فرنسا يدها على العديد من ثروات القارة عن طريق الشركات الفرنسية العملاقة. ووفق تقديرات بعض الخبراء، فإن 80 في المئة من كل ما يتم استخراجه من الموارد والثروات المعدنية في أفريقيا يصدّر بإشراف فرنسي نحو القارات الأخرى.

ويرى متابعون أن الخروج العسكري الفرنسي من أفريقيا، بدأت تداعيات تظهر على حجم نفوذها في القارة، كما حصل مع الانسحاب من المنظمة الدولية الفرانكفونية.

ووفق متابعين، فمن بين عوامل تراجع النفوذ الفرنسي بأفريقيا "فشل باريس المزمن في تجاربها العسكرية في المنطقة، ومن آخرها عمليتا (سيرفال) و(برخان) في منطقة الساحل، والتي أدّت عمليا لزيادة التحديات الأمنية حجما ومستوى بدل القضاء عليها" بالإضافة على رغبة الشعوب في استعادة قرارها، والتخلص من هيمنة المستعمر.

وتحاول فرنسا الحفاظ على موطئ قدم في إفريقيا الفرنكوفونية لخدمة مصالحها في القارة، في وقت تهاوت علاقتها بالأفارقة نظرا لفشلها في جلب الاستقرار لمناطق وجودها بالقارة، وفق متابعين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية أفريقيا فرنسا فرنسا أفريقيا المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من المنظمة الدولیة الدول الأفریقیة فی أفریقیا فی القارة

إقرأ أيضاً:

الصحة العالمية: سوء التغذية بغزة بلغ مستويات تنذر بالخطر

حذرت منظمة الصحة العالمية من أن سوء التغذية في قطاع غزة بلغ "مستويات تنذر بالخطر"، مشيرة إلى أن "الحظر المتعمد" للمساعدات أدى إلى "خسائر فادحة في الأرواح".

وأضافت المنظمة في بيان "يشهد قطاع غزة حالة من سوء التغذية الخطير الذي اتسم بارتفاع حاد في عدد الوفيات في يوليو".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ممرضات يغمى عليهن والجوع يطارد مستشفيات غزةlist 2 of 2الإغاثة الطبية: موت جماعي يهدد آلاف الرضع في غزةend of list

وأشارت إلى أنه من بين 74 وفاة مسجلة مرتبطة بسوء التغذية في عام 2025 وقعت 63 حالة في يوليو/تموز الجاري، من بينها 24 طفلا دون سن الخامسة، وآخر يزيد عمره على 5 سنوات، و38 بالغا.

وتابعت المنظمة "أُعلن عن وفاة معظم هؤلاء الأشخاص لدى وصولهم إلى المرافق الصحية أو توفوا بعيد ذلك، وبدت على أجسادهم علامات واضحة على الهزال الشديد".

وأكدت أنه "لا يزال من الممكن تجنب الأزمة بشكل كامل، أدى المنع والتأخير المتعمد لوصول المساعدات الغذائية والصحية والإنسانية واسعة النطاق إلى خسائر فادحة في الأرواح".

ونقلت المنظمة عن شركائها في مجموعة التغذية العالمية أن طفلا من كل 5 دون سن الخامسة في مدينة غزة يعاني الآن من سوء التغذية الحاد.

وأضافت أن نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهرا ويعانون من سوء التغذية الحاد قد تضاعفت 3 مرات منذ يونيو/حزيران الماضي في المدينة، مما يجعل منها المنطقة الأكثر تضررا في القطاع الفلسطيني.

وأشارت إلى أن هذه المعدلات تضاعفت في خان يونس ووسط غزة خلال أقل من شهر.

ورجحت المنظمة "أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع نظرا للقيود الأمنية الشديدة المفروضة على الوصول، والتي تمنع العديد من العائلات من الوصول إلى المرافق الصحية".

وبحسب منظمة الصحة العالمية، تلقى أكثر من 5 آلاف طفل دون سن الخامسة خلال الأسبوعين الأولين من يوليو/تموز الجاري العلاج من سوء التغذية، وكان 18% منهم يعانون من الشكل الأكثر خطورة، وهو سوء التغذية الحاد الشديد.

إعلان

وفي يونيو/حزيران الماضي تم علاج 6500 طفل من سوء التغذية، وهو أعلى عدد منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي يوليو/تموز الجاري تم إدخال 73 طفلا إلى المستشفى يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد ومضاعفات طبية، مقارنة بـ39 طفلا في الشهر السابق.

وأكدت منظمة الصحة العالمية أن "هذه الزيادة في الحالات تثقل كاهل مراكز علاج سوء التغذية الأربعة المتخصصة".

أما بالنسبة للنساء الحوامل والمرضعات فإن أكثر من 40% منهن يعانين من سوء التغذية الحاد، بحسب بيانات صادرة عن "مجموعة التغذية العالمية" نقلتها منظمة الصحة العالمية.

وأضافت المنظمة "ليس الجوع وحده ما يفتك بالناس، بل أيضا البحث اليائس عن الطعام، تجبر العائلات على المخاطرة بحياتها من أجل حفنة من الطعام، غالبا في ظروف خطيرة وتسودها الفوضى".

مقالات مشابهة

  • رداً على فرنسا وبريطانيا.. رئيس الكنيست: يمكن إقامة دولة فلسطينية في لندن أو باريس
  • أبرز الانتقالات الصيفية التي شهدتها القارة الأوروبية
  • دراسة: ارتفاع بنسبة 60% بوفيات عنف الجماعات المتطرفة في القارة الأفريقية
  • «سبيس 42» و«مايكروسوفت» و «إزري» توقع اتفاقية لدعم مبادرة «خريطة أفريقيا» الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي
  • الفظائع التي لن ينساها التاريخ
  • وصول الصحافي المغربي محمد البقالي إلى العاصمة الفرنسية باريس بعد إطلاق إسرائيل سراحه
  • منظمة حقوقية تتقدم بشكوى للجنائية الدولية ضد مؤسسة غزة الإنسانية
  • الصحة العالمية: سوء التغذية بغزة بلغ مستويات تنذر بالخطر
  • وفد صناعة الملابس الصيني: مصر الوجهة الأولى في القارة الأفريقية لتعزيز استثماراتنا
  • الصحة العالمية: سوء التغذية في غزة بلغ مستويات كارثية