“التعليم أولاً… أم أخيرًا؟ دعوة لتشكيل لجنة ملكية لإنقاذ مستقبل الوطن”
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
#سواليف
” #التعليم أولاً… أم أخيرًا؟ دعوة لتشكيل #لجنة_ملكية لإنقاذ #مستقبل_الوطن”
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
لا يختلف اثنان في أن الأردن يعيش اليوم مرحلة مفصلية من تاريخه، مرحلة تستدعي قرارات جريئة ومبادرات شاملة، لا تقتصر على السياسة والاقتصاد والإدارة فقط، بل تمتد إلى عمق المجتمع، إلى حيث تُصاغ هوية الدولة وقيمها، إلى التعليم، ذاك الملف الذي بات يؤرق المخلصين للوطن ويشكل هاجساً لكل من يراقب المستقبل بعين القلق لا بعين الترف.
وبعد أن أنجزت الدولة خطوات كبيرة في منظومات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، فإن الحاجة اليوم باتت ملحة – بل صارخة – لإطلاق مشروع وطني حقيقي لإصلاح وتحديث التعليم في الأردن. مشروع لا يحتمل التأجيل ولا التباطؤ، يتجسد في تشكيل لجنة ملكية تُعنى حصراً بتشخيص أزمة التعليم ووضع رؤية استراتيجية وطنية، تضع التعليم في مكانه الطبيعي كأولوية تتصدر كل أولويات الدولة، لا كشعار نردده في المحافل.
ولأن التعليم هو “بترول الأردن” الذي لا ينضب، طالما هناك إنسان حي على هذه الأرض، فإن الاستثمار في الإنسان الأردني، عبر نظام تعليمي قوي، مرن، ومواكب للعصر، يجب أن يكون المهمة الأولى والأسمى لكافة مؤسسات الدولة، حكومة وبرلماناً ونقابات ومجتمعاً مدنياً. التعليم ليس مجرد قطاع من قطاعات الدولة، بل هو القطاع الذي تصنع فيه كل القطاعات الأخرى.
لكن للأسف، حين ننظر إلى الواقع، بلغة الأرقام لا بلغة الأمنيات، نصطدم بحقيقة لا يمكن إنكارها: التعليم لم يعد أولوية حقيقية في السياسات العامة، رغم أن الخطاب الرسمي للدولة يضعه جنباً إلى جنب مع الصحة والغذاء والدواء. فعليًا، ما يُنفق على التعليم، والبحث العلمي، والابتكار، لا يتناسب إطلاقًا مع أهمية هذا القطاع، ولا مع الطموحات الوطنية التي نرفع شعاراتها في كل مناسبة. نحن ننفق أقل من الحد الأدنى المطلوب، ونعاني من فجوة هائلة بين ما نريده وما نفعله.
المدارس الحكومية في كثير من المناطق تعاني من اكتظاظ، نقص في الكوادر، وتردٍّ في البنية التحتية. الجامعات تئن تحت وطأة الأعباء المالية، وانخفاض جودة التعليم، وغياب الحوافز للبحث والإبداع. المناهج، رغم بعض محاولات التحديث، ما زالت تقليدية وغير محفزة للتفكير النقدي أو الابتكار. فهل هذا هو التعليم الذي نريد أن نراهن عليه في المستقبل؟ هل هذا ما نريده لأبنائنا؟ وهل يمكن لدولة تُهمل التعليم أن تبني اقتصاداً منتجاً أو مجتمعاً متماسكاً؟
إن التعليم هو الجبهة الأولى في معركة البقاء والتقدم، وإذا خسرناها فلن تربحنا أي جبهة أخرى. ولهذا، فإن تشكيل لجنة ملكية تضم نخبة من الأكاديميين الوطنيين، المعروفين بالكفاءة والنزاهة، بات ضرورة وطنية لا تقبل التأجيل. لجنة تضع خارطة طريق واضحة، تشتمل على إصلاح بنيوي شامل، يمس التشريعات، والحوكمة، والمناهج، والتدريب، وتمويل التعليم، وتكافؤ الفرص.
السؤال الآن: هل ستُدرج الحكومة الحالية، وبدعم من كل مؤسسات الدولة، ملف التعليم على رأس إنجازاتها؟ أم أننا سنظل ندور في دوامة الشعارات والوعود، بينما يتراجع التعليم عامًا بعد عام، وتنهار فرص الأجيال القادمة أمام أعيننا؟
المطلوب اليوم ليس التوصيف فقط، بل الفعل. والمطلوب من القيادة أن تمنح التعليم أولوية استثنائية، عبر رعاية ملكية سامية، كما حدث في ملفات الإصلاح الأخرى، لأن لا نهضة بلا تعليم، ولا مستقبل لدولة تتخلى عن أعظم ما تملك: الإنسان.
التعليم هو استثمار في الأمن الوطني، في الاقتصاد، في الهوية، وفي الكرامة. فهل نرى قريبًا تشكيل اللجنة الملكية للتعليم، كبداية حقيقية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبناء ما يجب أن يُبنى؟ أم سنكتفي بمشاهدة هذا القطاع الحيوي يزداد تراجعًا وانحدارًا؟ الوقت لا ينتظر، والفرصة ما تزال قائمة… لكنها لن تبقى طويلاً.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف التعليم لجنة ملكية مستقبل الوطن لجنة ملکیة
إقرأ أيضاً:
لماذا يُعاد تشكيل مستقبل الثروات الخاصة في الخليج؟
محمد بن محفوظ العارضي
لطالما وصف رأس المال بالحذر وتجنّب المخاطر، لكن في هذا العصر المليء بالتحولات، بدأ جيل جديد من المستثمرين يتخلّى عن هذا التصوّر السائد ولا يخشى كسر التقاليد، باحثًا عن فرص غير مألوفة ومجالات استثمارية تواكب ملامح الاقتصاد الجديد.
تعيش البيئة الاقتصادية العالمية اليوم مرحلة تحولات كبرى تترافق مع ظهور تقنيات جديدة، وتغيّر في نظرة الأفراد لما يُعد "قيمة حقيقية". وهذا التحول يعيد صياغة تطلعات أصحاب الثروات -لا سيما الشباب منهم- فيما يتعلق بتنويع محافظهم الاستثمارية وفي اختيار من يدير ثرواتهم. وبينما تحاول الأسواق المتقدمة التكيّف مع هذا الواقع الجديد، تبرز مناطق النمو السريع مثل منطقة الخليج كوجهات واعدة قادرة على اجتذاب موجة جديدة من رؤوس الأموال.
وقد بدأت هذه الموجة فعلًا تصل إلى شواطئنا، إذ أصبحت مدينتا أبوظبي ودبي من أكثر المدن جذبًا لأصحاب الثروات حول العالم. ووفقًا لتقرير "هينلي آند بارتنرز" الصادر هذا العام، تضم دبي اليوم أكثر من 81 ألف مليونير، و237 شخصًا يمتلكون أكثر من 100 مليون دولار، و20 مليارديرا. أما تقرير "جوليوس باير" العالمي للثروات وأنماط الحياة لعام 2025م فقد أشار إلى أن دبي باتت منافسًا جادًا للمدن العالمية التقليدية للثروة في ظل ارتفاع أسعار العقارات.
إذن ما الذي يجعل دول الخليج اليوم محط أنظار أصحاب الثروات؟
هناك أسباب عديدة تفسّر تنامي جاذبية دول مجلس التعاون الخليجي لأصحاب الثروات الكبرى. نعم لا تزال المزايا المعهودة المعروفة، مثل انخفاض الضرائب ومستوى الأمان العالي تشكّل عناصر جذب قوية، ولكن ثمة دافع غير ظاهر بدأ يبرز بقوة ويرفع من مكانة شركات إدارة الثروات في الخليج، وهو يرتبط بشيء لا يُشترى بالمال ولا يرتبط بالحوافز المالية ولكن بنمط التفكير: هناك توق دائم إلى كل ما هو جديد.
هذه العقلية هي ما يمنح الخليج تميّزه اليوم، فنحن شعوب لا ترضى بالبقاء عند حدود الواقع القائم، فمنطقتنا تُعرف بتاريخها الحديث في تبنّي التقنيات، وبمجتمعاتها الشابة التي تتقن التكنولوجيا وتحتضن التحولات بروح منفتحة.
ليس مستغربًا إذن أن يكون أصحاب الثروات في الشرق الأوسط أكثر استعدادًا من نظرائهم عالميًا لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة ثرواتهم، ليس فقط في المهام التحليلية ومعالجة البيانات، بل أيضًا في اتخاذ قرارات الاستثمار.
ووفقًا لتقرير "إي واي" العالمي للثروات لعام 2025م، يدرك 89% من العملاء في المنطقة أن مديري ثرواتهم قد يستخدمون الذكاء الاصطناعي، وهي أعلى نسبة مقارنةً ببقية المناطق. بل أن 71% منهم يتوقعون أن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة ثرواتهم مقارنة بـ 60% على المستوى العالمي.
هذا المستوى من الجاهزية لدى العملاء يعود جزئيًا إلى مجتمعات تستخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل بشكل واسع في حياتها اليومية وأعمالها. ومن اللافت بحسب تقرير الثروات العالمي أن الثقة في الذكاء الاصطناعي ترتفع غالبًا في الأسواق سريعة النمو. وبالطبع تظل هذه الثقة مرهونة بكيفية استخدام البيانات وحمايتها. لذا كانت دول الخليج في طليعة من وضع الأطر الأخلاقية لحوكمة البيانات وتمكين المؤسسات المالية من تبنّي الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال، قام مركز دبي المالي العالمي (DIFC) في سبتمبر 2023م -بعد فترة وجيزة من الطفرة العالمية في الذكاء الاصطناعي التوليدي- بمراجعة لوائح حماية البيانات، حيث نصّ البند العاشر على وجه التحديد تنظيم عمل الأنظمة الذاتية. ومن خلال هذه المراجعة، عززت الحكومة الثقة باستخدام الذكاء الاصطناعي مبكرًا لدى كل من مديري الثروات والعملاء.
ويُظهر مؤشر نضج الذكاء الاصطناعي الصادر عن "مجموعة بوستن الاستشارية"، أن الإمارات والسعودية تصنفان اليوم ضمن فئة "المنافسين في مجال الذكاء الاصطناعي"، وهو ما يعكس جاهزية متقدمة لتبنّي هذه التقنية على مستوى استراتيجي. في حين تم تصنيف عُمان والبحرين والكويت وقطر ضمن فئة "الممارسين للذكاء الاصطناعي" في إشارة إلى تحقيقهم تقدمًا ملحوظًا في بناء الأسس الضرورية لتحقيق الجاهزية لتبنّي الذكاء الاصطناعي بشكل أوسع في المستقبل.
بالإضافة إلى ثقتهم المتزايدة في الاستثمارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يُبدي أصحاب الثروات في الشرق الأوسط انفتاحًا أكبر على فئة الاستثمارات البديلة. فبحسب الأرقام، يستخدم 68% من العملاء في المنطقة منتجات استثمارية بديلة، مقارنة بـ 51% فقط على المستوى العالمي.
وبينما تظل العقارات والأسهم الخاصة والبنية التحتية خيارات جذابة تجتذب رؤوس الأموال الخاصة في الخليج، أصبحت العملات الرقمية قطاعًا نشطًا بحد ذاته مع تزايد اهتمام الجيل الشاب من المستثمرين بالأصول الرقمية. ففي الوقت الذي تجعل فيه التعقيدات التنظيمية العملات الرقمية خيارًا معقدًا على مستوى العالم، تقدم الحكومات في دول الخليج موقفًا واضحًا لا لبس فيه بشأن الأصول الرقمية. ففي شهر مارس، استثمرت شركة MGX ومقرها أبوظبي مبلغ 2 مليار دولار في أكبر بورصة عملات رقمية بالعالم "بينانس" (Binance)، في خطوة تعكس مستوى الدعم الحكومي للتمويل الرقمي. وفي وقت سابق وتحديدًا في عام 2022م أطلقت دبي أول جهة تنظيمية في العالم مخصصة حصريًا للأصول الافتراضية، وهي "هيئة تنظيم الأصول الافتراضية" VARA)).
ولا تمثل العملات الرقمية سوى فئة واحدة من بين فئات الأصول الناشئة في منطقة تظهر فيها الفرص الاستثمارية بوتيرة أسرع من أي مكان آخر. فوتيرة التحول الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي وحجمه يخلقان فرصًا غير مسبوقة لأصحاب الثروات، مع تشكّل صناعات جديدة بالكامل مدعومة من بعض أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم. فعلى سبيل المثال تمضي عُمان بخطى واثقة في ترسيخ موقعها كمركز لوجستي إقليمي من خلال استثمارات كبرى في البنية التحتية للموانئ. حيث تُقدّر قيمة القطاع اليوم بنحو 6 مليارات دولار، مع طموح للوصول إلى 93 مليار دولار بحلول عام 2040م.
وتلك ليست إلا واحدة من الفرص الاستثمارية الدفاعية التي تنمو بهدوء في المنطقة، تزامنًا مع التوجهات الحكومية لتمكين قطاعات الطاقة المتجددة، والتعليم، والرعاية الصحية، والتكنولوجيا.
يُعد الجمع بين هذه القطاعات المزدهرة والاقتصادات سريعة النمو وصفة قوية لجذب الاستثمارات. لكن حين يتعلق الأمر بالثروات الخاصة، فإن دول الخليج تملك ما لا تمتلكه سوى قلة من مناطق العالم، بيئات تنظيمية مرنة ذات رؤية استباقية، وقاعدة مستثمرين لا تخشى التغيير.
وهنا لا يُنظر إلى رأس المال على أنه حذر، ولكن على أنه مغامر ذكي لا يخلو من الجرأة ولا يغيب عنه الحس الريادي ويلتقط الفرص قبل أن تراها العيون التقليدية. وهذه هي الروح التي سيُعاد من خلالها تشكيل مستقبل الثروات الخاصة.