في زمنٍ تتكاثف فيه مظاهر التشظي والهشاشة تحت وطأة أنظمةٍ تتقن فنون السيطرة، يبرز رجب طيب أردوغان ليس كحاكمٍ مستبدٍّ فحسب، بل كظاهرةٍ تُجسد انزياحات السلطة الحديثة، التي لم تعد ترتكز على القمع المباشر، بل على هندسة الطاعة وإنتاج الولاء عبر آلياتٍ مُركّبة. هذا الواقع المأزوم الذي تعيشه تركيا اليوم ليس وليد الصدفة، بل هو امتدادٌ لعقودٍ من التحولات البنيوية في علاقتها بالدولة، بالعسكر، بالمجتمع، وبالخارج.



وُلد أردوغان في 26 فبراير 1954 في إسطنبول، وتعود أصوله إلى ريزة، مدينة البحر الأسود التي كانت معقلًا للعائلات المحافظة ذات الارتباط العاطفي بالخلافة العثمانية. تخرّج في ثانوية الأئمة والخطباء عام 1973، ثم درس الاقتصاد في جامعة مرمرة، لكنه لم يكن اقتصاديًا بقدر ما كان لاعبًا بارعًا في المناورات السياسية. صعوده من بلدية إسطنبول عام 1994 إلى قمة هرم الدولة عام 2002 لم يكن مجرد انتصارٍ انتخابي، بل كان تحولًا في بنية الحكم نفسها، حيث أزاح العسكر بالتدريج، وخلق نظامًا يُعيد إنتاج نفسه عبر شبكاتٍ اقتصاديةٍ ودينيةٍ وإعلاميةٍ متداخلة.

لا يمكن فهم هذه الهيمنة دون العودة إلى إرث “الكمالية”، التي صنعت دولةً حديثةً ولكن على قاعدةٍ استبدادية، حيث ظل الجيش هو الحَكَم النهائي في الصراعات الداخلية.
حين جاء أردوغان، لم يسعَ إلى تفكيك هذا النموذج، بل إلى إعادة توجيهه لمصلحته. استخدم الديمقراطية كأداة عبور، وحين رسّخ سلطته، بدأ في تفريغها من محتواها، تمامًا كما فعلت الأنظمة السلطوية الأخرى، التي تتقن لعبة “الانتخابات بلا ديمقراطية”.

ما يميز مشروعه ليس فقط استبداده، بل قدرته على تطويع خصومه وإعادة تعريف “العدو” وفق الحاجة السياسية. في البداية، كان الجيش هو الخصم، وبعد تحييده، صار الأكراد هم العدو الداخلي، ثم جاء الدور على المعارضة العلمانية. الآن، ومع اقتراب زوال الهالة التي أحاط بها نفسه، يلوّح مجددًا بفزاعة “المؤامرة الخارجية”، متهمًا الغرب و”القوى غير المرئية” بمحاولة إسقاطه.

المواطن التركي اليوم يعيش حالةً من التشظي النفسي بين تطلعاته نحو الديمقراطية، والواقع القمعي الذي يرسّخه النظام. لم يعد الاستبداد يُمارَس عبر أدوات القهر المباشر فقط، بل عبر خلق واقعٍ زائف، تُعاد فيه صياغة الأحداث والتاريخ والرموز.
الإعلام الرسمي والموجه لا يكتفي بتبرير السياسات، بل يعمل على إنتاج “ذاكرة مشروطة”، تُعيد تعريف الوطنية، العدو، وحتى مفاهيم العدالة والحرية.

في هذا السياق، يمكن فهم التناقضات في الخطاب الشعبي التركي: كيف يمكن أن يكون أردوغان زعيمًا إسلاميًا، بينما ابنه متورطٌ في قضايا فسادٍ مرتبطةٍ بداعش؟ كيف يمكن أن يدّعي الاستقلال عن الغرب، بينما تركيا عضوٌ في الناتو وقواعده تنتشر على أراضيها؟ كيف يمكن أن يُنظّر ضد “الهيمنة الاقتصادية”، بينما الاقتصاد التركي رهينةٌ للبنوك الدولية؟ هذا ليس تناقضًا بالمعنى التقليدي، بل هو نتيجة “هسيس” طويل من التلاعب الإدراكي، حيث يصبح القمع غير مرئي، ويتحول الخضوع إلى قناعةٍ داخلية، بل وإلى جزءٍ من الهوية الوطنية نفسها.

لطالما كان الاقتصاد هو السلاح الأهم بيد أردوغان. في سنواته الأولى، روّج لنموذج “النهضة الاقتصادية”، حيث شهدت تركيا ارتفاعًا في معدلات النمو والاستثمار، لكن هذا الانتعاش لم يكن قائمًا على إنتاجٍ حقيقي، بل على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، والديون، والخصخصة العشوائية. مع تعاظم الأزمة الاقتصادية، بدأ المواطن التركي يواجه الوجيف الحقيقي للواقع: تراجع الليرة، ارتفاع معدلات البطالة، وتضخم لم يعد ممكنًا تغطيته بالشعارات. المفارقة أن الدولة، التي كانت تُسوَّق كنموذجٍ إسلاميٍّ ناجح، باتت اليوم مثالًا لانهيارٍ اقتصاديٍّ لا يختلف كثيرًا عما شهدته دولٌ أخرى تحكمها أنظمةٌ مشابهة.

لم يكن الفساد مجرد عرضٍ جانبيٍّ لحكم أردوغان، بل كان جزءًا من بنيته العميقة. تورّط نجله، بلال أردوغان، في شبكةٍ معقدةٍ من الفساد، حيث وُجهت له اتهاماتٌ بالتعامل مع داعش في بيع النفط، فضلًا عن استغلاله علاقات والده لعقد صفقاتٍ مشبوهة. هذه الفظاعات لم تكن استثناءً، بل كانت انعكاسًا لمنظومةٍ رأت في الدولة مشروعًا عائليًا. أما على المستوى الدولي، فقد كانت حادثة خاشقجي مثالًا حيًا على البراغماتية الأردوغانية. كان يمكن لتركيا أن تمنع الجريمة، لكنها لم تفعل، لأن الحدث كان كنزًا استراتيجيًا. سمحت بهدوءٍ، ثم استخدمته كورقة مساومة، وهذا يعكس عقليةً ترى السياسة كمزيجٍ من الاستغلال والمساومة لا أكثر.

ما يحدث اليوم في تركيا ليس مجرد أزمةٍ سياسيةٍ عابرة. منذ 19 مارس، والاحتجاجات تتصاعد، خاصةً بعد موجة الاعتقالات التي طالت أكثر من 100 شخص، بينهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وهو المنافس الأبرز لأردوغان. هذه الاعتقالات، إلى جانب تصعيد الخطاب ضد “القوى الخارجية”، تكشف أن النظام بات في مأزقٍ وجودي، حيث لم تعد أدواته القديمة كافيةً لضبط الشارع. ما يزيد المشهد تعقيدًا هو الحراك الذي تقوده الأحزاب اليسارية، مثل الحزب الشيوعي التركي وحزب العمال، حيث لم تعد المعارضة مقتصرةً على النخب السياسية، بل باتت أكثر شعبيةً وتجذرًا.
هنا، يبرز السؤال الجوهري: هل بدأت الإمبراطورية تتداعى؟

ليست تركيا وحدها في هذا المأزق، بل هو جزءٌ من أزمةٍ أوسع، حيث تتهاوى مشاريع “الإسلام السياسي السلطوي” واحدًا تلو الآخر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيكون السقوط وشيكًا، أم أن أردوغان سيجد طريقةً أخرى لإعادة إنتاج سلطته كما فعل مرارًا؟

المؤكد أن المشهد التركي لم يعد كما كان. هناك هسيسٌ جديدٌ في الأفق، وحسيسُ غضبٍ بدأ يتشكل في الشارع. في لحظاتٍ كهذه، لا تُصنع التحولات فقط عبر الصراعات السياسية، بل عبر وعيٍ جديدٍ ينشأ بين أنقاض الأكاذيب، التي طالما تم تسويقها كحقائق.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لم یکن

إقرأ أيضاً:

أبو عبد الله الصغير آخر سلاطين بني نصر قبل سقوط غرناطة

أبو عبد الله محمد الـ12 -المعروف بأبي عبد الله الصغير- هو آخر سلاطين بني نصر في غرناطة، اتسم عهده بالصراعات الداخلية والحروب الأهلية والتنافس على العرش، وهذا أدى إلى سقوط غرناطة -آخر معاقل المسلمين في الأندلس- في يد مملكة قشتالة في الثاني من يناير/كانون الثاني 1492م.

أطلقت عليه المصادر الإسبانية اسم "الصغير" لتمييزه عن عمه الذي كان يحمل الاسم نفسه، وهو أبو عبد الله محمد وكان لقبه الزغل.

تولى العرش بعد ثورة على والده السلطان أبو الحسن علي، الذي وقع في الأسر أثناء قيادته هجوما على إحدى القلاع الخاضعة للمسيحيين. وأطلق سراحه بعد توقيع معاهدة أعلن فيها تبعيته لمملكة قشتالة وتسليمه ابنه رهينة.

بعد وفاة والده، استمر صراعه على العرش مع عمه إلى أن تغلب عليه واستعاد الحكم، واستغلت الممالك المسيحية هذه الانقسامات والصراعات فاحتلت البلدات الأندلسية الواحدة تلو الأخرى، ثم فرضت حصارا خانقا على العاصمة غرناطة دام 9 أشهر، اضطر بعدها أبو عبد الله إلى الاستسلام مقابل نفيه وضمان حقوق سكان المدينة.

نُفي إلى بلدة أندرش قرب ألميرية، ثم انتقل إلى فاس عاصمة الدولة الوطاسية بالمغرب، وفيها بنى قصورا على الطراز الأندلسي وعاش هناك 40 سنة إلى أن توفي ودفن فيها.

المولد والنشأة

ولد أبو عبد الله محمد بن أبي الحسن علي بن سعد بن علي بن يوسف بن محمد عام 1460م في قصر الحمراء بغرناطة، والده هو السلطان أبو الحسن ووالدته الأميرة عائشة الحرة، ابنة السلطان محمد التاسع الملقب بالأيسر. وله شقيقان هما يوسف وعائشة.

وتزوج الأمير من مُرَيمة بنت إبراهيم العطار قائد جيش غرناطة، وقد تعرف عليها بعد إحدى المعارك التي خاضها مع أبيها، فطلبها منه عام 1482م وهكذا توطدت علاقتهما أكثر.

تشير بعض الملابس التي يحتفظ بها أحد المتاحف في إسبانيا إلى أنه كان نحيفا، متوسط القامة، إذ تراوح طوله بين 160 و165 سنتيمترا، وورد في بعض السجلات أنه كان ذا بشرة بيضاء وشعر داكن.

إعلان الطريق إلى العرش

كان أبو عبد الله ولي عهد والده السلطان أبي الحسن علي، لكن هذا الأخير تزوج من محظية مسيحية تدعى إيزابيلا دي سوليس، واعتنقت الإسلام وأطلق عليها اسم ثريا الرومية، وأنجبت له ولدين: هما سعد ونصر.

أدى ميل السلطان إلى زوجته الجديدة وإهمال زوجته الأولى وابنة عمه عائشة وولديها إلى غضب هذه الأخيرة وأنصارها، وخاصة أخوالها (بنو السراج) وهي أسرة غرناطية كانت ذات نفوذ سياسي كبير.

وقد حاولت عائشة الدفاع عن ابنها وملكه أمام تهديد أبناء الزوجة الثانية، لكن أبا الحسن تأثر بزوجته الثانية لدرجة جعلته يقدم أبناءها لتسلّم مقاليد الحكم بتأثير منها، وقد حاولت استمالته والتأثير عليه لطرد عائشة وأبنائها لتخلو لها الساحة.

قرر أبو الحسن في النهاية سجن زوجته عائشة وولديها محمد ويوسف في أحد أبراج قصر الحمراء، وأمر بنقل ولاية العهد إلى ابنه سعد من زوجته ثريا، مما أدى إلى انقسام داخلي واعتراض الأوساط السياسية والأسر ذات النفوذ.

وفي ظل الوضع المتوتر الذي كانت تعيشه المنطقة إثر هذه الصراعات، تحالفت عائشة الحرة مع عشيرة بني سراج، التي كانت تكره الملك كرها شديدا، واستغلت غياب السلطان عن العاصمة في إحدى حملاته ضد القشتاليين، فأخرجوها من سجنها وولديها وذهبوا بهم إلى وادي آش، وهناك التف حول ابنها البكر أبي عبد الله العديد من المؤيدين الذين كانوا ساخطين على سياسات والده.

عاد أبو عبد الله إلى العاصمة بمساعدة أسرة بني السراج واستقر في حي البيازين، وهناك بايعه الناس سلطانا على غرناطة عام 1482م، فاحتدم الصراع بين أنصار الأب والابن وسالت دماء كثيرة في شوارع غرناطة، واستغل الملك القشتالي فرناندو الثاني هذا الصراع وشن هجمات على البلدات والقلاع في أطراف المملكة.

معركة اليسانة

تدخل شيوخ وفقهاء وأعيان المدينة للإصلاح بين الطرفين فتوصلا إلى اتفاق واتحدا في مواجهة المسيحيين. وخرج أبو الحسن على رأس جيشه إلى مدينة لوشة المحاصرة وبقي أبو عبد الله في غرناطة للدفاع عنها.

وبعد أن فك أبو الحسن الحصار عن لوشة وقتل قائد الجيش الإسباني، عاد ليجد أبواب غرناطة مغلقة في وجهه بعد أن نقض ابنه الاتفاق الذي كان بينهما، فانسحب إلى مدينة مالقة التي كان يحكمها أخوه الزغل.

اتخذ أبو عبد الله الصغير لنفسه لقب المنصور بالله، ولإضفاء الشرعية على حكمه قاد حملة عسكرية لحصار "اليسانة" في 20 أبريل/نيسان 1483م الواقعة شمال بلدة لوشة.

حاصر أبو عبد الله اليسانة تحت إشراف والد زوجته العطار، الذي كان خبيرا في أراضي جنوب قرطبة، وحقق سلسلة نجاحات متتالية ضد المسيحيين، لكن نظرا لقلة عدد جيش المسلمين، اضطروا للانسحاب إلى ضواحي المدينة، لكن وقتها تلاقى الجيشان وبدأت المعركة.

بسبب الهجوم المفاجئ للقشتاليين انسحبت قوات أبي عبد الله بعشوائية، وقتل العطار بينما كان يحاول الدفاع عن أميره بسيفه، وحاول "الصغير" الفرار لكن حصانه علق في الوحل.

ورغم محاولته الاختباء، فإن الجنود لاحظوا أهميته من لباسه فاقتادوه أسيرا، ومن هنا كانت نقطة انهيار غرناطة التي سقطت في ما بعد بأيدي القشتاليين، بعدما خسرت المدينة فارسها الشجاع.

أبو عبد الله الصغير وهو يسلم مفاتيح قصر الحمراء إلى فرديناند الثاني ملك أراغون وإيزابيلا الأولى ملكة قشتالة (غيتي)الأسر

اقتيد الأمير أبو عبد الله الصغير إلى إشبيلية مقر إقامة الملك والملكة فرناندو وإيزابيلا، وحينها أعاد وجهاء غرناطة أبو الحسن إلى الحكم، بينما استمر ابنه الآخر أبو الحجاج يوسف يحكم مدينة ألمرية لصالح شقيقه السلطان الأسير أبو عبد الله الصغير.

إعلان

ولإنقاذه من الأسر، أرسلت والدته الأميرة عائشة وفدا إلى قرطبة للتفاوض، وفعل والده الشيء نفسه، إلا أن الملكين المسيحيين فضلا التفاوض مع أنصار أبي عبد الله لتحقيق هدفهما عبر إنهاك مملكة غرناطة بإشعال الصراعات والمنازعات العائلية.

في أغسطس/آب 1483م وقع أبو عبد الله الصغير اتفاقية مع الملكين فرناندو وإيزابيلا، تعهد فيها بالخضوع السياسي والعسكري للمملكة المسيحية وتسليم عدد من الرهائن بينهم ابنه البكر أحمد، ودفع 12 ألف قطعة ذهبية، مقابل إطلاق سراحه وحصوله على الدعم المسيحي لمحاربة والده والسيطرة على العرش.

وبمجرد أن علم أبو الحسن بهذا الاتفاق، طلب فتوى من كبار علماء العاصمة في أكتوبر/تشرين الأول 1483م، فأفتوا بأن اتفاقية أبي عبد الله ضد شريعة الله وأنها إثم كبير وأن عقد المواثيق مع الكفار حرام، وأن الاعتراف بالأمير الأسير غير مشروع.

ضعفت صحة أبي الحسن في آخر عمره، فسلم الحكم لأخيه أبو عبد الله الزغل، فاستمرت الحرب الأهلية بين هذا الأخير وبين ابن أخيه أبو عبد الله الصغير. وبينما انشغلا بالاقتتال استولى المسيحيون على عدد من البلدات والقلاع الإسلامية واحدة تلو الأخرى.

الإمارة الثانية

وعندما أدرك العم وابن أخيه خطورة صراعهما على نظام العرش وعلى مملكة غرناطة، اتحدا من جديد عام 1486م وذهب كل واحد منهما على رأس أنصاره وجيشه لقتال المسيحيين في لوشة وبلش.

فشل الزغل في فك الحصار عن مدينة بلش فعاد إلى غرناطة، لكن أبا عبد الله الصغير سبقه إليها وأغلق أبوابها أمام من تبقى من جيشه كما فعل سابقا مع والده، وأعلن نفسه سلطانا في أبريل/نيسان 1487م، بادئا إمارته الثانية التي كانت الأخيرة بعد قرابة 8 قرون من تاريخ الأندلس.

في بداية مايو/أيار 1487م، وقّع "الصغير" معاهدة سرية جديدة مع الملكين المسيحيين ووافق بموجبها على تسليم غرناطة مقابل إمارة في المنطقة الشرقية، التي تضم مدنا وبلدات مؤيدة لأبي عبد الله الزغل.

شن المسيحيون هجوما على البلدات المؤيدة للزغل، فاستسلمت مدينة ملقة وألميريا وجواديس وغيرها، وأعلن الزغل استسلامه في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 1498.

وتحرر أبو عبد الله الصغير من منافسه القوي، لكنه وجد نفسه في مواجهة مملكة المسيحيين التي طالبه ملكاها بتنفيذ بنود الاتفاق السري وتسليم العاصمة غرناطة.

حصار غرناطة

بعد استيلاء مملكة قشتالة وأراغون على كافة المدن والقلاع في مملكة غرناطة لم تتبق إلا العاصمة، وتقول الروايات الإسبانية إن أبا عبد الله لم يمتثل لالتزاماته بموجب الاتفاقية الموقعة مع الملكين فرناندو وإيزابيلا ورفض تسليم مدينة غرناطة.

وتقول روايات أخرى إن الملكين المسيحيين هما من أخلا بالاتفاق واستوليا على الأقاليم الشرقية، التي كانت تحت سيطرة الزغل، ورفضا التنازل عنها لأبي عبد الله الصغير، وهاجما مدينة غرناطة لضمها إلى أراضيهما بالقوة.

وتشير روايات أخرى إلى أن نزوح أهالي القرى والبلدات والمدن التي استولى عليها القشتاليون إلى العاصمة غرناطة آخر معاقل الإسلام في الأندلس، جعل المدينة تعج بالشباب والمقاتلين المتحمسين للدفاع عنها، مما جعل أبا عبد الله يتفاءل بقدرته على حماية المدينة.

شكل الملكان المسيحيان حملة عسكرية كبيرة قوامها جيش يضم 80 ألف جندي مجهزين بآلات حربية ضخمة من مدافع وبارود، وتقدم الجيش الملك فرناندو والملكة إيزابيلا لزرع الحماس في نفوس الجنود، وأنشآ معسكرا قرب أسوار غرناطة.

وفي أبريل/نيسان 1491م بدأ حصار المدينة واستمر 9 أشهر، وانتشر فيها الجوع والمرض بين الأهالي، مما دفع القادة والأعيان والفقهاء إلى مقابلة السلطان في أكتوبر/تشرين الأول 1491م طالبين منه البدء في المفاوضات.

انتهت المفاوضات في نوفمبر/تشرين الثاني 1491م باتفاقية الاستسلام التي ضمنت للمسلمين الحق في البقاء في المدينة مع الحفاظ على ممتلكاتهم ودينهم وثقافتهم أو الهجرة مقابل تسليم المدينة.

رسمة تصور لحظة تسليم مفاتيح غرناطة من أبو عبد الله الصغير للملكين فرناندو وإيزابيلا (غيتي)التنحي عن العرش

في يوم الاثنين الثاني من يناير/كانون الثاني 1492م سلم أبو عبد الله الصغير رسميا مفاتيح قصر الحمراء إلى مبعوث قشتالي في قاعة العرش، ثم غادر القصر والتقى الملكين فرناندو وإيزابيلا على أبواب العاصمة لإعلان الاستسلام وفق بنود الاتفاق، واستعادة ابنه الذي كان رهينة منذ عام 1483م.

إعلان

وغادر في اليوم نفسه مع أسرته وحاشيته إلى المنفى في بلدة أندرش في منطقة البشارات القريبة من ألميرية. وتقول الروايات التاريخية إن ملكي قشتالة وأراغون دبرا مؤامرات وضغوطا لإجبار أبي عبد الله على الهجرة خارج شبه الجزيرة الإيبيرية، إذ تعرض لخيانة بعض أقرب رجالاته الذين باعوا أملاكه بأقل من قيمتها.

وبعد وفاة زوجته المحبوبة مُريمة، لم يعد يطيق الإقامة في المنفى، فأرسل رسالة إلى السلطان الوطاسي في المغرب يطلب منه السماح له باللجوء إلى فاس، وهي رسالة مطولة كتبها كاتبه أبو عبد الله العربي العقيلي بعنوان "الروض العاطر الأنفاس في التوسل إلى المولى الإمام سلطان فاس".

في عام 1493م غادر أندرش إلى مليلية مع والدته وباقي أفراد عائلته، ومنها إلى فاس حيث بنى قصورا على الطراز الأندلسي وعاش فيها حوالي 40 سنة.

الوفاة

توفي عام 1533م وهو في عقده السابع، بحسب ما ورد في كتاب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" لأحمد المقري، ودفن قرب المصلى خارج باب الشريعة بفاس، وخلّف ولدين هما أحمد ويوسف وظل أحفاده يعيشون في فاس.

مقالات مشابهة

  • أبو عبد الله الصغير آخر سلاطين بني نصر قبل سقوط غرناطة
  • 82% من الشعب التركي يعاني من ضائقة معيشية
  • تركيا.. وزير يتوقع عقد انتخابات رئاسية مبكرة!
  • مشروع مسام يعلن عن كمية الألغام التي انتزعها في اليمن منذ انطلاقته وحتى نهاية يوليو المنصرم
  • أردوغان: سنسلمكم تركيا خالية من الإرهاب
  • في تركيا.. المنتجات التي ارتفعت وانخفضت أسعارها في يوليو
  • وزير الطاقة التركي: يمكن تصدير ما يصل إلى 2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لسوريا سنوياً وهذه الكمية ستلبي احتياجات 5 ملايين أسرة من الكهرباء
  • تركيا: “قسد” ستندمج في الدولة السورية بحلول نهاية العام
  • بسمة وهبة: مجلس الشيوخ يشهد مراحل تاريخية هامة تعكس إرادة الشعب
  • تركيا ترحب بالخطوات المتخذة للاعتراف بالدولة الفلسطينية