أوكرانيا – أعلن زعيم نظام كييف فلاديمير زيلينسكي عن عقد اجتماع يوم الجمعة المقبل، مع ممثلي “دائرة ضيقة من الدول” المستعدة لنشر قواتها في أوكرانيا.

وقال زيلينسكي خلال إفادة صحفية: “سيكون هناك اجتماع يوم الجمعة، اجتماع مباشر بين القيادات العسكرية لعدة دول، دائرة ضيقة من الدول التي ستكون مستعدة لنشر قوات.

هناك جزء بري، وجزء جوي، ووجود بحري”.

وأضاف: “هذا أول اجتماع عميق من نوعه. أعتقد أننا سنرى بعض التوضيحات وبعض التفاصيل. المهم أنه سيعتمد على مقترحات جاهزة من الجانب الأوكراني”.

جاء هذا الإعلان بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 27 مارس الماضي، عقب قمة باريس لـ”تحالف الراغبين”، حيث أشار إلى أن عددا من أعضاء التحالف يخططون لإرسال “قوات ردع” إلى أوكرانيا.

وأكد ماكرون أن هذه المبادرة الفرنسية البريطانية لن تحل محل القوات الأوكرانية، ولن تكون “قوات حفظ سلام”، بل تهدف إلى “ردع روسيا” وسيتم نشرها في مواقع استراتيجية محددة مسبقاً بالاتفاق مع الأوكرانيين.

ومن جهته، شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 6 مارس على أن بلاده “لا ترى إمكانية للتوصل إلى حل وسط بشأن نشر قوات أجنبية في أوكرانيا”، معتبرا أن مثل هذه الخطوة ستخلق “وقائع على الأرض” تمنع التوصل لتسوية سلمية. كما وصف المكتب الصحفي لجهاز المخابرات الخارجية الروسي هذه الخطط بأنها “احتلال فعلي لأوكرانيا” قد يصل إلى 100 ألف جندي.

وأعرب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف عن أن نشر قوات حفظ السلام يتطلب موافقة جميع أطراف النزاع، ووصف الحديث عن ذلك في السياق الأوكراني بأنه “سابق لأوانه”، رافضا التعليق على مزاعم بأن روسيا قد لا تعترض على هذه الخطوة.

المصدر: RT

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

إقرأ أيضاً:

سر العنكبوت.. كيف تمكنت أوكرانيا من ضرب الطائرات في العمق الروسي؟

أعلنت أوكرانيا، أمس الأحد، أنها نفذت واحدة من أكثر عملياتها الخاصة جرأة منذ بدء الحرب موجهة ضربة واسعة بالطائرات المسيرة في العمق الروسي. وأفادت بعض التقارير الغربية أن الضربة الأوكرانية دمرت أو عطّلت أكثر من 40 طائرة عسكرية روسية في قواعد جوية متعددة.

وبشكل عام، استهدف بوضوح أهمّ الأصول الجوية الإستراتيجية الروسية، والتي لا يُمكن استبدالها بسرعة أو بتكلفة مناسبة. ووفق البيان الصادر عن الهيئة العامة للقوات المسلحة الأوكرانية عبر حسابها على تطبيق تليغرام، فإن الضربة تسببت في خسائر مبدئية تتجاوز ملياري دولار. في حين نقلت "سي إن بي سي" تقديرات أولية للاستخبارات العسكرية الأوكرانية تشير إلى أن خسائر الطيران الإستراتيجي الروسي بلغت نحو 7 مليارات دولار.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الوحش "إف-47".. لماذا تأخر تحليق المقاتلة الأميركية الأشرس على الإطلاق؟list 2 of 2الجنرال عاصم منير.. التهديد الباكستاني الذي تخشاه الهندend of list

هذه الخسائر لا تشمل الطائرات المدمرة فحسب، لكنها تأخذ بالحسبان أيضا الذخائر والوقود والبنية التحتية التي دُمرت في انفجارات ثانوية. وبينما لم يتم التحقق من الأضرار الكاملة المدعاة من جهات مستقلة حتى الآن، فإن حتى التقديرات المتحفظة تشير إلى انتكاسة عسكرية كبيرة وخسائر بمليارات الدولارات ما يعد ضربة قاسية لقدرات موسكو الجوية في ظل استنزاف الموارد العسكرية الروسية.

إعلان غزوة أوكرانية في العمق الروسي

تضمنت العملية، التي أُطلق عليها اسم "شبكة العنكبوت" (Web)، استخدام عشرات الطائرات المسيرة لتوجيه ضربات متزامنة نحو أهداف عسكرية حيوية في العمق الروسي. ووفقا للخطاب المسجل الذي أذاعه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أعقاب الهجوم، استُخدمت 117 طائرة مسيرة في العملية نجحت وأصابت حوالي 34% من حاملات صواريخ كروز الإستراتيجية الروسية في المطارات والقواعد المستهدفة.

وأكد الرئيس الأوكراني كذلك أن قواته التي نفذت العملية انسحبت من الأراضي الروسية في الوقت المناسب، وهو ما نقله أيضا الصحفي الأوكراني سيرغي براتشوك عن مصادر في جهاز الأمن الأوكراني أكدت أن الأشخاص الذين شاركوا في هذه العملية الخاصة التاريخية "موجودون في أوكرانيا منذ فترة طويلة، وأن أي اعتقالات يعلنها نظام بوتين لن تكون لها صلة حقيقية بالعملية".

وأشار زيلينسكي كذلك إلى أن الإعداد للعملية استغرق عاما كاملا و6 أشهر و9 أيام (أكثر من 18 شهرا) من بدء التخطيط وحتى التنفيذ الفعلي ما يجعلها العملية الأطول مدى للأجهزة الأمنية والعسكرية الأوكرانية منذ بدء الحرب. وقد ضربت الطائرات المسيرة في وقت واحد عبر 3 مناطق زمنية مختلفة، وهبطت على 4 قواعد جوية روسية رئيسية.

وتقول مصادر أوكرانية إن القواعد التي ضُربت هي بيلايا في منطقة إيركوتسك، في عمق سيبيريا على بُعد أكثر من 4 آلاف كيلومتر من حدود أوكرانيا، وأولينيا في مورمانسك، بالقرب من أقصى شمال غرب روسيا، وديغيليفو في منطقة ريازان، وهي منطقة مركزية استخدمتها القاذفات الإستراتيجية الروسية لفترة طويلة، ومطار إيفانوفو، شمال شرق موسكو.

وكما تشير مقاطع الفيديو المتداولة عن وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لم يجر منها بشكل مستقل، تعرضت القاعدة الجوية الروسية في أولينيغورسك، في منطقة مورمانسك، للهجوم أيضا. كذلك لوحظت انفجارات وألسنة لهب في مقر الأسطول الشمالي الروسي في مورمانسك الذي يضم بعضا من أكثر الغواصات الروسية كفاءة، مثل الغواصات من فئة "ياسن" (yasen) التي تعمل بالطاقة النووية، ومجهزة لإطلاق صواريخ كروز. من جانبها، نفت موسكو تعرض أسطولها الشمالي لأي هجمات.

كانت معظم الأهداف قاذفات إستراتيجية من طراز توبوليف (شترستوك) كيف تم شن الهجوم؟ وما أبرز الأضرار؟

انطوت العملية الأوكرانية على نوع من التخطيط المعقد وبعيد المدى. فعلى مدار أشهر طويلة نُقلت طائرات مسيرة صغيرة "من منظور الشخص الأول" (FPV) -وهي مسيرات تدار عن بعد من قبل أشخاص يرون على الشاشة ما تظهره كاميرات المسيرة- وتم إخفاؤها استعدادا لوقت الهجوم. وبالتزامن، جرى أيضا نقل هياكل لـ"كبائن" خشبية متنقلة تشبه المنازل الروسية، ليتم تجميعها سرا داخل الأراضي الروسية في مستودعات مستأجرة خصيصا لهذا الغرض منها مستودع في منطقة تشيليابينسك، التابعة لمقاطعة سفيردلوفسك، جرى استئجاره بمبلغ 350 ألف روبل (حوالي 4500 دولار) وفق ما أورده المدون العسكري الروسي سيرغي كوليسنيكوف.

إعلان

ومع قدوم ساعة الصفر، قام العملاء الأوكرانيون بتجهيز الكبائن مع إخفاء الطائرات المسيرة تحت أسقفها، وفي اللحظة المناسبة، تحركت الكبائن المتنقلة إلى المواقع المناسبة قرب القواعد الروسية ثم فُتحت النوافذ على الأسطح، وانطلقت الطائرات المسيرة التي يتم التحكم بها عن بعد لتشق طريقها بهدوء نحو أهدافها.

وكانت معظم الأهداف ذات قيمة عالية. ومن بين الطائرات التي أُصيبت، بحسب المصادر الأوكرانية، قاذفات إستراتيجية من طراز توبوليف مثل "تو-95 إم إس" (Tu-95MS) و"تو-22 إم 3″ (Tu-22M3) وهما العمود الفقري لضربات الصواريخ بعيدة المدى الروسية، بالإضافة إلى طائرة إنذار مبكر واحدة على الأقل من طراز "إيه -50" (A-50) تُستخدم لتنسيق العمليات الجوية. وقد أظهرت لقطات غير واضحة نشرها جهاز الأمن الأوكراني صفا من القاذفات الروسية تلتهمها النيران، ويتصاعد الدخان الأسود من هياكلها.

أكثر من ذلك هناك مزاعم، لم تُؤكد حتى الآن، بأن الضربة الأوكرانية دمرت قاذفات من طراز "توبوليف-160 بلاك جاك" (Tu-160) في الهجوم، وهي ملكة القذائف الإستراتيجية الروسية، والملقبة بـ"البجعة البيضاء". وزعم الصحفي الأوكراني ألكسندر كوفالينكو على تليغرام "تدمير قاذفتين من طراز توبوليف-160 في مطار بيلايا"، مشيرا إلى إلحاق أضرار بالغة بهما تجعل من غير المرجح أن ينجح المجمع الصناعي الروسي في إعادتهما للخدمة قريبا.

وأشار كوفالينكو أن روسيا توقفت منذ فترة طويلة عن تصنيع جميع جميع قاذفات الصواريخ الإستراتيجية وتكتفي بإجراء تحسينات على أسطولها الذي يعود إلى العصر السوفياتي ما يجعل التداعيات الإستراتيجية للخسارة أكثر فداحة.

وإذا تأكدت هذه الأنباء (أو الجزء الأغلب منها)، فإن الغارة تُمثل واحدة من أعمق الضربات الأوكرانية وأكثرها تدميرا على الأراضي الروسية منذ بدء الحرب عام 2022، حيث اخترقت قواعد جوية كانت تُعتبر في السابق منيعة على بُعد مئات أو آلاف الكيلومترات من الجبهة، مخلفة خسائر بمليارات الدولارات، والأهم أنها مست أصولا عسكرية إستراتيجية ترتبط مباشرة بالردع النووي الروسي وهو ما يرفع مستوى المخاطر، وينذر بتصعيد روسي كبير.

I mean, swarms of simple FPV drones coming out of parked trucks and wiping out strategic air bases from Russia's far north to east Siberia… it's a grand masterpiece. pic.twitter.com/XhhvCPKhqF

— Illia Ponomarenko ???????? (@IAPonomarenko) June 1, 2025

إعلان رد الفعل الروسي

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي الروسية، رصدت الصور وروايات شهود العيان وجود فوضى في القواعد المستهدفة، حيث ظهرت أجزاء متفحمة، وطواقم إطفاء على المدرجات، ومحاولات لحماية الطائرات المتبقية، وأكد إيغور كوبزيف، حاكم إقليمي روسي من إيركوتسك، في بيان على تطبيق تليغرام، وقوع هجوم بطائرة مسيرة على مطار بيلايا، وأن الطائرات المسيرة "أُطلقت من شاحنة" قرب القاعدة ما يعني أن الخطة حدثت بالفعل.

في البداية، قللت وزارة الدفاع الروسية من شأن تأثير الهجمات، واصفة إياها بأنها "عمل إرهابي" فاشل من قِبل أوكرانيا. وفي بيان صدر الأحد، أكدت موسكو وقوع ضربات في "5 مناطق" في روسيا، بما في ذلك المناطق الأربع التي حددتها أوكرانيا، لكنها أصرت على أنه "تم صد جميع الهجمات".

وفي غضون ساعات من تأكيد الضربات، أطلقت روسيا وابلا من الصواريخ والطائرات المُسيّرة على المدن الأوكرانية خلال الليل، فيما قد يبدو أنه هجوم انتقامي، وقالت السلطات الأوكرانية إن 472 طائرة مُسيّرة -معظمها إيرانية الأصل من طراز شاهد- إلى جانب العديد من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز أُطلقت على الأراضي الأوكرانية، وأكدت كييف أن دفاعاتها نجحت في "تحييد" 385 هدفا جويا.

ويبرز الرد الروسي مدى التباين في الطريقة التي تستخدم بها كل من كييف وموسكو المسيرات في الحرب، فبينما تستخدم أوكرانيا الطائرات المسيرة "بحساب" لضرب أهداف عالية القيمة، تطلق روسيا أيضا طائرات مسيرة منخفضة التكلفة في أسراب كبيرة بهدف إغراق الدفاعات الأوكرانية وإضعاف معنويات المدنيين من خلال هجمات ليلية متواصلة، لكن من دون التركيز على أهداف إستراتيحية واضحة.

وقد وصف تحليل حديث أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) هجمات طائرات "شاهد" (التي يجري حاليا تصنيعها في روسيا بأعداد كبيرة) الروسية المتواصلة بأنها "تحول أوسع نحو حرب استنزاف قائمة على إغراق أنظمة الدفاع الجوي بهجمات ساحقة". ولكن بغض النظر عن اختلاف طبيعة الضربات، يشعر الخبراء بالقلق من أنه مع تزايد اعتماد كلا الجانبين على الطائرات المسيرة، قد يدخل الصراع مرحلة جديدة من حرب الاستنزاف الجوي، حيث تتعرض المدن والقواعد على حد سواء لضربات الطائرات المسيرة على مدار الساعة.

لم ينشأ نجاح عملية "شبكة العنكبوت" الأوكرانية من العدم، بل هو جزء من ثورة أوسع في حرب المسيرات (أسوشيتد برس) المسيرات تغير قواعد اللعبة

لم ينشأ نجاح عملية "شبكة العنكبوت" الأوكرانية من العدم، بل هو جزء من ثورة أوسع في حرب المسيرات تسارعت في الصراعات الأخيرة. ويشير المحللون العسكريون تحديدا إلى حرب مرتفعات قره باغ التي استمرت 44 يوما بين أذربيجان وأرمينيا عام 2020 كنقطة تحول أثبتت فيها المسيرات أنها يمكن أن تكون حاسمة. في ذلك الصراع، ساهمت المسيرات في تعطيل عدد كبير من الدبابات الأرمينية والمركبات القتالية ووحدات المدفعية والدفاعات الجوية. كما أدَّى تغلغل المسيرات في عمق ناغورنو قره باغ إلى إضعاف خطوط الإمداد الأرمينية والخدمات اللوجيستية.

إعلان

ووفقا لتقرير صادر عن "المركز الأوروبي للتميز في مكافحة التهديدات الهجينة" (hybrid Coe) في فنلندا، قدمت هذه الحرب "لمحة عن التأثير الحاسم الذي يمكن لقدرات الطائرات المسيرة أن تُحدثه على نتيجة الحرب. وفي غضون 6 أسابيع فقط، أثبتت قدرات حرب الطائرات المسيرة أنها العامل الهجومي الحاسم الذي غيّر قواعد اللعبة لصالح أذربيجان، "مما سمح لها باستعادة الأراضي من خصم متحصن".

وأشار التقرير إلى أن أولئك "غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم بشكل صحيح ضد نواقل الهجوم القائمة على الطائرات المسيرة تحولوا فعليا إلى مجرد ضحايا في ساحة المعركة". وبعبارة أوضح، منحت الطائرات المسيّرة حتى الدول الصغيرة ذات القوة الجوية المتواضعة (وحتى بعض التنظيمات والكيانات من غير الدول) مدى دقيقا للضربات كان حكرا في السابق على القوى العظمى، وهو تحوّل نموذجي يتردد صداه الآن في جميع الجيوش حول العالم.

عززت تجربة الحرب في أوكرانيا منذ عام 2022 هذا الدرس، حيث لم ينجح أي من الجانبين في تحقيق تفوق جوي كامل بالطائرات المأهولة، وقد أتاح هذا الجمود الجوي فرصة للطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة لملء الفراغ. وعلى إثر ذلك، استخدمت أوكرانيا وروسيا طائرات مسيّرة في جميع مستويات القتال، بدءا من المسيرات الرباعية والمروحيات الصغيرة المستخدمة للاستطلاع وإسقاط القنابل، وصولا إلى الطائرات المسيّرة الأكبر حجما والمسلحة للضربات بعيدة المدى.

وكما يلاحظ المارشال الجوي المتقاعد جوني سترينجر من القيادة الجوية المتحالفة لحلف شمال الأطلسي، فإن الطائرات المسيّرة قد "أضفت طابعا ديمقراطيا على القوة الجوية". تاريخيا، كان التفوق الجوي حكرا على الدول الغنية التي تمتلك أساطيل من الطائرات المتطورة والطيارين المدربين، لكن "انتشار الطائرات المسيرة الصغيرة بأسعار معقولة قلل بشكل كبير من هذه العوائق". وأضاف الخبير أنه في الصراعات الحديثة، "يمكنك القيام بمعظم أدوار القوة الجوية، إن لم يكن جميعها، مقابل ثمن طائرة مسيّرة وجهاز حاسوب محمول وبعض الخيال".

إعلان

وتشهد الحرب في أوكرانيا على ذلك، فمع نشر روسيا أسرابا من قاذفات "سو-34" وطائرات هليكوبتر هجومية منذ بداية الحرب، ردت أوكرانيا بأسطول متنوع من الطائرات المسيرة -من نوع بيرقدار تركية الصنع إلى مسيرات تجارية معدلة محليا- للقيام بالمراقبة واستهداف دروع العدو، وحتى ضرب أهداف إستراتيجية داخل روسيا كما نشاهد الآن.

والنتيجة هي تكافؤ فرص في الجو أكثر بكثير مما توقعه أي شخص. وتوضح دراسة أجريت عام 2024 في "مجلة القوة الجوية" (The air power Journal) أن حرب روسيا وأوكرانيا وقبلها حرب ناغورنو قره باغ أثبتتا خطأ التوقعات بشأن سرعة حسم معركة التفوق الجوي، حيث لم يتحول أي من الصراعين إلى حملة جوية أحادية الجانب؛ بل أجبرت "الدفاعات الجوية متعددة المستويات" الطائرات المأهولة على الابتعاد، وكان للانتشار الواسع للطائرات المسيرة منخفضة التكلفة ومتعددة الاستخدامات "تأثير تحويلي، إذ زاد من سرعة القتال ومداه وفتكه والضغط النفسي الذي يسببه".

وتشير الدراسة إلى أن هذه الطائرات المسيرة أصبحت بشكل أو بآخر "نظائر للقوة الجوية" -إذ تُحدث تأثيرات مماثلة للضربات الجوية التقليدية، ولكن بتكلفة ومخاطر أقل بكثير. ويُعدّ عامل التكلفة هذا بحد ذاته عاملا مُغيّرا لقواعد اللعبة. فالطائرة المقاتلة الحديثة تُكلّف ملايين الدولارات (ولم نتحدث عن تدريب الطيارين)، وعلى النقيض من ذلك، قد تكلف طائرة هجومية صغيرة أو طائرة رباعية مروحية تجارية مُعاد تصميمها بضعة آلاف أو ربما مئات من الدولارات أو أقل.

وينتج هذا التفاوت ما يُطلق عليه الخبراء "تكلفة غير مُواتية" للمُدافع، فقد يُهدر صاروخ أرض-جو باهظ الثمن (غالبا ما يكلف من 100 ألف دولار إلى ملايين الدولارات) في إسقاط طائرة مُسيرة أرخص بكثير. وكما لاحظ المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، شهدت الصراعات الأخيرة استخدام صواريخ باتريوت بقيمة 3 ملايين دولار لتدمير طائرات مُسيرة مُخصصة للهواة بتكلفة بضع مئات من الدولارات، وهي معادلة خاسرة حتى للجيوش الثرية.

إعلان

وكتب الدكتور جاك واتلينغ، مُحلل المعهد الملكي، إن المُهاجمين الفقراء (القوات الضعيفة ماديا والدول الصغيرة وحتى المليشيات) يُمكنهم نشر أصول هجومية رخيصة بأعداد كبيرة وإرهاق الدفاعات المُتقدمة بحجمها الهائل، مُحذرا من أن الجيوش النظامية يجب أن تتكيف وإلا ستُخاطر بتبادل تكلفة غير مُواتٍ، في الحروب المُستقبلية.

وتعد قدرة أوكرانيا على إمطار قواعد روسية متعددة بـ117 طائرة من دون طيار مثال واضح: فكل طائرة أوكرانية من دون طيار (ربما تكلف بضعة آلاف من الدولارات لقطع غيارها) استهدفت طائرات حربية تساوي أضعافا مضاعفة بكثير أو هدفا حيويا آخر، وإذا استمرت هذه العمليات فإنها تمثل في أدنى الأحوال حرب استنزاف رخيصة، تتضمن إنهاك عدو متفوق بإجباره على إنفاق موارد باهظة الثمن ضد أسراب من التهديدات منخفضة التكلفة، وفي أقصاها قد تتسبب في تغير إستراتيجي في الموازين بتكلفة لا تذكر.

الحرب الهجينة

ثمة تيارات متعددة في الأوساط البحثية تعمل على تقييم الدور الذي تؤديه الطائرات المسيّرة في الحروب الحديثة، ولكل تيار منها حججه وأدلته، إلا أن البعض بات يؤكد أن المسيّرات تُعدّ من أبرز الأسلحة التي تمثل تحولا جذريا في طبيعة الحروب، وذلك لأسباب عدة، أبرزها أنها تفتح المجال أمام نمط من الحروب يُتوقع أن يسود في المستقبل، وهو ما يُعرف بـ"الحرب الهجينة"، التي تمزج بين التكتيكات النظامية وغير النظامية.

فالمسيّرات تُعد أدوات تخريب فعّالة للغاية، إذ يمكن لنماذجها الصغيرة تنفيذ مهام متنوعة، تتفاوت في مدى تعقيدها ودقتها تبعا لجودة التخطيط وذكاء التنفيذ. ويُضاف إلى ذلك أنها ليست سلاحا حصريا بيد القوى العظمى فحسب؛ فبالرغم من امتلاك بعض الدول نماذج متطورة منها، فإن التهديد الحقيقي يكمن في الطائرات المسيّرة التجارية زهيدة التكلفة، التي بات من الممكن تصنيعها محليا، ما أدى إلى انتشارها الواسع في مختلف أنحاء العالم.

إعلان

وتمتاز المسيّرات بإمكانية توظيفها في مختلف ساحات القتال، وبصور متعددة (فاليوم مثلا، لم تعد الدبابة وسيلة فعّالة من دون تغطية من مسيّرة تحلق فوقها). كما أن أسرابا من هذه الطائرات قد تُكلّف أقل بكثير من الأسلحة التي تستهدفها، ما يجعلها وسيلة فعالة للاستنزاف، وبالتالي فهي تمثل سلاحا مثاليا للقوى الصغيرة وغير التقليدية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن المسيّرات تسهم في إعادة توزيع ميزان القوة، بحيث لا تبقى القوة العسكرية محتكرة من قبل الجيوش النظامية، فضلا عن الجيوش الكبرى وحدها.

والأهم من ذلك أن المسيّرات تتكامل بشكل كبير مع التقنيات المتقدمة، كأنظمة الذكاء الاصطناعي ووسائل الحرب السيبرانية، وحتى الاستخبارات البشرية ما يعزز من قدراتها التكيفية والتكتيكية. ومن المؤكد أن هجمات "شبكة العنكبوت" الأوكرانية انطوت على عمل استخباراتي ضخم (وفشل استخباراتي ضخم على الجانب المقابل) تضمن تحديد نقاط الضعف لتهريب المسيرات وسائر المعدات وإخفائها لهذه الفترة الطويلة وتحديد الأهداف واختيار مسارات الحركة وتوقيت التنفيذ وغير ذلك، وهذه هي نقطة القوة الرئيسية للحرب الهجينة: القدرة على المزج بين الوسائل التقليدية وغير التقليدية لخوض الحروب.

وتذهب بعض التوقعات إلى أبعد من ذلك متنبئة أن الحروب الهجينة سوف تكون هي النمط الأساسي للمواجهات حتى بين القوى النظامية التقليدية. ومن المتوقع مثلا أن تكون مقاتلات الجيل السادس في المستقبل ليست مجرد طائرات حربية تقليدية، بل قادة رقمية لأسراب من المسيّرات، تُدار عبر أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة، وتتولى تنفيذ مهام قتالية واستطلاعية وتشويش إلكتروني، ضمن بيئة عمليات متكاملة عالية التقنية.

وفي الحرب الهجينة، يمكن للمسيرات إرهاب أو مفاجأة الخصوم في عمق مناطقه الخلفية من دون المخاطرة بالطيارين أو الغزو العلني، وتوضح ورقة عمل صادرة عن "المركز الأوروبي للتميز في مواجهة التهديدات الهجينة" أن الخصوم المتقاتلين في الحرب الهجينة يميلون إلى "تبني إستراتيجيات حرب ذات تأثير محدود للسيطرة على التصعيد والمخاطر السياسية، ومن ثم تُعدّ أنظمة الضربات الدقيقة بعيدة المدى عبر المسيرات، مثالية عمليا لدعم مثل هذه الأساليب".

إعلان

ويعني ذلك أن المسيرات تصلح بكفاءة كإسلوب إنكار، أو ما يسمى "الإنكار المعقول"، ففي الحروب الهجينة، كثيرا ما تسعى الدول والجهات الفاعلة إلى تجنب ربط الهجمات بها، وتوفر المسيرات هذه الميزة من خلال إطلاقها من مواقع مجهولة أو عن طريق وكلاء، مما يُصعّب تتبع الهجوم إلى مصدره، ومن ثم تفادي المزيد من التعقيدات على الساحة السياسية.

مقالات مشابهة

  • كيف تمكنت أوكرانيا من ضرب الطائرات في العمق الروسي؟
  • سر العنكبوت.. كيف تمكنت أوكرانيا من ضرب الطائرات في العمق الروسي؟
  • انسحاب مفاجئ لـ”العمالقة” من شبوة وسط ترتيبات سعودية لنشر “درع الوطن” على الهلال النفطي 
  • ‏زيلينسكي: أوكرانيا سترسل وفدا إلى إسطنبول لإجراء محادثات مباشرة مع روسيا غدا
  • “الأوقاف” تعمّم فتوى شرعية بشأن صلاة العيد والجمعة إذا تزامنا في يوم واحد
  • 8 دول في “أوبك+” تقرر زيادة إنتاجها النفطي
  • ‏وزارة الدفاع الروسية تعلن سيطرة قواتها على بلدة "أوليكسييفكا" في منطقة "سومي" شرقي أوكرانيا
  • الصراع الروسي الأوكراني بين الحسابات الإستراتيجية والانقسام في “التسوية”
  • عرب وأمريكان .. ننشر أهم الدول المستوردة للملابس الجاهزة المصرية
  • منظمة انتصاف تصدر تقريراً حقوقياً بعنوان “صرخة جوع في زمن الخذلان”