الثورة نت:
2025-06-21@23:50:58 GMT

هل يغامر ترامب في دخول حرب مع إيران؟

تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT

 

 

تصاعدت، في الآونة الأخيرة، بدرجة تبعث على كثير من القلق، حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران. فمنذ نحو أسبوعين، كشف الرئيس ترامب، في تصريحات أدلى بها لشبكة “فوكس” الإخبارية، عن فحوى رسالة بعث بها إلى السيد علي خامئني، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، مفادها أن الوقت ينفد ولم يعد أمام إيران سوى الاختيار بين بديلين، لا ثالث لهما: التفاوض مع الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي خلال فترة لا تتجاوز شهرين، أو تلقّي ضربة عسكرية مدمرة.


لم تكن إيران تسلّمت رسالة ترامب رسمياً حين أدلى الأخير بهذه التصريحات، ومع ذلك سارع المرشد الإيراني الأعلى إلى الرد عليها، مؤكداً أن إيران لا تقبل التفاوض تحت التهديد، وأن التفاوض مع دولة لا تحترم التزاماتها وليست أهلاً للثقة لا جدوى فيه.
كان من الطبيعي، حين تسلمت إيران رسالة ترامب المكتوبة، أن ترد عليها أيضاً برسالة مكتوبة. ولفت نظر المراقبين أن هاتين الدولتين، اللتين لا ترتبطان بعلاقات دبلوماسية مباشرة، اختارتا بلدين عربيَّين لتسليم رسالتيهما المتبادلتين، بحيث اختارت الولايات المتحدة دولة الإمارات لتسليم رسالتها الموجَّهة إلى إيران، واختارت إيران سلطنة عُمان لتسليم رسالتها الموجَّهة إلى الولايات المتحدة، ثم تبيّن من تصريحات أدلى بها مسؤولون أمريكيون وإيرانيون مؤخَّراً، أن إيران تصر على عدم الدخول مع الولايات المتحدة في مفاوضات مباشرة، في المرحلة الراهنة على الأقل، لكنها لا تمانع في الدخول معها في مفاوضات غير مباشرة. وما لبث أن تبيّن أن هذه المفاوضات غير المباشرة بدأت بالفعل.
لم يكن احتمال وقوع صدام مسلح بين الولايات المتحد وإيران في أي وقت من الأوقات أقرب مما هو عليه الآن بالفعل، على الرغم من أن الصراع بينهما ظل محتدماً منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979.
ويعود السبب المباشر أو المعلن في احتمال وقوع هذا الصدام المسلح إلى أن إدارة ترامب تدرك جيدا أن إيران تقوم بعمليات تخصيب لليورانيوم بنِسَب أعلى كثيراً من النِّسَب المنصوص عليها في الاتفاق، الذي انسحبت واشنطن منه عام 2018، وأن العقوبات القصوى، التي فرضتها عليها من ذلك الحين، ثم أعادت تشديدها مؤخراً، لن تردعها عن مواصلة برنامجها النووي بالطريقة التي تريدها. وبالتالي، فإن قدرتها على تصنيع سلاح نووي أصبحت أمراً وارداً خلال فترة وجيزة، قد لا تتجاوز أشهراً قليلة من اتخاذها قراراً بشأن ذلك.
صحيح أن إدارة ترامب تعلم بأنه سبق للإمام خامنئي إصدار فتوى دينية عام 2003 تحرّم استخدام أسلحة الدمار الشامل، لكنها، أي إدارة ترامب، تقول إنها لا تستطيع الركون، في أمر على هذا القدر من الأهمية والخطورة، إلى حُسن النيّات الإيرانية وحدها، ثم تعتقد أنه يجب إيجاد آلية قانونية صارمة تضمن عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً في أي وقت، وليس خلال مرحلة موقوتة زمنياً، كما ينص اتفاق 2015. غير أن السبب الحقيقي في احتمال إقدامها على توجيه ضربة عسكرية إلى إيران في هذا التوقيت بالذات لا يعود إلى البرنامج النووي الإيراني وحده، وإنما إلى سببين آخرين تربطهما علاقة عضوية.
الأول: برنامج إيران التسليحي، وخصوصاً ما يتعلق منه بالصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة بعيدة المدى. والثاني: نفوذ إيران الإقليمي، الذي مكّنها من إحاطة “إسرائيل” بأعداء أقوياء يحصلون منها على دعم متواصل، مالياً وعسكرياً. ولأنها تخشى أن يصرّ ترامب على توسيع إطار المفاوضات، التي يدعو إليها، ليشمل كلاً من برنامجها التسليحي ونفوذها الإقليمي، تحرص إيران على أن تكون هذه المفاوضات غير مباشرة في البداية، وعلى عدم قبول مفاوضات مباشرة إلا بعد التأكد من أن البرنامج النووي سيكون هو البند الوحيد المدرَج في جدول الأعمال.
لا تخشى إيران الدخول في مفاوضات تستهدف إبرام اتفاق جديد يتعلق ببرنامجها النووي، وخصوصا أن الفترة التي يغطيها الاتفاق المبرم عام 2015 اقتربت من النهاية، ثم أصبحت الحاجة ماسّة إلى مفاوضات جديدة في جميع الأحوال. ولأنها طرف في اتفاقية حظر الانتشار النووي، وبالتالي ملزمة بسلمية برنامجها النووي، يُتوقع ألّا يكون لديها ما يَحُول دون تضمين الاتفاق المزمع إبرامه بنوداً جديدة تضمن هذه السلمية عبر آليات للرقابة والتفتيش أكثر إحكاماً، وخصوصاً إذا ارتبط وجودها برفع العقوبات القاسية والمفروضة عليها، وبإعادة دمجها في المجتمع الدولي.
غير أن أكثر ما تخشاه إيران هو أن يتضمّن جدول أعمال المفاوضات، التي يسعى لها ترامب، بنوداً تتعلق ببرنامجها التسليحي وبنفوذها الإقليمي، لأن ذلك ينتقص من سيادتها، وسيُعَدّ تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية، وهو ما يحرّمه ميثاق الأمم المتحدة، ثم يُتوقع أن ترفضه رفضاً قاطعاً، إذ لا يتصوّر عاقل أن تقبل إيران فرض قيود على سياستها التسليحية أو سياستها الخارجية، إلا إذا تم ذلك في إطار ترتيبات أمنية إقليمية متبادَلة، تشمل “إسرائيل”، في الوقت نفسه، وهو ما ترفضه الأخيرة رفضاً قاطعاً. لذا، يجب إدخال العامل الإسرائيلي في المعادلة، كونه العامل الأكثر حسماً وتأثيراً في كل التفاعلات التي تشهدها المنطقة حالياً، بما في ذلك احتمال وقوع مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.
تجدر الإشارة هنا إلى أن “إسرائيل”، التي تقودها منذ ديسمبر 2022، حكومة يمينية هي الأكثر تطرفاً في تاريخها، وجدت في عملية “طوفان الأقصى” فرصة ليس لتصفية القضية الفلسطينية فحسب، بل للتخلص أيضاً من جميع مصادر التهديد التي تواجهها في المنطقة، وخصوصاً ما يتعلق منها بـ”محور المقاومة”، وهو ما يفسّر كل القرارات التي اتخذها نتنياهو منذ السابع من أكتوبر 2023 في مختلف الجبهات.
ففي الجبهة الفلسطينية، لم يكتفِ نتنياهو بتدمير قطاع غزة وتحويله إلى منطقة غير صالحة للحياة، وشنّ حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي وتهجير قسري لسكان القطاع، وإنما قام أيضاً بالتصعيد العسكري في الضفة الغربية أيضاً، عبر التدمير والتجريف لعشرات المخيمات، ودفع سكانها إلى الهجرة القسرية.
وفي الجبهة اللبنانية، لم يكتف نتنياهو بمحاولة تفكيك البنية العسكرية لحزب الله، وإنما حاول أيضاً تدمير حاضنته الشعبية، والضغط على معادلات السياسة الداخلية لإحداث توازنات سياسية جديدة، تساعد على تهيئة الأوضاع لفرض تسوية، وفق شروطه. وفي الجبهة السورية، لم يكتف نتنياهو بالتحرش بالوجود العسكري الإيراني، أو بالإغارة على مخازن السلاح وشحناته الموجّهة إلى حزب الله، وإنما مارس أيضاً ما يكفي من الضغوط لتهيئة الأوضاع الداخلية، والتي أفضت في النهاية إلى سقوط نظام بشار الأسد وإخراج إيران نهائياً من سوريا، وفصل الأخيرة عن لبنان أيضاً.
وفي الجبهة اليمنية، قام نتنياهو بالاشتباك مع جماعة أنصار الله، التي قدمت مساندة عسكرية لقطاع غزة. وعندما عجز عن إحداث التأثير المطلوب، نجح في إقناع الولايات المتحدة بضرورة استكمال المهمة نيابةً عنه، وها هي القوات الأمريكية تقرّر، وخصوصاً بعد وصول ترامب إلى السلطة، الدخول في حرب بالوكالة مع جماعة أنصار الله لحساب “إسرائيل”، بل إن نتنياهو نجح في استدراج إيران إلى الدخول في حرب مباشِرة مع “إسرائيل”، للمرة الأولى في تاريخ الطرفين، وها هو يستميت الآن من أجل إقناع ترامب بأن الوقت حان لقطع “رأس الأفعى” ولإعادة هيكلة المنطقة على نحو يضمن هيمنة “إسرائيل” المطلقة عليها، من منطلق أن “إسرائيل” باتت هي الوكيل الوحيد المعتمد والموثوق به من جانب الولايات المتحدة. فهل ينجح نتنياهو في هذه المهمة؟
إذا استندنا إلى الحسابات العقلانية وحدها، يمكن القول إن اندلاع حرب شاملة بين الولايات المتحدة وإيران يُعَدّ أمراً مستبعَداً تماماً، ليس لأن الولايات المتحدة لا تستطيع إلحاق الهزيمة بإيران، فمن الواضح أن موازين القوى تميل لمصلحة الأولى بصورة حاسمة، لكن لأن تكلفة هذه الحرب ستكون باهظة أيضاً، ليس بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحدها، بل بالنسبة إلى العالم بأسره كذلك.
ففي وسع إيران، على سبيل المثال، إغلاق مضيق هرمز بمجرد اندلاع الحرب، وإلحاق الأذى ليس بالقواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في المنطقة فحسب، بل ربما أيضاً بالبنية التحتية للصناعات النفطية فيها، وهو ما قد يؤدي إلى مضاعفة أسعار النفط عدة مرات، وارتباك التجارة الدولية، ناهيك باحتمال سقوط أعداد هائلة من العسكريين والمدنيين. غير أنه لا يجب استبعاد العوامل الذاتية، وأقصد بها العوامل المتعلقة بالسمات الشخصية للقيادة السياسية في كل من “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية، وتأثيرها في مسار الأحداث في المنطقة.
فالخوف من تفكك الائتلاف الحاكم قد لا يكون هو العامل الوحيد المؤثّر في مدركات صانع القرار في “إسرائيل”، والولع في عقد الصفقات التجارية، أو الرغبة في الحصول على جائزة نوبل، أو البرغماتية السياسية، ليست بالضرورة أهم العوامل المؤثّرة في مدركات صانع القرار في الولايات المتحدة. ولأن كِلا الزعيمين يتقمّصه شعور جامح بغرور القوة وإحساس مبالَغ فيه بتضخم الذات، فليس من المستبعَد أبدا أن يقوما باتخاذ قرارات تتناقض مع المنطق ومع أي حسابات تتسم بالعقلانية أو بالرشاد.
فنابليون كان يبدو في كامل قواه العقلية حين اتخذ قراره غزو روسيا عام 1812، وهتلر كان يبدو في كامل قواه العقلية حين اتخذ قراره غزو الاتحاد السوفياتي عام 1941، غير أن غرور القوة وإحساسهما المتضخم بالذات كانا وراء القرار غير الرشيد في كلتا الحالتين. لذا، لو جاز لي أن أقدم نصيحة إلى صانع القرار الإيراني، فهي ألّا يستبعد من حساباته احتمال إقدام كل من نتنياهو وترامب على اتخاذ قرار غير عقلاني وغير رشيد بتوجيه ضربة عسكرية مشتركة إلى إيران. وكما وضع قرار غزو روسيا نهاية لأسطورة نابليون، ووضع قرار غزو الاتحاد السوفياتي نهاية لجبروت هتلر، فليس من المستبعد أن يكون قرار ضرب إيران هو بداية النهاية لأوهام نتنياهو ولحماقات ترامب.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

حرب إسرائيل وأمريكا على إيران

شنت آلة الحرب الإسرائيلية عدوانا واسعا على إيران، نهاية الأسبوع المنصرم، استهدفت فيه المنشآت النووية ومنصات الصواريخ ومصانع الأسلحة وأجهزة الطرد، وعددا كبيرا من المرافق المدنية الحيوية، من بينها المستشفيات، التي يبدو قصفها استحواذا إسرائيليا ثأريا.

وبموازاة الحرب على الجمهورية الإسلامية، التي شدّت أنظار العالم واستأثرت بتغطية إعلامية ضخمة، واصلت صناعة الموت الإسرائيلية عملها بكامل القوّة في غزة، ما أدى إلى المزيد من سفك الدماء ومئات الشهداء وآلاف الجرحى خلال أيام، من دون اهتمام دولي وعربي. وتستغل إسرائيل انشغال العالم بالحرب الجديدة للإمعان في تنفيذ حرب الإبادة الجماعية والدمار الشامل «القديمة» وفي تجهيز الأرضية لتطبيق مشروع التهجير الأمريكي ـ الإسرائيلي. وهنا لا بدّ من استصراخ ضمائر العالم وما تبقّى من الضمير العربي لنجدة ولنصرة أهل غزّة وللعمل على حمايتهم من المزيد من الجرائم.

تدّعي إسرائيل في تبرير حربها، أن «المشروع النووي» الإيراني يشكّل خطرا وجوديا على الشعب العبري، وعلى دولته، مع أن إيران تؤكّد بشكل دائم أنّها ليست معنية بتطوير سلاح نووي، وأبدت استعدادا للتوصّل إلى اتفاق جدّي يشمل تقييدات على تخصيب المواد المشعّة، ورقابة مشدّدة على منشآتها النووية، ما يضمن ـ كما هو رأي معظم المختصين في العالم، وحتى في إسرائيل نفسها ـ اقتصار النووي الإيراني على الأغراض السلمية. وقد أجرت الإدارة الأمريكية مفاوضات مع إيران، وكان يبدو في مرحلة ما أن الحلول الوسط واردة في الحسبان، وأن الاتفاق ممكن.

هنا تدخلت إسرائيل – نتنياهو مباشرة، ومن خلال حلفائها في الحزب الجمهوري وفي وسائل الإعلام، واستطاعت التأثير لجعل الموقف الأمريكي أكثر تشدّدا، ما أدّى إلى انتهاء مهلة الستين يوما التي منحها ترامب للمفاوضات، وفي اليوم الحادي والستين، وبعد ثلاث ساعات من انتهاء «مهلة ترامب»، بدأت إسرائيل حربها، تبعا لضوء أخضر تلقته من ترامب، وُصف بأنّه شديد الاخضرار.

انقسم المجتمع السياسي الإسرائيلي عشية الحرب، بين من يدعم الخيار العسكري، ومن يدعو إلى منح فرصة للحل السياسي، لكن، ما إن نشبت الحرب، حتى اصطفت النخب الإسرائيلية كالقطيع، ولم يخرج من صفوفها أي صوت ينطق بحقيقة أن الحل الدبلوماسي كان في متناول اليد. كذلك الأمر اصطفت قيادات دول «الحضارة الغربية» في دعم حرب إسرائيل، ملوّحة بحق الدفاع عن النفس المزعوم والمحصور على دول هذه الحضارة.

ولا يعود هذا الموقف الداعم لدولة «الخط الأمامي ضد بربرية الشرق» ـ كما وصفها هرتسل، إلى اعتبارات سياسية استراتيجية فحسب، بل يغوص عميقا في تراث عداء المسلمين وعداء الفرس والاثنين معا. ومن المعروف أن الصورة النمطية للفرس تشكّلت في أوروبا عبر التاريخ منذ حرب إمبراطورتيهم مع اليونانيين القدماء. وبعد الثورة الإسلامية استعيدت نمطية «الاستبداد الشرقي» الفارسي في الإعلام والأدب والفن، وجرى تصوير الإيرانيين بأنّهم متطرّفون وغير عقلانيين. ومن يظن أن في هذا الكلام مبالغة، فهو مدعو لمشاهدة فيلم 300 (إخراج زاك سنايدر، 2006)، الذي يظهر فيه الفرس بوصفهم «الآخر المتوحّش، الطاغي وغير العقلاني»، في مواجهة الغرب «الحر، البطولي، العقلاني»، ما جعله تجسيدا سينمائيا، لما كتب عنه وحذّر منه إدوارد سعيد في أيقونته «الاستشراق».

الدور الأمريكي
ساد إجماع لدى النخب الإسرائيلية بأن أهم شروط شن حرب على إيران هو الحصول على موافقة وتأييد ودعم من الولايات المتحدة، تصل إلى حد المشاركة الفعلية في الحرب. وما كان نتنياهو ليقدم على اتخاذ قرار الحرب، لولا حصوله على ضمانات أمريكية وازنة. التغيير الكبير في الموقف الأمريكي، الذي مهّد للحرب هو فوز ترامب في الانتخابات، فقد اعتبره نتنياهو نقطة تحول، وسارع إلى إصدار تعليماته للموساد وللجيش بالشروع في التحضير للحرب.

وإذ يدور الحديث هذه الأيام عن مشاركة الولايات المتحدة في الهجوم على إيران، فإنّه من الواضح أنّها متورّطة فيها والسؤال فقط هل ستتورّط أكثر؟ فقد وفّرت الولايات المتحدة للدولة العبرية أحدث وأقوى أنواع الأسلحة، وبعد انتخاب ترامب اشتكى بعض الخبراء العسكريين الإسرائيليين من أنّ المخازن امتلأت بالذخائر والعتاد ولم تعد تتسع للمزيد، وأن كل ما طلبته إسرائيل حصلت عليه، إضافة لذلك منحت الإدارة الأمريكية شبكة أمان اقتصادية بمليارات الدولارات، استنادا إلى ما جرى الاتفاق عليه في عهد بايدن، من تغطية تكلفة الذخائر التي تستهلكها الحرب، وفق ما جاء في إعلان القدس عام 2022، من أن الولايات المتحدة «تلتزم بتقديم مساعدة إضافية في مجال الدفاع المضاد للصواريخ تتجاوز مذكرة التفاهم (الدعم المالي العادي) وذلك في ظروف استثنائية». كما وفّرت الإدارة لإسرائيل دعما سياسيا ودبلوماسيا على الساحة الدولية.

وتشارك الولايات المتحدة في الحرب بشكل مباشر، من خلال سفنها الحربية وطائراتها ومنصات صواريخها المضادة للصواريخ، التي نصبتها في إسرائيل، وفي مواقع أخرى في الشرق الأوسط. وتقدم المنطقة الوسطى التابعة للجيش الأمريكي (سنتكوم) دعما لوجستيا ومعلومات أمنية على مدار الساعة، عبر طائرات التجسس والأقمار الصناعية وشبكات الرادار المنصوبة في أماكن مختلفة، ومنها الرادار طويل المدى الأمريكي، الموجود في موقع المدينة النبطية التاريخية «رحيبة» في النقب (معسكر هار كيرن)، الذي يستكشف الصواريخ الإيرانية حال إطلاقها ويرسل المعلومات للجيش الإسرائيلي أوّلا بأوّل.
ما تخشاه الإدارة الأمريكية عموما هو أن يؤدي التدخل المباشر إلى قصف الأهداف الأمريكية المنتشرة في الخليج
بقي السؤال المهم جدّا حول إقدام الولايات المتحدة على المشاركة المباشرة في الهجوم الإسرائيلي، عبر استخدام القاذفات الضخمة من طراز بي-2 والقنابل العملاقة في قصف منشآت إيرانية تحت الأرض، وبالأخص موقع «فوردو» النووي. ولا تعود التصريحات والتسريبات الأمريكية المتناقضة بهذا الخصوص إلى شخصية ترامب المتقلّبة فحسب، بل إلى خلاف حاد بين الانعزاليين والصقور، بين من يدعون إلى عدم التدخل تحت شعار «أمريكا أولا»، ومن يدفعون باتجاه المشاركة بالحد الأقصى «دفاعا عن مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها».

وما تخشاه الإدارة الأمريكية عموما هو أن يؤدي التدخل المباشر إلى قصف الأهداف الأمريكية المنتشرة في الخليج، وفي بقية أرجاء المنطقة.

إسرائيل من جهتها تزعم أنها لا تطلب ولا تضغط وتترك القرار للرئيس ترامب، وتدّعي بأن لديها حلا لقصف موقع «فوردو». لكن لماذا تُطرح المشاركة الأمريكية المباشرة إذن؟ يبدو أن إسرائيل قادرة على التسبب بأضرار في المنشأة، وفقط الولايات المتحدة تملك القدرة على تدميرها بالكامل، كما أن هناك اعتقادا إسرائيليا بأن التدخل الأمريكي المباشر سيجعل الحرب قصيرة وخاطفة كما تريدها، إذ ان أكثر ما تخشاه إسرائيل هو تحول الحرب إلى حرب استنزاف بعيدة المدى.

نتنياهو
لقد كان الملف الإيراني هو أكثر ما اهتم به نتنياهو، الذي ادعى ما معناه أن العناية الإلهية اختارته لحماية الشعب اليهودي من كارثة ثانية، على اعتبار أن «همّ إيران الأول» هو القضاء على الدولة الإسرائيلية. ومن المؤكّد أنّه صاحب القرار الأوّل والأخير في شن هذه الحرب. وقد وضع لها غاية شاملة وهو تقويض التهديد الذي تشكّله إيران على إسرائيل عبر تحقيق ثلاثة أهداف: الأول، محو المشروع النووي الإيراني، والثاني القضاء على الخطر الصاروخي الإيراني، والثالث، تفكيك ما يسمّيه «شبكة الإرهاب الإيرانية» في المنطقة. هناك أيضا هدف رابع غير معلن، ويصفه نتنياهو بالنتيجة وليس بالهدف وهو إسقاط النظام.

وفي مقابلة له مع القناة 14 الإسرائيلية، قال نتنياهو، إن تحقيق النصر المطلق سيؤدي إلى تغيير منطقة الشرق الأوسط، وإلى فتح باب المزيد من التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل. وحين سئل عن مشروع التهجير، أكّد أنه ما زال «على الطاولة» وأنه يبذل جهودا لتنفيذه، مشيرا إلى أن الكثير من الأمور ستتغير في الشرق الأوسط بعد نهاية الحرب. ورشح من المقابلة أن نتنياهو بدأ في إحصاء الأصوات الإضافية التي سيحصل عليها في الانتخابات المقبلة، وظهر فيها أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يكتب «صفحات المجد» للتاريخ، مشيرا المرة تلو الأخرى إلى أنه ابن لمؤرّخ وأن ما يجري هو أحداث تاريخية.

ما يحدث هذه الأيام هو في غاية الخطورة، وإذا حققت إسرائيل أهدافها فسوف تتحول إلى «امبراطورية الشرق»، استنادا إلى ضعف أو تواطؤ محيطها واتكاءً على دعم الإمبراطورية الأقوى في العالم. وحتى الذين لديهم انتقادات وتحفّظات وخلافات مع إيران عليهم أن يحذروا مما هو مقبل من خطر إسرائيلي قريب وبعيد المدى.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • سي إن إن: السلطات تراقب التهديدات الإيرانية المحتملة داخل الولايات المتحدة
  • من الرجل الذي يؤخر دخول الولايات المتحدة إلى الحرب مع إيران؟
  • هل ستخوض الولايات المتحدة حربًا ضد إيران؟ اسألوا سارية العلم!
  • الأمم المتحدة: إسرائيل تواصل منع دخول شحنات الوقود إلى غزة
  • تحديث مباشر.. دخول الصراع يومه التاسع وترامب: إسرائيل لا يمكنها تدمير كل منشآت إيران النووية بمفردها
  • كيف يمكن أن تتعثر مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران؟
  • نتنياهو: الولايات المتحدة تساعد إسرائيل بشكل كبير في الصراع مع إيران
  • أوباما يحذر من حكم استبدادي في الولايات المتحدة
  • أخبار التكنولوجيا| هل تجسست إسرائيل على إيران عبر واتساب؟.. تمديد حظر تيك توك في الولايات المتحدة للمرة الثالثة
  • حرب إسرائيل وأمريكا على إيران