ما الأهمية السياسية والاقتصادية لزيارة السيسي إلى قطر والكويت؟
تاريخ النشر: 14th, April 2025 GMT
أثار الإعلان عن زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى قطر، الأحد، ثم الكويت، الاثنين، العديد من التساؤلات، خاصة وأنها زيارة تأتي في ظل سياقات سياسية صعبة وأوضاع إقليمية ملتهبة.
السيسي، المقل في زيارة العاصمتين الخليجيتين على عكس زياراته للرياض وأبوظبي، تمثل زيارته هذه أهمية سياسية وتحمل دلالات هامة؛ خاصة بزيارة قطر، التي تأتي بعد أيام من اتهام الكيان الإسرائيلي المحتل للدوحة بتجنيد عناصر إسرائيلية تقوم على تشويه الدور المصري في ملف القضية الفلسطينية ومفاوضات غزة.
وأكد السيسي وأمير قطر على موقفهما الثابت والداعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ودعمهما لجهود تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتطلعهما إلى انعقاد مؤتمر دولي بشأن إعمار غزة تستضيفه مصر.
كما تأتي زيارة قطر التي تعد الثانية من السيسي خلال حكمه لمصر –الأولى 13 أيلول/ سبتمبر 2022- في ظل سياق التعاون مع القاهرة في ملف الاستثمار والاقتصاد الذي لم تتوغل فيه قطر بالقدر الكافي كما تأمل مصر، وكما يبدو التوغل الإماراتي والسعودي.
وفي أولى نتائج زيارة الدوحة، جرى التوافق على حزمة استثمارات قطرية مباشرة لمصر بقيمة 7.5 مليار دولار، تنفذ خلال المرحلة المقبلة فيما تم التوافق على تعزيز الاستثمار والتبادل الاقتصادي.
والتقى السيسي بممثلي مجتمع الأعمال القطري لبحث فرص التعاون الاقتصادي، فيما تشير تقارير إلى أن الصندوق السيادي القطري يدرس فرصا بقيمة (2-3 مليارات دولار) إضافية، لتطوير الفنادق والمنتجعات السياحية بالبحر الأحمر، بحسب موقع "بانكير" الاقتصادي.
وقال السيسي خلال اللقاء، إن "مصر تعد فرصة واعدة للمستثمرين، لما تمتلكه من موقع استراتيجي فريد، وقوى عاملة ماهرة بتكلفة تنافسية، وأسعار طاقة ملائمة، واتفاقيات تجارة حرة، وبنية تشريعية مشجعة للاستثمار".
وتحدث عن فرص استثمارية بقطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والصناعات التحويلية، والطاقة الجديدة والمتجددة، والسياحة، مؤكدا للرغبة المصرية الدخول في شراكة مع المستثمرين القطريين.
ولم تحظ الاستثمارات القطرية في مصر بذات الاتساع الذي نالته الصناديق والشركات الإماراتية والسعودية وذلك في ظل مشاركة القاهرة في المقاطعة الخليجية التي قادتها السعودية والإمارات والبحرين ضد الدوحة منذ منتصف 2017، حتى عقد قمة "العلا" بالسعودية كانون الثاني/ يناير 2021.
ومنذ تطبيع العلاقات بين البلدين زار أمير قطر القاهرة، وزار السيسي الدوحة للمرة الثانية، لتعاود الأرقام الاقتصادية فرصها في الانتعاش، حيث توجد 110 شركات مصرية تعمل في قطر، و261 شركة قطرية تعمل بالسوق المصرية، بنسبة مساهمة تصل إلى 2.165 مليار دولارر، بقطاعات السياحة، والإنشاءات، والصناعة، بجانب 6 آلاف شركة مشتركة، وفقا لتصريحات السفير القطري بالقاهرة طارق علي، لـ"سبوتنيك عربي"، كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
وفي سياق الزيارة أعلنت قطر عن دعمها لمرشح مصر لمنصب مدير منظمة (اليونسكو) الدكتور خالد العناني.
"رأس حكمة جديدة"
لزيارة الكويت، التي التقي فيها السيسي، بالأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح، لها أيضا أهمية اقتصادية كبيرة، لفت إليها وزير مصري قبل أيام، مشيرا لاحتمال منح الكويت ثالث أكبر شريك تجاري عربي لمصر بعد السعودية والإمارات، أراض استراتيجية في مصر على غرار "رأس الحكمة" لصندوق أبوظبي العام الماضي.
وزير المالية أحمد كجوك، قال الخميس لصحيفة "الراي" الكويتية، إن حكومة بلاده منفتحة على تطبيق مبدأ تحويل الدين إلى استثمار، كما فعلت في رأس الحكمة، كما أنه وردا على إمكانية تكرار هذا النهج مع ديون الكويت ودول أخرى، أكد الوزير أن مصر منفتحة لتطبيق المبادرة مع جميع الشركاء الدوليين.
من جانبه قال سفير الكويت بالقاهرة غانم صقر الغانم، في تصريح الاثنين: "تشكل مصر وجهة للاستثمارات الكويتية"، مشيرا إلى "الشراكات بين كويتيين ومصريين"، موضحا أن هناك "أكثر من ألف شركة كويتية تعمل في مصر، فيما تجاوزت قيمة الاستثمارات الكويتية 20 مليار دولار في مجالات عدة، ومنها البنى التحتية والطرق والسياحة والزراعة".
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين القاهرة والكويت نحو 5 مليارات دولار سنويا، فيما تقدر الاستثمارات الكويتية في مصر بحوالي 15 مليار دولار، بقطاعات البترول، والعقارات، والبنية التحتية، ومن أبرز المشروعات الكويتية مشاركة شركات كويتية في خط أنابيب سوميد ومصنع لإنتاج مواسير نقل البترول.
"معاناة مصرية"
ويعاني اقتصاد مصر من أزمات هيكلية وبنيوية خطيرة، وسط حجم دين خارجي يلتهم أغلب مدخلات الموازنة العامة للبلاد، ما دفع الحكومة لمزيد من الاقتراض، وفي المقابل تقليص دعم الوقود الذي قررت رفعه الجمعة الماضية، بنسب تتراوح بين 12-33 بالمئة، وسط ارتفاع معدل التضخم السنوي ليصل 13.6 بالمئة في آذار/ مارس الماضي.
بيانات البنك المركزي المصري أشارت إلى ارتفاع ديون مصر الخارجية 1.5 بالمئة على أساس ربع سنوي إلى 155.2 مليار دولار بالربع الأول من العام المالي الحالي.
وبعد ثبات رسمي في قيمة العملة المحلية لنحو عام منذ عقد صفقة رأس الحكمة ورفع صندوق النقد الدولي قيمة تمويله لمصر من 3 إلى 8 مليارات دولار، ومواصلة الاتحاد الأوروبي منح البلاد دعما وصل إلى 5 مليارات دولار، عاود الجنيه لخسارة قيمته بمقابل الدولار.
ومنذ إجازة عيد الفطر فقد الجنيه نحو 2.4 بالمئة من قيمته خلال أسبوع واحد، متراجعا من نحو 50.5 جنيها إلى 51.75 جنيها للدولار، وسط عودة نشاط السوق الموازية.
وتتوالى التصنيفات الدولية الراصدة لحالة اقتصاد متعثر،حيث أبقت وكالة "ستاندرد أند بورز" التصنيف الائتماني للبلاد عند "B-/B" هابطا 6 درجات للديون طويلة وقصيرة الأجل بالعملات الأجنبية والعملة المحلية، مشيرة لارتفاع تكاليف خدمة الدين، واستمرار هشاشة الوضع الخارجي للبلاد وسط تزايد تقلبات الأسواق العالمية والمخاطر الجيو سياسية.
وأبقت "وكالة فيتش"، على التصنيف الائتماني لمصر (عند B)، هابطا 5 درجات، مشيرة إلى "ضعف الوضع المالي الحكومي، بما في ذلك ارتفاع فوائد/إيرادات الديون بشكل استثنائي، واحتياجات التمويل الخارجي الكبيرة، وتدفقات التمويل التجاري المتقلبة".
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، رفعت "فيتش" تصنيف مصر الائتماني من "B-" إلى "B" مع نظرة مستقبلية مستقرة للمرة الأولى منذ عام 2019، وعزت قرارها إلى تدفقات النقد الأجنبي من اتفاقية "رأس الحكمة" البالغة 35 مليار دولار.
وحول الأهمية السياسية والاقتصادية لزيارة السيسي إلى قطر والكويت بهذا التوقيت، والاكتفاء بزيارة عاصمتين خليجيتين من الأقل في زياراته الخارجية دون الذهاب إلى أبوظبي والرياض أكثر محطتين بجولاته العربية والعالمية، تحدث سياسيون مصريون لـ"عربي21".
"سياقات عدة ورسالة إيجابية"
وفي رؤيته قال السياسي المصري إسلام لطفي، إن "زيارة قطر والكويت لابد النظر لها في سياق سياسي وسياق عسكري، السياسي منها يأتي بعد ظهور أخبار (من إسرائيل) تتعلق بأن قطر تقوض دور مصر في مفاوضات غزة والاحتلال، وهذا كان سيشكل ضعفا للموقف التفاوضي الذي تخوضه القاهرة والدوحة سويا حول غزة ووضعها".
وفي حديثه يعتقد أن "الزيارة محاولة لنزع فتيل التوتر الذي حدث، وكونها أنها حدثت من مصر وليس العكس، يُعطي رسالة إيجابية بأنه لن يتم الالتفات لهذا الأمر".
ولفت إلى أمر ثان، وهو أن "قطر والكويت يتفق موقفهما مع مصر في رفض أي شكل من أشكال التهجير لأهالي غزة، وفكرة الوطن البديل، وهذا على خلاف الدول الأخرى المشار إليها السعودية والإمارات اللتين تبدوان في هذه اللحظة تقودهما الرؤى الاقتصادية ومحاولة تعظيم الفوائد وبسط النفوذ".
وأضاف: "ولذا يتبنيان خيار الترحيل الطوعي أو كما يُقال أو يُنقل بأنه ليس لديهم أزمة في موضوع الترحيل الطوعي لأهالي القطاع"، مبينا أن "هذا الموضوع يشكل تحديا لمصر كونه يضرب القضية الفلسطينية في مقتل".
لطفي، أكد أن "هذا يمثل تهديدا للقضية الفلسطينية وتهديدا على الأمن القومي المصري؛ لأنه في النهاية أهالي فلسطين في فلسطين شئنا أم أبينا هم حائط صد تجاه الأطماع الصهيونية التوسعية، وبالتالي الزيارة لها بعد سياسي".
وعن البعد الاقتصادي، يرى السياسي المصري أنه "بالفعل الأوضاع الاقتصادية شبه مستقرة مع الإمارات والسعودية، ولكن تباين المواقف السياسية يجعل هناك حالة من الإحجام عن إقالة مصر من عثرتها الاقتصادية الحالية".
وأوضح أن "قطر والكويت يتمتعان باقتصاد جيد، وعلاقات جيدة مع مصر، ويتشاركان كذلك سياسيا في الموقف الإيجابي تجاه القضية الفلسطينية ومعاناة أهل غزة، وربما يكون للأمر علاقة بفتح مسارات بديلة لتقليل حالة الاختناق المالي والاقتصادي الموجودة في مصر".
ويرى أن "الزيارة تمثل تحركا سياسيا ودبلوماسيا ذكيا وإيجابيا خصوصا في ظل الاجتماعات التي عقدتها (سنتكوم) الإدارة المركزية العسكرية في الشرق الأوسط وتجاهلت فيها مصر".
وخلص للقول: "وبالتالي الزيارة تقول إن مصر تظل لاعبا في الإقليم، وتقول إنه لديها كروت تحاول بها ترتيب المشهد، وليست متأكدا من هذا؛ ولكن التحرك ومحاولة فعل شيء بالتأكيد أفضل من الصمت والسكون وانتظار ما سيحدث".
"خمسة دوافع وأهداف"
من جانبه، قال السياسي المصري الدكتور محمد عماد صابر: "رغم الطابع الرسمي المعلن لزيارة السيسي إلى قطر والكويت، إلا أن السياق السياسي والاقتصادي الإقليمي يكشف عن دوافع غير معلنة تتجاوز التصريحات البروتوكولية، وتشير إلى أهداف استراتيجية تمس عمق الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجهها مصر".
عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري سابقا، أشار أولا إلى "هدف البحث عن دعم اقتصادي عاجل حيث تواجه مصر أزمة اقتصادية خانقة، أبرز ملامحها التضخم، وتراجع قيمة الجنيه، وعجز في العملة الصعبة".
وأضاف أنه "في ظل ضغوط صندوق النقد الدولي وتأجيل بعض الاستثمارات الخليجية، تسعى القاهرة للحصول على دعم مباشر أو غير مباشر من دول الخليج؛ وقطر والكويت تُعتبران من الدول الأقل اشتباكا سياسيا في الشأن المصري، ما يجعل طلب المساعدة منهما أكثر ليونة مقارنة بالسعودية والإمارات".
رئيس منتدى "برلمانيون لأجل الحرية"، لفت ثانيا، إلى "ملف المعارضة المصرية بالخارج، حيث تستضيف قطر شخصيات إعلامية وسياسية معارضة للنظام المصري؛ ويُحتمل أن تكون الزيارة محاولة لإقناع القيادة القطرية بتقليص الحضور الإعلامي أو السياسي للمعارضة، خاصة في ظل اقتراب محطات سياسية داخلية قد تشهد توترات".
وتحدث ثالثا عن "الترتيبات الإقليمية لما بعد غزة"، مبينا أن "مصر تسعى لترسيخ موقعها كوسيط أساسي في الملف الفلسطيني، خاصة في إدارة ما بعد الحرب، وقطر فاعل رئيسي في الملف الفلسطيني (عبر علاقتها مع حماس)، والكويت تمثل تيارا داعما للمقاومة داخل الخليج".
وتوقع "بالتالي احتمال أن تتضمن الزيارة تنسيقا حول ترتيبات إعادة الإعمار، أو توزيع الأدوار في المرحلة القادمة، وفى نفس الوقت تهدئة الحملة الإعلامية التي كانت ضد قطر من الإعلام المصري".
رابع أهداف الزيارة وفق رؤية صابر، تتمثل فيما أسماه "موازنة التباينات الخليجية"، موضحا أن "التوتر الصامت بين مصر وبعض حلفائها التقليديين (لاسيما الإمارات) يدفعها لتقوية صلاتها بقطر والكويت؛ وهذه التحركات تأتي في إطار محاولة القاهرة خلق توازن داخل البيت الخليجي واستعادة هامش من الاستقلال في قراراتها الاقتصادية والسياسية".
وفي ختام حديثه ألمح خامسا، إلى هدف توجيه مصر، "رسائل سياسية إقليمية ودولية؛ عبر هذه الزيارات"، مؤكدا أنها "تسعى لتأكيد مكانتها كدولة محورية لا تزال قادرة على الحوار مع جميع الأطراف؛ وترسل إشارات إلى أمريكا وأوروبا بأن القاهرة تحافظ على علاقات متينة بدول الخليج، رغم الضغوط المتعلقة بملف حقوق الإنسان أو ملف المعتقلين السياسيين".
"ماذا يقول المصريون"
ولاقت الزيارة تفاعلا كبيرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنه ما كتبه الصحفي جمال سلطان: "باختصار، وبدون كثير شرح، السيسي سافر إلى الدوحة ليستغيث بالشيخ تميم أمير قطر"، مشيرا إلى أن عقد اتفاقيات اقتصادية بقيمة 7.5 مليار دولار، تمثل "إغاثة عاجلة".
وقال الخبير في الإدارة والاستراتيجية الدكتور مراد علي، إن "زيارة الرئيس السيسي إلى الدوحة، بعد أيام من الحملات الإعلامية المكثفة ضد قطر، تكشف عن تناقضات السياسة المصرية، وتؤكد قصور في التفكير الاستراتيجي لدى الأجهزة الأمنية المصرية التي تسيطر على الإعلام".
وأضاف: "لكن يبدو أن الضغوط الاقتصادية والحاجة الملحة لضخ مساعدات أجبرت القيادة السياسية المصرية على تغيير المسار وزيارة الدوحة".
ورأى الكاتب الصحفي إبراهيم فايد، أن الزيارة تكشف عن دور قطري جيد مع مصر، إذ كتب يقول: "وقت الحسم لا تجد مصرنا من أشقائها إلا أولئك الثابتين على مبادئهم، أما الشعارات وارفعيها من المُطَبّعين المتآمرين سُرعان ما تذهب أدراج الرياح مع أول إشارة ترامبية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المصري قطر الكويت العلاقات مصر الكويت قطر علاقات المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السیسی إلى قطر ملیارات دولار قطر والکویت ملیار دولار رأس الحکمة مصر من فی مصر
إقرأ أيضاً:
ما دلالات زيارة السيسي لأبو ظبي بعد يومين من زيارة عراقجي للقاهرة؟
التقى رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، رئيس الإمارات محمد بن زايد الإمارات، في أبوظبي الأربعاء، في زيارة غير معلنة مسبقا اعتبرها مراقبون رد فعل سريع من أبوظبي على زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، للقاهرة، الاثنين الماضي.
وأكد الحليفان منذ 2013، ابن زايد والسيسي، على أهمية الوقف الفوري لإطلاق النار بقطاع غزة، وتبادل الأسرى والمحتجزين، وفق بيان رئاسة الجمهورية المصري، الذي أعلن عودة السيسي، سريعا بعد نحو 4 ساعات من نشر خبر الزيارة، ما يشير إلى أن اللقاء الذي تناول أوضاع لبنان وسوريا والسودان وليبيا واليمن والصومال والأوضاع الاقليمية، جاء على عجل والزيارة كانت خاطفة كذلك.
"رسائل عراقجي من قلب القاهرة"
وكان الوزير الإيراني عباس عراقجي، وعقب لقاء السيسي، أشار إلى تطورات مرتقبة بعلاقات البلدين المقطوعة رسميا لنحو 46 عاما، قائلا إنّ: "العقبة الأخيرة في العلاقات مع مصر ستزال قريبا وربما خلال الأسابيع المقبلة"، دون أن يذكر تلك العقبة أو يشير إلى كيفية إزالتها.
إلى ذلك، بدا متفائلا في تصريحاته، وأوضح أنه التقى السيسي للمرة الرابعة، مؤكدا في الوقت نفسه أنّ: "مستوى الثقة بين مصر وإيران حاليا لم يكن موجودا من قبل"، مبشرا بالاتفاق على استمرار المشاورات السياسية، والتوافق على زيادة حجم التبادل التجاري وتوسيع آفاق التبادل السياحي.
وأرسل الوزير الإيراني من قلب القاهرة رسالة قوية إلى دول الخليج العربي بزيارته منطقة خان الخليلي الأثرية بقلب القاهرة التاريخية، وتناول العشاء مع 3 من وزراء خارجية مصريين سابقين بينهم الأمين العام للجامعة العربية الأسبق عمرو موسى، إلى جانبه صلاة عراقجي في مسجد الإمام الحسين الشهير بالعاصمة المصرية.
كما وجهت إيران، عبر لقاء عراقجي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، في القاهرة، رسالة إلى المفاوض الأمريكي وإدارة الرئيس دونالد ترامب، وإعلانه أن بلاده لن ترضى بأي اتفاق مع واشنطن يحرم طهران من مواصلة عمليات تخصيب اليورانيوم.
"صمت عربي وغضب إسرائيلي"
الخليج العربي ومنه السعودية والإمارات لم يبد رد فعل رسمي تجاه زيارة عراقجي، وتصريحاته حول التقارب مع القاهرة، ومحاولة التقارب شعبيا مع المصريين بجولته الليلية، لكن الاحتلال بدا منزعجا بشدة من الزيارة والتقارب المحتمل.
والثلاثاء، عقب لقاء عراقجي، والسيسي، بيوم واحد، حذّر زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، من تداعيات ما وصفه بـ"التقارب الإيراني المصري"، مؤكدا عبر منصة "إكس"، أن الحديث عن تعاون بين القاهرة وطهران "ينذر بالخطر"، مشيرا إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو، تشن منذ شهور "حملة معادية لمصر تهدد اتفاقيات السلام بين البلدين".
وللمرة الثانية زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء، أنه أسقط طائرة مسيّرة اخترقت الأجواء الإسرائيلية قادمة من الأراضي المصرية، وكانت تحمل أسلحة وذخيرة، في واقعة مشابهة لادعاءات إسرائيلية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
"أجواء ملتهبة"
خبراء ومتابعون للملف المصري الخليجي والمصري الإيراني، قالوا في تقرير سابق لـ"عربي21"، إن "زيارة المسؤول الإيراني التي جاءت بدعوة من القاهرة، كان بها رسائل متعددة إلى حلفاء مصر الإقليميين والدوليين: إسرائيل والإمارات والسعودية وأمريكا، خاصة بعد حالة الفتور والتجاهل من العواصم الأربعة لرأس النظام المصري".
ويرون أن "زيارة السيسي للإمارات واستقبال ابن زايد له بمطار أبوظبي واستضافته بقصر الشاطئ بعد أزمة تجاهله من حضور القمم الخليجية التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض وأبوظبي وقطر، هي رد فعل لزيارة المسؤول الإيراني".
ولفتوا إلى أن "لها الكثير من الدلالات، وقد يتبعها العديد من النتائج، بينها احتمالات استعادة وضع العلاقات المصري الإماراتي مجددا والتوافق على ملفات خلافية أو تقليل حجم الخلاف حولها"، مشيرين لأزمات "غزة، وليبيا، والسودان، والصومال، وإثيوبيا ومياه النيل".
ومع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية 16 أيار/ مايو الماضي، وعقد القمة الأمريكية الخليجية، دون دعوة السيسي، رغم حضوره قمة سابقة مع ترامب في الرياض عام 2017، أزعج دوائر الحكم المصرية، خاصة وأن ترامب زار الإمارات والتقى حليفه ابن زايد، في ظل تجاهل تام للسيسي.
ذلك التجاهل، لفت إلى وجود تضارب إماراتي سعودي مع مصر، في ملفات بينها الحرب في غزة وتهجير الفلسطينيين ضمن خطة ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى جانب ملفات وأزمات أخرى مثل ليبيا والسودان جارتي مصر الغربية والجنوبية والتي تواصل حكومة أبوظبي دعم مليشيات فيهما ضد السلطات الشرعية في البلاد.
"سياسة الكيد"
وفي رؤيته السياسية والاستراتيجية لأحداث الإقليم وعلاقات القاهرة المتأرجحة صعودا وهبوطا مع داعميها، تحدث السياسي والإعلامي المصري الدكتور حمزة زوبع، لـ"عربي21"، حول دلالات استدعاء ابن زايد للسيسي بعد يومين من زيارة وزير خارجية إيران للقاهرة.
المتحدث السابق باسم حزب "الحرية والعدالة" المصري سابقا، قال إنه "منذ عهد جمال عبدالناصر ومعه العسكرية المصرية نتحرك بمنطق الكيد، وبغض النظر عن الموقف من حكام الرياض الحاليين لنراجع خطب ناصر وسبه للملك فيصل، ثم بعد فترة يعلن أن الأمة العربية دفعت لنا مبالغ مالية".
ومضى يؤكد أن "السلطة المصرية الحالية تتعامل بطريقة الكيد بأن تستقبل الوزير الإيراني في هذا التوقيت وتفرد له مساحة للقاء والتفاوض مع مسؤول رفيع بالطاقة الذرية، ويبدو أنه أسلوب يعطي نتيجة مع النظم الخليجية".
وأوضح أن "السلطة المصرية تظهر أنها متوجهة عكس اتجاه الخليج ونحو إيران، ويسلط الذباب الإلكتروني والمذيع أحمد موسى وغيره للحديث عن دول خليجية بطريقة لا تليق بالدولة المصرية".
في إجابته على السؤال: "هل تتوقف على إثر لقاء السيسي وابن زايد نتائج كانت متوقعة على خلفية زيارة عراقجي لمصر؟، يرى زوبع، أن "القرار النهائي بعودة العلاقات المصرية الإيرانية ليس بيد السلطة المصرية بالتمام والكمال، إنما دعوة عراقجي للقاهرة تكتيك يفعله، وفي المقابل يعرف الخليج أنه في النهاية سيعود إليه مجبرا مع تدهور الأوضاع الاقتصادية".
وتساءل السياسي المصري: "من يأتي لمن؟، كيف يستدعى رئيس دولة بهذه الطريقة كما لو كان سفيرا عند دولة عظمى؟"، مؤكدا أننا "أمام نموذج جاء لتقزيم مكانة ودور وقيمة مصر واعدامها وجوديا، فالأمر لا يجب أن يكون بهذه الصورة، وتلك الزيارة تنم عن أن الذين يحكمون مصر لا يدركون حجمها، ولا لديهم علم بمناطق قوتها".
وفي تقديره للنتائج المرتقبة لزيارة السيسي إلى الإمارات، واحتمالات التوافق على بعض الملفات أو تهدئة بعض المخاوف، أعرب زوبع، في نهاية حديثه عن مخاوفه من أن "يظل النظام المصري يترك السودان تتمزق بأموال الإمارات، ومياه النيل تذهب بغطاء من الإمارات".
وتعجب من أن "نكون في هذا الوضع الاقتصادي والمالي والسياسي والإقليمي ثم يعلن عن إنشاء مدينة في الصحراء يأتي لها بمياه النيل (جريان) غرب القاهرة".
وفي ظل نظام السيسي، أشار السياسي المصري إسلام لطفي، إلى "الدور المهم والمحوري الذي يجب أن تقوم به مصر في الإقليم- لا العالم- بحيث يصعب تجاوزها وعقد ترتيبات إقليمية بدونها".
وفي حديثه لـ"عربي21"، وفي ملف غزة، أكد أن "اتخاذ موقف حاسم، وتصعيد دبلوماسي حقيقي، ورفض للتجويع، ودعم لوجيستي في بداية حرب غزة؛ كان يمكن أن يحافظ لمصر على مكانها الطبيعي".
ويرى أن "تحركات مصر في ليبيا، وفي ملف غاز المتوسط، بما يكفل مصالح مصر لا الإمارات؛ كان يمكن أن يكفل لمصر مقعد على الطاولة".
وتابع السياسي المصري: "موقف ناضج ورشيد ومبادر من التغييرات التي جرت في سوريا؛ كان يمكن أن يحافظ لمصر على مقعدها حول طاولة تحديد مستقبل الإقليم".
ولفت إلى أن "تقوية الجبهة الداخلية بوقف القمع والهوس الأمني، وإنفاذ القانون دون تمييز، ومحاربة الفساد المؤسسي، وكفالة قضاء مستقل نزيه -بالتأكيد- كان سينعكس على مصر وسمعتها الدولية وكان سيكفل لها مقعد على الطاولة".
ومضى يؤكد أننا "في لحظة تفوق خليجي بامتياز، واعترافنا بهذا الأمر لا يعني ألا نتعامل مع هذا الواقع الجديد، وأن نحاول أن نطوعه ونرشده لخدمة قضايا عادلة".
وخلص للقول: "بعض دول الخليج لا تريد مصر دولة فاشلة وستحول دون ذلك؛ لكن أيضا يزعجها ويرهبها مصر القوية والقادرة، وبالتالي، الحفاظ على مصر مرهقة مستنزفة، مشغولة بنفسها داخل حيزها الجغرافي حالة نجاح لهذه الدول".
لطفي، أعرب عن أسفه من أن "نظام السيسي بسياساته في الاقتراض غير المحسوب، وفي الانسياق والتبعية وراء بعض المغامرين الخليجيين؛ حقق لهم مرادهم".
وختم مبينا أنه "بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ظني أن تجاهله للسيسي، له علاقة بإدراك ترامب بعقلية التاجر أنه لا ربح سياسي أو اقتصادي يمكن جنيه في اللحظة الراهنة من وراء السيسي وهي نقطة جيدة".
مصالح الإمارات أم تحالفها مع السيسي؟
وبالرغم من العلاقات الاستراتيجية الوثيقة التي تربط مصر والإمارات، والتي ظهرت بوضوح في الدعم الإماراتي الكبير للسيسي بعد عام 2013، إلا أن هناك تقارير وتحليلات تشير إلى وجود نقاط خلاف في بعض الملفات الإقليمية، مدفوعة بتضارب المصالح.
ففي ملف غزة، هناك خلاف حول تهجير الفلسطينيين وشكل الحكم والإدارة في غزة بعد وقف الحرب الدموية الإسرائيلية، حيث تتبنى الإمارات الرؤية الإسرائيلية والأمريكية القائلة بضرورة استبعاد حماس من إدارة القطاع ونزع سلاحها، وتهجير الفلسطينيين إلى السودان أو "أرض الصومال".
وفي ملف ليبيا، بينما دعمت الإمارات مصر، قوات خليفة حفتر تتواجد في الشرق، تسعى القاهرة لتأمين حدودها الغربية، بينما تسعى أبوظبي لوجود مكثف بشرق ليبيا، وتعزيز نفوذها هناك، ما قد يتعارض أحيانا مع أهداف مصر.
أما ملف السودان، فيتهم الجيش السوداني الإمارات بدعم قوات الدعم السريع بقيادة حمدان دقلو، بينما تميل مصر إلى دعم الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، ما يتعارض مع المصالح الأمنية والاقتصادية لمصر، التي تمثل السودان عمقها الاستراتيجي.
وتسعى الإمارات إلى فرض نفوذها بمنطقة القرن الإفريقي وباب المندب والبحر الأحمر، بدعم إقليم صوماليلاند الذي يمنح إثيوبيا منفذا بحريا على البحر الأحمر بدعم إماراتي ما يهدد أمن مصر القومي وأمنها المائي وقناة السويس.
وخلال لقاء السيسي، بوزير الخارجية الإيراني، الاثنين الماضي، أكد على أهمية عودة الملاحة البحرية بمضيق باب المندب والبحر الأحمر لطبيعتها، بما يعيد الحياة لشريان قناة السويس الذي خسر نحو 7 مليارات دولار العام الماضي، نتيجة الاضطرابات في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
وذلك إلى جانب ملف آخر وجودي يمس حياة أكثر من 107 ملايين مصري، وهو مياه النيل، خاصة مع ما تشير إليه التقارير من أن أبوظبي والرياض، من أكثر الداعمين لإثيوبيا، ومن المساهمين في تمويل السد الإثيوبي على النيل الأزرق، والكشف عن خطط إثيوبية ببناء سدود جديدة بتمويل إماراتي.
والإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لإثيوبيا، فيما تعد أبرز الممولين لمشاريع الطاقة المتجددة في سد النهضة، كما قدمت عام 2018، مساعدات واستثمارات بقيمة 3 مليارات دولار لأديس أبابا، لتساعدها في 2019، في الحصول على منظومة الدفاع الجوي "بانتسير إس 1"، لتأمين السد الإثيوبي.
وفي نهاية شباط/ فبراير الماضي، أكد المؤرخ الإثيوبي آدم كامل فارس، لموقع "سي إن إن"، على دور الإمارات ببناء السد الإثيوبي، وأنها تقدم لحكومتها "كل الخدمات اللازمة بمختلف المجالات"، قائلا إنها "قدمت لنا خدمات عظيمة لم تقدمها أي دولة أخرى".
وفي آخر ملفات التقارب الإماراتي الإثيوبي، ففي 17 أيار/ مايو الماضي، أعلنت أبوظبي عن شراكة استراتيجية مع إثيوبيا لتعزيز الأمن السيبراني ومكافحة التهديدات الرقمية، من خلال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.
وفي ذات السياق، يرفض سياسيون ومعارضون مصريون استمرار الاستحواذات الإماراتية القائمة منذ العام 2022، على الأصول المصرية والممتلكات الحكومية والأراضي الاستراتيجية، والموانئ الحيوية، ويتخوفون من تحول تلك الأصول إلى شركات دولية تتبع للكيان الإسرائيلي المحتل.
وبعد توقيع صفقة "رأس الحكمة"، بقيمة 35 مليار دولار، في شباط/ فبراير 2024، أكد مسؤولون إماراتيون بأن الاستثمارات الإماراتية في مصر ارتفعت إلى حوالي 65 مليار دولار بعد الصفقة التي تمثل أضخم صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ ثاني أكبر اقتصاد إفريقي وثالث أكبر اقتصاد عربي.