غياب جماعي يهز أروقة البرلمان: صرخة تحذير من تآكل الثقة التشريعية
تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT
16 أبريل، 2025
بغداد/المسلة: تحت قبة البرلمان، يتردد صدى غيابٍ يثير القلق ويُنذر بتداعياتٍ خطيرة على العملية السياسية في العراق.
وأطلق النائب مختار الموسوي تحذيرًا لاذعًا كشف فيه عن تغيّب أكثر من 50 نائبًا عن جلسات البرلمان منذ انطلاق الدورة البرلمانية الحالية، واصفًا هذه الظاهرة بـ”الاستثنائية” وغير المسبوقة حتى مقارنةً ببرلمانات العالم.
تصريحاته جاءت كصرخة احتجاج ضد ما يراه تفريطًا بواجب تمثيل الشعب، في وقتٍ يعاني فيه العراق من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية متشابكة.
في حديثه الصحفي، أكد الموسوي أن “النائب يُنتخب ليكون صوت الشعب، وعليه واجب الحضور والمشاركة الفاعلة في اللجان التشريعية وإعداد التقارير”.
وأبدى استغرابه الشديد من غياب هذا العدد الكبير من النواب “دون حضور ولو جلسة واحدة”، متسائلًا بحرقة: “هل يمتلك هؤلاء أعذارًا مقنعة؟ وهل ما يتقاضونه من رواتب وامتيازات يعد حلالًا في ظل هذا الغياب التام؟”.
ولم يتوقف عند حدود التساؤل، بل حذّر من أن استمرار هذا الوضع “يبعث برسائل سلبية إلى الرأي العام، ويُضعف ثقة المواطنين بالمؤسسة التشريعية”، التي يُفترض أن تكون حجر الزاوية في بناء دولة المؤسسات.
وأشار الموسوي إلى أن تقاسم رئاسة البرلمان بين المكونات السياسية الثلاثة قد أسهم في إضعاف آليات معالجة هذه الظاهرة، موضحًا أن “وجود هؤلاء النواب في الجلسات كان يمكن أن يُحدث فرقًا في تمرير عشرات القوانين المهمة أو طرحها للنقاش”.
ومن بين هذه القوانين، تلك المتعلقة بتحسين الخدمات العامة، وإصلاح النظام الاقتصادي، وتعزيز الأمن، والتي طال انتظارها من قبل المواطنين. وختم تصريحه بدعوة صريحة إلى “وقفة جدية من رئاسة البرلمان والكتل السياسية لإعادة الهيبة إلى المؤسسة التشريعية”، واصفًا ما يجري بـ”المؤلم” بحق العملية الديمقراطية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُثار فيها الجدل حول أداء أعضاء مجلس النواب العراقي. على مدار سنوات، واجه البرلمان انتقادات متكررة بشأن ضعف الحضور وقلة الإنتاجية التشريعية، مع اتهاماتٍ بأن بعض النواب يركزون على مصالحهم الشخصية أو ارتباطاتهم الحزبية على حساب واجباتهم الوطنية.
ووفقًا لتقارير، شهدت الدورات البرلمانية منذ عام 2003 تأخيرات متكررة في تمرير قوانين حيوية، مثل قانون النفط والغاز وقوانين مكافحة الفساد، بسبب الغياب أو الانقسامات السياسية.
في سياق متصل، أفادت مصادر برلمانية أن رئاسة المجلس بدأت مناقشة إجراءات لتفعيل المادة 16 من النظام الداخلي للبرلمان، التي تتيح فرض عقوبات على النواب المتغيبين، بما في ذلك خصم جزء من رواتبهم أو إلغاء عضويتهم في حال تكرر الغياب دون عذر مشروع.
كما دعت شخصيات سياسية إلى تعزيز الشفافية عبر نشر قوائم أسماء النواب المتغيبين بشكل دوري، لتمكين الرأي العام من محاسبتهم.
وفي ظل هذه التطورات، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن المؤسسة التشريعية من استعادة ثقة الشعب وتجاوز هذا التحدي؟ إذ يرى مراقبون أن استمرار الغياب الجماعي قد يُفاقم أزمة الشرعية التي تعاني منها الطبقة السياسية، في وقتٍ يتطلع فيه العراقيون إلى إصلاحات حقيقية تُعيد الأمل بدولةٍ تحترم صوت مواطنيها.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
تدريبٌ على الغياب: العَتَبةُ النَّصِّيَّة بوصفها مفتاحًا تأويليًّا في عالم طارق عودة القصصي
#سواليف
تدريبٌ على الغياب: العَتَبةُ النَّصِّيَّة بوصفها مفتاحًا تأويليًّا في عالم #طارق_عودة القصصي
د. #مي_بكليزي
العتبةُ النصيّةُ التي نلجُ من خلالها إلى عالم طارق عودة القصصي، ق. ق. ج. وق. ق.، هي عتبةٌ مشحونةٌ بالدلالات، ومفتوحةٌ على التأويل.
مقالات ذات صلةتدريبٌ على الغياب؛ فلولا أنَّ الغيابَ ثقيلٌ ومُضنٍ، لما احتجنا إلى “تدريبٍ” عليه!
يُفجِّر العنوانُ وعينا بما يختزنه النسقُ الثقافيُّ المُضمرُ من خيباتٍ وخذلانٍ، وإحباطاتٍ تفتكُ بالنفوسِ وتُقوِّضُ المعنويات.
فلا تُمعنوا في التوسُّمِ بالأفضلِ ممّن أحسنتم إليهم يومًا؛
فالوعودُ أثقالٌ على عواتقِ حامليها، تطوّقهم بالرغبةِ في الهروبِ من مواثيقها المغلظة، وديونها المؤجَّلةِ طويلًا.
العتبةُ مشرعةٌ على التأويل: لغويًا، نفسيًا، رمزيًا، ودلاليًا.
جاء العنوانُ جملةً اسميةً بدأت بمصدرٍ صريحٍ (تدريب)، في بنيةٍ لغويةٍ نادرة، ما أكسبه شحنةً دلاليّةً عاليةً توحي بضرورةِ تعلُّم تقنياتِ الغياب، والاستعدادِ له، بل والتعايشِ مع حضورهِ الطارئ أو الدائم.
النَّكِرتان “تدريب” و”غياب” تفتحان الدلالة على العموم، فالغيابُ هنا لا يخصُّ حالةً بعينها، بل يشمل كلَّ ما فقدناه: الوطن، الحبيب، الأهل، الأمان، وحتى الذّاتُ حين تغترب عن نفسها.
إنَّه تدريبٌ بالإكراه، لا بالاختيار؛ لأنَّ الغيابَ في جوهرهِ مفروضٌ علينا، قسرًا لا طوعًا، لذا نحتاجُ إلى تمرينِ النفسِ على التحمُّلِ والتجاوز، وعلى اجتيازِ هذه العقبة الكَأْداء التي لا تخلو من الألم.
في القصة القصيرة لدى طارق عودة، يبدأُ النصُّ بالمفارقة، وينتهي عندها؛ حيثُ القفلةُ المدهشةُ التي تكسرُ أفقَ توقُّع القارئ، فتدفعُ تفكيرهُ -كما اللغةُ ذاتها- إلى نهايةٍ منفيةٍ، غائبةٍ عن السياق، غير متوقعةٍ، تمامًا كما هو الغيابُ نفسه.
وما إن استطاع الحصول على فراغٍ، حتى شرع بتأثيثه!
يا لها من مفارقةٍ وجوديةٍ لاذعة! الفراغُ والتأثيثُ؟!
نزاعٌ داخليٌّ في بناءِ المعنى، يسير في منعطفٍ خطيرٍ يذهبُ بالعقلِ إلى حافَّة التساؤلِ والذهول.
لا منطقَ، لا تراتبيةَ تقليديةَ للأحداث!
قولٌ مقتصدٌ في ألفاظه، مُكثَّفٌ في دلالاته، شاحذٌ لهمَّةِ القارئ، يدفعه للاندماجِ مع النصِّ وتقبُّلِ دلالته المتطرفةِ حدَّ التنافرِ الظاهري.
هكذا تمضي شذراتُ هذا الوهج القصصيّ الوامض، لتُحدثَ في القارئ ارتياعًا لا يهدأ، وقلقًا معرفيًّا يُعاكسُ الرقةَ والسكون، فيوقظُ بركةَ الفكرِ النائمة، ويُحرّكها على هيئةِ حلقاتٍ متسعةٍ تتوالى وتتعمق.
هنا، تكمن عبقريةُ طارق عودة في استثمارِ “الغياب” لا كفكرةٍ فحسب، بل كمناخٍ بنائيٍّ، وجسرٍ تأويليٍّ يعبُرُ عليه القارئُ إلى أفقٍ سرديٍّ مغاير، قائمٍ على الإدهاش، والتكثيف، والتمرد على النمطي.